كتاب المدهش لابن الجوزي 52 قال عبد الواحد بن زيد لو رأيت الحسن، لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، ولو رأيت يزيد الرقاشي لقلت مثكل، أقبل ولد يزيد يوماً يعاتبه على كثرة بكائه، فجعل يصرخ ويبكي حتى غشي عليه. فقالت أمه يا بني ما أردت بهذا? فقال: إنما أردت أن أهون عليه.
المحب إن تذكر الربع حن وإن تفكر في البعد أن، وإن جن عليه الليل أظهر ما أجن، قطع رضاع الوصال فلم يتهن.للمصنف:
الفصل الخامس والسبعون
أخواني: الخلوة مهر بكر الفكر وسلم معراج الهمة، حريم العزلة مصون من عيب غيث عبث، إذا خلت دار الخلوة عن الصور تفرغ القلب لملاحظة المعاني.
يا هذا، إذا رُزقت يقظة فصنها في بيت عزلة، فإن أيدي المعاشرة نهابة، احذر معاشرة الجهال فإن الطبع لص، لا تصادقن فاسقاً، فإن من خان أول منعم عليه لا يفي لك، يا أفراخ التوبة لازموا أوكار الخلوة فإن هر الهوى صيود، إياك والتقرب من طرف الوكر والخروج من بيت العزلة حتى يتكامل نبات الخوافي وإلا كنت رزق الصائد، الأنس بالأنس ربق، المخالطة توجب التخليط وأيسر تأثيرها تشتيت الهم.
قطع العلائق أصل الأصول، فرغ لي بيتاً أسكنه، إن الطائر إذا كان زاقاً لم يرسل في كتاب، تأملوا إلى الفرس إذا قدم إلى الماء الصافي كيف يضرب بيديه فيه حتى يتكدر، أتدرون لم? لأنه يرى صورة نفسه في الماء الصافي وصورة غيره فيكدره حتى لا تتبين فيه الصور فيتهنى بالشرب، لا يظهر في خلوة المتيقظ إلا الحق، كان أويس يهرب من الناس فيقولون مجنون، وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حلية حلته فقوي توق عمر وكان في كل عام يسأل عنه أهل اليمن.
لما كانت آخر حجة حجها عمر قام على أبي قيس فنادى بأعلى صوته أفيكم أويس? للشريف الرضي:
كان أويس يأتي المزابل إذا جاع فأتاها يوماً فنبح عليه كلب فقال يا كلب لا تؤذ من لا يؤذيك، كل مما يليك، وآكل مما يليني فإن دخلت الجنة فأنا خير منك، وإن دخلت النار فأنت خير مني.
كان الصبيان يرمونه بالحجارة، والعقلاء عند نفوسهم يقولون مجنون والمحبة تنهاه أن يفسر ما استعجم.
صاحب أهل الدين وصافهم، واستفد من أخلاقهم وأوصافهم، واسكن معهم بالتأدب في دارهم وإن عاتبوك فاصبر ودارهم، إن لم يكن لك مكنة البذر ولم تطق مراعاة الزرع فقف في رفقة "وإذا حضر القسمة أولوا القُربى" أنت في وقت الغنائم نائم، وقلبك في شهوات البهائم هائم، إن صدقت في طلابهم فانهض وبادر، ولا تستصعب طريقهم. فالمعين قادر. تعرض لمن أعطاهم وسل فمولاك مولاهم، رب كنز وقع به فقير، ورب فضل فاز به صغير، علم الخضر ما خفي على موسى، وكشف لسليمان ما غطي عن داود.
يا هذا، لا تحتقر نفسك فالتائب حبيب، والمنكسر مستقيم، إقرارك بالإفلاس غنى، اعترافك بالخطأ إصابة، تنكيس رأسك بالندم رفعة، عرضت سلعة العبودية في سوق البيع فبذلت الملائكة نقد "ونحن نُسبِّح" فقيل ما تؤثر سكة دراهمكم، فإن عجب الضارب بسرعة الضرب أوجب طمساً في النقش فقال آدم: ما عندي إلا فلوس إفلاس، نقشها "ربنا ظلمنا أنفسنا" فقيل هذا الذي ينفق على خزانة الخاص، أنين المذنبين أحب إلينا من زجل المسبحين.
يا معاشر المذنبين إن كان يأجوج الطبع، ومأجوج الهوى، قد عاثوا في أرض قلوبكم "فأعينوني بقوةٍ أجعلْ بينكم وبينهم ردما" اجمعوا لي عزائم قوية تشابه زبر الحديد، وتفكروا في خطاياكم لتثور صعداء الأسف فلا أحتاج أن أقول "انفخوا" شيدوا بنيان العزائم بهجر المألوف، ليستحجر البناء فنستغني أن نفرغ عليه قطرا، هكذا بناء الأولياء قبلكم، فجاء الأعداء "فما استطاعوا أن يظهروه".
الجد جد فما تحتمل الطريق الفتور، ضاقت أيام الموسم، فجعجعوا بالإبل كذا أسيد الضبي إذا عوتب في كثرة بكائه يقول: كيف لا أبكي وأنا أموت غداً? والله لا أبكين فإن أدركت بالبكاء خيرا، فمن الله علي وإن كانت الأخرى فما بكائي في جنب ما ألقاه? كانت عابدة لا تنام من الليل إلا يسيراً فعوتبت في ذلك فقالت: كفى بطول الرقدة في القبور رقادا.
تزوج رباح القيسي امرأة فرأته نائماً طول الليل فقالت: ليت شعري من غرني بك يا رباح?
هذه طريقهم فأين السالك? هذه صفاتهم فأين الطالب?
الفصل السادس والسبعون
أيها المقصر عن طلب المزاد، كيف تدرك المعالي بغير اجتهاد? أين أهل السهر من أهل الرقاد? أين الراغبون في الهوى من الزهاد? رحل المتيقظون مستظهرين بكثرة الزاد كل جواد لهم يعرف الجواد فساروا فزاروا والكسلان عاد.
للشريف الرضي: ما صفت خلوات الدجى، نودي آذن الوصول أقم فلاناً وأنم فلاناً خرجت بالأسماء الجرائد، وفاز الأحباب بالفوائد، قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لامرأتي رابعة وقد قامت من أول الليل قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه، ما رأينا من يقوم من أول الليل. فقالت: سبحان الله مثلك يقول هذا? أما أقوم إذا نوديت . للمتنبي: ما دارت كؤوس النوم على أفواه العيون، فسكرت بالشراب الألباب فطرحت الأجساد على فراش "يَتَوَقَّى" صاحت فصاحة الحب بالمحب: كل مسكر حرام، فلما نفخ في صور الإيقاظ في أبان "وَيُرْسِلُ الأُخرى" قام أموات النوم وقد رحل سفر الوصال. فلم يروا إلا آثار القرب في مناخ الأحباب وأثا في "تتجافى" ستر القوم قيامهم بالليل فستر جزاءهم أن يطلع عليه الغير "فلا تعلمُ نفسٌ" فلو عانيتهم وقد دارت كؤوس المناجاة بين مزاهر التلاوة فأسكرت قلب الواجد، ورقمت في صحائف الوجبات تعرفهم " بسيماهم ". اشتهر بقيام الليل كله، وصلاة الفجر بوضوء العشاء، سعيد بن المسيب وصفوان سليم ومحمد بن المنكدر المدنيون وفضيل ووهب المكيان طاوس ووهب اليمانيان والربيع بن خيثم والحكم الكوفيان وأبو سليمان الداراني وأبو جابر الفارسيان وسليمان التيمي ومالك بن دينار ويزيد الرقاشي وحبيب العجمي ويحيى البكائي وكهمس ورابعة البصريون.
قالت أم عمرو بن المنكدر: يا بني أشتهي أراك نائماً: فقال يا أماه إن الليل ليرد علي فيهولني فينقضي عني وما قضيت منه مأربي. وصحب رجل رجلاً شهرين فما رآه نائماً فقال مالك: لا تنام? فقال: إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.