| ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:09 | |
| ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الشيخ رضا آل صمدي ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان في كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) .
ومن شأن الأذكياء ذوي الهمم العالية الراقية أن يحرصوا على إتقان أعمالهم ، وأدائها على الوجه الذي يحسون معه ببذل كل الوسع وعدم القدرة على التدارك . وفوق كون ذلك مأمورا شرعيا ، فهو من كمال مروءة الإنسان أن يكون العمل عنوانا على جلالة الهمة وصفائها :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
وقد استقر في وجدان كل مسلم ضرورة إتقان عباداته كالصلاة والصوم والحج ، ولا شك أن هذا مطرد في كل مناحي الشريعة ، بل إننا نجد في القرآن أمرا لو أعطيناه حقه من الفهم لاستطعنا أن ندرك حقيقة ما نتكلم عنه ، ألا وهو قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) والاستطاعة لا شك متفاوتة بين المكلفين ، لكن المتيقن أن في استطاعة كل مكلف أن يبذل لدينه على الأقل مثل ما يبذل لدنياه .
وإن إتقان العمل يتوازى بدرجة عالية مع حجم العوائق والتحديات التي تفسد العمل ، بل وإن الاهتمام بالعمل يتعاظم بقدر مكانة العمل نفسه ، فاستحضار الخشوع في الصلاة يتعاظم إذا علم العبد قدر الوساوس التي تحول بينه وبين الخشوع وقدر ما يبذله الشيطان اللعين في الحئول بينه وبين ثمرة الصلاة ، وليس الاهتمام بإتقان ذكاة البهائم كمثل الاهتمام بإتقان مجاهدة العدو المستعد بأعلى الاستعدادات للإفناء القيم والمثل الإسلامية .
وإنه ليس من البذل للدين في شيء أن نرى أعداء الله تبارك وتعالى يستغلون كل المستجدات العصرية المتطورة ثم إذا نظرنا نظرة إلى الدعوة الإسلامية إذا هي تدار بطريقة عشوائية ، وإذا بالمسلمين يعجزون عن خوض المعركة الحضارية الكبرى مع ملل الكفر بشيء من إتقان العمل وإحسانه .
إن الله تبارك وتعالى لا يحابي في سننه أحدا ، وجعل في سيرة الأنبياء مدكرا لكل ذي لب ، فلم يشفع لهم كونهم رسلا من عند الله تبارك وتعالى ، ولم يشفع لهم نقاء الحق الذي يحملونه ، فكذبوا وأوذوا وطردوا وحوربوا بل وجرحوا وقتلوا ، ومع ذلك فقد بذلوا الوسع في القيام بالدعوة ، فدعوا إلى الله سرا وجهرا وجيشوا الجيوش واشتروا السلاح واستعاروه وحفروا الخنادق وابتكروا وسائل الكر والفر ، ولم تلن لهم قناة في أمر الدين
وهكذا ينبغي أن يكون دعاة اليوم ، في هذا العصر الذي صار المحك في الغلبة للأخذ بالمتطور من مستجدات العصر كأجهزة اتصالات وتقنية إدارة الأعمال وغير ذلك مما يحتاج إلى ملاحقة وبحث لا أن ننتظر استعمال الخلق لها حتى إذا اهترأت فكرنا أن نخدم الدين بها بينما سوح الكفر تهنأ بأحدث وسائل الخدمة والمواجهة .
وإذا كنا قد تجاوزنا إشكالية الوسائل الدعوية فإن أول بدهية يجب أن تحتل مساحتها اللائقة في عقولنا أن العلوم العصرية بكل أصنافها لها دور فعال في تسخير قوانين الكون لخدمة الإنسان .
وفي الصحاح قال صلى الله عليه وسلم : ( ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء ، علمه من علمه وجهله من جهله ) ، فتأمل قوله : ( علمه من علمه وجهله من جهله ) وأنه لا يحول بين المكلف وبين الاستفادة مما بثه الله من منافع وطيبات في الكون إلا ببحث المكلف وسعيه في تحصيل ما ينفعه .
وهكذا في مواجهة أهل الإيمان لعروش الكفر ، فإنه لن يحول بينهم وبين النصر إلا عجزهم عن السعي الحثيث في بذل المستطاع ، وإذا تقرر أن نصر الله يتلو نصر العبد لدينه ، فإن تقصير المجاهدين في بذل المستطاع يعد سببا وجيها لتأخر نصر الله .
إن قناعة الدعاة إلى الله بضرورة احتراف الدعوة سبب رئيس من أسباب النصر ، فلا تجدي في هذه العصور محاولات الهواة لمزاحمة المحترفين في مجالاتهم . وقد تصاعدت اهتمامات دعاة الكفر بما يدعون إليه حتى إنه في سبيل ذلك سخروا كل العلوم العصرية لخدمة كفرهم .
وإذا أردنا أن نؤرخ لابتداء [1]احتراف جهد الدعوة إلى أية فكرة فنستطيع أن نذكر محاولات التنصير الحاذقة التي ابتدأت في قارة آسيا مع مطلع القرن السابع عشر حيث تزامن مع الحركة الاستعمارية الاقتصادية الأولى - على يد الشركات الشرقية - زحفُ المنصرين من كل المذاهب على تلك البلاد البكر ( كالهند وما جاورها ) فنشأت أولى الحركات التنصيرية المحترفة التي كانت تمول بأموال الشركات الاقتصادية الاستعمارية وتدار بجمعيات علمية ( جغرافية وطبية اجتماعية ) تحت رعاية التاج البريطاني رأسا حيث كانت الملكة إيلزابيث الأولى ملكة التاج البريطاني وراعية الكنيسة الإنجيلية .
ثم تطورت جهود المنصرين العالمية في توسيع رقعة نشاطاتهم حتى غدت جهدا دوليا مكثفا تتوجه لخدمته كل الإمكانات المتاحة وبإدارة مجلس الكنائس العالمي الذي تأسس للتنسيق بين ملل النصرانية المتناحرة .
وفي إحصائية متأخرة ذكر بعض الباحثين أن ميزانية جمعيات التنصير لعام 1999 م قد فاقت 200 مليار دولار ، ولا شك أن هذا المبلغ متواضع جدا مقارنة بالمبلغ الحقيقي الذي تنفقه الدول النصرانية في تسيير سياسات العالم بما يصب في مصلحة المنصرين لا محالة .
أمام هذا البذل الذي يبذله أهل الكفر ، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن من أسئلة : ماذا أعد الدعاة أمام هذا الإتقان في العداء للدين ؟! إن الجواب الذي يرضي كل منصف أن دين الله تبارك وتعالى يأخذ مجراه في قلوب الناس ويغزو كل الأقطار بتقدير الله وحسب ، ولم يأخذ حقه من جهد الدعاة بل المسلمين .
حتى المجهودات التي تبذلها الهيئات الإسلامية العالمية نجدها – مع كثرتها وتشعب أنشطتها – تدار بطرق بدائية ، ولا يعتمد في إدارتها على المتخصصين ، كما أن تلك الهيئات لا تملك تصورات محددة لأنشطتها المستقبلية ، وغدت أعمال الدعاة – كمال قال بعض الغيورين – مجرد ردود أفعال للمآسي التي تحيق بالمسلمين بين الحين والحين .
إن الفاتيكان قد أعلن في خطط واضحة وصريحة جعل عام 2000 من الميلاد هو عام تنصير أفريقيا ، وبينما كان كرادلة الفاتيكان يمدون إلى وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي يدا حانية زاعمين رغبتهم في الحوار بين الأديان كانت يدهم الثانية الملوثة بنجاسة الكفر تمتد إلى أدغال أفريقيا وغابات إندونيسيا ، بل إن إرساليات التنصير التي تعتمد على المدارس الراقية والمستشفيات المتقدمة ما فتئت تجوس خلال ديار الإسلام بل وديار الكفر على السواء تمارس دورها التنصيري في كل أرجاء العالم دون حياء أو خفر
وبينما نرى الكاتدرائيات النصرانية والكليات اللاهوتية تخرج من بين جدرانها منصرين على مستوى عال من المهارة والإتقان في دعوة الناس فإننا نرى مناهج الكليات الإسلامية والدعوية في كل جامعات العالم الإسلامي ( لا نستثني والله شيئا منها ) لا تلبي في قليل أو كثير طموح الزحف الإسلامي الذي بدأت جحافله تطرق أبواب الفاتيكان دون إراقة قطرة دم تحقيقا لبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد عقد في إحدى الولايات الأمريكية – لاحظ – مؤتمرا تنصيريا عالميا كان الهدف منه دراسة أوضاع البعثات التنصيرية في جميع أنحاء العالم ، وقد اطلعت على كل أبحاث هذا المؤتمر التي طبعت في مجلد ضخم ، ولشد ما تعجبت حينما وقعت عيني على تلك الأبحاث . لقد كانوا يطرحون كل المشكلات التي تواجه البعثات التنصيرية في كل بلاد العالم ، وكم كانت المسائل التي يعالجونها دقيقة تعتمد على دراسات أنثربولوجية راقية ، وكان يتبع الأبحاث مناقشات دقيقة واعية لما يطرح . وعلى سبيل المثال فقد كان من ضمن الأبحاث التي طرحت : مدى تأثير الروحانيات ( السحر والاعتقاد في الحسد ) على العوام من المسلمين ، ولم أدرك حينها مع التمعن فائدة دراسة عادات المسلمين واعتقاداتهم الاجتماعية ولو كانت باطلة أو خرافية ، ثم تراءى لي أن القوم من الذكاء بمكان ، فهم يعملون كما تعمل أجهزة المخابرات التي تستقصي كل معلومة عن عملائها في كل أنحاء العالم ، لعل أن تكون المعلومة الواحدة – وإن كانت تافهة في ذاتها – ذات أثر في يوم من الأيام .
وهكذا يتحرك التنصير في أنحاء العالم ، وفي بلد مثل تايلاند حدثني بعض المسلمين هناك أن مجموعة من المنصرين الشباب ذوي السحنة الأوروبية طرقوا عليه الباب وأخذوا يكلمونه عن النصرانية بلغة تايلندية [2]طليقة تنبئ عن أن القوم إذا أعدوا لشيء أعدوه على الوجه الذي يظن به بلوغ الأرب .
ولقد رُزئت الأمة الإسلامية في العقد الأخير بنكبات مدوية هزت أركان عزيمتها وأثخنتها بجراح غائرة في عزتها وكبريائها ما زالت تعاني نزيفها المتوالي .
ولقد كانت التحديات التي واجهت الأمة الإسلامية في البوسنة وكوسوفا بمثابة امتحان حقيقي لإمكاناتها البشرية والاقتصادية والسياسية ، فسقطت بجدارة في الجميع .
وقد رأينا كيف كانت C.I.A ( المخابرات الأمريكية ) والبنتاجون ( وزارة الدفاع الأمريكية ) والناتو ( حلف شمال الأطلسي ) والاتحاد الأوروبي يديرون الأزمة وسط همسات الدول الإسلامية وهمهمات أصحاب القضية بحجم المؤامرة الكبير .
ووسط مرارات وصلت إلى الحلقوم رأينا كيف استقبلت إسرائيل عشرات الأسر المسلمة من كوسوفا في استعراض سياسي مدروس الأبعاد بينما لم تتقدم أية دولة إسلامية باستعراض مماثل !
إن مثل ردود الأفعال هذه هي التي تنبيك أيها المسلم بحجم التخبط الذي يعتري جهودنا في خدمة الدين ، ولست بلائم أفرادا بأخطاء دول ، كما أن اعتذار البعض بأن أوزار الحكام في تشرذم الأمة لا يجوز أن يتحملها المحكومون اعتذار صحيح وتخلص وجيه ، ولكنني أزعم أن الهيئات والجماعات الإسلامية ما زالت تخنس عن دورها الأصيل في تبني القضايا الكبرى ، وما زالت تتوارى وراء طرق بالية في إدارة الدعوة حتى أضحت رهينة العادة والهوى والآلية الصماء التي لا تغني عن نصرة الدين فتيلا .
وبإزاء قناعة الأفراد بأهمية احتراف خدمة الدين لا بد أن تتولد في وجدانات القيادات الدعوية مثل هذه القناعة حتى تهب الهمم لمشروع حضاري كبير يستنقذ الأمة من نكباتها وهزائمها .
حقا إن التحديات التي تواجهها الصحوة في كل الأصعدة شديدة وخطيرة ، وتربص أعدائها بها على كل المستويات وفي كل زمان ومكان ، لكل ذلك كله في نظري سيضمحل أمام الإمكانات الحقيقية لقطاعات الصحوة المتكاثرة ، وظني أن الصحوة تفتقر بشدة إلى شخصيات إدارية عالية المهارة تعمل على تفعيل الكوادر الموجودة بالفعل ، والرقي بإمكانياتها والنهوض بمستوياتها ورفع درجة الاستفادة من الخبرات التي تمارس عملها بالفعل ، ولنا مع هذا الموضوع عود .
لم يعد من المجدي أن يمارس الداعية في أي ميدان نشاطه بارتجالية ، ولم يعد مقبولا أن نترك دعاتنا فريسة للتجارب الدعوية التي تستقطع وقتا ومجهودا أولى بنا أن نسخره في التدريب وصقل الخبرات .إننا نرى بوضوح كيف أن الغيورين من شباب الأمة يبذلون الغالي والرخيص في سبيل رفعة شأن الأمة ، وكيف أنهم يضحون بأوقاتهم وأموالهم وبكل ما يظنون أن الدعوة تحتاج إليه ، لكنهم يفاجئون أن محاولاتهم الدعوية تذهب أدراج الرياح ومجهوداتهم تصير رهينة أماكنها ، لا لشيء إلا أنهم واجهوا واقعا دعويا صعبا بآلات بدائية وبدون خبرة أو ممارسة سابقة .
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:10 | |
| تأمل ( مثلا ) الجهد التربوي الذي يقوم به الدعاة ، إن جميعهم – إلا من رحم ربي – يشكو كثرة مشكلات الشباب وتعقيدها وصعوبة فهم شخصيات المراهقين . ولا شك أن هؤلاء الدعاة سيعانون أكثر عندما يلتزم الشباب بالدين دون أن تحل مشكلاتهم التي تنشأوا عليها في الجاهلية . وقد رأينا كيف أن رواسب التربية الخاطئة التي بدأ التزام هؤلاء الشباب عليها تطفوا سريعا عندما تتعرض تلك الشخصيات لأول محك في حياتها الجديدة ، بل إن علماءنا قد نصوا على أن فساد الانتهاء من فساد الابتداء .
إن مثل هذه الإشكالية في نظري مأتاها من تقصير الدعاة في العلوم الاجتماعية والتربوية ، وقلة مطالعاتهم لكتابات ذوي الخبرة والديانة في هذا المجال ، وأنا أجزم غير شاك أن قطاعا كبيرا ممن يمارسون دعوة الشباب جاهلون بأساسيات العلوم التربوية مما يتعلق بنفسية المراهق ونحو ذلك .
ومما لا شك فيه أن هذه العلوم فيها الغث والسمين ، وأن واضعيها بعضهم ممن لا خلاق له في دين الله تبارك وتعالى ، ولا شك أيضا أننا لا نقصد بالاستفادة من هذه العلوم أن نعتمد قوانينها واكتشافاتها وتجاربها الغضة ، بل المقصود أن يستفيد الداعية والمربي من تلك الدراسات التربوية والنفسية والاجتماعية في فهم النفسية البشرية ، ولا شك أيضا أن الممارسة التربوية قائمة بالدرجة الأولى على براعة فهم الشخصية التي يراد تربيتها واختيار المنهج التربوي الملائم ، وكل ذلك راجع إلا ذكاء المربي في فهم الشخصية التي يربيها ، وهذا الفهم يرجع جزء كبير منه للفراسة التي بعضها كسبي يُجتنى بالخبرة وبالبعض الآخر فطري يُمنح من الله تبارك وتعالى .
وليس على الدعاة من بأس إن هم حاولوا صقل تجاربهم بمثل هذه العلوم والقراءات التي وإن لم يستفيدوا منها في دعوتهم فلا شك أنها ستفيدهم في أمور دنياهم لا محالة
بل إنه يمكننا أن نمثل لإشكاليتنا بأمثلة أعمق في آلامها ونتائجها ، ألا وهي قضية خلق الداعية ، فإنه مما لا شك فيه أن ثمة تقصيرا حادا على مستوى الأفراد والجماعات في تلقين الدعاة المثل الأخلاقية العليا التي تليق بدعاة الإسلام والمتحدثين باسمه بين الناس .
وإنه لمن الطبعي أن نجد بعض الدعاة يأتي أفعالا هي في عرف الشرع من المباح الذي لا إثم فيه ولكنها في بعض الأعراف من المستشنعات ، والعادة محكّمة ، وسيحتاج الداعية حتما حينئذ إلى تهذيب بعض عاداته حتى يدرأ المطاعن عن نفسه وعن الدين ، فالجهلاء أعداء أنفسهم ، وهؤلاء وغيرهم من أعداء الدين متربصون بالدعاة يعدون عليهم هناتهم ، فما أحرانا أن نقطع على هؤلاء محاولاتهم ونقدم لهم نماذج دعوية تبهر العقول والألباب .
والعجيب أن مثل هذا التلقين – أعني تلقين الأخلاق – كان سلفنا وعلماؤنا يجعلونه علما مستقلا يدرس في حلقاتهم ، وكانت لهم مؤلفات حافلة في علم الآداب حوت المنظومات الألفية وشروحها وتناولت أدق تفاصيل الآداب حتى إنهم تعرضوا لآداب استعارة الكتب وآداب المسلم في السوق وفي الشارع على نحو ما تراه في كتاب الجامع في الآداب للشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله ، وقد رأيت متنا مشروحا في آداب النكاح والزواج لأحد المالكية ينبئ أن تراثنا جمع فأوعى [1].
وفي قضية احتراف خدمة الدين : لا أريد أن أعقد المشاكل أو أن ألزم الدعاة بما لا يلزمهم شرعا ، فإنني لا أماري في أن في شرع الله غنية عن كل شيء ، ولكن شرع الله نفسه قد حض على المعرفة وبارك أهل التخصص وألزم الناس بالرجوع إليهم والاعتداد برأيهم ومشورتهم [2].
والمنصف لا يمكن أن يتخيل مفتيا في مسائل الاقتصاد والتجارة لا يعرف في عرف التجار والاقتصاديين نقيرا ، كما لا يمكن أن نأخذ بقول من يفتي الناس في الفرائض حال كونه لا يحسن حساب الكسور .
ولو تجاوزنا القضايا الجزئية في جانب احتراف الدين إلى القضايا الكبرى العامة ، كقضية الصراع الحضاري بين الإسلام والأيديولجيات الأرضية فإننا سنبصر هوة سحيقة تفصل بين الحركات التي تتبنى موقف الإسلام وبين خصومها المختلفين .
إن اليهود عندما فكروا في إقامة دولتهم ، وحددوا موقعها على خريطة العالم ، بل وحددوا موعد إعلان تلك الدولة ، لم يعيشوا بعدها معيشة الحالم المتمني ، بل تناسب البذل مع ضخامة المهمة ، ولا أعتقد أن وعد بلفور هو الذي أفرز الكيان وأوجده على وجه الأرض ، بل تحديد الأهداف والتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق والمتابعة المستمرة هي التي أعطت اليهود حق الوجود ، وتأمل قوله تعالى : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا } . إن إسرائيل لم تنتظر من الأمريكان أن يدافعوا عنها ، بل ولم تعتمد على أسلحتهم أبد الدهر ، فقد كونت جيشها من خلّص اليهود ، وتبنت عقيدة عسكرية واضحة المعالم ، وسعت لتطوير تقنية صناعتها العسكرية ، وجعلت الرافد الذي يغذي كل ذلك اقتصاد قوي مرموق ، حتى أضحت تلك الدولة اللقيطة في خمسين عاما أقوى دولة في المنطقة اقتصاديا وعسكريا ، وأصبح متوسط الدخل في هذا الكيان من أعـلى المستويات .
وأنا أهمس إلى كل المسلمين بمزايا أخرى أقامت هذه الدولة على ساق قوية ، ألا وهو تبنيها لمبادئ في الحرية والعدل وصيانة حقوق الإنسان لا يوجد في غيرها من بلدان المنطقة . وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن الله يقيم دولة العدل وإن كانت كافرة ويديل دولة الظلم وإن كانت مسلمة . معنى كلامه رحمه الله .
ولا أظن دعاة الإسلام يرضون أن يواجهوا هذا المعترك العالمي والخضم الدولي بكيانات هشة ، وإمكانيات متواضعة ، فكان لزاما قبل كل شيء أن تبث عقيدة الاحتراف في صفوف الدعاة جماعة وأفرادا ، بحيث نصل إلى المستوى الذي يستنكف معه الداعية أن يؤدي عملا دون أن يعد له العدة المطلوبة ، فيكون بذلك معظما لشعائر الله صادق الغيرة على دينه .
القاعدة الخامسة
( نحو عالمية الدعوة )
ليست شخصية حالمة تلك التي تتطلع في بذلها للدين أن يصل مجهودها إلى المستوى العالمي . وليست من الأماني الكاذبة أن يتمادى الدعاة في تمني اليوم الذي تصبح دعوتهم الإسلامية شأنا عالميا يحسب له ألف حساب .
ونحن في حديثنا عن قضية خدمة الدين نحاول أن نجمع بين الواقعية والطموح العالي ، ونجنح عن الدعة والخطط الساذجة بقدر جنوحنا عن التهور والخيال المستحيل . وفرق بين يقين النصر الذي يمثل دعامة أساسية في عقيدة الداعية ، وبين مصادمة السنن الكونية بل والشرعية بزعم أن الله سينصر عباده المؤمنين .
تلك الكلمات السابقة وإن كانت صارمة فهي ضرورية قبل أن نشرع في تفصيل العنوان ، ذلكم أن من بدهيات العقول أن النتائج رهينة الإمكانيات ، والنجاح قرين البذل المتاح ، وتحقق الغاية مرتبط بتحقق الوسيلة ، وكل ذلك لا يقدح في كرامة الله لأوليائه بالنصر مع الذلة والقلة ، فحديثنا عما يجب أن يعتمل في صدر الداعية من حرص على اتخاذ الأسباب .
إن عالمية الدعوة الإسلامية هاجس ينبغي أن يلح في طموح كل داعية إلى دين الله تبارك وتعالى ، ومشروع ينبغي ألا يغيب عن أذهان الغيورين على دين الإسلام .
فهي حقيقة شرعية بلا امتراء ، قال الله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) وقال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقال تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وقال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) وقال تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزا يعز به الإسلام ، وذلا يذل به الكفر ) . رواه أحمد والحاكم .
وفوق كونها حقيقة شرعية هي ضرورة إنسانية تستنهض همة كل مشفق على حال البشر وسكان الكرة الأرضية ، فالكفر يلف أرجاء الأرض ، والفجور يستعلن على حين غفلة من القيم والمثل ، وأضحى للكفر والفجور دولة وسلطان ، وصارت ممارسات الفسقة تتحلى بغطاء الشرعية ، فالكفر يتزيا بحلة حرية الفكر ، والشذوذ الجنسي ينافح عن حقوقه تحت غطاء الحرية الشخصية ، والمرأة تريد أن تتبرأ من الحياء بزعم التحرر من القيود الجائرة ، بل إن براءة الأطفال تغتال بالخطف والاستغلال الجنسي تحت أضواء المدنية الكاذبة .
كل ذلك ألا ينادي على النفوس الأبية أن تسعى لخلاص لتلك البشرية المغلولة ، أو تنافح عن القيم والمثل الضائعة في غابة الشهوات والغرائز البهيمية .
لم تعد مسئولية الدعاة محصورة في نطاق المسجد الذي يخطبون فيه أو يلقون محاضراتهم ، وفي حدود قاطني الحي الذي يسكنون فيه ، إن حزام المسئولية يتمادى في الاتساع ليصل إلى كل نفس منفوسة تدب على هذه الأرض .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء ) رواه الترمذي ، وإسناده حسن . قال العلماء في تفسير هذه الحديث أن العلماء لهم دور في الوصية بالكائنات الحية ، حتى إنهم يوصون الناس بإحسان الذبحة كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فنفعم عام على كل الخلاق ، ولذلك تتذكرهم بالخير والدعاء .
وإذا كان هذا حال الحيتان فما بال البشرية التي التائهة في سرداب شهواتها ، إنها أحرى بأن تحتل مساحة من اهتمامنا معاشر الدعاة . وقد كاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهلك نفسه حزنا على الناس ألا يكونوا مؤمنين ، وسهر الليالي ساجدا يدعو ربه متضرعا : أمتي أمتي ! فصلى الله وسلم على ذلك النبي الشفيق الذي حمل هم توصيل الدين إلى كل البشرية .
وإذا كانت هذه الهمة العالية تمثل نسيج طموح كل داعية إلى الله تعالى ، فإنه إزاء تعظيمه لشعائر الله وفرائضه يأبى أن يكون مجرد مراهق ينشغل بالأحلام والأماني الخادعة ، ويجمح وراء خيال هاو وسراب كاذب .
إنه يمزج هذا الطموح بتخطيط واقعي ، ويبني آمالا صادقة على جهود مخلصة ، ثم يكل النتائج إلى الله تبارك وتعالى . هو لا ينظر إلى كراسي الحكم والسلطة بقدر ما يتمنى أن يحوز كرسيا واحدا في جنة الخلد . يحدوه الطمع في رضا الله فيبذل حق البذل ليحوز السلعة الغالية { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنـة } .
إنه قليل الكلام كثير العمل ، سريع التأثر بواقع المسلمين والاستجابة لنداء البذل ، إذا ما أقبل على عمل دعوي تسامى في العطاء له ، وإذا فكر في مشروع أعد له العدة الكاملة . يتخذ الأسباب التامة محاطة بتوكل على الله وثيق ، يحترم التخصصات ويأبى الفوضى والارتجالية ، إنه مثال الداعية الذي يحمل هما عالميا ، ويغذيه طموح عال ، ومثل هذا تفتقر إليه الدعوات العالمية ، ويعد طاقة دفاقة لكل من حوله من العاملين .
إن نصف مساحة العالم الإسلامي دخلت في الإسلام صلحا ودعوة ومعاشرة لا عنوة وحربـا ، مما يثبت أن عالمية الإسلام في عالمية الداعية ، وأن السيف لم يرفع إلا على الظالمين والغاصبين لحق البشرية أن تؤمن بربها وإلهها
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:11 | |
| وإن تغلغل الإسلام في أوروبا والأمريكتين بل وفي روسيا والصين وإفريقيا وأستراليا مع قلة الدعاة وضعف الإمكانيات لدليل على أن هذا الدين الحق لو قُيض له من الحملة من يجهرون به في كل ميدان ويطوفون به في كل صقع لتغيرت خريطة العالم في سنوات معدودة .
إن طرق خدمة الدين كثيرة ، وأساليب نشره بين الناس وفيرة ، وميادين النداء إليه شاسعة ، وما سطرناه في هذه الأوراق مساهمة متواضعة نحو عالمية الدعوة ، فمن أمانينا أن تتجيش كل الطاقات في خدمة الدين فنفاجيء الباطل بجندي للحق في كل شبر على وجه الأرض ، ونجابه الظلم والطغيان ، ونواجه الكفر والفجور ، ونضيق الخناق على إبليس وجنوده ، ونحكم الحصار على إغواءات الشياطين .
إن عالمية الدعوة ستتحقق بجلاء ويقين يوم نرى كل مسلم يساهم بأي جهد في سبيل دينه وأمته ، يوم نرى كل مسلم يحاسب نفسه : ماذا قدم لدينه وأمته ؟ يوم نرى حديث الناس في المقاهي والطرقات والبيوتات ومجالس السمر يدور حول هم الدين وشأن المسلمين ، يوم نرى الأسرة تَدَّخِرُ من قوتها رغيفا تبذله لجائع أو محتاج ، يوم نرى الأغنياء يتبارون في أَرْيَحِيَّة صِدِّيقِيَّة نحو الإنفاق في سبيل الدين ، يوم نرى الدعاة قدوة لغيرهم في حمل أمانة الدعوة وتبليغها للناس .
وفي سبيل بث هذه الروح العالية العالمية في نفوس الدعاة ، بل في نفس كل مسلم نقترح الاقتراحات الآتية :
ينبغي أن يعلو في خطاب الدعاة إلى الناس : الشعور بالمسئولية العالمية للإسلام ، ومسئولية الأمة بأسرها عن حمل رسالة الدين : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ، وأن يستشعر كل من يستمع إلى صوت الصحوة أنها تحمل دورا رساليا ساميا وأنها تنادي على الناس أن يهبوا لتحمل هذا الدور معهم لمحض كونهم ينتمون لهذا الدين الرسالي الشامخ .
من اللازم أن تتناول الأدبيات الإسلامية هذه القضية في كل المناسبات حتى تضحي عالمية الإسلام هما مشتركا يحيى في قلوب كل الناس . ولا بد أن تتنوع تلك الأدبيات في عرض هذه الفكرة ، ما بين شعر راق ونثر بليغ وقصة هادفة ومقال مؤثر أو نشيد حماسي محفز أو نحو ذلك من الأساليب المعروفة والتي سنتناولها بالتفصيل عند الكلام عن طرق خدمة الدين .
يجب أن تقام المؤتمرات العالمية التي تذكر الناس بهذه القضية ( عالمية الدين ) ، ويتم اتخاذ قرارات وتوصيات تصب في هذا الصدد .
إرسال برقيات ورسائل نصح إلى ملوك ورؤساء الدول الإسلامية وأصحاب المناصب الرفيعة النافذة في الحكومات الإسلامية والمنظمات الإسلامية العالمية والهيئات الإسلامية الخيرية العالمية وتحميلهم أمانة هذا الدين وتوجيه النصيحة الصادقة إليهم ، ورفع كل ظلامة وتصرف يتصادم مع واجبهم في القيام بحماية حوزة الدين والذود عن حياضه . وقد يظن البعض في هذا المسلك نوعا من الحماقة والأماني الحالمة ، وأنا أؤكد أن هذه الوسيلة إن لم تكن من الواجبات الشرعية والفروض الكفائية فإنها على أقل تقدير من الوسائل الجديرة بالمحاولة والتجربة . وكم رأينا في التاريخ من حركات إصلاحية تمت بسبب خطوة خطاها أصحابها لم تكن في الحسبان .تكوين رابطة حكماء من العلماء المشهورين والدعاة البارزين تكون مهمتها رأب الصدع بين الحركات الإسلامية والهيئات الدينية ، ومراقبة مسار الدعوة على المستوى العالمي ، وتوجيه النصح والاستشارة إلى كل أولئك ، مع تقديم يد العون والمساعدة لكل مجهود يبذل لخدمة الدين . ويمكن أن يبدأ عمل هذه الرابطة على مستويات دنيا لتكوين جبهة دعوية قوية من طلبة العلم والدعاة التنفيذيين ، يكون نواة لحركة ضغط وشعور شعبي موجه لإرادات الأمة وقرارات القادة . ومنذ زمان بعيد وأنا على يقين أن حركة الإصلاح التي يجب أن تحدث للصحوة الإسلامية جمعاء ينبغي أن يقوم بها طلبة العلم الصغار الذين لهم دور في إشعار القيادات الروحية للصحوة بضرورة الإصلاح وضرورة المصارحة والمكاشفة ، وهذه القضية ليس لها محل هنا ولكنني ذكرتها من باب الذكرى لعل الفرصة تواتي في تأصيلها وتنظيرها في القريب العاجل إن شاء الله تعالى .
وبعد أيها القارئ الكريم .. لعلي لا أكون ممن يهرب من واقعه بالتلهي ، كمن يبني قصر الرمال لينسى أنه يسكن في كوخ من صفيح ، بل إنني على يقين أن جوانحك تحوي مثل هذه الآمال العظام ، وأنا على يقين أنك على يقين من هذه الآمال ، وأنها ليست من أحلام الكرى ، وأحتاج أنا وأنت وكل غيور أن نتواصى بالحق ونتناصح ، وأن نغذي الحزن والقلق بين الفينة والفينة بروافد الأمل الناصع ليتبدد ظلام الانهزامية عن فجر المستقبل الصادق ، وتتقشع غيوم القنوط عن شمس النصر الأكيد .
السرائر ) الطريقة الأولى :
( إخلاص النيات وإصلاح
إن إشكالية كثير من الناس في شأن علاقتهم بالله تبارك وتعالى أنهم لا يعون شفافية الطاعة ، ولا يدركون أن الله تبارك وتعالى قد وضع لكل شيء في هذا الكون قانونا ونظاما ، فكما جعل النار محرقة والماء الزلال مُرْوِيَاً والهواء النقي منعشا فكذلك ما جعله الله تبارك وتعالى قربة لذاته ووسيلة لمرضاته ، فإن له قانونا لا يقل صرامة عن قوانين الكون الأخرى .
والأعمق من ذلك أن الله عز وجل جعل من بعض الأشياء – على ضآلة شأنها فيما يعتقد الناس بادي الرأي – سببا لنوال الفتوح ، وحصول البركة والنماء بما لا يتفق والقوانين العادية .
ومن تلك الأشياء : النية الصالحة للعمل الصالح . فغني عن القول أن عمل العبد مشروط قبوله بإخلاص النية وبمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فذانك هما النية الصالحة والعمل الصالح المقصودان بقول الله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } .
وقضية الإخلاص بالنسبة للدعاة وحملة الدين تأخذ غورا لا تسعفه العبارات الساذجة ، أو الإيضاحات العادية ، فهو يحتاج إلى شفافية روحية توقن بكرامة الله لأوليائه وتعتقد أن القلب هو محل نظر الإله من العبد .
فإذا ما توارد على الداعية المخلص شيء من كدر الحياة لجأ إلى تصفية شوائب المقاصد ليقينه أن ثمة علاقة طردية بين التوفيق الإلهي وبين سلامة النية وحسن الطوية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : ( إنك لن تُخَلَّف [1]فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به خيرا ودرجة ورفعة )
لاجرم أن الآيات القرآنية – مكيها ومدنيها – تواطأت على تأكيد أهمية النية وجلالة شأنها . قال تعالى : { فاعبد الله مخلصا له الدين إلا لله الدين الخالص } وقال عز من قائل : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } وقال : { قل الله أعبد مخلصا له ديني } وقال : { وادعوه مخلصين له الدين } وقال : { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } وقال تعـالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } ، ذلك الدين القويم أن نطيع الله مخلصين ونعبده مصححين للقصد والإرادة .
بل إن في الإخلاص من البركة العائدة على محيط الدعاة وصفاء الود ونقاء السيرة بينهم ما يدعو إلى العجب ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم ) . يقول ابن القيم– رحمه الله - : إي لا يبقى فيه غل ، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة بل تنفي عنه غله وتنقيه منه ، وتخرجه عنه ، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل ، وكذلك يغل على الغش ، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة ، فهذه الثلاثة تملؤه غِلا ودغلا ، ودواء هذا الدغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة …ثم يقول ابن القيم – في معرض كلامه عن تعريف الإخلاص - : وقد تنوعت عبارتهم في الإخلاص والصدق والقصد ، فقيل : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة . وقيل : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، وقيل : التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك ، والصدق : التنقي عن مطالعة النفس . فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له ، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا الصدق إلا بالإخلاص ، ولا يتمان إلا بالصبر . وقيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن ، والرياء أن يكون ظاهره خيرا من باطنه ، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره . وقيل : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق ، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله . ومن كلام الفضيل : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما . قال الجنيد : الإخلاص سر بين الله وبين العبد ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . وقيل لسهل : أي شيء أشد على النفس ؟ فقال : الإخلاص ، لأنه ليس لها فيه نصيب . وقال بعضهم : الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهدا غير الله ولا مجازيا سواه . وقال مكحول : ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه . وقال أبو سليمان الداراني : إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء . أما الهروي فجعل الإخلاص تصفية العمل من كل شوب . أي لا يمازج عمله ما يشوبه من شوائب إرادات النفس ، إما طلب التزين في قلوب الخلق وإما طلب مدحهم والهرب من ذمهم ، أو طلب تعظيمهم ، أو طلب أموالهم ، أو خدمتهم ومحبتهم ، وقضاء حوائجه ، أو غير ذلك من العلل والشوائب ، التي عَقْدُ متفرقاتها هو إرادة ما سوى الله بعمله ، كائنا ما كان .
وأول درجاته عنده : إخراج رؤية العمل عن العمل ، والخلاص من طلب العوض على العمل ، والنـزول عن الرضا بالعمل .
يعرض للعامل في عمله ثلاث آفات : (1) رؤيته وملاحظته (2) وطلب العوض عليه (3) ورضاه به وسكونه إليه . ففي هذه الدرجة يتخلص من هذه البلية .فالذي يخلصه من رؤية عمله مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له ، وأنه بالله لا بنفسه ، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو ، كما قال تعالى : { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } … ثم قال رحمه الله : والذي يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران : أحدهما : مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه ، وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان ، فقل عمل من الأعمال إلا وللشيطان فيه نصيب وإن قل ، وللنفس فيه حظ . سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته ؟ فقال : ( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ) ، فإذا كان هذا التفات طرفه أو لحظه ، فكيف التفات قلبه إلى ما سوى الله ؟ هذا اعظم نصيب الشيطان من العبودية ، قال ابن مسعود : لا يجعل أحدكم للشيطان حظا من صلاته ، يرى أن حقا عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه . فجعل هذا القدر اليسير حظا ونصيبا للشيطان من العبد ، فما الظن بما فوقه ؟ وأما حظ النفس من العمل فلا يعرفه إلا أهل البصائر الصادقون . الثاني : علمه لما يستحقه الرب جل جلاله من حقوق العبودية ، وآدابها الظاهرة والباطنة ، وشروطها ، وأن العبد أضعف وأعجز وأقل من أن يوفيها حقا ، وأن يرضى بها لربه ، فالعارف لا يرضى بشيء من عمله لربه ، ولا يرضى نفسه لله طرفة عين ، ويستحيي من مقابلة الله بعمله . فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها وكراهته لأنفاسه وصعودها لله يحول بينه وبين الرضا بعمله والرضا عن نفسه . وقال بعضهم : آفة العبد ورضاه عن نفسه ، ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور . وقيل : لا بد من الخجل من العمل ، مع بذل المجهود . فمن إخلاص العابد خجله من عمله ، وهو شدة حيائه من الله إذا لم ير ذلك العمل صالحا له مع بذل
[1] أي تبقى في مكة ، وكانت هذ السبق وإن لم يرجع إلى دار الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم . | |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:12 | |
| التي تمحض بذلها لربها ، فلسان حالها يقول : { لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا } .
لقد كان السلف الصالح لا يستحيون من مواجهة أنفسهم بنياتهم السيئة وما أكثر ما رأيناهم يكلمون ويحذرون أنفسهم من نية خبيثة تسللت على حين غرة وولجت في سانحة غفلة ، ولم يتحرجوا رحمهم الله من التصريح بهذه النية التي تسللت ليعلموا الأجيال كيف يكون الإخلاص والتجرد ، فجزاهم الله عن الأمة خيرا .
ومن أهم ما يجب أن ننبه له الدعاة على كل مستوياتهم أن قضية الإخلاص على خطورتها ليس من جنس ما لا يطاق أو من قبيل ما يعسر على المكلفين إتيانه ، وإلا ما كلفهم الله به وجعله ركنا في قبول الأعمال ، إذ لا يكلف الله ولا يأمر إلا بما هو داخل في حيز استطاعة المكلفين كما معلوم في محله ، وما ورد عن بعض السلف من صعوبة الإخلاص وأنه عزيز وعسير فمحمول على استحضار الإخلاص مع وجود وَالِجَاتِ الهوى ونوازع الإرادة الخبيثة ، أو أنه محمول على التبرؤ من الإخلاص لأن ادعاءه دليل عدمه ، وإلا فإن متواتر سيرة الصحابة – وهم أقل الناس تكلفا – يثبت أنهم كانوا يعالجون قلوبهم هونا ، ولم يتجشموا معارك وهمية مع النفس والهوى ، فينصرف الهم حينئذ للتفتيش عن عدو داخلي خيالي وينسى معركته الأساسية مع الأعداء الخارجيين . وقد كان مما ذُم به الحارث المحاسبي يرحمه الله كثرة كلامه في النيات على غير طريقة السلف ففي سير أعلام النبلاء للذهبي (13/112) قال : قال سعيد بن عمرو البرذعي شهدت أبا زرعة الرازي وسئل عن المحاسبي وكتبه فقال إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر تجد غنية هل بلغكم أن مالكا والثوري والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس ، ما أسرع الناس إلى البدع . أهـ ولا أستريب أن في كلام أبي زرعة شدة بيد أن المفهوم من كلامه أن السلف لم يكونوا يعالجون نياتهم على نحو ما ورد في الرعاية ونحوها من كتب المحاسبي ، ولابن القيم وابن كثير كلام مشابه لا يحضرني ذكره .
وقد نبهت على هذا الأمر لأنه كثر بين شباب الصحوة من يتنصل من العمل للدين بزعم خوف الرياء والسمعة وعزة الإخلاص ونحو ذلك من المعاذير الساذجة التي يمليها عليهم شيطان مريد أو نفس عاجزة كسول . فيضيع الدين بين ورع كاذب وكسل مقنع
ولولا هذا الداء الذي استشرى وتولى كبره زمرة من الناس زعموه الدين الخالص فحذروا الشباب من التصدر دفعا للرياء ومنعوا المبتدئين من الدعوة بزعم ضرورة التحصرم قبل التزبب ، أقـول : لولا استشراء هذا الداء لما أوليت هذا الشأن اهتماما ولما ألقيت إليه بالا ، لأن الأصل اتهام النية ومحاسبة الدواخل وعدم تزكية النفس ، ولكنني رأيت الأمر أمرا منكرا ، وأبصرت طاقات هائلة من شبيبة الدين تتخاذل عن البذل وتتوارى عن المصافة في كتائب الحق ، وتنـزوي في صوامع التزكية زعموا ، وتترك مناجزة الباطل وأهله بدعوى إصلاح النية والخوف من فساد القلب بالتصدر ، حتى خلا الجو لأهل البدعة والكفر ، وصدق فيهم قول القديم :خلا لك الجو فبيضي واصفري ونـقري ما شـئت أن تنقري
وبينما نرى هذا النكوص يقنن في صفوف شباب الصحوة نرى نبتة الكفر تترعرع على أكتاف شبيبة يعدون إعدادا جيدا ويتصدرون في المحافل داعين إلى كفرهم مدافعين عن باطلهم ، وأخسر بها من صفقة أن تعمر دور العبادة بالركع السجد بينما الباطل يجول جولته ويصول صولته في ميادين الثقافة والاقتصاد والسياسة ، وقد نادى القرآن أهل الإيمان نداء صارما وأوضح حقيقة الصفقة بين العباد وربهم ، فقال تعالى { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } وقال { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن } .
وقد نص أئمتنا على ضرورة التصدر في زمان الفتن وعند غلبة الأهواء ، وفي أبواب القضاء من كتب الفقه تجد نصا صريحا بلزوم السعي لمنصب القضاء إذا تعين أو رأى من تعين عليه القضاء تصدر المفسدين وتطاولهم للحصول عليه [1]، بل تجد أن بعض الفقهاء رخص في دفع البرطيل ( الرشوة ) لنوال منصب القضاء إذا تعين ، وعللوا ذلك بأن في تسنم القضاء رجل جاهل أو مبتدع أو فاسق مفسدةً تربو على مفسدة الرشوة ، وفي حصولها لمن هو أحق بها وأهلها مصالحَ تربو على مصلحة الزهادة في هذا المنصب كما هو شأن السلف ( أعني زهادتهم في مناصب الدولة ) .
ولنا في مسلك النبي يوسف عليه السلام - حين علم تأهله لعلاج الخطر المحدق بالبلاد – مدكرٌ وأسوة ، فقالها غَيْرَ وَجِلٍ : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } . وأولئكم فتية أهل الكهف { قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا } . وإبراهيم كسر الأصنام وواجه انتفاشة الكفر وهو بعد غض الإهاب فكان يسفه الأصنام ويبين عوار مسلك من يعبدها حتى تسامع الناس بدعوته فقالوا { سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } . ولم يخش الرسول صلى الله عليه وسلم على علي بن أبي طالب من زهو الأبطال وخيلاء الشجعان غداة قتل عمرو بن وُدٍّ في غزوة الخندق وقد عجز عن ذلك العتل خيرة الكماة من الصحابة .
نعم : ينبغي التحرز من تصدير من عرف بطره وكبره وحبه للوجاهة والمنصب ، لأن الولايات الشرعية لا تقلد لمن طلبها كما تقرر في السياسة الشرعية ولأن المفسدة التي قد يحدثها صاحب العجب والكبر بالناس أعظم من مصلحة توليه وإن كان ذا كفاءة ودراية .
ولا جناح أن نولي ونصدر من يخشى عليه العجب والكبر – ومن الذي لا يخشى عليه ذلك ؟ - إذا كان هناك منهج رشيد في تلافي ولوج تلكم الأمراض إليه ، أو كانت المصلحة في توليه تربو على مفسدة مرض نفسه .وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان بن حرب غداة فتح مكة شيئا لأنـه يـحب الذكر ، ولم يقل : بل نحميه من الكبر والعجب ونحو ذلك ، وولى أسامة بن زيد قبل وفاته وأنفذه إلى الشام في ركب حـوى كبـار البدريين من المهاجرين والأنصار .
ولقد أذن للشافعي في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة ، وحدث أبو زرعة الرازي في الثانية والثلاثين ، وأُخذ عن البخاري ولما يخضر شاربه ، وأفتى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وجلس للإفادة والتدريس ولما يبلغ الخامسة والعشرين .
وقد تقرر أن اليقين لا يزول بالشك ، واليقين الذي يجب وجوده لتولية المستورين أو الأغمار أو من يخشى عليهم أمراض القلوب من صغار السن أو التجربة : أن تحتدم المعركة بين أهل الإسلام وملة الكفر ، وتتعاظم الفروض والتكاليف ويقل الناصر والمعين ، وأن يكون في المولَّى من الكفاءة والأهلية والاحتياج إليه ما ينفي الغضاضة من توليه .
وقد احتج القائلون بضرورة رعاية أحوال القلوب عند تولية الولايات الشرعية بعزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد رضي الله عنهما عن إمرة الجيوش الإسلامية وتولية أبي عبيدة مكانه .
والجواب عن ذلك أنه لاشك أن رعاية أحوال القلوب من أجل ما يعتني به السالكـون إلى الله ، ومن أهم ما ينبغي أن يولى من الاهتمام عند الدعاة والمربين ، بيد أن عزل عمر لخالد أملته مصالح شرعية أخرى ، واقتضته مجريات الحوادث ، ونظرة عمر بن الخطاب إلى مستقبل الجيوش الإسلامية ، ومستقبل الفتوح أيضا . وقد أثبتت العسكرية الحديثة أن القيادة لابد أن تتجدد درءا للرجعية التي تفسد مشروعات التطوير ، ومنعا لاستقطاب قيادي داخل المؤسسة العسكرية ، ودفعا لأطماع القيادات في الاستحواذ بتدبير أمور الجيش ، إذ تجنح نفسية القائد العسكري للديكتاتورية وتشمئز من الشورى كما علم من تجارب الأمم .
ولا شك أن كلامي لا يفهم منه قدح في عمر أو خالد ، فهما من هما ، ولكن قراءة متأنية في ملف القضية ينبيك بأن العزل اقتضته أمور جليلة ارتآها عمر ، ولا يمكن أن نستدل بالحادثة على ما نحن فيه من منع تصدر المتأهلين في مناصب الدعوة خوفا عليهم من الرياء والسمعة والعجب .
ومن قبيل ما نحن فيه : دفن العبقريات ومواراة الأفذاذ خلف الكواليس بدافع الحسد والخوف على الجاه ، وكم رأينا من عناصر شابة صاعدة رزقت البركة والتوفيق في العلم والعمل ، فحيل بينها وبين التنامي لأن جلالة المناصب التي كانوا سيتأهلون لها - في نظر كبرائهم - لا تناسب أسنانهم .
وقد شكا إليّ أحد طلبة العلم أن أستاذه الذي يشرف على رسالته في الماجستير يأمره بالتمهل لأن سنه – خمسة وعشرون آنذاك – صغيرة على هذه الدرجة العلمية وأنه لم ينلها أحد في كليته في هذا العمر .
أعود للتأكيد أنني لا أماري في خطورة أمر النيات وأحوال القلوب وضرورة تزكيتها وحمايتها من حمأة الأمراض والآفات وفورة حب الرياسة والتصدر ، ولكننا نعالج ذات المرض فيمن يمنعون الشبيبة من خدمة الدين والبذل له حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم أن في تصدرهم خطورة على وجاهتهم .
والسؤال الذي لا بد أن أسمعه ، كما لا بد أن أجيب عليه : هل تريد إذا أن نولي الأحداث وصغار السن مناصب تحتاج إلى الحنكة والخبرة وطول التجربة ؟ وهل تريد أن نترك المجال فسيحا لكل ذي هوى مغرض أن يتسنم مناصب الدعوة فيحدث من الفتنة – بما في قلبه من الفتنة – ما تُصطلم معه روح الجماعية بين الدعاة ؟ وقد علمنا كم جر أولئك الأغمار على الدعوة من ويلات بسبب فتاواهم الجريئة المتسرعة ، وخطواتهم الدعوية غير المحسوبة ، وافتقادهم لآداب العلماء وخصال الأئمة ، وبعدهم عن الروية والأناة . والجواب أن المرض يعالج ، والأضرار الدعوية نتلافها ، ولا تبتر الأعضاء النافعة بزعم الخوف عليها من التلف إذا عملت ، ولا توأد الطاقات بزعم حمايتها من فورتها ونشاطها .إن العلم النافع والعمل الصالح والدعوة المخلصة أمور كفيلة بتنقية القلوب من كل دغل ، وقد نص القرآن على أن الدعوة من أحسن القول : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } . ورقابة القادة والعلماء وتربيتهم لصغار السن ضامن من ولوج الهوى إلى نفوسهم . ولله الأمر من قبل ومن بعد .
وقد مر معنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم ) .ولم يقل أحد من أهل العلم أن علاج الرياء وآفات العمل بترك العمل بل المنقول عن السلف أن ترك العمل لأجل الناس رياء ، ومثل الذي يهجر العمل أو يمنع الناس منه خشية على القلوب من آفاتها كمثل من ترك الطعام والشراب خوفا من الجراثيم الكامنة فيها ، أو كمثل من هجر الناس ولم يلامسهم خوفا من عدوى الأمراض وانتقال الحمى . ومن رام عملا خاليا من الشوائب نقيا من المعايب فقد ركب متن الشطط وأعظم على نفسه الفرية . وأنى السبيل إلى عمل خالص صاف والله تعالى يقول : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون . أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } ، وقد أخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ! قول الله : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله ؟ قال : ( لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله أن لا يتقبل منه ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قولـه { وقلوبهم وجلة } قال : يعملون خائفين . وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر عن عائشة : { والذين يأتون ما أتوا } قالت : هم الذين يخشون الله ويطيعونه .[2]
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:13 | |
| وأنت ترى بجلاء أن الآية نصت على أن أولئك المؤمنين يعملون ، مع الخوف والوجل من عدم قبول العمل ، ولم يصرفهم هذا الوجل عن تجشم عناء العمل ، ومجاهدة الرياء وآفات النفس .إن المقصود من هذه الطريقة تطهير الضمير الدعوي ، وتنقية المقاصد من الخبث الذي يعتور المتنافسين على الدنيا ، وتمحيص الخطو الحركي للدعاة من عرجة الرياء وعثرة الشرك الخفي .إن مرادنا أن نحقق في دعاتنا النـزاهة المطلقة في إراداتهم ، وأن نصرف أبصارهم عن رؤية أعمالهم ، وأن يتجافى كل داعية عن بطرٍ مردٍ أو غرور مطغٍ .وليس عسيرا على كل فرد ينتمي إلى هذه الصحوة المباركة أن يبادر إلى نياته فينشأ منها ما يصلح للعرض على الله تبارك وتعالى ، أو يسارع إلى الفاسد منها فيتداركه بالإصلاح والتنقية ، ويضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يرزقه النية الخالصة والعمل الصالح . الطريقة الثانية : ( إيجاد نماذج كاملة في الصلاح ) إن نفوس البشر تتباين ، وطباعهم لا تتفق ، فما كان شاقا عن قوم سهل على آخرين ، وما استصعبه ناس كان سهلا ذلولا عند جمع آخرين ، ومن الخلق ذوو أفئدة ناشزة وقلوب نافرة ، ومنهم من بلغ في اليقين والإيمان الرتبة العليا ، منهم البخيل الشحيح ، ومنهم الكريم الأريحي البذول ، منهم الجبان الرعديد ، ومنهم الهصور المقدام ، نفوس أبية وذوو خصال دنية ، منهم الشكور ومنهم الكفور ، عيون فاجرة ومقل من خشية الله دامعة ، قال تعالى : { إن سعيكم لشتى } ، وقال تعالى : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ، وقال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } ، وقال تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } ثم قال : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد } وقال تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق . ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . ولكن الله تبارك وتعالى يسر للإنسان اختيار المعالي وخلع الدنايا ، فقال تعالى : { وهديناه النجدين } ، وقـال تعـالى : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } ، وقال تعالى : { إنا هدينا السبيل إما شاكرا وإما كفورا } . وقال تبارك وتعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } . وقال تعالى : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا } ، وقال تعالى : { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين } . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) . إن همة الإنسان هي التي تقوده إلى المعالي ، وخساسته ترديه في الدنايا ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم . فمن ألزم نفسه لأواء السعي علا ، ومن ارتضى الرخاوة والدعة فلا . ولولا تكاليف السيادة لم يخب جبان ولم يحو الفضيلة ثائر وأبواب الفضائل كثيرة جمة ، ومناحي السبق في الخير موفورة ، وإذا اختار المرء منها بابا ، وأتقن منها ميدانا فقد أقام للإسلام صرحا من القيم شاخصا ، وأبدى للناس نموذجا من المثل كاملا . فأقام الحجة لله على خلقه ، وأعلى للحق راية على مدى أفقه ، واستنار بنموذجيته أقوام ، واقتدى بِهُدَى دَرْبِه فئام ، وارْعَوَى بصرامة حقِّه طغام . ومما ينبغي تقريره أن الكمال البشري لم يثبت إلا للمعصومين من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومن عداهم فكل نقص وذنب وتقصير فهو جائز عليهم وثابت في حقهم على وجه اللزوم ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) . وعليه فلا مطمح لأحد في بلوغ رتب الأنبياء والمرسلين أصلا ، ولكن مراتب الطاعة المختلفة مأذون بتسنمها مسموح برقيها من كل البشر . لا جرم تنافس على تلك المراتب المتنافسون ، وتسابق إليها الحريصون ، فذاك صوام وهذا قوام وآخر بذول ورابع من الذاكرين الله كثيرا وخامس ممن شمر الساعد في طلب العلم وبلغ رتب العلماء ، ( ولكلٍ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ) . وعلى هذا التنظير فإن المتصور أن تتحقق في واقعنا نماذج السلف الصالح الراقية ، ويتجسم في نطاق حواسنا ما نقرأه في تراجم أئمتنا الأعلام . ونفس هذا التنظير يتطابق مع منهج السلف في التزكية ، فسلفنا لم يطمحوا أن يكون كل المجتمع قواما لليل ، أو صواما للنهار لأن هذا لم يتحقق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أصلا ، فكيف نرجوه في أجيال لاحقة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه ) . بل المتصور أن تتنوع نماذج الطاعة في المجتمع الواحد ، وتتوزع رتب الطاعة العليا بين الطاقات المختلفة ، فهناك من بلغ في الزهادة واطراح ملذات الدنيا مقام معروف الكرخي ، ومنهم من استوفى من التقوى نصيب أحمد بن حنبل ، ومنهم من نذر نفسه للجهاد فلا تراه إلا مخاطرا بنفسه في كل ميدان ، ومنهم من تفرغ لمقارعة المبتدعة والزنادقة أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومنهم من تصدر للوعظ والإفادة والنصح للأمة أمثال الحسن البصري . وعلى هذا المنوال ينبغي أن ينظر المسلمون لمنهج الصلاح والإصلاح : أن يتوجه كل امرئ إلى ما تطيب نفسه به من رتب الطاعة فيرقى في درجاتها ، ويتسنم منها المقام الأسمى ، ويبلغ فيها الدرجة العليا ، فإن وجد زكاة قلبه في قيام الليل أدمنه ، وإن تلذذ بالصيام أدامه ، وإن أتقن العلم تخصص فيه وأفاد الناس ، وإن استحلى تلاوة القرآن جعله نَفَسَا يحيا به ، وإن كانت نفسه ذات سجايا صالحات كالكرم والحياء تمادى في الخلق ليكون مضرب المثل فيها . وهكذا توجد في المجتمع أمثلة المعالي ، فإذا ما التفت طالب هدى ليقتدي بكريم في حسن الرفادة والقرى رأى نموذجا حاتميا ، وإذا بحث متنسك عن أسوته في الصيام والقيام وجد شبيه الفضيل ومثيل المحاسبي . والمطلوب أن يترفع كل ذي خصلة في درجاتها حتى يصير أحدوثة الدهر ، متسابقا متسارعا غيورا أن يسبقه إلى الله مشمِّر ، لا يقنع من نفسه بسير الهوينى حتى يعدو كالمُصَلِّي [1]وينبذ الحَجْل[2] المقيت .إن الذي يعجز عن أن يقدم لدينه نشاطا دعويا ملموسا في معترك الصراع مع الباطل ، وفي لجة الحرب الضروس مع عروش الكفر وأصنام المذاهب الباطلة المعبودة من دون الله ، لن يعجز إن شاء الله أن يقدم لأمته نموذجا يقتدى به فيما عجز عنه الدعاة المنشغلون بمواجهة صناديد الكفر العنيد والفسق العتيد .بل إن هؤلاء على الحقيقة هم الجنود المجهولون الذي يقوى بنماذجهم بنيان الصحوة ، ويصفو الكدر ، وتتلاشى الشوائب .وهؤلاء هم الذي على أصداء صلاحهم تتنـزل الفتوح ويهبط النصر المبين ، يقول الأستاذ الراشد[3] : إن الداعية إذا ألزم نفسه بالورع كانت لورعه أصداء يحدث تكررها وترددها تحريكا للناس ، ويوضح ذلك ما اكتشفه الزاهد يحيى بن معاذ من أنك ( على قدر شغلك بالله : يشتغل في أمرك الخلق ) ، وتوفيق الله تعالى لنا في عملنا التجميعي منوط بإقبالنا عليه ، وما أزمة صدود الناس عنا إلا من نتائج أزمة قلة اهتمامنا بما أوجبه الله ، ومن أقبل بقلبه على الله تعالى : أقبل بقلوب العباد إليه . إن الدعاة كثيرا ما يشطون عزوف الناس عنهم والتهاءهم بشكليات عادية يجدونها عند الأحزاب الأخرى ، وبالغث لا بالسمين ، وباللغو لا بالعلم ، وما من شك في أن هذه الظاهرة هي من الجهالة التي قوبل بها الأنبياء عليهم السلام وبعض المصلحين ، وأنها صفة متوقعة من البشر ، وأنها من علامات اقتراب الساعة ، ولكن يبدو أن صدود الناس هذه الأيام قد فاق كل صدود سابق ، وأن جهالة الناس بلغت حضيضا واطئا ، وأصبح أمر الإصلاح عسيرا على المقل الماشي في طريق الإيمان بهدوء وبرودة ، ولا بد أن يتصدى المكثر ، الراكض ، الفائر ، ذو الحرارة .إن للتقوى آثار تشغيل ، وبمقدار جديتنا : يكون الناس جديين ، ولنا شاهد دائم في أنفسنا ، فإننا نتفاوت بين يوم ويوم ، وإيماننا يزيد وينقص ، فإذا كنا حينا في إيمان جيد : رأينا إقبال الناس علينا ، وإذا كان فينا جزر إيماني وقسوة قلب في حين آخر : رأينا قلة جدوى نشاطنا ، مع كثرة غدونا ورواحنا ، وكل منا قد تعاقبت عليه مثل هذه الأحوال ولمس بنفسه اختلاف مواقف الناس مـنه ، وضوابط إنتاج الجماعة تعتمد في كثير من جوانبها على ضوابط إنتاج الفرد . أهـ . إن الأمة تحتاج أن يوجد من بينها من إذا أقسم على الله أبره الله ، من إذا رفع أصبعه إلى السماء داعيا تفتحت له أبواب القبول والإجابة ، من إذا ألح على الله تبارك وتعالى نزل التأييد من الله عاجلا غير آجل . تحتاج الأمة إلى البذول المضحي بالمال والثروات لا يخاف الفقر والإملاق ، نموذجا في الإنفاق كأبي بكر الصديق يوم خرج من ماله كله فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم : ماذا تركت لأهلك يا أبا بكر ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله . إن الأمة أحوج ما تكون إلى فتيان صدق يعيدون إلينا ذكرى المتنسكين الأول أمثال الفضيل بن عياض وابنه علي والسفيانين وعبد الله بن المبارك والكرخي وأحمد بن حنبل وأضرابهم . إن الأمة لفقيرة إلى أنموذج في الزهد يذكر الناس بحقيقة الدنيا ويريهم أن في البشر من يمكنه أن يغالب نفسه ويطلق هذه الدنيا طلاق البتة وأن يقنع من هذه الدنيا بالقليل الذي يكفي . محتاجة والله هذه الأمة المنكوبة إلى من يعيد لها ذكريات وأمجاد الأكارم الأول كحلم الأحنف بن قيس وجود ابن المبارك وصبر أحمد في المحن وجلد ابن تيمية في مواجهة قوى الفساد والعتو والبغي . وما أجمل أن يتلفت الناس من حولهم في كل مدينة وقرية فيجدون هذه النماذج حجة لله عليهم ، وصرخة نذير تذكرهم بما يجب عليهم ، وتلفت أنظارهم إلى أن المكارم والمعاليَ ثَمَّ تنادي عليهم بالرقي والسمو بأحوالهم . وليت الدعاة والمربون يلاحظون هذا الاتجاه في تربية النشأ ، فقد يجدون من بين الشبيبة من تقصر به همته عن مواجهة الناس بخطبة أو درس ولكنه سيجده في الزهادة والتقوى غرسا يحتاج إلى السقاية والعناية . وقد يجد من بينهم من لا يتقن فنون العلم ولكنه سيجده في رقة القلب وسرعة الدمعة ما يستحق أن تُنَمَّى فيه هذه الخصلة ليكون قدوة للعيون الجامدة والمُقَل المتحجرة . وليس على الدعاة والمربين من بأس أن يندر - في نشأهم الذين يربونهم - طلبة العلم أو الراغبون في التخصص ، ويكون بدلا منهم المتنافسون في الخيرات والعبادات . بل إني لأرى أن العلم فيه ما يرغب الناس فيه ، فآثاره في الناس مشهودة ، وفضائله في النصوص معلومة ، ورتبته في دنيا الناس لا ينكرها أو يزهد فيها إلا غر جهول . أما الفضائل الأخرى كالزهد والاجتهاد في العبادة وتحقيق معالي الأخلاق ومكارمها فليس لها من وازع إلا نجابة الساعي إليها وسمو عقل من شمر للتمثل بها . والصحوة الآن تمر بحالة تشبع في طلبة العلم الذين قنعوا من العلم باسمه ، واكتفوا من مزاياه بشكله ورسمه . وندر من بينهم من حقق في دنيا الناس شيئا مما تعلمه أو علمه لا أستثني ورب الكعبة نفسي . والصحوة أشد ما تكون احتياجا إلى نماذج الصلاح العليا التي سيكون لها دور المناعة والحصانة لهذه الصحوة من الانحلال والتآكل . ويمكننا أن لخص خطوات هذه الطريقة في الفقرات الآتية : [1] على وزن اسم الفاعل ،هو الأول في الخيل المتسابق .[2] هو التريث في الخطو ، والتمهل في المشي .[3] المسار ص 9 . | |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:14 | |
| غدونا ورواحنا ، وكل منا قد تعاقبت عليه مثل هذه الأحوال ولمس بنفسه اختلاف مواقف الناس مـنه ، وضوابط إنتاج الجماعة تعتمد في كثير من جوانبها على ضوابط إنتاج الفرد . أهـ . إن الأمة تحتاج أن يوجد من بينها من إذا أقسم على الله أبره الله ، من إذا رفع أصبعه إلى السماء داعيا تفتحت له أبواب القبول والإجابة ، من إذا ألح على الله تبارك وتعالى نزل التأييد من الله عاجلا غير آجل . تحتاج الأمة إلى البذول المضحي بالمال والثروات لا يخاف الفقر والإملاق ، نموذجا في الإنفاق كأبي بكر الصديق يوم خرج من ماله كله فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم : ماذا تركت لأهلك يا أبا بكر ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله . إن الأمة أحوج ما تكون إلى فتيان صدق يعيدون إلينا ذكرى المتنسكين الأول أمثال الفضيل بن عياض وابنه علي والسفيانين وعبد الله بن المبارك والكرخي وأحمد بن حنبل وأضرابهم . إن الأمة لفقيرة إلى أنموذج في الزهد يذكر الناس بحقيقة الدنيا ويريهم أن في البشر من يمكنه أن يغالب نفسه ويطلق هذه الدنيا طلاق البتة وأن يقنع من هذه الدنيا بالقليل الذي يكفي . محتاجة والله هذه الأمة المنكوبة إلى من يعيد لها ذكريات وأمجاد الأكارم الأول كحلم الأحنف بن قيس وجود ابن المبارك وصبر أحمد في المحن وجلد ابن تيمية في مواجهة قوى الفساد والعتو والبغي . وما أجمل أن يتلفت الناس من حولهم في كل مدينة وقرية فيجدون هذه النماذج حجة لله عليهم ، وصرخة نذير تذكرهم بما يجب عليهم ، وتلفت أنظارهم إلى أن المكارم والمعاليَ ثَمَّ تنادي عليهم بالرقي والسمو بأحوالهم . وليت الدعاة والمربون يلاحظون هذا الاتجاه في تربية النشأ ، فقد يجدون من بين الشبيبة من تقصر به همته عن مواجهة الناس بخطبة أو درس ولكنه سيجده في الزهادة والتقوى غرسا يحتاج إلى السقاية والعناية . وقد يجد من بينهم من لا يتقن فنون العلم ولكنه سيجده في رقة القلب وسرعة الدمعة ما يستحق أن تُنَمَّى فيه هذه الخصلة ليكون قدوة للعيون الجامدة والمُقَل المتحجرة . وليس على الدعاة والمربين من بأس أن يندر - في نشأهم الذين يربونهم - طلبة العلم أو الراغبون في التخصص ، ويكون بدلا منهم المتنافسون في الخيرات والعبادات . بل إني لأرى أن العلم فيه ما يرغب الناس فيه ، فآثاره في الناس مشهودة ، وفضائله في النصوص معلومة ، ورتبته في دنيا الناس لا ينكرها أو يزهد فيها إلا غر جهول . أما الفضائل الأخرى كالزهد والاجتهاد في العبادة وتحقيق معالي الأخلاق ومكارمها فليس لها من وازع إلا نجابة الساعي إليها وسمو عقل من شمر للتمثل بها . والصحوة الآن تمر بحالة تشبع في طلبة العلم الذين قنعوا من العلم باسمه ، واكتفوا من مزاياه بشكله ورسمه . وندر من بينهم من حقق في دنيا الناس شيئا مما تعلمه أو علمه لا أستثني ورب الكعبة نفسي . والصحوة أشد ما تكون احتياجا إلى نماذج الصلاح العليا التي سيكون لها دور المناعة والحصانة لهذه الصحوة من الانحلال والتآكل . ويمكننا أن لخص خطوات هذه الطريقة في الفقرات الآتية : (1) اهتمام الدعاة والمربين بالقيم والمثل والأخلاق ونماذج الصلاح والعبادة أثناء ممارسة النشاطات التربوية والدعوية المختلفة . (2) أن تتوافر في المكتبة الإسلامية الأدبيات التي تظهر هذه النماذج من السلف الصالح بحيث تكون وسيلة ميسورة لتعليمها للناشئة أو تعميمها على الناس وتذكرهم بها في الخطب والدروس والمواعظ . (3) أن يقوم الدعاة بدور تربوي دقيق في ملاحظة العناصر عالية المستوى من الناشئة ، والتدقيق في صلاحيتهم لأي اتجاه ، وتنمية ذلك الاتجاه بما يحقق نبوغهم فيه ورقيهم على دربه . (4) أن يجتهد كل الدعاة بل كل الغيورين على الدين في أن يحقق كل واحد منهم نموذجا من نماذج الصلاح التي يحبها وينوي بهذا الاجتهاد في بلوغ رتبة الصلاح أن يكون داعيا بصلاحه إلى الله تعالى وحجة له على خلقه ورمزا لشموخ هذا الدين وأثره في نفوس أتباعه . (5) شحذ همم الناشئة للتنافس في درب الاستقامة عبر المسابقات العلمية والمخيمات التربوية والاعتكافات في المساجد والندوات الترفيهية . وبعد .. فإن الصلاح حركة ذاتية في أعماق النفس حيث تتفاعل الإرادات ، وتتجاذب الأهواء وتتعارك النوازع ، وينتصر في النهاية العزم القوي . والنفس الطاهرة هي التي تسمو على الخبث ، وتتجذر في تربتها قيم الحق ، ويمكث في أرض فطرتها ما ينفع الناس ، { وأما الزبد فيذهب جفا ء } ، فأكرم بها من نفس تلك التي اسْتَعْدَتْ على شهواتها جنود الإرادة ، وقفزت على أسوار المصاعب تتسنم ذرى المعالي والمكارم ، تخوض حرب التزكية واثقة أنها ستخرج من المعركة بنصر مبين وفلاح أكيد فـ{ قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } ، لا تتهيب من مساءة شانئ أو ملامة عاذل ، قد أركزت أوتاد الحق في أرض العزم الوثيق ، وتغلغل اليقين يسري في همة متعاظمة كما سرى المداد في الماء القراح . ومن باب رد العجز إلى الصدر .. نقول : إن كل مكلف يستطيع أن يخدم الدين بأن يكون عبقريا في درب من دروب الاستقامة ، فذا في سبيل من سبل المرحمة ، يتخصص في شأن من شئون الآخرة كما يتخصص الناس في مفردات شئون الدنيا . وقد أشار إلى هذا المعنى نبينا صلى الله عليه وسلم حيث قال : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ،كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) . رواه البخاري ومسلم . وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وستون شعبة ، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) . رواه البخاري ومسلم . الطريقة الثالثة
( التنوع في وسائل الدعوة )
قد مر معنا أن الدعوة معنى شامل لكل فعل يرغب الناس في دين الله تبارك وتعالى مما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وهي بهذا المعنى تأبى أن تنحصر في هيئة الموعظة سواء تشكلت في صورة الخطبة أو الدرس أو نحو ذلك . والعجب الذي لا ينقضي من أناس أرادوا أن يحصروا مفهوم الدعوة في خطبة الجمعة ودرس العلم في المسجد ، ناسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظ على القبر وفي سوح القتال ، بل وعظ الناس بفعله قبل قوله ، وخصص للنساء يوما يعظهن فيه ، وكان يخص عائشة بمزيد علم لكونها المطلعة على خفي أمره فتكون بذلك المبلغ للناس ما خفي من سنــة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل فداء أسرى بدر أن يعلموا صبية المسلمين الكتابة ، فكل ذلك أَوَلا ينبئ أن الدعوة وخدمة الدين يمكن أن تكون خارج حدود المسجد ؟ ! ولنا أن نسأل : كيف للدعوة أن تقتحم أسوار الطلبة الشيوعيين في الجامعات إذا لم نخرّج من طلائعنا أوتادا في العقيدة الإسلامية ومتخصصين في الأفكار الهدامة يكونون جحافل حق تهدم عروش الكفر بالحجة الواضحة والبرهان الناصع . إنني أستقبح أن يتطاول شيوعي وقح على أحد الشباب الملتزمين ويتهمه بأنه ليس له أيديولوجية ، أو أن يَتَجَهْرَمَ[1] علماني في مدرجات الكليات أمام آلاف الطلبة والطالبات بعقيدة الفصل بين الدين والدولة فلا يجد من الغيورين على دين الله من يقف له بالمرصاد . ولقد شُهد للكفر جولة وحظي النفاق بدولة يوم أن توارى أهل الديانة في المساجد وتركوا الجهاد باللسان الذي أمروا به في غير ما آية : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ، ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ) أي بالقرآن . إن الدعوة كما تحتاج خطيبا مصقعا فلا غنى لها أيضا عن صحفي نابه وكاتب ذي قلم سيال ومؤلف حسن الجمع والعرض ومناظر يقطع خصوم الإسلام بحججه القوية وأساليب إقناعه المبهرة ، بل إن الدعوة لا بد أن تطمح أن يكون لديها إعلاميون ذوي دراية بتقنية الإعلام حتى إذا ما تمكنت من إطلاق إذاعة أو قناة تليفزيونية كان ثمة كوادر تحمل هم الدين معها إلى تلك المواقع . وكتابنا مؤلف حال كون المسلمين يعيشون عصر الاستضعاف ، ولكن هذا ليس بحائل أن نتطلع إلا دعوة طلائع الإسلام أن يستعدوا لعصر التمكين بالولوج في كل التخصصات ، فأسلمة العلوم لن تتحقق في أرض الواقع بدون علماء مسلمين نبغوا وأبدعوا وبهروا . وحصر الدين في حلة الوعظ والخطبة كيد علماني عتيق ، أرادوا من ورائه أن يتسربل الإسلام ثوب الكنيسة ، فيظهر الواعظ في لباسه الرسمي المعهود ويلوك كلماته بترنيمة تشبه ترنيمة المنشدين في الكنائس ، لكأن الشيخ يريدونه صنو القسيس الذي يعظ فتتلاشى شمولية الدين في هذا الديكور المصطنع ، وإذا ما هب طبيب أو مهندس أو تاجر يريد تطبيق شرع الله وتعظيم حرماته استعظموا فريته وحسبوه كلابس ثوبي زور ، وهكذا تفر معالم الحقيقة من فحيح الكائدين .
من الذي رسم القانون الذي به أُلزم الناس ألا يروا أهل العلم إلا في مقام الوعظ ، وألا يسمعوا آيات الله تتلى إلا عن طريق الدرس أو المحاضرة ، بل من الذي يلزم الدعاة أن ينصهروا في هذه البوتقة فلا يخرجون منها ولا يحيدون عنها .
إن نصوص الشرع – من القرآن أو السنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة الصالح – تشير بوضوح إلى أن الدعوة الإسلامية لابد أن تكون جارفة غازية ، لا تقف عند هيئة ولا تتحجر عند تَمثال مكرور ، ومع مراعاة الضوابط الشرعية التي تحدثنا عنها فإن الدعوة لا بد أن تنطلق في أفق رحيب ، تقاوم الباطل وإلحاده ، تهاجم عرش الكفر وتهزه بثبات ورسوخ ، وليس ذلك يأتي إلا بتلمس الوجوه التي بها نلج إلى قلوب الناس ، ومعرفة الفنون ( الأنواع ) التي بها نحوز قناعاتهم .
وتأمل في القرآن كيف يحكي الله عز وجل قصة نبي من أولي العزم من الرسل ، أعيته الحيل في إسماع قومه صوت الحق ، فما برح يبتكر الوسائل ويتحين الفرص بها يجهر بالدعوة ، ذلكم هو نبي الله نوح ، قال عنه الله تبارك وتعالى : { قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ، ثم إني دعوتهم جهارا ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا } .
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله : وهي صورة لإصرار الداعية على الدعوة وتحين كل فرصة ليبلغهم إياها .. ومع الدأب على الدعوة وتحين كل فرصة والإصرار على المواجهة اتبع نوح عليه السلام كل الأساليب ، فجهر بالدعوة تارة ثم زاوج بين الإعلان والإسرار تارة ..وفي أثناء ذلك كله أطمعهم في خير الدنيا والآخرة ، أطمعهم في الغفران إذا استغفروا ربهم ، فهو سبحانه غفار للذنوب .. وأطمعهم في الرزق الوفير الميسور من أسبابه التي يعرفونها ويرجونها وهي المطر الغزير .. كما وعدهم برزقهم الآخر من الذرية التي يحبونها – وهي البنين – والأموال التي يطلبونها . أهـ
وكما كان التنوع مسلك الأنبياء من قديم ، فقد رأينا سلف الأمة ينهجون ذات المنهج في خدمة دينهم . تأمل حركة التصنيف في بدايات القرون الأولى ، وكيف أنها بدأت بكتابة المصحف ثم جمع الحديث وكتابته ، ثم إفراد الصحيح ثم جمعه على أبواب السنن ، ثم جمعه على أسماء الصحابة ثم على أسماء الشيوخ ، واستتبع ذلك ضرورة معرفة الرواة الثقات من الضعفاء فتكلموا في الثقات والضعفاء وأحوالهم وتواريخ ولادتهم ووفياتهم .
وإذا عرجنا على باب آخر غير العلم وجدنا كيف أن سلفنا الصالح كانوا أول من أسس فن إدارة دور العلم ، وإذا طالعت كتاب الدارس في تاريخ المدارس أو تاريخ البداية والنهاية لابن كثير لوقفت على المستوى الراقي الذي وصلت إليه فنون الإدارة في زمان كانت أوروبا تخبط خبط عشـواء .
[1] أن يجهر بالجرم . | |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الأحد 28 يونيو 2009, 15:15 | |
| ولو قرأت كتاب : شمس العرب تشرق على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه لعلمت أن حضارة المسلمين لم تقم على الأماني والأحلام ، بل قامت على سواعد أقوام أخذوا بأسباب المدنية ، وتنافسوا في خدمة دينهم ليعلو صرحه وتشمخ هامته فتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . وقد مر معنا في ( احتراف خدمة الدين ) اجتهاد جماعة التبليغ في التفنن في طرق وأساليب الدعوة والوصول إلى قلوب الخلق وتلمس كل الوسائل الممكنة للدعوة إلى الله . والتنوع ليس مزاجا مطاعا أو هوى متبعا ، ولكنه علم وذوق ، ثم دربة ومنافسة ، إذ لا بد من معرفة أوجه النفع والقصور في كل وسيلة من وسائل الدعوة ، ولا بد من وجود الإحصائيات التي تفيدنا في معرفة الإيجابيات والسلبيات ، ثم إن طرح البدائل مسبقا مع دراستها وتمحيصها ( كما هو معلوم في علم الإدارة ) له دور في تلافي الفشل الذي يعتري الوسائل القاصرة . ولذوق الداعية دور مهم في جماليات الوسائل حتى تكون ذات رونق يتميز به الداعية المسلم عن غيره . أما منافسة الداعية لغيره ودربته في تنويع وسائله فعاملان مهمان في شحذ الهمم والإمكانيات واستنباط الأفكار الجديدة والعبقرية . وليس يغيب عنا أن ننبه أن الجهد الجماعي في تنويع وسائل الدعوة أثرى وأغزر في الفائدة من الجهد الفردي ، كما أن قضية التنوع وغيرها من ملامح دعوية مرتهنة بقضية العمل الجماعي ولا ريب ، فقد برهنّا أن جهد الجماعة محاط برعاية الله مشمول بعنايته ومباركته . ونختم هذا الفصل بتوصيات عملية تفيد قضية التنوع بالنسبة للداعية :(1) ضرورة فهم مبدأ الابتكار في الوسائل الدعوية وأنها مشروطة بشروط شرعية حتى لا تدخل في دائرة الابتداع ، والمعنيّ : أن الدعاة يجب أن يفرقوا بين ما هو مسموح وغير مسموح في وسائل الدعوة حتى يستطيعوا الإبداع دون تهيب من حساسية الابتداع ( إبداع دون ابتداع ) .(2) صقل الخبرات الدعوية بالأساليب الآتية : أ. التعرف على الدعاة والتجمعات الدعوية والاحتكاك بجهودهم . ب. مطالعة المؤلفات الدعوية التي تعنى بهذه القضية مثل كتاب : دليل التنمية البشرية لهشام طالب والمسار للأستاذ محمد أحمد الراشد ومقدمات للنهوض بالدعوة للأستاذ بكار . ج. صقل الذوق الدعوي بالثقافة العامة ومطالعة الدوريات العالمية التي يستفيد الداعية منها في أساليب العرض ومتابعة كل جديد في عالم الإعلام . د. الإعداد لمؤتمرات ومعسكرات تدريب لتنمية قدرات الدعاة . هـ. جمع تجارب الدعاة وخبراتهم ومهاراتهم في كتاب مطبوع لتعميم الاستفادة من تلك الخبرات .(3) ضرورة مطالعة كل ما هو جديد عند دعاة الديانات والمذاهب الباطلة حتى يتمكن الدعاة من مقاومة إغراءاتهم ومواجهتها بالأنفع والأرجى لقبول الناس . (4) الاهتمام بجانب حسن العرض وبخاصة في الأنشطة الإعلامية . وقد أضحى هذا المجال علما له تقنيته ، وتواتر عندنا كيف أن المتنافسين في الحملات الانتخابية في الغرب يستعينون بمدير لحملاتهم تكون مهمته الترويج لشعبية تلك الشخصية بين الناخبين ، وما أجدرنا – في سبيل ديننا – أن تعلم كيف نروج له ونجعله غازيا لقلوب الناس .(5) من الأهمية بمكان أن نولي هذا الجانب مزيدا من الاهتمام عبر إيجاد المتخصصين المتفرغين ( مكاتب خبرة ) لابتكار وسائل دعوية تفيد الدعاة وتعينهم في مجهودهم الدعوي . الطريقة الرابعة : ( التعلم والتعليم ) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكُميل – رجل من أصحابه - : احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رَعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلي ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة [1] أهـ. نصوص الشرع المطهر وآثار السلف وأقاويل أهل العلم في فضل العلم والعلماء والتعلم والتعليم خارجة عن حوزة الحصر[2] ، والمقصود من هذا الباب بيان خطر العلم والتعلم في رفع راية الدين وسموق لوائه بين العالمين . والمقصود بالعلم ههنا كل علم أورث خشية لله وعزة للدين ، وإن كان من علوم الدنيا ، وعلوم الدين مقصودة لذاتها ، أما علوم الدنيا فمقصودة بالتبع ، فمن ابتغى علما من علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والإدارة والمحاسبة وتقنية الحاسب الآلي واحتسب المثوبة وصدق في تسخير علمه لخدمة الدين رُجي أن تكون هذه العلوم بمثابة علوم الدين ، بل طلبها حينئذ أشرف ممن طلب علوم الدين ولم يرفع بها رأسا . إن المقصود بكلامنا عن العلم هنا ما يعين على إعزاز الدين ورفع راية الحق ، ولا يكون ذلك إلا بثلاثة أمور : الأول : تعظيم العلم وإجلاله واعتقاد خطورته كما قال حافظ حكمي رحمه الله :وقدس العلم واعرف قدر حرمته لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم الثاني : الجد في طلبة وترك الدعة والكسل ، ومسابقة الغير فيه ، والتفوق على أهل ملة الكفر والعناد . الثالث : الالتزام بمنهج جاد يسير عليه ويعول . ثم إن المقصود بالتعلم والتعليم ههنا أيضا بلوغ الرتبة العليا والغاية الكبرى منهما ، وليس مجرد نوال حظ منه ولو كان قليلا . فهمة الدعاة والغيورين على الدين يجب أن تسابق الريح ، وأن تكتسح الصعوبات ، وتتجاوز الأزمات ، فترقى بصاحبها إلى ذرى المجد والناس قعود [3]. أما آلية التعلم والتعليم فهي المقصودة من بحثنا ههنا ، وكيف يستطيع الدعاة أن يوظفوا هذا الركن الركين ( العلم ) في خدمة الدين ؟ إنه ما من شك أن كل أمر من أمور الدنيا له مقاصد ووسائل ومتممات ، والمقاصد هي التي تحدوا طالبها للرغبة فيها ، والوسائل سبيله الجادة لنيل مرغوبه ومطلوبه ، والمتممات مسلكه في حفظ ما ناله وحصل عليه . ومقصود العلم بالنسبة لطلاب الآخرة نوال رضا الله تبارك وتعالى والفوز بجائزته تبارك وتعالى ، ومن مقاصد العلم تطهير النفس وتزكيتها وترقي المراتب العليا في العبودية ، ومسامتة الملائكة في مراتب الطاعة ، إذ بالعلم تزداد الخشية وتعظم الإنابة . أما وسيلة السالك طريق الآخرة في نيل مطلوبه من العلم وتتميم ذلك بحفظه من الزوال وعدم النفع ، فيكون بما سنسطره ههنا . فالذي ينبغي أن يعلمه كل غيور على الدين ومساهم في إعزاز الدين أن العلم كيان استراتيجي وحيوي للدعوة الإسلامية ، وهو بمثابة الروح السارية في بنيان الصحوة ، وماء حياتها ورواؤها ، وبقد ما تبلغ الصحوة من العلم شأوا بقدر ما تنال من الإعزاز قدرا . ومعنى كون العلم كيانا استراتيجيا أنه صار ثابتا لا يقبل التغير أو المساومة ، وأنه يجب أن يوضع في أول سلم الأولويات ، كما أن اشتراطه وصفا لازما في حملة هذه الدعوة يجب أن يكون صارما لا يقبل التنازل أو التنازع . فالدعوة لا يمكن أن تبدأ خطواتها بالجهل ، ولا يمكن أن تتسارع في الخطو بأقدام الجهلاء ، ولن تستطيع أن تقيم للدين صرحا شامخا وهي من عدة العلم خاوية على عروشها . وقد أثبت التاريخ بالتجربة - بعد أن ثبت ذلك بنص الوحي المعصوم - أنه ما من أثر يخلد أو جهد يبقى أو تركة تدوم إلا العلم النافع الذي يستفيد به صاحبه ويفيده الناس . فيجب والحال كما ذكرنا أن تتواصى همم الدعاة على تبني ميثاق غليظ في إحياء هذه القيمة في قلوب أفراد المجتمع ، ومن باب أولى في نفوس من ينتمون إلى هذه الصحوة المباركة ، وتحريك ماء الكسل الآسن الذي أنتن بطول الخمول والمكث ، وحفز الطاقات الهادرة التي تنصرف في أودية الدنيا إلى احتضان العلم وتبنيه وإنزاله المنزلة اللائقة به . لم يعد من المقبول أن نكون من أصحاب دين أول كلمة في الوحي الذي اختصصنا به الأمر بالقراءة فإذا بنا نقف في ذيل القراء والناهلين من العلم القراح ، كما لم يعد من المقبول أن نرى جلد الكفار والفجار في طلب العلم ورقي مراتبه وتسنم مدارجه وحملة الحق يحملقون وللشفاه يمصمصـون . يقول الراشد : إن من مصائب أمتنا اليوم أنها لا تقرأ ، ومع ذلك فلا يتجه هذا الخطاب لها ، لأن طريق الاستدراك طويل ، ويبدأ بيقظة الخاصة من دعاة الإسلام ليقودوا البقية ، وإنما الخطاب متجه لهذه الخاصة الرائدة القائدة ، بل ولفتيان الدعوة الميامين ، الذين هم قادة المستقبل ، فنعم الفتيان فتيان الدعوة لو قرءوا . لقد عرفت شباب الإسلام وصاحبتهم واقتربت منهم ، فوجدتهم من أنقى الناس سريرة وأنصعهم طهرا وأصفاهم عقيدة وأجزلهم وعيا ، ورأيت منهم تشميرا إلى الخير في حرص دائب وفرارا إلى الله تعالى من خلال طريق عريض لاحب ، لكنها كثافة المطالعة تنقصهم ، ولو أنهم أحنوا ظهورهم على كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ طويلا ، واكتالوا لهم من الأدب والثقافة العالمية العامة جزيلا لكملت أوصافهم ولتفردوا في المناقب . وإني لأعجب من دعاة الإسلام الذين أراهم اليوم ، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس ، والنشر في الصحف ، قبل أن يجمع شيئا من البيان جمعه الطبري في تأول آي القرآن ، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه ، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه ، أو موافقة للشاطبي في موافقاته ؟ وكيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية ، وابن القيم ، والغزالي ، وابن حزم ؟ وكيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم ، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان ؟ وأعجب أكثر من هذا لداعية أثير حماسته لهذه العلوم والآداب فيقول : ليس لي وقت ، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعبا مضاعفا ، ولا شرع له السهر ! [1] علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ص 141 . وإنما أوردنا قول الإمام علي رضي الله عنه دون غيره لأن له شاهدا وثيق الصلة بما نحن فيه ، وهو قوله في الصنف الثالث : وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق . وفي كلماته تراه يصف واقع الأمة في كل زمان ومكان ، فالمسلمون لم يؤتوا إلى من الجهل والجهلاء ، تقوض ركن العلم فانهدم بنيان العدل حيث فقد من يحرسه ، وتوصيفه للفئة الثالثة بأنهم أتباع كل ناعق : طارت مثلا ، وهو وصف لا تخطئه عيناك في المجتمعات المتخلفة التي ليس لها العقل المكتسب الذي تميز به الظالم من العادل ، وقوله : يميلون مع كل ريح ، صفة لازمة لمن لا شخصية له ، وهيئة راسخة فيمن تقولب في تمثال غيره لأنه لا شيء أو أنه شيء ليس له كيان أو طعم أو لون أو رائحة شأن كثير من الموائع الهلامية ! وقوله : لم يستضيئوا بنور العلم ، قد يظهر أنه وصف مؤكد ، والحق أنه وصف كاشف ، والمقصود بيان حماقة الـراغبين عن العلـم ، وأنهم يعشون في ظلمة ويبصرون النور ولكنهم { ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون } . وقوله : ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يشعر أن قليل العلم لا يكفي في العصمة من الضلالة والغواية ، وأن الاستزادة منه سبيل الجادين في النجاة والرغبة في الفوز .[2] يراجع في فضله وفضل طلبه وشرف العلم والعلماء وآداب طلب العلم : جامع بيان فضل العلم وأهله لابن عبد البر بتحقيق شيخنا أبي الأشبال الزهيري أو صحيح جامع بيان فضل العلم وأهله للمحق السالف ، وفضل العلم وآداب طلبه للشيخ الأديب المتفنن محمد رسلان ، ومن زبد ما صنف في هذا الصدد حلية طالب العلم للعلامة الشيخ بكر أبو زيد . [3] راجع في كتاب : علو الهمة للشيخ الرباني محمد إسماعيل حفظه الله علو همة السلف الصالح في طلب العلم ، وكذلك ما سطره يراع الداعية الأديب الرفيق سيد العفاني في كتابه : صلاح الأمة في علو الهمة ، فقد أدى بالعجب العجاب ، وأوصيك بكتاب : قيمة الزمن عند العلماء للشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله . | |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 29 يونيو 2009, 15:04 | |
| ولو قرأت كتاب : شمس العرب تشرق على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه لعلمت أن حضارة المسلمين لم تقم على الأماني والأحلام ، بل قامت على سواعد أقوام أخذوا بأسباب المدنية ، وتنافسوا في خدمة دينهم ليعلو صرحه وتشمخ هامته فتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وقد مر معنا في ( احتراف خدمة الدين ) اجتهاد جماعة التبليغ في التفنن في طرق وأساليب الدعوة والوصول إلى قلوب الخلق وتلمس كل الوسائل الممكنة للدعوة إلى الله والتنوع ليس مزاجا مطاعا أو هوى متبعا ، ولكنه علم وذوق ، ثم دربة ومنافسة ، إذ لا بد من معرفة أوجه النفع والقصور في كل وسيلة من وسائل الدعوة ، ولا بد من وجود الإحصائيات التي تفيدنا في معرفة الإيجابيات والسلبيات ، ثم إن طرح البدائل مسبقا مع دراستها وتمحيصها ( كما هو معلوم في علم الإدارة ) له دور في تلافي الفشل الذي يعتري الوسائل القاصرة . ولذوق الداعية دور مهم في جماليات الوسائل حتى تكون ذات رونق يتميز به الداعية المسلم عن غيره . أما منافسة الداعية لغيره ودربته في تنويع وسائله فعاملان مهمان في شحذ الهمم والإمكانيات واستنباط الأفكار الجديدة والعبقرية . وليس يغيب عنا أن ننبه أن الجهد الجماعي في تنويع وسائل الدعوة أثرى وأغزر في الفائدة من الجهد الفردي ، كما أن قضية التنوع وغيرها من ملامح دعوية مرتهنة بقضية العمل الجماعي ولا ريب ، فقد برهنّا أن جهد الجماعة محاط برعاية الله مشمول بعنايته ومباركته ونختم هذا الفصل بتوصيات عملية تفيد قضية التنوع بالنسبة للداعية :ضرورة فهم مبدأ الابتكار في الوسائل الدعوية وأنها مشروطة بشروط شرعية حتى لا تدخل في دائرة الابتداع ، والمعنيّ : أن الدعاة يجب أن يفرقوا بين ما هو مسموح وغير مسموح في وسائل الدعوة حتى يستطيعوا الإبداع دون تهيب من حساسية الابتداع ( إبداع دون ابتداع ) . صقل الخبرات الدعوية بالأساليب الآتية :
أ. التعرف على الدعاة والتجمعات الدعوية والاحتكاك بجهودهم .
ب. مطالعة المؤلفات الدعوية التي تعنى بهذه القضية مثل كتاب : دليل التنمية البشرية لهشام طالب والمسار للأستاذ محمد أحمد الراشد ومقدمات للنهوض بالدعوة للأستاذ بكار .ج. صقل الذوق الدعوي بالثقافة العامة ومطالعة الدوريات العالمية التي يستفيد الداعية منها في أساليب العرض ومتابعة كل جديد في عالم الإعلام .
د. الإعداد لمؤتمرات ومعسكرات تدريب لتنمية قدرات الدعاة .
هـ. جمع تجارب الدعاة وخبراتهم ومهاراتهم في كتاب مطبوع لتعميم الاستفادة من تلك الخبرات . ضرورة مطالعة كل ما هو جديد عند دعاة الديانات والمذاهب الباطلة حتى يتمكن الدعاة من مقاومة إغراءاتهم
ومواجهتها بالأنفع والأرجى لقبول الناس . الاهتمام بجانب حسن العرض وبخاصة في الأنشطة الإعلامية . وقد أضحى هذا المجال علما له تقنيته ، وتواتر عندنا كيف أن المتنافسين في الحملات الانتخابية في الغرب يستعينون بمدير لحملاتهم تكون مهمته الترويج لشعبية تلك الشخصية بين الناخبين ، وما أجدرنا – في سبيل ديننا – أن تعلم كيف نروج له ونجعله غازيا لقلوب الناس .
من الأهمية بمكان أن نولي هذا الجانب مزيدا من الاهتمام عبر إيجاد المتخصصين المتفرغين ( مكاتب خبرة ) لابتكار وسائل دعوية تفيد الدعاة وتعينهم في مجهودهم الدعوي .
الطريقة الرابعة :
( التعلم والتعليم )
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكُميل – رجل من أصحابه - : احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رَعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلي ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة [1] أهـ.
نصوص الشرع المطهر وآثار السلف وأقاويل أهل العلم في فضل العلم والعلماء والتعلم والتعليم خارجة عن حوزة الحصر[2] ، والمقصود من هذا الباب بيان خطر العلم والتعلم في رفع راية الدين وسموق لوائه بين العالمين .
والمقصود بالعلم ههنا كل علم أورث خشية لله وعزة للدين ، وإن كان من علوم الدنيا ، وعلوم الدين مقصودة لذاتها ، أما علوم الدنيا فمقصودة بالتبع ، فمن ابتغى علما من علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والإدارة والمحاسبة وتقنية الحاسب الآلي واحتسب المثوبة وصدق في تسخير علمه لخدمة الدين رُجي أن تكون هذه العلوم بمثابة علوم الدين ، بل طلبها حينئذ أشرف ممن طلب علوم الدين ولم يرفع بها رأسا .إن المقصود بكلامنا عن العلم هنا ما يعين على إعزاز الدين ورفع راية الحق ، ولا يكون ذلك إلا بثلاثة أمور :
الأول : تعظيم العلم وإجلاله واعتقاد خطورته كما قال حافظ حكمي رحمه الله : وقدس العلم واعرف قدر حرمته لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
الثاني : الجد في طلبة وترك الدعة والكسل ، ومسابقة الغير فيه ، والتفوق على أهل ملة الكفر والعناد .
الثالث : الالتزام بمنهج جاد يسير عليه ويعول .
ثم إن المقصود بالتعلم والتعليم ههنا أيضا بلوغ الرتبة العليا والغاية الكبرى منهما ، وليس مجرد نوال حظ منه ولو كان قليلا .
فهمة الدعاة والغيورين على الدين يجب أن تسابق الريح ، وأن تكتسح الصعوبات ، وتتجاوز الأزمات ، فترقى بصاحبها إلى ذرى المجد والناس قعود [3].
أما آلية التعلم والتعليم فهي المقصودة من بحثنا ههنا ، وكيف يستطيع الدعاة أن يوظفوا هذا الركن الركين ( العلم ) في خدمة الدين ؟
إنه ما من شك أن كل أمر من أمور الدنيا له مقاصد ووسائل ومتممات ، والمقاصد هي التي تحدوا طالبها للرغبة فيها ، والوسائل سبيله الجادة لنيل مرغوبه ومطلوبه ، والمتممات مسلكه في حفظ ما ناله وحصل عليه .
ومقصود العلم بالنسبة لطلاب الآخرة نوال رضا الله تبارك وتعالى والفوز بجائزته تبارك وتعالى ، ومن مقاصد العلم تطهير النفس وتزكيتها وترقي المراتب العليا في العبودية ، ومسامتة الملائكة في مراتب الطاعة ، إذ بالعلم تزداد الخشية وتعظم الإنابة . أما وسيلة السالك طريق الآخرة في نيل مطلوبه من العلم وتتميم ذلك بحفظه من الزوال وعدم النفع ، فيكون بما سنسطره ههنا .
فالذي ينبغي أن يعلمه كل غيور على الدين ومساهم في إعزاز الدين أن العلم كيان استراتيجي وحيوي للدعوة الإسلامية ، وهو بمثابة الروح السارية في بنيان الصحوة ، وماء حياتها ورواؤها ، وبقد ما تبلغ الصحوة من العلم شأوا بقدر ما تنال من الإعزاز قدرا . ومعنى كون العلم كيانا استراتيجيا أنه صار ثابتا لا يقبل التغير أو المساومة ، وأنه يجب أن يوضع في أول سلم الأولويات ، كما أن اشتراطه وصفا لازما في حملة هذه الدعوة يجب أن يكون صارما لا يقبل التنازل أو التنازع . فالدعوة لا يمكن أن تبدأ خطواتها بالجهل ، ولا يمكن أن تتسارع في الخطو بأقدام الجهلاء ، ولن تستطيع أن تقيم للدين صرحا شامخا وهي من عدة العلم خاوية على عروشها . وقد أثبت التاريخ بالتجربة - بعد أن ثبت ذلك بنص الوحي المعصوم - أنه ما من أثر يخلد أو جهد يبقى أو تركة تدوم إلا العلم النافع الذي يستفيد به صاحبه ويفيده الناس . فيجب والحال كما ذكرنا أن تتواصى همم الدعاة على تبني ميثاق غليظ في إحياء هذه القيمة في قلوب أفراد المجتمع ، ومن باب أولى في نفوس من ينتمون إلى هذه الصحوة المباركة ، وتحريك ماء الكسل الآسن الذي أنتن بطول الخمول والمكث ، وحفز الطاقات الهادرة التي تنصرف في أودية الدنيا إلى احتضان العلم وتبنيه وإنزاله المنزلة اللائقة به .
لم يعد من المقبول أن نكون من أصحاب دين أول كلمة في الوحي الذي اختصصنا به الأمر بالقراءة فإذا بنا نقف في ذيل القراء والناهلين من العلم القراح ، كما لم يعد من المقبول أن نرى جلد الكفار والفجار في طلب العلم ورقي مراتبه وتسنم مدارجه وحملة الحق يحملقون وللشفاه يمصمصـون .
يقول الراشد : إن من مصائب أمتنا اليوم أنها لا تقرأ ، ومع ذلك فلا يتجه هذا الخطاب لها ، لأن طريق الاستدراك طويل ، ويبدأ بيقظة الخاصة من دعاة الإسلام ليقودوا البقية ، وإنما الخطاب متجه لهذه الخاصة الرائدة القائدة ، بل ولفتيان الدعوة الميامين ، الذين هم قادة المستقبل ، فنعم الفتيان فتيان الدعوة لو قرءوا
لقد عرفت شباب الإسلام وصاحبتهم واقتربت منهم ، فوجدتهم من أنقى الناس سريرة وأنصعهم طهرا وأصفاهم عقيدة وأجزلهم وعيا ، ورأيت منهم تشميرا إلى الخير في حرص دائب وفرارا إلى الله تعالى من خلال طريق عريض لاحب ، لكنها كثافة المطالعة تنقصهم ، ولو أنهم أحنوا ظهورهم على كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ طويلا ، واكتالوا لهم من الأدب والثقافة العالمية العامة جزيلا لكملت أوصافهم ولتفردوا في المناقب . وإني لأعجب من دعاة الإسلام الذين أراهم اليوم ، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس ، والنشر في الصحف ، قبل أن يجمع شيئا من البيان جمعه الطبري في تأول آي القرآن ، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه ، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه ، أو موافقة للشاطبي في موافقاته ؟
وكيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية ، وابن القيم ، والغزالي ، وابن حزم ؟ وكيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم ، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان ؟ وأعجب أكثر من هذا لداعية أثير حماسته لهذه العلوم والآداب فيقول : ليس لي وقت ، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعبا مضاعفا ، ولا شرع له السهر !
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 29 يونيو 2009, 15:05 | |
| ثم أعجب أكثر إذا ذكرت له كتابا فيأتيني من الغد مغاضبا ، لخطأ وقع فيه كاتبه ، أو بدعة طفيفة ، كأن العلم لا يؤخذ إلا من صاحب سنة محضة وكتاب مصون !
وماذا عليك لو أنك قرأت ونقحت ، وتخيرت وانتقيت ، وأخذت وأعرضت ؟ .[1]
إن أول خطوة يجب أن تخطوها الصحوة المباركة في هذا الدرب أن يتواصى الأفراد فيما بينهم على ضرورة تدارك العمر في تحصيل العلم ، وحفز الهمة في التنافس إليه ، وإشاعة هذه الروح بين كل المنتمين إلى الصحوة المباركة ، وأن يتحرك العلماء والدعاة في النداء إلى ثورة في مجال العلم ننفض به غبار الجهل العالق عبر مئات السنين ، نبعث روح السلف الصالح في أجسادنا لتنتبه من رقدتها وتستيقظ من نومتها[2] .
وبعد ذلك يجب أن توضع المناهج التفصيلية في تربية الناشئة على العلم وحبه وطلبه والشغف به ، فإن ذلك هو الأساس المكين في إيجاد أمة تعظم العلم وتحييه وتقوم به .
كما يجب أن يعمل المسئولون في الحركات الإسلامية على توفير كل الإمكانيات المتاحة لتسهيل عملية طلب العلم لشباب الصحوة ، وتشجيعهم وتبني العبقريات الفذة منهم ، ولإصلاح المناهج التربوية بما لا يتعارض مع هذه المقاصد المذكورة .
إن مساجد الدعوة وبيوتات الدعاة يجب أن تكون صروحا للعلم ، ومنارات لطلبته ، ويجب أن يتعاون الدعاة في إيجاد المرجعيات العلمية لكل العلوم ، بحيث يسهل على طلبة العلم أن يختاروا العلوم التي تميل نفوسهم إليها .
إننا لا نطمع أن يكون المجتمع كله علماء ، ولكننا نتمنى أن يكون المجتمع بأكمله من طلاب العلم الذي يدعو العقل ليحيى من رقدته فلا يستسلم للظلم والجور أو يرضى بالهزيمة والهون .
وطالب العلم الذي بإمكانه أن ينفع دعوته ودينه هو الذي يسلك جادة العلم بجد ، وينأى بنفسه عن أماني الحالمين ، وخطو الكسالى الخاملين .
ومن أجل رفع معنويات طلبة العلم وحفز هممهم فيجب ألا يترك لهم طريق الطلب يتخبطون في دياجيره وأساليبه المختلفة المتباينة ، بل يجب أن توضع مناهج الطلب بإزاء تيسير الشيوخ المتخصصين الذين سيكون لهم اليد الطولى في توجيه الطلبة .
والآفة التي يعلمها كل طلبة العلم الآن أن مسيرة طالب العلم – إذا كانت له مسيرة أصلا – متروكة لهواه ومزاجه الشخصي ، فهو يقرأ اليوم كتابا فإذا مله أو وجده ثقيل الدم استساغ الترحل عنه إلى كتاب آخر دون استشارة شيخ أو انتهاج منهج .
وآخرون يقرءون الكتب التي اشتهرت بين العلماء دون اعتبار لمستواهم وإمكانياتهم في فهم أو هضم المعلومة ، وآخرون يقرءون الكتب ذات التجليد الجميل والغلاف الخلاب ، فإذا ما كان الكتاب ذا ورق أصفر أو تجليد منفر نفرت منه قلوبهم وتذرعوا بأن أعينهم لا تطيق النظر إلى الكتب الصفراء .
والأمزجة في هذا الباب لا حصر لها ، وقد عانيت شخصيا أثناء الطلب من بعض هذه الأمزجة الهوائية – لقلة الشيوخ والموجهين آنئذ – ولا شك أن هذا المسلك من شأنه أن يكون عائقا كبيرا في اتجاه تخريج طلبة العلم الجادين المثابرين .
وفي مقابل هذا المزاج الهوائي لطلبة العلم فإننا نجد بعض الشيوخ والعلماء والدعاة – للأسـف – يساهمون بدور ذي بال في تقعيد هذا المسلك وتقنينه ، وذلك عن طريق انتهاجهم نفس الطريقة في التدريس ، فبعض الشيوخ لا يثبت على كتاب ، فهو كالحال المرتحل ، بل ربما لا يثبت على علم واحد ، وإنما هو موسوعي[3] مثل القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط [4]. وآخر من العلماء والشيوخ لا عناية له بتلامذته ومريدي علمه ، فهو يلقي لهم بالمعلومات ولا يبالي فهمها فاهم أو أخطأ في تلقيها ساذج ، وربما توجد عنده عبقريات فذة لا يلقي لها بالا .
وآخر همه تلقين العلم الشرعي دون أدبه ، فيتخرج تلامذته كالخشب المسندة أو العظام النخرة أو كأعجاز نخل خاوية ، ولربما كان أول من يحاربه ويعارضه ويهاجمه هم تلامذته لأنهم لم يتنشأوا على احترام أهل العلم وتوقير حملته . وقد رأينا في عصرنا من طلبة العلم من نشأ على هذه الشاكلة فأرداه سوء منهجه في الوقيعة بالعلماء والأئمة وسبهم والحط من أقدارهم[5] .
وآخرون كثر ليسوا بعلماء ولا أنصاف علماء ، ولكنهم متطفلون على موائد العلم ، شعارهم : قلت وعندنا ( ومن أنتم حتى يكون لكم عند ؟!!) ، وهذا الإمام لم يفهم الحديث ، وذلك الصحابي قوله مردود ، ونحو ذلك من العبارات التي لا طعم لها ، ولكنها خرجت من أفئدة خاوية من توقير العلم وأهله ، ومن عقول مفلسة من العلم وعدته [6] .
إن هذه الآفات الناهشة في نسيج الصحوة يجب أن تستأصل من الجذور ، وتستبدل بالمثل الكاملة التي كان عليها سلف الأمة ، فلن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله .
ولقد شهدت الصحوة تجربة المعاهد العلمية الخاصة التي استظل بها كثير من طلبة العلم دهرا ثم قلب لها الطغاة ظهر المجن حينما رأوا الأثر الجارف الذي أحدثته في الصف الإسلامي ، بل تواصل زحف الطغاة إلى الدعاة في بيوتهم لأجل منع دروس العلم وتجفيف أي ينبوع حكمة في المجتمع الإسلامي وإطفاء كل شعاع ينبثق في زاوية من زواياه ، وليس من شيء نتسلى به ونتعزى إلا قول الله تعالى : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } ، وقال : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } .
ولكن ذلك لا ينبغي أن يفت من فؤادنا أو ينال من عزيمتنا ، فإن العلم كما أسلفنا استراتيجية لا تراجع عنها ، ويجب أن نستغل كل الوسائل الممكنة للرقي بمستوى المنتمين إلى الصحوة علميا حتى ولو كان بابتكار المناهج التعليمية الجديدة والجادة التي تعالج الوضع المنقوص الذي نعيشه ونحياه .
وقد كان لكاتب هذه السطور معاناة لمأساة طلبة العلم ، فتم وضع منهج يعالج إشكاليتين حاصلتين ، الأولى : إشكالية عدم وجود العلماء أو قلتهم أو عدم تفرغهم الكامل لطلبة العلم ، والثانية : إشكالية نوعية الكتب التي يجب قراءتها في كل علم مع اعتبار المرحلية والتدرج في الطلب والتحصيل .
فعلى صعيد قلة العلماء عالج المنهج قضية التلقي باعتبارها الأساس الذي اشترطه السلف الصالح في اعتبار العلم ، حتى قال قائلهم : من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يكن عن الزيغ والتحريف في حرم
ومن يكن آخذا للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم كالعــدموذلك بتقنين قراءة الطلبة للكتب [7]، عن طريق التدرج في مستوى الكتاب حتى تقل نسبة العبارات الغامضة والمسائل الصعبة ، مع اشتراط وجود الشيخ المتابع الذي يجري اختبارات شفوية وتحريرية ويشرح عينات مختلفة من الكتب أو العناوين التي يقرؤها الطالب . وعلى صعيد نوعية الكتب فقد تم اختيار الكتب التي يسهل قراءتها ( مع الحرص أن تكون نسبة كبيرة منها من كتب التراث الأصيل ) وتصعيد مستواها مرحليا بعد نجاح الطالب في اجتياز الاختبار التحريري والشفوي .
وتضمن المنهج بحثا مختصرا في كيفية الاستفادة من قراءة الكتب ، تم فيه تقعيد أسس القراءة النافعة ، والوسائل العملية لتحصيل أعظم فائدة للقارئ العادي والمتوسط والعالي المستوى ، وكل ذلك عن طريق أبحاث نفسية واجتماعية تم الاستفادة منها وتأطيرها في إطار شرعي إسلامي [8].إن أقل ما يجب أن يبذله دعاة اليوم هو تكوين مجموعات علمية والإشراف عليها ، والرقي بمستواها العلمي والتطبيقي ، وإكسابها الدربة اللازمة لكل ما تحتاجه الدعوة من علوم ومعارف ، حتى الدنيوي منها ، وبدون ذلك فإخال كل المحاولات المبذولة قد أثبتت التجربة أنها باءت بالفشل .
وينبغي أن يتدارس الدعاة دوما هذه القضية باعتبارها مشكلة حقيقية تهدد المستقبل الدعوي بحق ، وما لم يعلم الدعاة على تدارك هذا الأمر في مؤتمراتهم واجتماعاتهم فإن الصحوة إما أن تنحسر كما أو كيفا ، وفي كلتا الحالتين فالخاسر الوحيد هو مستقبل هذا الدين
ولكن على صعيد المجهود الفردي نقول : إن أي منتم للصحوة المباركة بل للدين الحنيف لا بد أن يقوم لله قومة صدق ، ينفض عن سربال إيمانه غبار الجهل ، ويتحلى بزينة العلم ، ويصطف في مسيرة الساعين إليه الباحثين عنه الطالبين له .
ويكون ذلك ببذل كل جهد مستطاع في مخالطة العلماء وطلبة العلم والأخذ بنصائحهم في قراءة الكتب ، ومشافهة الشيوخ في مسائل العلم ، وعرض ما يصعب أو يستغلق فهمه عليهم .الطريقة الخامسة
( اكتساب مهارات الدعوة )
إن الدعوة كغيرها من الأعمال تحتاج إلى دربة وخبرة ، وما من عمل أتقنه صاحبه بالفطرة ، مصداق ذلك قوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } .
وموسى عليه السلام طلب الاستعانة بذي الخبرة حين قال : { واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . أشدد به أزري وأشركه في أمري } . كما أن مما رشحه أن يؤاجره صاحب مدين للعمل توفر الشرطين الذين ذكرتهما إحدى البنتين : { إن خير من استأجرت القوي الأمين } . وطالوت استحق الملك بما أوتي من بسطة في العلم والجسم .
وهكذا يجب أن يمضي الدعاة ، يجابهون الصعاب ويواجهون المواقف بمهارات مكتسبة ، وخبرات مجتناة ، ودربة مستقاة . ما أعظمها من همة لا تترك لكلمة ( ظروف ) حجة لمحتج أو عذرا لمعتذر ، إنه يأبى إلا الكمال ، لأن النفوس الكاملة تستقبح النقص : ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمـام
وتكامله في إتقان الأسباب مواز ليقينه في معونة الله تعالى ، لأنها لا تأتي إلا على قدر المئونة ، وهداية التوفيق منوطة باتباع هداية الإرشاد ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
.
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 29 يونيو 2009, 15:06 | |
| إذا أسند إلى أحدهم عمل من أعمال الدعوة أقبل عليه بالدرس والتحليل والتمحيص ، واقترح الأساليب ودرس إمكانية تطبيقها ، والعوائق التي قد تحول دون نجاحها ، كما يدرس النتائج المتوقعة واحتمالات الفشل والبدائل المقترحة
إن الداعية الناجح ذو قلب عقول ولسان سئول ، يبغض الجهل ، ويعظم العلم ، ويحترم التخصص ، يرفض أن يقوم بعمل لا يتقنه حتى يتقنه . فهو لا يحتج بعدم الإتقان على ترك العمل ، بل يعتذر عن العمل ريثما يتقنه ويقوم به حق القيام .
إن الداعية الناجح إذا أسندت إليه خطبة حال كونه لا يجيد الخطابة ، استأذن أصحابه شهرا ليتعلم فن الخطابة ويجيد أساليبها ، ليرقى المنبر متمكنا من صنعته مالئا مكانه الذي وضع فيه .
إن الداعية الناجح إذا اكتشف أنه لا يتقن محادثة الناس على الملأ ، هرع إلى المكتبات يبحث عن الكتب التي صنفت في كيفية تنمية مهارات المحادثة ومواجهة الجماهير .
إن الداعية الناجح إذا خطب في موضوع أشبعه ، وإذا تحدث في قضية أتى على تفاصيلها فلم يترك تعقيبا لمعقب . إن مشاريع الدعاة الناجحين لا يعتريها الفشل من قبل تقصيرهم ، أو يصيبها الشلل بسبب أخطائهم ، بل بأقدار وحكم لا يعلمها إلا الله تعالى .
وهم في بذلهم الوسع مثل الأنبياء الذين مكثوا في أقوامهم مئات أو عشرات السنين ثم لا يأتون يوم القيامة مع أقوامهم إلا بالرهط وبالواحد والاثنين وربما يأتي النبي وليس معه أحد .
والمهارات الدعوية تخصص يجب أن نؤمن به ونحترمه ، فليس كل عالم داعية والعكس صحيح أيضا وكم من علماء متخصصين ملئوا الدنيا علما ولكنهم يفشلون في أي موقف دعوي ساذج .
وكما يجب على الدعاة ألا يفتئتوا على وظيفة العلماء في الفتوى والإفادة ، فيجب على العلماء ألا يحتكروا الدعوة بزعم احتكارهم للعلم .
والواقع يشهد بأن المهارات الدعوية صارت تتطلب تخصصات مختلفة ومعقدة لا يسد احتياجاتها المتخصصون في الفقه والحديث .
فالدعوة تحتاج إلى المربين لمختلف الأعمار ، والذي يتعهد الأطفال والصبية الصغار ليس كمن يربي الشبيبة المراهقين ، ومن يعنى بمقارعة المنصرين ومجابهة العلمانيين لن يتفرغ كثيرا للاهتمام بسد حاجة الفقراء المسلمين مثلا .
إنها وظائف كثيرة ، تحتاج إلى جهود متضافرة ، وفي نفس الوقت إلى مهارات مكتسبة تتناسب وتلك الوظائف .
إذ لم يعد من المقبول أن يقوم داعية واحد بكل تلك الأنشطة التي ذكرناها ، أو يهتم بها ويفكر فيها ، إن ذلك سيؤدي به إلى خلل في الأداء أو قصور في التخطيط والتنظيم ولا ريب .
فناسب حينئذ أن تتوزع اختصاصات الدعوة على الدعاة ، مع ضرورة أن يقوم كل داعية بإتقان الدور الذي أسند إليه وأن يتخصص فيه ، ويعد نفسه أن يكون مرجعا لغيره من الدعاة فيما أسند إليه .
إننا لن نستطيع إيجاد العالم الموسوعي ، والداعية الجامع لكل الفنون والعلوم ، إلا أن يكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن ينبغي أن نتعامل مع السنن الكونية بواقعية ، وألا نركن إلى الأماني الكاذبة والأحلام الشاردة .
ومن الواقعية بمكان أن يدرك الدعاة أن مجال الدعوة واسع الأرجاء ، وأنه يحتاج إلى جهود جبارة ، وطاقات هائلة ، وسواعد متضافرة .
وأن الساحة مليئة بالأعداء الذين أتقنوا كل المهارات الممكنة للمواجهة مع الإسلام ، وأنهم يعدون العدة الكاملة لاستئصال الدين ، وأن عدتهم في ذلك متكاملة التجهيز والتنسيق ، وأنهم متفقون على تسخير كل تقنية متاحة في نصرة باطلهم .
وبإزاء ذلك يتعامل بعض الدعاة مع واقعهم بسذاجة وبساطة لدرجة تدعو للرثاء أو الشفقـة ، مدفوعون بعواطف صادقة لكنها لا تغني فتيلا أمام سنة الله التي لن تجد لها تبديلا .
فسنة الله لا تحابي أحدا ، حتى الأنبياء والمرسلين ، اجترفتهم أقدار الإله لما حصل التقصير من بعض أتباعهم . أخذت الرجفة موسى ومن اختاره لميقات ربه بفعل بعض السفهاء ، ويهزم جيش فيه خير البشر وخيرة الله من العالمين محمد صلى الله عليه وسلم لأن من جنده من كان يريد الدنيا .
إن المسلمين قد عاشوا – للأسف – قرونا في ظل ثقافة تواكلية ، وتحت سقف سلبية مقننة ، وقد وجد من علماء المسلمين – للأسف أيضا – من يقعد مبدأ السياحة في الأرض والخلوة في الفيافي في وقت كان التتار يدكون حصون الشام والصليبيون يدكون حصون مصر .
إن في بعض الأدبيات الصوفية جنوح لما يمكن أن نسميه دعوة للكسل والخمول ، ولن نعجب أن يستقر في أذهان العامة أن الصوفية أو رواد المساجد في الجملة أصحاب بطون ، أو أنهم عشاق الفَتَّة .
إن هذه الثقافة التواكلية سرت في وجدان الأمة حتى أضحت عقيدة يُعْتدُّ بها ومَهْيَعا يرتاده كل من أراد التدين . ولا أغالي إذا قلت إن شيئا من هذه التواكلية سرى إلى أوصال الصحوة المباركة بفعل التجاور والمعاشرة .
ورأينا من يقنن لهذا الكسل ، ويقعد لما اصطلح عليه العوام اسم ( البركة ) ، أي أن كل شيء يمشي بالبركة أي بدون اتخاذ الأسباب وبدون اكتساب المهارة اللازمة لأدائه .
وسمعت بعض الدعاة ينفر من التخطيط السليم لإدارة الدعوة ، وأن الخير في عدم تعقيد الأمور ، وآخر يبدع العمل الجماعي ، وثالث يحرم ابتكار الوسائل الدعوية ، في نمط من السذاجة لا يتناسب مع مقامهم في العلم والفضل .
إن اتخاذ الأسباب عقيدة كما أن التوكل نفسه من العبادات القلبية الأصيلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الاثنين في أسلوب بليغ حين قال : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ) . أي تذهب في الصباح المبكر خالية الحواصل ، فإذا عادت في المساء كانت ممتلئة البطون . ولو كان التوكل في ترك الأسباب ، لَقَرَّت الطير في وُكُنَاتِها وأوكارها تنتظر رزقها رغدا يأتيها من كل مكان . ولكنها خرجت وطارت وسعت في أرجاء الحقول تبحث عن الحب والدود ، والفقيه من اعتبر .
إنني استحيي والله من نفسي حين أرى المنافق أو الفاسق يتقن من حرفة الدعاية لنحلته ومنهجه مالا أتقن ، وأتوارى خجلا وأذوب كمدا حينما أرى جحافل الكفر تغير على موقع من مواقع المجتمع والدعاة يقفون في دهشة واجمين .
إن هذه الثقافة الغبية ، يجب أن تُسْتَأْصل من وجداننا ، ويحل محلها الإيمان بأهمية السبب ، والاستعداد به لمواجهة الباطل ، والبحث عنه ( أعني السبب ) واستفراغ الوسع في طلبه والحصول عليه ، وإعمال سبيل الدربة لاستعماله وتطبيقه واكتساب المهارة فيه .
وقادة الصحوة الإسلامية إذا أرادوا أن تخطوا الصحوة خطوات واثقة نحو العالمية التي تتناسب مع رسالتها وضخامة تبعتها فيجب عليهم أن يتدارسوا بجدية مبدأ تدريب الدعاة على المهارات الدعوية ، وتثقيفهم بالثقافات التي يحتاجونها في مسيرتهم .
إنه ما من هيئة إدارية أو شركة تجارية إلا وتعقد لموظفيها دورات تدريبية في كل المناحي التي يحتاجها قطاع أعمالهم ، بحيث يترقى الموظفون في درجات المهارة ولا يبقون أسرى المعلومات العتيقة والأساليب البالية .
إذن ..فليس على الدعوة من بأس أن تعقد دورات تدريبية لتنمية مهارات الدعاة في الخطابة والموعظة والتأثير على الناس ، أو دورات تدريبية في تحضير الموضوعات وتنسيقها ، أو دورات في إدارة الدعوة في المساجد أو في الجهات التي يكثر تواجد الدعاة فيها .
مثل هذه الاتجاه كفيل بتكثير سواد الدعاة عبر رفع كفاءة آحادهم ممن لم يشارك في الدعوة بفعالية من قبل ، ومن شأن هذه الطريقة أن ترفع مستوى أداء الداعية فيتحسن النشاط الدعوي بالتبع ولا ريب .
إن من العادي في الدول المتقدمة أن تعقد مؤتمرات بحثية على مستوى الجامعات والصحف والشركات – في كل المجالات – وفي المدارس على مستوى المدرسين والطلبة ، تعرف هذه المؤتمرات بجلسات ( السمنار ) يستضاف فيها متخصص في مجال معين ليتحدث عن تخصصه وكيفية الاستفادة منه في القطاع الذي يستمع إليه ، ثم يتم إتاحة فرصة المناقشة ثم يتم صياغة توصيات يُدلى بها إلى ذوي الاختصاص ليروا ما يمكن تنفيذه من عدمه .
ومن الأمور الطريفة التي علمتها مؤخرا أن شهادة الأيزو ( الجودة العالية العالمية ) تعدّى مجالها الجانب الإداري والصناعي ليشمل العملية التعليمية ، فصارت المدارس تمنح شهادة الجودة التي تثبت رقي مستوى مدرسيها وإدارتها وعمليتها التربوية والتعليمية وغير ذلك من الشروط الصارمة التي يجب أن تتوفر في المدرسة النموذجية .[1]
ولا شك أن هذا الأمر يستدعي إسقاطا مباشرا على شأننا الدعوي ، حيث إن نشاطاتنا الدعوية تفتقر إلى الجودة ، بل تفتقر إلى معايير الجودة نفسها ، لدرجة أن بعض الجماعات العاملة في حقل الدعوة تستسيغ لأفرادها التصدر للخطابة والإفادة حال كونهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، ولا ريب أن هذه جرأة على الله تعالى ، واستهزاء بجناب الشرع الموقر ، واستخفاف بعظمة شعائر الله .إنني أتصور قوة الدعوة في قوة دعاتها وثباتها في ثباتهم ، وقدرتها على غزو قلوب الناس من قدرة دعاتها على حل مشكلاتهم : كل مشكلاتهم ، ولا يمكن أن نرجو نصرا في معركة ما تخاذلت همتنا فيها عن استعمال نفس السلاح الذي يستعمله أعداؤنا أو استعمال ما هو أفضل منه .
إن معارك حامية الوطيس دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وخصومه كان محك الغلبة فيها لمن أحاط بعلوم الشرع ، ولولا أن قيض الله لأهل السنة مثل شيخ الإسلام في ذلك الزمان لكانت السنة تعاني الآن غربة حالكة ، فكان في تصدي شيخ الإسلام للبدع الكلامية والانحرافات العقدية والسلوكية في المجتمع الإسلامي مع شهادة الخصوم له بطول الباع في علوم الشريعة ، كان ذلك له أعظم الأثر في رفعة شأن أهل السنة وعلو كعبهم بين الناس .
وكذلك كانت مجهودات العلامة المحدث الشيخ الألباني - يحفظه الله - في علوم السنة ، ومن قبله جهود الإمام ابن باز رحمه الله في الدعوة والفتوى ، فأعظم الله منـزلة أهل السنة بهما ، وجعل لهم بين الناس وجاهة وصيتا ، وأحسب أن الدعوة تحتاج إلى عشرات من مثل هؤلاء حتى تخوض المعركة بخطى واثقة .[2]
وإذا أردنا أن نصوغ مهمات هذه الطريقة في عناصر عملية محددة فيمكننا أن نلخصها فيما يلي :
تكوين مكاتب لتبادل الخبرات بين الدعاة مهمتها البحث عن كل جديد في تقنيات العصر مما له مسيس صلة بواقع الدعوة وتسخيره في خدمة الدين ، مع إيجاد الكوادر التي تستطيع التعامل مع تلك التقنيات الحديثة .
أن تتواصى همم الجماعات والهيئات الإسلامية على تدريب أفرادها وصياغة مناهج علمية تدريبية ، مع الحرص على متابعة المستوى ومحاسبة المقصرين مع توليد القناعة في نفوس الأفراد والجماعات بأهمية اكتساب الخبرات والتخصصات المناسبة التي تحتاجها الدعوة ، وأن ذلك من صميم الإتقان والإحسان الذي أمر به الشرع المطهر .
بمعنى رقي
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 29 يونيو 2009, 15:07 | |
| إذا أسند إلى أحدهم عمل من أعمال الدعوة أقبل عليه بالدرس والتحليل والتمحيص ، واقترح الأساليب ودرس إمكانية تطبيقها ، والعوائق التي قد تحول دون نجاحها ، كما يدرس النتائج المتوقعة واحتمالات الفشل والبدائل المقترحة
إن الداعية الناجح ذو قلب عقول ولسان سئول ، يبغض الجهل ، ويعظم العلم ، ويحترم التخصص ، يرفض أن يقوم بعمل لا يتقنه حتى يتقنه . فهو لا يحتج بعدم الإتقان على ترك العمل ، بل يعتذر عن العمل ريثما يتقنه ويقوم به حق القيام .
إن الداعية الناجح إذا أسندت إليه خطبة حال كونه لا يجيد الخطابة ، استأذن أصحابه شهرا ليتعلم فن الخطابة ويجيد أساليبها ، ليرقى المنبر متمكنا من صنعته مالئا مكانه الذي وضع فيه .
إن الداعية الناجح إذا اكتشف أنه لا يتقن محادثة الناس على الملأ ، هرع إلى المكتبات يبحث عن الكتب التي صنفت في كيفية تنمية مهارات المحادثة ومواجهة الجماهير .
إن الداعية الناجح إذا خطب في موضوع أشبعه ، وإذا تحدث في قضية أتى على تفاصيلها فلم يترك تعقيبا لمعقب . إن مشاريع الدعاة الناجحين لا يعتريها الفشل من قبل تقصيرهم ، أو يصيبها الشلل بسبب أخطائهم ، بل بأقدار وحكم لا يعلمها إلا الله تعالى .
وهم في بذلهم الوسع مثل الأنبياء الذين مكثوا في أقوامهم مئات أو عشرات السنين ثم لا يأتون يوم القيامة مع أقوامهم إلا بالرهط وبالواحد والاثنين وربما يأتي النبي وليس معه أحد .
والمهارات الدعوية تخصص يجب أن نؤمن به ونحترمه ، فليس كل عالم داعية والعكس صحيح أيضا وكم من علماء متخصصين ملئوا الدنيا علما ولكنهم يفشلون في أي موقف دعوي ساذج .
وكما يجب على الدعاة ألا يفتئتوا على وظيفة العلماء في الفتوى والإفادة ، فيجب على العلماء ألا يحتكروا الدعوة بزعم احتكارهم للعلم .
والواقع يشهد بأن المهارات الدعوية صارت تتطلب تخصصات مختلفة ومعقدة لا يسد احتياجاتها المتخصصون في الفقه والحديث .
فالدعوة تحتاج إلى المربين لمختلف الأعمار ، والذي يتعهد الأطفال والصبية الصغار ليس كمن يربي الشبيبة المراهقين ، ومن يعنى بمقارعة المنصرين ومجابهة العلمانيين لن يتفرغ كثيرا للاهتمام بسد حاجة الفقراء المسلمين مثلا .
إنها وظائف كثيرة ، تحتاج إلى جهود متضافرة ، وفي نفس الوقت إلى مهارات مكتسبة تتناسب وتلك الوظائف .
إذ لم يعد من المقبول أن يقوم داعية واحد بكل تلك الأنشطة التي ذكرناها ، أو يهتم بها ويفكر فيها ، إن ذلك سيؤدي به إلى خلل في الأداء أو قصور في التخطيط والتنظيم ولا ريب .
فناسب حينئذ أن تتوزع اختصاصات الدعوة على الدعاة ، مع ضرورة أن يقوم كل داعية بإتقان الدور الذي أسند إليه وأن يتخصص فيه ، ويعد نفسه أن يكون مرجعا لغيره من الدعاة فيما أسند إليه .
إننا لن نستطيع إيجاد العالم الموسوعي ، والداعية الجامع لكل الفنون والعلوم ، إلا أن يكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن ينبغي أن نتعامل مع السنن الكونية بواقعية ، وألا نركن إلى الأماني الكاذبة والأحلام الشاردة .
ومن الواقعية بمكان أن يدرك الدعاة أن مجال الدعوة واسع الأرجاء ، وأنه يحتاج إلى جهود جبارة ، وطاقات هائلة ، وسواعد متضافرة .
وأن الساحة مليئة بالأعداء الذين أتقنوا كل المهارات الممكنة للمواجهة مع الإسلام ، وأنهم يعدون العدة الكاملة لاستئصال الدين ، وأن عدتهم في ذلك متكاملة التجهيز والتنسيق ، وأنهم متفقون على تسخير كل تقنية متاحة في نصرة باطلهم .
وبإزاء ذلك يتعامل بعض الدعاة مع واقعهم بسذاجة وبساطة لدرجة تدعو للرثاء أو الشفقـة ، مدفوعون بعواطف صادقة لكنها لا تغني فتيلا أمام سنة الله التي لن تجد لها تبديلا .
فسنة الله لا تحابي أحدا ، حتى الأنبياء والمرسلين ، اجترفتهم أقدار الإله لما حصل التقصير من بعض أتباعهم . أخذت الرجفة موسى ومن اختاره لميقات ربه بفعل بعض السفهاء ، ويهزم جيش فيه خير البشر وخيرة الله من العالمين محمد صلى الله عليه وسلم لأن من جنده من كان يريد الدنيا .
إن المسلمين قد عاشوا – للأسف – قرونا في ظل ثقافة تواكلية ، وتحت سقف سلبية مقننة ، وقد وجد من علماء المسلمين – للأسف أيضا – من يقعد مبدأ السياحة في الأرض والخلوة في الفيافي في وقت كان التتار يدكون حصون الشام والصليبيون يدكون حصون مصر .
إن في بعض الأدبيات الصوفية جنوح لما يمكن أن نسميه دعوة للكسل والخمول ، ولن نعجب أن يستقر في أذهان العامة أن الصوفية أو رواد المساجد في الجملة أصحاب بطون ، أو أنهم عشاق الفَتَّة .
إن هذه الثقافة التواكلية سرت في وجدان الأمة حتى أضحت عقيدة يُعْتدُّ بها ومَهْيَعا يرتاده كل من أراد التدين . ولا أغالي إذا قلت إن شيئا من هذه التواكلية سرى إلى أوصال الصحوة المباركة بفعل التجاور والمعاشرة .
ورأينا من يقنن لهذا الكسل ، ويقعد لما اصطلح عليه العوام اسم ( البركة ) ، أي أن كل شيء يمشي بالبركة أي بدون اتخاذ الأسباب وبدون اكتساب المهارة اللازمة لأدائه .
وسمعت بعض الدعاة ينفر من التخطيط السليم لإدارة الدعوة ، وأن الخير في عدم تعقيد الأمور ، وآخر يبدع العمل الجماعي ، وثالث يحرم ابتكار الوسائل الدعوية ، في نمط من السذاجة لا يتناسب مع مقامهم في العلم والفضل .
إن اتخاذ الأسباب عقيدة كما أن التوكل نفسه من العبادات القلبية الأصيلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الاثنين في أسلوب بليغ حين قال : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ) . أي تذهب في الصباح المبكر خالية الحواصل ، فإذا عادت في المساء كانت ممتلئة البطون . ولو كان التوكل في ترك الأسباب ، لَقَرَّت الطير في وُكُنَاتِها وأوكارها تنتظر رزقها رغدا يأتيها من كل مكان . ولكنها خرجت وطارت وسعت في أرجاء الحقول تبحث عن الحب والدود ، والفقيه من اعتبر .
إنني استحيي والله من نفسي حين أرى المنافق أو الفاسق يتقن من حرفة الدعاية لنحلته ومنهجه مالا أتقن ، وأتوارى خجلا وأذوب كمدا حينما أرى جحافل الكفر تغير على موقع من مواقع المجتمع والدعاة يقفون في دهشة واجمين .
إن هذه الثقافة الغبية ، يجب أن تُسْتَأْصل من وجداننا ، ويحل محلها الإيمان بأهمية السبب ، والاستعداد به لمواجهة الباطل ، والبحث عنه ( أعني السبب ) واستفراغ الوسع في طلبه والحصول عليه ، وإعمال سبيل الدربة لاستعماله وتطبيقه واكتساب المهارة فيه .
وقادة الصحوة الإسلامية إذا أرادوا أن تخطوا الصحوة خطوات واثقة نحو العالمية التي تتناسب مع رسالتها وضخامة تبعتها فيجب عليهم أن يتدارسوا بجدية مبدأ تدريب الدعاة على المهارات الدعوية ، وتثقيفهم بالثقافات التي يحتاجونها في مسيرتهم .
إنه ما من هيئة إدارية أو شركة تجارية إلا وتعقد لموظفيها دورات تدريبية في كل المناحي التي يحتاجها قطاع أعمالهم ، بحيث يترقى الموظفون في درجات المهارة ولا يبقون أسرى المعلومات العتيقة والأساليب البالية .
إذن ..فليس على الدعوة من بأس أن تعقد دورات تدريبية لتنمية مهارات الدعاة في الخطابة والموعظة والتأثير على الناس ، أو دورات تدريبية في تحضير الموضوعات وتنسيقها ، أو دورات في إدارة الدعوة في المساجد أو في الجهات التي يكثر تواجد الدعاة فيها .
مثل هذه الاتجاه كفيل بتكثير سواد الدعاة عبر رفع كفاءة آحادهم ممن لم يشارك في الدعوة بفعالية من قبل ، ومن شأن هذه الطريقة أن ترفع مستوى أداء الداعية فيتحسن النشاط الدعوي بالتبع ولا ريب .
إن من العادي في الدول المتقدمة أن تعقد مؤتمرات بحثية على مستوى الجامعات والصحف والشركات – في كل المجالات – وفي المدارس على مستوى المدرسين والطلبة ، تعرف هذه المؤتمرات بجلسات ( السمنار ) يستضاف فيها متخصص في مجال معين ليتحدث عن تخصصه وكيفية الاستفادة منه في القطاع الذي يستمع إليه ، ثم يتم إتاحة فرصة المناقشة ثم يتم صياغة توصيات يُدلى بها إلى ذوي الاختصاص ليروا ما يمكن تنفيذه من عدمه .
ومن الأمور الطريفة التي علمتها مؤخرا أن شهادة الأيزو ( الجودة العالية العالمية ) تعدّى مجالها الجانب الإداري والصناعي ليشمل العملية التعليمية ، فصارت المدارس تمنح شهادة الجودة التي تثبت رقي مستوى مدرسيها وإدارتها وعمليتها التربوية والتعليمية وغير ذلك من الشروط الصارمة التي يجب أن تتوفر في المدرسة النموذجية .[1]
ولا شك أن هذا الأمر يستدعي إسقاطا مباشرا على شأننا الدعوي ، حيث إن نشاطاتنا الدعوية تفتقر إلى الجودة ، بل تفتقر إلى معايير الجودة نفسها ، لدرجة أن بعض الجماعات العاملة في حقل الدعوة تستسيغ لأفرادها التصدر للخطابة والإفادة حال كونهم أميين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، ولا ريب أن هذه جرأة على الله تعالى ، واستهزاء بجناب الشرع الموقر ، واستخفاف بعظمة شعائر الله .إنني أتصور قوة الدعوة في قوة دعاتها وثباتها في ثباتهم ، وقدرتها على غزو قلوب الناس من قدرة دعاتها على حل مشكلاتهم : كل مشكلاتهم ، ولا يمكن أن نرجو نصرا في معركة ما تخاذلت همتنا فيها عن استعمال نفس السلاح الذي يستعمله أعداؤنا أو استعمال ما هو أفضل منه .
إن معارك حامية الوطيس دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وخصومه كان محك الغلبة فيها لمن أحاط بعلوم الشرع ، ولولا أن قيض الله لأهل السنة مثل شيخ الإسلام في ذلك الزمان لكانت السنة تعاني الآن غربة حالكة ، فكان في تصدي شيخ الإسلام للبدع الكلامية والانحرافات العقدية والسلوكية في المجتمع الإسلامي مع شهادة الخصوم له بطول الباع في علوم الشريعة ، كان ذلك له أعظم الأثر في رفعة شأن أهل السنة وعلو كعبهم بين الناس .
وكذلك كانت مجهودات العلامة المحدث الشيخ الألباني - يحفظه الله - في علوم السنة ، ومن قبله جهود الإمام ابن باز رحمه الله في الدعوة والفتوى ، فأعظم الله منـزلة أهل السنة بهما ، وجعل لهم بين الناس وجاهة وصيتا ، وأحسب أن الدعوة تحتاج إلى عشرات من مثل هؤلاء حتى تخوض المعركة بخطى واثقة .[2]
وإذا أردنا أن نصوغ مهمات هذه الطريقة في عناصر عملية محددة فيمكننا أن نلخصها فيما يلي :
تكوين مكاتب لتبادل الخبرات بين الدعاة مهمتها البحث عن كل جديد في تقنيات العصر مما له مسيس صلة بواقع الدعوة وتسخيره في خدمة الدين ، مع إيجاد الكوادر التي تستطيع التعامل مع تلك التقنيات الحديثة .
أن تتواصى همم الجماعات والهيئات الإسلامية على تدريب أفرادها وصياغة مناهج علمية تدريبية ، مع الحرص على متابعة المستوى ومحاسبة المقصرين مع توليد القناعة في نفوس الأفراد والجماعات بأهمية اكتساب الخبرات والتخصصات المناسبة التي تحتاجها الدعوة ، وأن ذلك من صميم الإتقان والإحسان الذي أمر به الشرع المطهر .
بمعنى رقي
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 06 يوليو 2009, 15:27 | |
| ولو قرأت كتاب : شمس العرب تشرق على الغرب للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه لعلمت أن حضارة المسلمين لم تقم على الأماني والأحلام ، بل قامت على سواعد أقوام أخذوا بأسباب المدنية ، وتنافسوا في خدمة دينهم ليعلو صرحه وتشمخ هامته فتكون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
وقد مر معنا في ( احتراف خدمة الدين ) اجتهاد جماعة التبليغ في التفنن في طرق وأساليب الدعوة والوصول إلى قلوب الخلق وتلمس كل الوسائل الممكنة للدعوة إلى الله والتنوع ليس مزاجا مطاعا أو هوى متبعا ، ولكنه علم وذوق ، ثم دربة ومنافسة ، إذ لا بد من معرفة أوجه النفع والقصور في كل وسيلة من وسائل الدعوة ، ولا بد من وجود الإحصائيات التي تفيدنا في معرفة الإيجابيات والسلبيات ، ثم إن طرح البدائل مسبقا مع دراستها وتمحيصها ( كما هو معلوم في علم الإدارة ) له دور في تلافي الفشل الذي يعتري الوسائل القاصرة . ولذوق الداعية دور مهم في جماليات الوسائل حتى تكون ذات رونق يتميز به الداعية المسلم عن غيره . أما منافسة الداعية لغيره ودربته في تنويع وسائله فعاملان مهمان في شحذ الهمم والإمكانيات واستنباط الأفكار الجديدة والعبقرية . وليس يغيب عنا أن ننبه أن الجهد الجماعي في تنويع وسائل الدعوة أثرى وأغزر في الفائدة من الجهد الفردي ، كما أن قضية التنوع وغيرها من ملامح دعوية مرتهنة بقضية العمل الجماعي ولا ريب ، فقد برهنّا أن جهد الجماعة محاط برعاية الله مشمول بعنايته ومباركته ونختم هذا الفصل بتوصيات عملية تفيد قضية التنوع بالنسبة للداعية :ضرورة فهم مبدأ الابتكار في الوسائل الدعوية وأنها مشروطة بشروط شرعية حتى لا تدخل في دائرة الابتداع ، والمعنيّ : أن الدعاة يجب أن يفرقوا بين ما هو مسموح وغير مسموح في وسائل الدعوة حتى يستطيعوا الإبداع دون تهيب من حساسية الابتداع ( إبداع دون ابتداع ) . صقل الخبرات الدعوية بالأساليب الآتية :
أ. التعرف على الدعاة والتجمعات الدعوية والاحتكاك بجهودهم .
ب. مطالعة المؤلفات الدعوية التي تعنى بهذه القضية مثل كتاب : دليل التنمية البشرية لهشام طالب والمسار للأستاذ محمد أحمد الراشد ومقدمات للنهوض بالدعوة للأستاذ بكار .ج. صقل الذوق الدعوي بالثقافة العامة ومطالعة الدوريات العالمية التي يستفيد الداعية منها في أساليب العرض ومتابعة كل جديد في عالم الإعلام .
د. الإعداد لمؤتمرات ومعسكرات تدريب لتنمية قدرات الدعاة .
هـ. جمع تجارب الدعاة وخبراتهم ومهاراتهم في كتاب مطبوع لتعميم الاستفادة من تلك الخبرات . ضرورة مطالعة كل ما هو جديد عند دعاة الديانات والمذاهب الباطلة حتى يتمكن الدعاة من مقاومة إغراءاتهم
ومواجهتها بالأنفع والأرجى لقبول الناس . الاهتمام بجانب حسن العرض وبخاصة في الأنشطة الإعلامية . وقد أضحى هذا المجال علما له تقنيته ، وتواتر عندنا كيف أن المتنافسين في الحملات الانتخابية في الغرب يستعينون بمدير لحملاتهم تكون مهمته الترويج لشعبية تلك الشخصية بين الناخبين ، وما أجدرنا – في سبيل ديننا – أن تعلم كيف نروج له ونجعله غازيا لقلوب الناس .
من الأهمية بمكان أن نولي هذا الجانب مزيدا من الاهتمام عبر إيجاد المتخصصين المتفرغين ( مكاتب خبرة ) لابتكار وسائل دعوية تفيد الدعاة وتعينهم في مجهودهم الدعوي .
الطريقة الرابعة :
( التعلم والتعليم )
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكُميل – رجل من أصحابه - : احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رَعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلي ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة [1] أهـ.
نصوص الشرع المطهر وآثار السلف وأقاويل أهل العلم في فضل العلم والعلماء والتعلم والتعليم خارجة عن حوزة الحصر[2] ، والمقصود من هذا الباب بيان خطر العلم والتعلم في رفع راية الدين وسموق لوائه بين العالمين .
والمقصود بالعلم ههنا كل علم أورث خشية لله وعزة للدين ، وإن كان من علوم الدنيا ، وعلوم الدين مقصودة لذاتها ، أما علوم الدنيا فمقصودة بالتبع ، فمن ابتغى علما من علوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والإدارة والمحاسبة وتقنية الحاسب الآلي واحتسب المثوبة وصدق في تسخير علمه لخدمة الدين رُجي أن تكون هذه العلوم بمثابة علوم الدين ، بل طلبها حينئذ أشرف ممن طلب علوم الدين ولم يرفع بها رأسا .إن المقصود بكلامنا عن العلم هنا ما يعين على إعزاز الدين ورفع راية الحق ، ولا يكون ذلك إلا بثلاثة أمور :
الأول : تعظيم العلم وإجلاله واعتقاد خطورته كما قال حافظ حكمي رحمه الله : وقدس العلم واعرف قدر حرمته لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
الثاني : الجد في طلبة وترك الدعة والكسل ، ومسابقة الغير فيه ، والتفوق على أهل ملة الكفر والعناد .
الثالث : الالتزام بمنهج جاد يسير عليه ويعول .
ثم إن المقصود بالتعلم والتعليم ههنا أيضا بلوغ الرتبة العليا والغاية الكبرى منهما ، وليس مجرد نوال حظ منه ولو كان قليلا .
فهمة الدعاة والغيورين على الدين يجب أن تسابق الريح ، وأن تكتسح الصعوبات ، وتتجاوز الأزمات ، فترقى بصاحبها إلى ذرى المجد والناس قعود [3].
أما آلية التعلم والتعليم فهي المقصودة من بحثنا ههنا ، وكيف يستطيع الدعاة أن يوظفوا هذا الركن الركين ( العلم ) في خدمة الدين ؟
إنه ما من شك أن كل أمر من أمور الدنيا له مقاصد ووسائل ومتممات ، والمقاصد هي التي تحدوا طالبها للرغبة فيها ، والوسائل سبيله الجادة لنيل مرغوبه ومطلوبه ، والمتممات مسلكه في حفظ ما ناله وحصل عليه .
ومقصود العلم بالنسبة لطلاب الآخرة نوال رضا الله تبارك وتعالى والفوز بجائزته تبارك وتعالى ، ومن مقاصد العلم تطهير النفس وتزكيتها وترقي المراتب العليا في العبودية ، ومسامتة الملائكة في مراتب الطاعة ، إذ بالعلم تزداد الخشية وتعظم الإنابة . أما وسيلة السالك طريق الآخرة في نيل مطلوبه من العلم وتتميم ذلك بحفظه من الزوال وعدم النفع ، فيكون بما سنسطره ههنا .
فالذي ينبغي أن يعلمه كل غيور على الدين ومساهم في إعزاز الدين أن العلم كيان استراتيجي وحيوي للدعوة الإسلامية ، وهو بمثابة الروح السارية في بنيان الصحوة ، وماء حياتها ورواؤها ، وبقد ما تبلغ الصحوة من العلم شأوا بقدر ما تنال من الإعزاز قدرا . ومعنى كون العلم كيانا استراتيجيا أنه صار ثابتا لا يقبل التغير أو المساومة ، وأنه يجب أن يوضع في أول سلم الأولويات ، كما أن اشتراطه وصفا لازما في حملة هذه الدعوة يجب أن يكون صارما لا يقبل التنازل أو التنازع . فالدعوة لا يمكن أن تبدأ خطواتها بالجهل ، ولا يمكن أن تتسارع في الخطو بأقدام الجهلاء ، ولن تستطيع أن تقيم للدين صرحا شامخا وهي من عدة العلم خاوية على عروشها . وقد أثبت التاريخ بالتجربة - بعد أن ثبت ذلك بنص الوحي المعصوم - أنه ما من أثر يخلد أو جهد يبقى أو تركة تدوم إلا العلم النافع الذي يستفيد به صاحبه ويفيده الناس . فيجب والحال كما ذكرنا أن تتواصى همم الدعاة على تبني ميثاق غليظ في إحياء هذه القيمة في قلوب أفراد المجتمع ، ومن باب أولى في نفوس من ينتمون إلى هذه الصحوة المباركة ، وتحريك ماء الكسل الآسن الذي أنتن بطول الخمول والمكث ، وحفز الطاقات الهادرة التي تنصرف في أودية الدنيا إلى احتضان العلم وتبنيه وإنزاله المنزلة اللائقة به .
لم يعد من المقبول أن نكون من أصحاب دين أول كلمة في الوحي الذي اختصصنا به الأمر بالقراءة فإذا بنا نقف في ذيل القراء والناهلين من العلم القراح ، كما لم يعد من المقبول أن نرى جلد الكفار والفجار في طلب العلم ورقي مراتبه وتسنم مدارجه وحملة الحق يحملقون وللشفاه يمصمصـون .
يقول الراشد : إن من مصائب أمتنا اليوم أنها لا تقرأ ، ومع ذلك فلا يتجه هذا الخطاب لها ، لأن طريق الاستدراك طويل ، ويبدأ بيقظة الخاصة من دعاة الإسلام ليقودوا البقية ، وإنما الخطاب متجه لهذه الخاصة الرائدة القائدة ، بل ولفتيان الدعوة الميامين ، الذين هم قادة المستقبل ، فنعم الفتيان فتيان الدعوة لو قرءوا
لقد عرفت شباب الإسلام وصاحبتهم واقتربت منهم ، فوجدتهم من أنقى الناس سريرة وأنصعهم طهرا وأصفاهم عقيدة وأجزلهم وعيا ، ورأيت منهم تشميرا إلى الخير في حرص دائب وفرارا إلى الله تعالى من خلال طريق عريض لاحب ، لكنها كثافة المطالعة تنقصهم ، ولو أنهم أحنوا ظهورهم على كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ طويلا ، واكتالوا لهم من الأدب والثقافة العالمية العامة جزيلا لكملت أوصافهم ولتفردوا في المناقب . وإني لأعجب من دعاة الإسلام الذين أراهم اليوم ، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس ، والنشر في الصحف ، قبل أن يجمع شيئا من البيان جمعه الطبري في تأول آي القرآن ، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه ، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه ، أو موافقة للشاطبي في موافقاته ؟
وكيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية ، وابن القيم ، والغزالي ، وابن حزم ؟ وكيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم ، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان ؟ وأعجب أكثر من هذا لداعية أثير حماسته لهذه العلوم والآداب فيقول : ليس لي وقت ، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعبا مضاعفا ، ولا شرع له السهر !
| |
|
| |
Marocain-XF عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 1913 العمر : 68 Localisation : الرباط . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 8784 خاصية الشكر : 12 تاريخ التسجيل : 30/05/2009
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 الإثنين 06 يوليو 2009, 15:29 | |
| ثم أعجب أكثر إذا ذكرت له كتابا فيأتيني من الغد مغاضبا ، لخطأ وقع فيه كاتبه ، أو بدعة طفيفة ، كأن العلم لا يؤخذ إلا من صاحب سنة محضة وكتاب مصون !
وماذا عليك لو أنك قرأت ونقحت ، وتخيرت وانتقيت ، وأخذت وأعرضت ؟ .[1]
إن أول خطوة يجب أن تخطوها الصحوة المباركة في هذا الدرب أن يتواصى الأفراد فيما بينهم على ضرورة تدارك العمر في تحصيل العلم ، وحفز الهمة في التنافس إليه ، وإشاعة هذه الروح بين كل المنتمين إلى الصحوة المباركة ، وأن يتحرك العلماء والدعاة في النداء إلى ثورة في مجال العلم ننفض به غبار الجهل العالق عبر مئات السنين ، نبعث روح السلف الصالح في أجسادنا لتنتبه من رقدتها وتستيقظ من نومتها[2] .
وبعد ذلك يجب أن توضع المناهج التفصيلية في تربية الناشئة على العلم وحبه وطلبه والشغف به ، فإن ذلك هو الأساس المكين في إيجاد أمة تعظم العلم وتحييه وتقوم به .
كما يجب أن يعمل المسئولون في الحركات الإسلامية على توفير كل الإمكانيات المتاحة لتسهيل عملية طلب العلم لشباب الصحوة ، وتشجيعهم وتبني العبقريات الفذة منهم ، ولإصلاح المناهج التربوية بما لا يتعارض مع هذه المقاصد المذكورة .
إن مساجد الدعوة وبيوتات الدعاة يجب أن تكون صروحا للعلم ، ومنارات لطلبته ، ويجب أن يتعاون الدعاة في إيجاد المرجعيات العلمية لكل العلوم ، بحيث يسهل على طلبة العلم أن يختاروا العلوم التي تميل نفوسهم إليها .إننا لا نطمع أن يكون المجتمع كله علماء ، ولكننا نتمنى أن يكون المجتمع بأكمله من طلاب العلم الذي يدعو العقل ليحيى من رقدته فلا يستسلم للظلم والجور أو يرضى بالهزيمة والهون . وطالب العلم الذي بإمكانه أن ينفع دعوته ودينه هو الذي يسلك جادة العلم بجد ، وينأى بنفسه عن أماني الحالمين ، وخطو الكسالى الخاملين
ومن أجل رفع معنويات طلبة العلم وحفز هممهم فيجب ألا يترك لهم طريق الطلب يتخبطون في دياجيره وأساليبه المختلفة المتباينة ، بل يجب أن توضع مناهج الطلب بإزاء تيسير الشيوخ المتخصصين الذين سيكون لهم اليد الطولى في توجيه الطلبة .والآفة التي يعلمها كل طلبة العلم الآن أن مسيرة طالب العلم – إذا كانت له مسيرة أصلا – متروكة لهواه ومزاجه الشخصي ، فهو يقرأ اليوم كتابا فإذا مله أو وجده ثقيل الدم استساغ الترحل عنه إلى كتاب آخر دون استشارة شيخ أو انتهاج منهج .
وآخرون يقرءون الكتب التي اشتهرت بين العلماء دون اعتبار لمستواهم وإمكانياتهم في فهم أو هضم المعلومة ، وآخرون يقرءون الكتب ذات التجليد الجميل والغلاف الخلاب ، فإذا ما كان الكتاب ذا ورق أصفر أو تجليد منفر نفرت منه قلوبهم وتذرعوا بأن أعينهم لا تطيق النظر إلى الكتب الصفراء .
والأمزجة في هذا الباب لا حصر لها ، وقد عانيت شخصيا أثناء الطلب من بعض هذه الأمزجة الهوائية – لقلة الشيوخ والموجهين آنئذ – ولا شك أن هذا المسلك من شأنه أن يكون عائقا كبيرا في اتجاه تخريج طلبة العلم الجادين المثابرين .
وفي مقابل هذا المزاج الهوائي لطلبة العلم فإننا نجد بعض الشيوخ والعلماء والدعاة – للأسـف – يساهمون بدور ذي بال في تقعيد هذا المسلك وتقنينه ، وذلك عن طريق انتهاجهم نفس الطريقة في التدريس ، فبعض الشيوخ لا يثبت على كتاب ، فهو كالحال المرتحل ، بل ربما لا يثبت على علم واحد ، وإنما هو موسوعي[3] مثل القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط [4].
وآخر من العلماء والشيوخ لا عناية له بتلامذته ومريدي علمه ، فهو يلقي لهم بالمعلومات ولا يبالي فهمها فاهم أو أخطأ في تلقيها ساذج ، وربما توجد عنده عبقريات فذة لا يلقي لها بالا .وآخر همه تلقين العلم الشرعي دون أدبه ، فيتخرج تلامذته كالخشب المسندة أو العظام النخرة أو كأعجاز نخل خاوية ، ولربما كان أول من يحاربه ويعارضه ويهاجمه هم تلامذته لأنهم لم يتنشأوا على احترام أهل العلم وتوقير حملته . وقد رأينا في عصرنا من طلبة العلم من نشأ على هذه الشاكلة فأرداه سوء منهجه في الوقيعة بالعلماء والأئمة وسبهم والحط من أقدارهم[5] .
وآخرون كثر ليسوا بعلماء ولا أنصاف علماء ، ولكنهم متطفلون على موائد العلم ، شعارهم : قلت وعندنا ( ومن أنتم حتى يكون لكم عند ؟!!) ، وهذا الإمام لم يفهم الحديث ، وذلك الصحابي قوله مردود ، ونحو ذلك من العبارات التي لا طعم لها ، ولكنها خرجت من أفئدة خاوية من توقير العلم وأهله ، ومن عقول مفلسة من العلم وعدته [6] .
إن هذه الآفات الناهشة في نسيج الصحوة يجب أن تستأصل من الجذور ، وتستبدل بالمثل الكاملة التي كان عليها سلف الأمة ، فلن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله .
ولقد شهدت الصحوة تجربة المعاهد العلمية الخاصة التي استظل بها كثير من طلبة العلم دهرا ثم قلب لها الطغاة ظهر المجن حينما رأوا الأثر الجارف الذي أحدثته في الصف الإسلامي ، بل تواصل زحف الطغاة إلى الدعاة في بيوتهم لأجل منع دروس العلم وتجفيف أي ينبوع حكمة في المجتمع الإسلامي وإطفاء كل شعاع ينبثق في زاوية من زواياه ، وليس من شيء نتسلى به ونتعزى إلا قول الله تعالى : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } ، وقال : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } .
ولكن ذلك لا ينبغي أن يفت من فؤادنا أو ينال من عزيمتنا ، فإن العلم كما أسلفنا استراتيجية لا تراجع عنها ، ويجب أن نستغل كل الوسائل الممكنة للرقي بمستوى المنتمين إلى الصحوة علميا حتى ولو كان بابتكار المناهج التعليمية الجديدة والجادة التي تعالج الوضع المنقوص الذي نعيشه ونحياه .
وقد كان لكاتب هذه السطور معاناة لمأساة طلبة العلم ، فتم وضع منهج يعالج إشكاليتين حاصلتين ، الأولى : إشكالية عدم وجود العلماء أو قلتهم أو عدم تفرغهم الكامل لطلبة العلم ، والثانية : إشكالية نوعية الكتب التي يجب قراءتها في كل علم مع اعتبار المرحلية والتدرج في الطلب والتحصيل .
فعلى صعيد قلة العلماء عالج المنهج قضية التلقي باعتبارها الأساس الذي اشترطه السلف الصالح في اعتبار العلم ، حتى قال قائلهم : من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة يكن عن الزيغ والتحريف في حرم
ومن يكن آخذا للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم كالعــدم
وذلك بتقنين قراءة الطلبة للكتب [7]، عن طريق التدرج في مستوى الكتاب حتى تقل نسبة العبارات الغامضة والمسائل الصعبة ، مع اشتراط وجود الشيخ المتابع الذي يجري اختبارات شفوية وتحريرية ويشرح عينات مختلفة من الكتب أو العناوين التي يقرؤها الطالب .
وعلى صعيد نوعية الكتب فقد تم اختيار الكتب التي يسهل قراءتها ( مع الحرص أن تكون نسبة كبيرة منها من كتب التراث الأصيل ) وتصعيد مستواها مرحليا بعد نجاح الطالب في اجتياز الاختبار التحريري والشفوي .
وتضمن المنهج بحثا مختصرا في كيفية الاستفادة من قراءة الكتب ، تم فيه تقعيد أسس القراءة النافعة ، والوسائل العملية لتحصيل أعظم فائدة للقارئ العادي والمتوسط والعالي المستوى ، وكل ذلك عن طريق أبحاث نفسية واجتماعية تم الاستفادة منها وتأطيرها في إطار شرعي إسلامي [8].
إن أقل ما يجب أن يبذله دعاة اليوم هو تكوين مجموعات علمية والإشراف عليها ، والرقي بمستواها العلمي والتطبيقي ، وإكسابها الدربة اللازمة لكل ما تحتاجه الدعوة من علوم ومعارف ، حتى الدنيوي منها ، وبدون ذلك فإخال كل المحاولات المبذولة قد أثبتت التجربة أنها باءت بالفشل .
وينبغي أن يتدارس الدعاة دوما هذه القضية باعتبارها مشكلة حقيقية تهدد المستقبل الدعوي بحق ، وما لم يعلم الدعاة على تدارك هذا الأمر في مؤتمراتهم واجتماعاتهم فإن الصحوة إما أن تنحسر كما أو كيفا ، وفي كلتا الحالتين فالخاسر الوحيد هو مستقبل هذا الدين
ولكن على صعيد المجهود الفردي نقول : إن أي منتم للصحوة المباركة بل للدين الحنيف لا بد أن يقوم لله قومة صدق ، ينفض عن سربال إيمانه غبار الجهل ، ويتحلى بزينة العلم ، ويصطف في مسيرة الساعين إليه الباحثين عنه الطالبين له .
ويكون ذلك ببذل كل جهد مستطاع في مخالطة العلماء وطلبة العلم والأخذ بنصائحهم في قراءة الكتب ، ومشافهة الشيوخ في مسائل العلم ، وعرض ما يصعب أو يستغلق فهمه عليهم .الطريقة الخامسة
( اكتساب مهارات الدعوة )
إن الدعوة كغيرها من الأعمال تحتاج إلى دربة وخبرة ، وما من عمل أتقنه صاحبه بالفطرة ، مصداق ذلك قوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } .
وموسى عليه السلام طلب الاستعانة بذي الخبرة حين قال : { واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . أشدد به أزري وأشركه في أمري } . كما أن مما رشحه أن يؤاجره صاحب مدين للعمل توفر الشرطين الذين ذكرتهما إحدى البنتين : { إن خير من استأجرت القوي الأمين } . وطالوت استحق الملك بما أوتي من بسطة في العلم والجسم .
وهكذا يجب أن يمضي الدعاة ، يجابهون الصعاب ويواجهون المواقف بمهارات مكتسبة ، وخبرات مجتناة ، ودربة مستقاة . ما أعظمها من همة لا تترك لكلمة ( ظروف ) حجة لمحتج أو عذرا لمعتذر ، إنه يأبى إلا الكمال ، لأن النفوس الكاملة تستقبح النقص : ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمـام
وتكامله في إتقان الأسباب مواز ليقينه في معونة الله تعالى ، لأنها لا تأتي إلا على قدر المئونة ، وهداية التوفيق منوطة باتباع هداية الإرشاد ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
.
| |
|
| |
Abassisse نائب المدير العام لمنتديات المغرب الملكي
عدد الرسائل : 2135 العمر : 68 Localisation : العيون الصحراء المغربية . : اوسمة العضو (ة) : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 7429 خاصية الشكر : 9 تاريخ التسجيل : 03/02/2007
| موضوع: رد: ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 السبت 18 يوليو 2009, 21:39 | |
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته جزاك الله خيرا | |
|
| |
| ثلاثون طريقة لخدمة الدين 7 | |
|