ليلة "شعبانة"
من طقوس رمضان بالقصر الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني إحياء ليلة "شعبانة" المعروفة لدى الأوساط الشعبية المغربية، وقد حرص على إحيائها واستدعاء بعض المقربين إليها من الفنانين والفقهاء والشعراء.و كان الملك الراحل يستقبل اقتراب حلول رمضان بتنظيم "شعبانة"، وهي ظاهرة عرف بها الملوك العلويون، إذ تستدعى لها جميع الأهازيج الشعبية الممثلة للخريطة الفنية الشعبية المغربية.
لقد دأب الراحل الحسن الثاني على إحيائها، ولم تكن مجرد ليلة واحدة فقط كما هي العادة، وإنما ليالي "شعبانة"، إذ كانت تخصص ليلة للفولكلور وأخرى للغناء الشعبي وأخرى للغناء العصري وأخرى للفكاهة.. وكان الراحل الحسن الثاني يخصص مبالغ مالية هامة يقدمها للفنانين المشاركين والذين كانوا ينتظرون "شعبانة" الملكية بفارغ الصبر مع قرب حلول شهر رمضان، فكان الراحل يغدق فيها على الفنانين أموالا كثيرة من ماله الخاص، وكانت توزع بشكل اعتباطي (كلها وزهرو). وكانت ليالي شعبانة تحيا بالقصر الملكي وبحضور الملك، وأغلب طرائف الراحل الحسن الثاني مع الفنانين المغاربة والتي كشفت عنها الصحافة حدثت في ليالي "شعبانة".
للدروس الحسنية طرائفها وغرائبها
إن مراسيم حضور الملك للدروس الدينية الرمضانية لها أكثر من دلالة، وتحمل علامات تساهم في جعل سلطة الملك مرئية وبادية للعيان، وهذه من الأمور التي تدخل في نطاق شكليات الحكم الذي يضم جملة من الرموز والإشارات السلطوية. فمرة أوقف الملك الراحل الحسن الثاني أحد المقرئين في الدروس الحسنية المبثوثة مباشرة على الهواء، وقال له: "أريدك أن تقرأ بدون غنة وبدون سيكة ونهوان"، وهي مقامات موسيقية، أوقفه لأنه غضب للأمر، إذ كان من المعروف على الحسن الثاني أنه كان يستحسن القراءة على الطريقة المغربية كما تألق فيها المقرئ بنموسى، ذائع الصيت بالمغرب، والذي دأب قبل وفاته على الجلوس قبالة قبر الراحل محمد الخامس، بين قبري الشقيقين الراحلين الملك الحسن الثاني والأمير عبد الله.. كما عرف عنه أنه كان يتشبث بالبصمات والمقومات المغربية الصرفة، كما تأكد أن الراحل الحسن الثاني كان يتكلم اللغة العربية ببلاغة، وهذا ما أكده أكثر من مرة مؤنسه الفقيه بين بين، وكما تبين ذلك من خلال الدرس الديني الذي ألقاه الراحل خلال إحدى أمسيات رمضان المعروفة بالدروس الحسنية معتمدا لغة ونهج الفقهاء.
والدروس الحسنية تعتبر من العادات التي حرص الراحل الحسن الثاني على إعادة إحيائها، بعد أن توارت منذ وفاة المولى إسماعيل الذي بادر بإقرارها بالمغرب، وكذلك فعل المولى الحسن الأول، وكان الراحل الحسن الثاني يستدعي إليها أكبر العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي والعالم الغربي، ويقيمون في أفخر الفنادق ويتناولون وجبات الإفطار الرمضانية بالقصر الملكي بالرابط، وفي سنة 1998 كانت آخر الدروس الحسنية في حياة الملك الحسن الثاني، حيث تم استدعاء مائة وعشرة من العلماء من مصر ولبنان وأوزباكستان والسنيغال والصين والولايات المتحدة الأمريكية... وكلهم أودعوا مواضيع محاضراتهم مسبقا بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ليتم عرضها على القصر للمصادقة، كإجراء ضروري لإدماجها في البرنامج. وبعد وفاة الحسن الثاني لم يتغير أي شيء، إذ داوم الملك محمد السادس على تقليد الدروس الحسنية مع التقليل شيئا ما من البهرجة التي كانت ترافقها في عهد والده الراحل.
الملك نبذ الحديث عن الفقر في رمضان
سبق للأميرة لالة فاطمة الزهراء العزيزية، بنت السلطان عبد العزيز، قبل وفاتها، أن صرحت بأن الملك الراحل الحسن الثاني لم يكن يستحسن إطلاقا الحديث عن الفقر والفقراء في شهر رمضان في حضرته، كما كان ينبذ أن يناقشه أحد من خواصه أو من المقربين منه في هذا الموضوع. وحين كلفها بقضية المرأة وعينها رئيسة للاتحاد النسوي وحثها على الاهتمام بإشكالية تحريرها، كانت الأميرة تجتهد، لدرجة الإرهاق لاختيار العبارات التي ستستخدمها في حضرته، حتى لا تتفوه بعبارات تدل على الفقر أو تشير لفقراء المغرب من قريب أو بعيد، وقالت إنها كانت تقوم بذلك عن مضض.
وجبات الملك
بخصوص الأكل وأنواع الطعام في شهر رمضان، ظل الملك الراحل الحسن الثاني هو المرجع الأول والأخير في كل كبيرة وصغيرة، إذ كان يولي اهتماما خاصا لمعرفة كل مجريات الحياة بدار المخزن والعاملين بها، بما فيهم طباخو البلاط.و كان الراحل الحسن الثاني يهتم بأمور المطبخ والقائمين عليه، وبفرقة الخدم والعبيد المكلفة بالمائدة الملكية. وبهذا الخصوص أُحْضر للملك الراحل يوما طبق من الكسكس، وبمجرد إلقاء نظرة أولى عليه سأل الخادم من أعده، ثم أمر بإحضاره، وحين مثل الطباخ أمامه بدأ الملك الراحل يسأله عن طريقة تصفيف اللحم والخضر التي اعتمدها في تقديم الطبق الموجود أمامه، وذكره بالطريقة التي كان يعتمدها قبل ذلك اليوم في إعداد أطباق الكسكس. وكان من عادة الملك الراحل وطقوسه أن يأكل لوحده بينما يجلس الآخرون أمامه، وغالبا ما كان أحد مهرجي البلاط يقص إحدى الروايات لفتح شهية الملك. وقد عرف عن الملك الراحل الحسن الثاني أنه كان يرسل إلى الطباخ ليعرف ماذا سيعد له. كما أن له ولع خاص بفنون الطبخ، وكان غالبا ما يدخل إلى مطابخ القصور لتفقد أحوالها ويناقش الطباخين في أساليب تحضير الوجبات، وكان معروفا عنه حمله مطبخا كاملا، إما على متن الطائرة أو الباخرة، أثناء سفره، لاسيما وأنه كان يفتخر بالمطبخ المغربي ويدعو ضيوفه، حتى وهو خارج المغرب، ويأمر بإعداد وجبات مغربية أصيلة لهم. كما كان الملك الراحل الحسن الثاني يتجنب الأكل المُحَضَّر خارج المغرب من طرف غير طباخيه لأسباب صحية وأمنية، إذ لم يكن يأكل إلا ما تم إعداده من طرف طباخيه. كما أن هناك قصصا تروي أن الراحل الحسن الثاني اخترع بعض الأكلات، إذ كان ذا ذوق راق ورفيع، رغم أنه لم يكن من المولعين بكثرة الطعام.
لباس الملك في رمضان
في شهر رمضان كان الملك الراحل الحسن الثاني يكثر من اللباس التقليدي (الجلباب الأبيض والبلغة البزيوية الصفراء فاقعة اللون وأحيانا الحذاء الأسود). وحسب العالمين بخبايا حياة البلاط يعتبر الراحل الحسن الثاني أول من ارتدى الجلباب المغربي الأصيل مصحوبا بالحذاء الأوروبي، ويمتاز هذا الجلباب المرافق للحذاء بقصر طوله مقارنة مع الجلباب المرافق للبلغة والتي تكاد أطرافه تلامس وجهها. كما عمد الراحل الحسن الثاني إلى إحلال "الشاشية" المخزنية الحمراء محل الطربوش، علما أن الأولى تحيل على الخنوع والثاني على الوطنية والحركة الوطنية، لقد فرض الملك الراحل على البرلمانيين في جلسة افتتاح البرلمان وعلى المشاركين في تقديم البيعة وضع الشاشية المخزنية الحمراء عوض الطربوش الوطني.
الحسن الثاني يفضل الإفطار وبجانبه الأميرة لالة سكنية
عُرف عن الملك الراحل الحسن الثاني، أنه كان في بعض أيام رمضان، يستدعي في آخر اللحظات، ابنة الأميرة لالة مريم، الأميرة لالة سكينة للإفطار معه. وكانت تعطى في بعض الأحيان تعليمات من الملك الراحل، في آخر لحظة لمصالح الدرك الملكي، لجلب الأميرة لالة سكينة من نواحي الدار البيضاء أو الرباط وإحضارها إلى القصر الملكي العامر بالرباط. ومن المعلوم أن الأميرة لالة سكينة، كانت تحظى بعناية كريمة من الملك الراحل الحسن الثاني بل إن الملك الراحل هو من منحها اسم لالة سكينة.
الرباط مدينة الحسن الثاني المفضلة خلال رمضان
رغم أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان ينتقل بين قصوره المنتشرة في باقي الجهات والأقاليم، فإنه كان يفضل صيام شهر رمضان، متنقلا بين القصر العامر وسط تواركة بالرباط، وكذا قصر صخيرات الشاطئي. وكان في بعض أيام رمضان يفضل التنقل عبر سيارته، قرب شاطئ الصخيرات تمارة وبوزنيقة، ولا يعود إلى القصر العامر إلا مع اقتراب إعطاء الدروس الحسنية التي كانت في الغالب تقدم بشكل مباشر عبر شاشات التلفزة.
الحاج ثابت يجلس الملك أمام شاشة كبرى
علمنا أنه أثناء محاكمة العميد المركزي للاستعلامات العامة بالدار البيضاء، المسمى الحاج مصطفى ثابت، كان الملك الراحل الحسن الثاني يتابع شخصيا بثا مباشرا من إحدى محاكم الاستئناف بالدار البيضاء. بل إن الملك الحسن الثاني، كان لا يتعب من المرافعات الماراطونية التي جرت خلال شهر رمضان الذي صادف محاكمة العميد المذكور. وإذا كان الملك الراحل، قد غضب من تصرفات العميد الحاج ثابت، فإنه كان - حسب مصدرنا - يتابع بحياد تام هذه القضية عبر شاشة عملاقة وبشكل مباشر.
ملك لا يشاهد التلفاز
على عكس الناس في رمضان، فإن الحسن الثاني كان لا يفضل مشاهدة التلفاز، وغالبية ليالي رمضان وبعد صلاة العشاء، كان يجري اتصالات ومشاورات مع مستشاريه، وبدون استثناء، إلى درجة أن مقربين منه، يؤكدون أن الملك الراحل اتخذ قرارات مصيرية خلال شهر رمضان، بل إن مقربين من القصر، صرحوا لنا أن الملك الراحل في بعض الأوقات يظل ساهرا إلى حدود آذان صلاة الفجر