انطلاقا من قول الله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير"، بين الخطيب، في خطبتي الجمعة، أن هذا النداء الرباني هو نداء عام لكل البشر، بقطع النظر عن انتماءاتهم أو قومياتهم أو أوطانهم، مبرزا أن العرب، الذين نزل القرآن بلغتهم، كانوا شعوبا وقبائل كثيرة، منهم مضر، وربيعة، وعدنان ذرية سيدنا إسماعيل عليه السلام، وإليهم تنسب قريش الذين اصطفى سبحانه وتعالى خاتم النبيئين منهم وبعثه للناس كافة بشيرا ونذيرا.
وأوضح أن قول الله سبحانه "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" هو تنصيص على أصل النوع البشري، فهم إخوة في الإنسانية، إخوة في البشرية، وأن هذا المعنى العظيم في هذه الآية هو الذي ضمنه النبي الكريم في خطبة حجة الوداع.
وذكر الخطيب، في هذا الصدد، بأن الرسول الكريم، وقبل أن ينصرم العام الأول للهجرة، وضع وثيقة للتعايش بين سكان المدينة التي كانت تسمى يثرب قبل الهجرة، وهم الأنصار، والمهاجرين ومجموعات اليهود سكان يثرب، مشيرا إلى أن بنود تلك الوثيقة المدنية أو الدستور المدني، التي ما تزال في كتب السيرة النبوية، حددت الحقوق والواجبات بين كل سكان المدينة مهما اختلفت عقيدتهم ونحلهم.
وأكد الخطيب أن الإسلام أرسى، بذلك، مبادئ عظيمة في مجال التعاون على البر والتقوى بين جميع الناس، بغض النظر عن انتماءاتهم وأجناسهم، وذلك لأن هدف دعوة الإسلام هو سعادة الإنسان وعزته وكرامته، ووسيلتها إلى تلك السعادة هي ملء القلوب بالهدى والطهر والإيمان واليقين والحب والوئام، وأنه على هذا النهج السديد سارت سفينة الحياة بالمسلمين، تحت لواء تعاليم هذا الدين، في طريق التعاون البناء على البر والتقوى لصالح الأمة.
وعلى هذا المعيار، يضيف الخطيب، يمكن الحكم على الروابط والعلاقات بين الناس أفرادا وجماعات، وشعوبا ودولا، حيث يتبين لهم ما هو تعاون على البر والتقوى، وما هو تعاون على الإثم والعدوان، مسجلا أن التعاون غريزة وفطرة في أنواع مختلفة من عالم الأحياء، إذ هو قوام بقائها وحياتها، وأنه لذلك يتعين على الإنسان، وهو سيد هذه الأحياء، أن يكون تعاونه أوثق وأعمق، لأنه خير من يدرك بعقله، الذي ميزه الله به، أن الجماعة خير من الفرقة وأن التعاون أجدى وأنفع للفرد والجماعة.
وشدد الخطيب على أن التعاون البناء هو روح الوجود كله ومظهر قوته وعظمته، وأن الإنسان، ما لم يتعاون، يكون طاقة معطلة وقوة ضائعة لا تؤدي دورها في الحياة ولا تقوم بوظيفتها في عمارة الأرض، ملاحظا أن الإسلام، بذلك، وضع، منذ البداية، مبدأ أساسيا في النظر إلى الإنسان ألا وهو عدم التمييز بين الناس، وحصر التفاضل بينهم على أساس وحيد ألا وهو الإيمان والعمل الصالح، وأنه بهذه القاعدة في المساواة أهل الإسلام بني البشر للتعاون على البر والتقوى، وحرم عليهم التعاون على أي نوع من أنواع الإثم والعدوان.
واستطرد الخطيب أن اختلاف المجتمعات هو اختلاف تنوع وهو ظاهرة صحية وسمة حضارية وفطرة إنسانية ووسيلة للتعاون والتكافل والتكامل، لكن عندما تتحجر عقول قوم أو ينغلق فكرهم ويريدون أن يكون الناس كلهم نموذجا متماثلا، فهم بذلك يضادون سنة الله في خلقه.
وخلص إلى أنه، من باب التحدث بالنعمة، فإن آل البيت النبوي، الذين بايعهم أسلافنا ونبايعهم مقتنعين، أدركوا، هم وأسلافنا، الفائدة من تنوع المجتمع المغربي، فحافظوا على توازنه وتعايش الناس، متآزرين متعاونين، مقتدين بالمجتمع المدني في أول الهجرة النبوية، وهذه نعمة كبرى أساسها ولبنتها إمارة المؤمنين التي حمل لواءها وثقل أمانتها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله.
وابتهل الخطيب، في الختام، إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصرا عزيزا يعز به الدين ويجمع به كلمة المسلمين، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق شآبيب رحمته ورضوانه على الملكين المجاهدين، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويطيب ثراهما.
وبمدخل المسجد تقدم للسلام على جلالة الملك وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق والحاجب الملكي سيدي محمد العلوي.
كما تقدم للسلام على جلالة الملك ضيفا جلالته بلال آغ شريف، الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، وموسى آغ الطاهر الناطق باسم الحركة.
وتقدم للسلام على جلالته أيضا كل من صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون وياسين المنصوري، مدير الدراسات والمستندات.
منقول