كتاب المدهش لابن الجوزي 47 الخائف، فرمت كبداء الخوف الكبد فوصل نصل القلق ففلق حبة القلب فانقلب فصاح الوجد من شاء اقتطع، فلو رأيت فعل النهاية لرحمت المتمزق.
للمهيار: طال حبس المحبين في الدنيا عن الحبيب، فضجت ألسن الشوق فلو تيقظت في الدجى سمعت أصوات أهل الحبوس.للمصنف:
الفصل الستون
إخواني، تفكروا في الذين رحلوا، أين نزلوا، وتذكروا أن القوم نوقشوا وسئلوا، واعلموا أنكم كما تعذلون، عذلوا ولقد ردوا بعد الفوات لو قبلوا.
لأبي العتاهية: أين من كانت الألسن تهذي بهم لتهذيبهم، وأصبحت فلك الاختبار تجري بهم لتجريبهم، أقامت قيامتهم منادي الرحيل لتغري بهم لتغرييهم، فباتوا في القبور وحدانا لا أنيس لغريبهم، أين أهل الوداد الصافي في التصافي، أين الفصيح الذي إن شاء أنشأ في القول الصافي، أين قصورهم التي تضمنتها مدايح الشعراء صار ذكر القوى في القوافي، لقد نادى الموت أهل العوالي والقصور العوالي الطوافي، تأهبوا لقدومي فكم غرثان طوى في طوافي، رحل ذو المال وما أوصى في تفريق كدر أو صافي ، ولقي في مره أمراً مراً لا تبلغه أوصافي، ذاقوا طعام الآمال فانتزع من أفواههم يوم المآل، وعاد الخوى في الخوافي، عوى في ديارهم ذئب السقام، بتكذيب العوافي، انقطعت آمالهم، وصار كل المنى في دفع المنافي، تزلزل ود أحبابهم والتوى وبت ألتوي في التوافي، تالله لقد نال الدود والبلى، ما أرادا منهم وألفيا في الفيافي.
آلت قبورهم إلى الخراب أولا، فلا يدري أهذا قبر المولى أولا، وهم سواءٌ في السوافي، كم أعرضوا عن نصيحٍ وقد رفعوا ما تلافى التلافي، كم ندموا على ضياع زمانهم الذي خلا في خلافي، كم رأيت عاصيهم قد أعرض عني إلى عدوي والتجا في التجافي، أما أخبرتهم بوصف النار إنها " نزَّاعةٌ للشَّوى " في الشوافي، فاعتبر بحالهم فإنه يكف كف الهوى وهو الواعظ الكافي، أين الأبصار الحدائد قبل إحضار الشدائد، أما استلبت القلائد من ترائب الولائد، لا بد من إزعاج هذا الراقد، فيقع الفراق بين فريق الفراقد، يا موثقاً في حبالة الصائد، والله ما كذبك الرائد، يا عمي البصيرة ولا قائد، كم أضرب في حديد بارد.
ذهبت أعماركم في طلاب الشهوة والموت قد دنا، فما هذه السهوة والقلوب غافلة فإلام القسوة? والصلح معرض فختام الجفوة، أين رب المال ابن ذو الثروة?، أما فرس الموت ذا الفرس? وأخلى الصهوة.
طوبى للمتيقظين إنهم لقدوة، علموا عيب الدنيا فما أمسكوا عروة، وأنت في حبها كقيس وعروة، أيحسن بعد الشيب لهو وصبوة، أأبقى نأي الزمان طيب ناي وقهوة? قربت نوق الرحيل، مساء وغدوة، جذبت أيدي المنون كرها وعنوة، يا قليل التدبير ولا عقول النسوة، إلى كم عيب وعتب، أما فيكم نخوة? واعجباً لتاجر يرضى بتعب شهر ليتمتع بربحه سنة، فكيف لا يصبر أيام عمره القليلة ليلتذ بربحها أبداً.
يا من يروح ويغدو في طلب الأرباح، ويحك اربح نفسك، يا أطفال الهوى طال مكثكم في مكتب التعليم، فهل فيكم من أنجب? أقروا أدلة التوحيد من ألواح أشباحكم، وتلقفوها من أنفاس أرواحكم، قبل أن يستلب الموت من أيدي اللاهين ألواح الصور، ويمحو سطور التركيب بكف البلى وما فهم المكتوب بعد، كم يلبث مصباح الحياة على نكباء النكبات، من رأى بعين فكره معاول النقض، في هذا المنزل ناح على السكان. يا هذا مشكاة بدنك في مهاب قواصف الهلاك، وزجاجة نفسك في معرض الانكسار، فاغتنم زمان الصفو فأيام الوصل قصار، كم يلبث قنديل الحياة على عواصف الآفات، أنفاس الحي خطاه إلى اجله، درجات الفضائل كثيرة المراقي وفي الأقدام ضعف وفي الزمان قصر، فمتى تنال الغاية?.
وقف قوم على راهب، فقالوا: إنا سائلوك أفمجيبنا أنت? قال: سلوا ولا تكثروا، فإن النهار لن يرجع، والعمر لن يعود، والطالب حثيث في طلبه ذو اجتهاد، قالوا: فأوصنا، قال: تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما أبلغ البغية. إخواني، الأيام صحائف الأعمار فخلدوها أحسن الأعمال، الفرص تمر مر السحاب والتواني من أخلاق الخوالف، من استوطأ مركب العجز عثر به، تزوج التواني بالكسل فولد بينهما الخسران. كان عمر وعائشة يسردان الصوم، وسرد أبو طلحة أربعين سنة، وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة وقام ليلها، وكان عامر بن عبد الله يصلي كل يوم ألف ركعة، وختم أبو بكر بن عياش في زاوية بيته ثماني عشر ألف ختمة، وكان لكهمش في كل شهر تسعون ختمة، وكان عمير بن هاني يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة:
وكان الأسود بن يزيد يصوم حتى يخضر ويصفر، وكان ابن أدهم كأنه سفود من العبادة، وكانت رابعة كأنها شن بال، ومات حسان بن أبي سنان فكان على المغتسل كالخيط، وكان محمد بن النضر لو كشط جميع لحمه لم يبلغ رطلاً: أكبر دليا على الحب نحول الجسم واصفرار اللون.
للحارثي: قال الجنيد: دخلت على سري السقطي فمد جلدة ذراعه وقد يبست على العظم، فما امتدت، فقال: والله لو شئت أن أقول هذا من محبته لقلت:
الفصل الحادي والستون
يا من أيامه تعظه، حين تبنيه وتنقضه، يا من صحته تمرضه، وسلامته تحرضه، يقرض عمره فيفنى ومن يقرضه:
كم دارس عليك إن الرابع دارس، كم واعظ ناطق وآخر هامس، كم غمست حبيباً في الثرى كف رامس، كم طمس وجهاً صبيحاً من البلى طامس، تالله ما نجا بطبه بقراط ولا أرسطا طالس، صاح الموت بالقوم فنكس الفارس، أين الفطن اللبيب أين اليقظ القائس? أتشتري أخس الخسائس يا نفس النفائس? أتؤثر لذة لحظة تجني حرب البسوس وداحس? يا مقترين من التقى، اشتروا نفوسكم عن الذنوب تشتروا لها السنادس، أخواني، لو ذكرتم أنكم تبادون ما كنتم بالمعاصي تبادون، لقد صوت فيكم الحادون وما كأنكم للخير ترادون، واعجباً تصادون المواعظ ولا تصادون، إلى متى تراوحون الذنوب وتغادون? يا مقيمين وهم حقاً غادون، أتعادون من يقول إنكم تعادون? كأنكم بكم تقادون إلى مقام فيه تقادون، أما سمعتم كيف نادى المنادون? كل شيء دون المنى دون:
الدهر خطيب كاف، والفكر طبيب شاف، كم قطع زرع قبل التمام فما ظن المستحصد، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية، عواري الزمان في ضمان