محمد فوده يكتب:
المشروع اللوجيستى مهدد بالفشل والدولة "نائمة" فى العسل!
تصريحات وزير التموين تستفز المواطن وتحرج "الحكومة والرئيس"
ليس عيباً أن نخطئ فكل إبن آدم خطاء .. ولكن العيب كل العيب أن نظل نخطئ ونتمادى فى تصرفاتنا ولا نعترف بأخطائنا التى ربما تكون قاتله فى كثير من الاحيان،أو حتى نحاول أن نصلح من هذه الأخطاء بقدر استطاعتنا.
لقد تبادر هذا الأمر الى ذهنى وأنا اتابع عن كثب ما أثير مؤخرا حول تصريحات الدكتور خالد حنفى وزير التموين والتجارة الداخلية بشأن المشروع اللوجيستى العالمى المعروف بـ "مشروع تخزين وتجارة الحبوب والبذور" فى دمياط وذلك لتحويلها الى مركز عالمى يستهدف تخزين 8 ملايين طن من البذور والحبوب الخاصة بالقمح والزيوت والسلع التموينية.
فالوزير الذى أكن لشخصه كل تقدير واحترام قد فاجأ الجميع بهذا المشروع وجعل الدولة تتحمس له بل ووصل الامر الى أن تطل علينا الحكومة بتصريحات على لسان رئيسها المهندس ابراهيم محلب تقول فيها أن هذا المشروع لا يقل فى أهميته عن المشروع القومى لإنشاء قناة السويس الجديدة أو مشروع توشكى ، وبناء عليه فقد أصبح فى غمضة عين مشروعاً قومياً يضعه الرئيس عبد الفتاح السيسى ضمن مشروعاته القومية الكبرى ، ليس هذا وحسب بل أنه يوجه أيضاً بالإسراع فى تنفيذه.
وهنا تكمن الخطورة ، فالدولة تعاملت مع المشروع باعتباره من المشروعات القومية الكبرى التى يجرى العمل فى تنفيذها الآن على قدم وساق ولكن هلى تمت دراسة المشروع دراسة متأنية قبل أن يصبح هكذا ملء السمع والأبصار .. وهل أجهد الوزير نفسه ولو للحظات وأسند فكرة المشروع الى نخبة من المتخصصين والخبراء فى هذا المجال لدراسته جيداً من كافة جوانبه لضمان توافر عناصر نجاحه والتأكد من أنه ملائم من النواحى الفنية من أجل الوصول الى الأهداف المرجوة منه.
فقد فوجئت بأن هناك دراسات أجرتها مؤسسات دولية ومحلية حول المدن الساحلية تشير الى مسألة فى غاية الخطورة وهى أن عددا ليس قليل من المدن الساحلية ومن بينها مدينة دمياط مهددة بالغرق خلال 15 عاماً قادمة بحكم التغيرات المناخية ، وأتوقف هنا أمام ما أعلنته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية بالامم المتحدة حيث انتهت وبما لايدع مجالاً للشك الى ان هناك تغيرات مناخية سيئة متمثلة فى فيضانات وأعاصير وارتفاع ملحوظ فى منسوب البحر يهدد عدة دول فى السنوات المقبلة ابتداء من 2030، وللأسف الشديد فإن تلك التغيرات المناخية تضع مصر أمام كوارث بيئية خطيرة وقد يؤدى إرتفاع منسوب مياه البحر المتوسط الى اختفاء أماكن ومناطق ساحلية فى دلتا نهر النيل نتيجة ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى والذى يأتى كنتيجة تلقائية لظاهرة الاحتباس الحرارى.
والمثير للدهشة فى هذا الامر ويدفعنى الى التساؤل عن اسباب تجاهل تلك المعلومات الخطيرة حول المشروع ، أن البيانات المأخوذة من 6 شواطئ فى مصر أثبتت أنه خلال الفترة من 1930 وحتى 1981 حدث ارتفاع ملحوظ فى منسوب المياه الذى ارتفع من 11 الى 35 سنتيمتراً وذلك فى مناطق رشيد ودمياط على شاطئ البحر المتوسط ، وهو ما كان سبباً فى ظهور بعض الأصوات المحذرة من النتائج السلبية والتى من بينها أن اقامة أية مشروعات على شواطئ الموانئ مثل الصوامع سيتأثر بالأملاح والرطوبة ويؤثر على السلع المخزنة وهو ما يعنى فى النهاية أن المشروع اللوجيستى العالمى ربما يكون مهدداً أيضا بالفشل الذريع على الرغم من أن تكلفته المبدئية تبلغ قيمتها 15 مليار جنيه كما ستبلغ فى نهايته الى 50 مليار جنيه.
واللافت للنظر أن هناك أصوات عدة كانت قد كشفت النقاب عن تلك المسألة التى أراها فى غاية الخطورة وعلى الرغم من ذلك فما تزال تصريحات الدكتور خالد حنفى وزير التموين والتجارة الداخلية مستمرة وما يزال الحديث عن هذا المشروع وغيره من المشروعات يحتل مساحات كبيرة فى وسائل الإعلام المختلفة وكأن الحديث عن مشروعات عملاقة هو بمثابة الورقة الرابحة التى يستخدمها الوزير من أجل ترسيخ قواعده والحفاظ على "كرسى الوزارة" لأطول فترة ممكنة ضارباً عرض الحائط بأن هذه التصريحات تستفز المواطنين وتحرج الحكومة بل وتحرج الرئيس أيضاً حينما يفاجأ المواطن بأنها مجرد تصريحات للشو الإعلامى فى وقت يقوم فيه الرئيس بمشروعات حقيقية ويلمسها الجميع على أرض الواقع ، نعم الرئيس الىن فى حالة حركة دائمة من اجل اختصار الوقت وانجاز الكثير من المشروعات القومية كما انه لا يهدأ ليل نهار وهو يخطو خطوات كبيرة من اجل تحقيق نهضة حقيقية فى المجتمع.
فقد فوجئت بإقحام اسم الرئيس السيسى فى هذا المشروع والإشارة اليه على أنه تجسيد لفكر ورؤى الرئيس الذى لم يأل جهداً من اجل تحقيق نهضة حقيقية فى المجتمع المصرى والأخذ بيد الإقتصاد المصرى ليتعافى ويصبح قادراً على إنعاش الحياة على وجه مصر.
فلماذا يضطر البعض الى الزج بإسم الرئيس فى مشروعات ربما لا يكون النجاح حليفها مع مرور الوقت بل وربما يتحول هذا المشروع فيما بعد الى مصدر رئيسى لإهدار المال العام ، ومن يتحمل الخسارة فى مثل هذه الحالة لو أن المشروع كان مصيره بالفعل الفشل لا قدر الله ، أنا لا اقول أن المشروع فاشلاً ولكننى اتخوف من ان يكون هكذا لأن المقدمات دائما تؤدى الى نتائج ونحن الآن امام مقدمات مفجعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهو ما يدعو الى الحذر والحيطة وأخذ التدابير اللازمة حتى لا يتحول هذا المشروع بين يوم وليلة الى مجرد مشروع لم يكتمل.
وحينما اتحدث عن فكر الدكتور خالد حنفى و الكيفية التى قدم من خلالها للدولة ولمؤسسة الرئاسة مشروعاً لم يأخذ الوقت الكافى من الدراسة والبحث فى جدواه من الناحية الإقتصادية والناحية البيئية والناحية الإجتماعية أيضا ، فإننى أجد نفسى أطرح تساؤلاً وهو لماذا يحرص الدكتور خالد حنفى على ارتكاب تلك التصرفات التى لا يجب أن تصدر عن مسئول كبير فى الدولة وهل هناك مبرر له لأن يظل يصرح فى وسائل الإعلام ليل نهار عن أفكار ومشروعات تستهدف توفير السلع للمواطنين من خلال بطاقات التموين .. فقد وصل به الامر فى اللعب على الوتر الحساس وتقديم الوعود والاحلام الوردية للمواطنين بشأن دعم السلع التموينية وتقديم كافة السلع عبر منظومة تموينية متكاملة فعلى سبيل المثال نجده قد صرح من قبل بأن المواطن سيحصل على كيلو الدجاج فى بطاقة التموين بجنيه واحد فقط فتكون النتيجة تلك الفرحة العارمة التى عمت بين الناس البسطاء أصحاب بطاقات التموين ولكن على ارض الواقع يكون الامر مختلف تماماً فحتى لو كان هذا الكلام صحيحاً فإنه فى نفس التوقيت يرفع الدعم عن السلع التموينيه بنسبة تصل الى 30% فتصل السلع بأسعار أكثر من المعتاد فيكون كيلو الدجاج الذى اخذا المواطن بجنيه وكانه بنفس سعر البيع فى السوق لان ما تم خفضه من دعم يدفع المواطن الى الإنفاق على بقية السلع بما يعادل نفس قيمة كليو الدجاج خارج البطاقة.
كما أن الحديث المعاد والمكرر للوزير حول صرف الخبز عبر بطاقات التموين قد جاء بنتائج عكسية تماماً حينما تعطلت تلك الأجهزة التى تعمل من خلالها بطاقات التموين "الممغنطة"، مما دفع الكثير من المواطنين للوقوف امام مبنى ديوان عام الوزاره مطالبين الوزير بحل تلك المشكلة التى ترتب عنها عدم صرف الخبز بالشكل الذى كان مقرراً لأصحاب البطاقات التموينية.
أنا لم ألتق من قبل مع الدكتور خالد حنفى ولم افكر يوما فى أن التقى به ولكن ما يستفزنى ويثير دهشتى أن ما يقوم به من تصريحات كثيرة ووعود أكثر على حساب اللعب بأعصاب البسطاء .. الأمر الذى يجعلنى حريص كل الحرص على أن يعيد الوزير النظر فيما يتخذه من قرارات تخص الشأن العام .. وأن يدقق كثيراً حينما يتعلق الامر ايضاً بمشروع قد يسئ الى الرئيس فى حالة عدم الوصول الى النتائج المرجوة منه بل قد يكون سبباً فى التقليل من شأن مشروعات قومية مهمة تتم وفق منظومة عمل متكاملة يبذل فيها الرئيس مجهوداً كبيراً حتى تخرج بالشكل الذى يليق بدولة فى حجم ومكانة مصر على المستويين الإقليمى والعالمى.
الحق أحق أن يتبع وأنا وبكل صراحة اتبع رأسى دائما عندما يتعلق الامر بالحق ولا شئ غير الحق ، فهل يعقل أن تكون عواطف الناس البسطاء لعبة فى يد مسئول مهما كانت مكانته فى الدولة ، وهل مهمة وزير مثل وزير التموين أن يصرح بأشياء مغايرة تماماً لما يحدث بالفعل على أرض الواقع.
اعتقد ان القيادة السياسية تعى جيداً ما يجرى من حولها ، واعلم جيداً ان الرئيس عبد الفتاح السيسى يمتلك من القدرة والقوة والذكاء ما يجعله قادراً على معرفة كل ما يحدث حوله من تصرفات قد تتسبب فى اهتزاز العلاقة القوية التى تربط بين الشعب ورئيسه فالرئيس يتمتع بشعبية غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فالناس لم تعد تحتمل سماع وعودأ لا يتحقق معظمها ، كما أن الناس أصبح لديها إحساس يصل الى درجة الكمال بأنه قد آن الأون لان تحصد ثمار ما زرعته من صبر وتحمل اعباء جسام طوال الشهور الماضية .. فهل هكذا يكون الجزاء بأن يخرج عليهم وزير أو مسئول ويستفزهم بشكل يومى بتصريحات لا تثمن ولا تغنى من جوع.
الأمر لا يحتمل السكوت عليه ولابد من وقفة مع هذه المسألة ..الأن وقبل فوات الأوان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن موقع اليوم السابع