كتاب المدهش لابن الجوزي 51 الفصل الثالث والسبعون
واشوقاه إلى أرباب الإخلاص واتوقاه إلى رؤية تلك الأشخاص، إني لأحضر ذكركم فأغيب وإن وقتي بتذكركم ليطيب. للشريف الرضي: الإخلاص مسك مصون في مسك القلب تنبه ريحه على حامله، العمل صورة والإخلاص روح، المخلص يعد طاعته لاحتقاره لها عرضاً وقلم القبول قد أثبتها في الجوهر خالصاً، الإخلاص اليسير كثير ووجود عمل الرياء عدم قراضة الأماني لا تقف، وصحيح الشبه مردود، خليج صاف أنفع من بحر كدر، إذا لم تخلص فلا تتعب لا يكسر الجوز بالعهن، أتحدو وما لك بعير? أتمد القوس وما لها وتر? أتتجشأ من غير شبع? واعجباً من وحشي بلا جبل كم بذل نفسه مراء? لتمدحه الخلق. فذهبت والمدح ولو بذلها للحق لبقيت والذكر، عمل المرائي بصلة كلها قشور، المرائي يحشو جراب العمل رملاً فيثقله ولا ينفعه، ريح الرياء جيفة تتحاماها مسام القلوب، وما يخفى على المرائي على مسانح الفطن، لما أخذ دود القز ينسج أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية الملوك ونسجك شبكة للذباب وعند مس النسيجين يبين الفرق.
شجرة الصنوبر تثمر في ثلاثين سنة وشجرة الدبا تصعد في أسبوعين فتقول لشجرة الصنوبر إن الطريق التي قطعتها في ثلاثين سنة قد قطعتها في أسبوعين، فيقال لي شجرة ولك شجرة فتجيبها: مهلاً إلى أن تهب ريح الخريف، قال الدب للآدمي: أنت تمشي على رجلين وأنا أيضاً، فقال الآدمي: ولكن صدمة تردك إلى أربع وكم أصدم وأنا منتصف. كان الأشياخ في قديم الزمان أصحاب قدم والمريدون أصحاب ألم فذهب القدم والألم، كان المريد يسئل عن غصة والشيخ يعرف القصة فاليوم لا غصة ولا قصة، كان الزهد في بواطن القلوب، فصار في ظواهر الثياب، كان الزهد حرقة فصار اليوم خرقة، ويحك صوف قلبك لا جسمك، وأصلح نيتك لا مرقعتك، غير زيك أيها المرائي فهو يصيح خذوني، تحملن السيف وما تحسن القتال سيف ودرع لزمن هتكة، ولمقعد فضيحة، البهرج يتبين عند الحك إذا كان العلوي ثابت النسب لم يحتج إلى ضفيرتين ولا يصير المخنث تركياً بلبس القباء، ولا المرائي ولياً بلبس العباء، هذه من النكت الخفايا وفي الزوايا خبايا. واعجباً ما للدواعي إلى الدعاوي، الباطن ينطق لما علم الصالحون خطر البيات، أدلجوا بأحمال الأعمال في ليل الكتم، كان البكاء إذا غلب أيوب قال ما أشد الزكام.
صام داود بن أبي هند أربعين سنة لم يعلم به أحد، كان يأخذ غداه ويخرج إلى الدكان فيتصدق به في الطريق فيظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق.
لجابر الجرمي:
كان ابن سيرين يتحدث بالنهار ويضحك، فإذا جاء الليل أخذ في البكاء والعويل.
كان خوفهم من الرياء يوجب مدافعة النهار، فإذا خلوا بالحبيب لم يصبر المشوق.
لو قدروا على استدامة الكتمان ما أذاعوا وكم يقدر المشتاق أن يكتم الوجدا، إذا جن الليل وظلامه، ثار سجن المحب وسقامه، ورمى الوجد فأصابت سهامه، واستطلق مزاد العين فأنهل سجامه، وطال بالحزين قعوده وقيامه.لو أبصرت طلائع الصديقين في أوائل القوم أو شاهدت ساقة المستغفرين في أواخر الركب، أو سمعت استغاثة المحبين في وسط الليل.إذا رأيتم حزيناً فارحموه، وإذا شاهدتم قلقاً فاعذروه. وإذا رأيتم باكياً فوافقوه.
الفصل الرابع والسبعون
أخواني: سار المتقون ورجعنا ووصلوا وانقطعنا، وأجابوا الداعي وامتنعنا، ونجوا من الإشراك ووقعنا، تعالوا ننظر في آثارهم وندرس دارس أخبارهم ونبكي على التفريط ما نابنا، ونندب ما لحقنا، وأصابنا.
للمصنف: سافر القوم على رواحل الصدق، فقطعوا أرض الصبر حتى وقعوا برياض الأنس، فعقبت قلوبهم بنشر القرب وتعطرت بنسيم الوصل، فعادت سكرى من صرف سلاف الوجد وعربدت على عالم الجسم، فكلما ربا الحب ذاب. حمائم أرواحهم مسجونة في أقفاص أشباحهم، تصوت لشجو شوقها وتقلق لضيق حبسها. للمهيار: البكاء دأبهم والدمع شرابهم والجوع طعامهم والصمت كلامهم فلو رأيتهم وعذالهم وقد زادوا بالعذل أثقالهم. أعندك من حديثهم خبر? ألك في طريقهم أثر? لخالد الكاتب:
نازلهم الخوف فصاروا ولهين، وفاجأهم الفكر فعادوا متحيرين، وجن عليهم الليل فرآهم ساهرين، وهبت رياح الأسحار فمالوا مستغفرين، فإذا رجعوا وقت الفجر بالأجر نادى منادي الهجر يا خيبة النائمين.
جليت أوصاف الحبيب في حلية الكمال فقاموا على أقدام الشوق يسبحون في فلوات الوجد فلو رأيتموهم لقلتم مجانين، هيهات من لا يعرف مناسك الحج، نسب المحرمين إلى الخبل، الناس يضحكون وهم يبكون، ويفرحون وهم يحزنون، وينامون وهم يسهرون.
لما تمكنت المعرفة من قلوبهم أثرت شدة الخوف، فارتفع ضجيج الوجد.
رأى الصديق طائراً فقال: طوبى لك يا طائر، تقع على الشجر. وتأكل من الثمر ولا حساب عليك، ليتني كنت مثلك، وقال عمر: ليتني كنت تبنة، ليت أمي لم تلدني. وقال ابن مسعود: وددت أني إذا مت لا أبعث. وقال عمران ابن حصين: ليتني كنت رماداً. وقال أبو الدرداء: ليتني كنت شجرة تعضد، وقالت عائشة: ليتني كنت نسياً منسيا.ودخلوا على عطاء السلمي وحوله بلل، فظنوه قد توضأ فقالت عجوز في داره: هذه دموعه. لصردر: أتاهم من الله وعيد وقذهم، فباتوا على حرق، وأكلوا على تنغيص فنومهم نوم الغرقى، وأكلهم أكل المرضى، عجزت أبدانهم عما حملت قلوبهم "فمنهم من قضى نحبه ومن من ينتظر".
قال فرقد: دخلت بيت المقدس خمسمائة عذراء لباسهن الصوف والمسوح، فتذاكرن ثواب الله وعقابه فمتن جميعاً في مقام واحد. قال أبو طارق شهدت ثلاثين رجلاً دخلوا مجالس الذكر يمشون بأرجلهم صحاحاً إلى المجلس، وأجوافهم والله قرحة، فلما سمعوا الذكر انصدعت قلوبهم.