دى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم، صلاة الجمعة بمسجد مولاي الحسن الأول بمدينة الرشيدية.
ذكر الخطيب، في مستهل خطبتي الجمعة، بأن القيام بواجب الدين والتدين يتحقق بقدر فهم الدين، وأن من الحقائق الأساسية التي ينبني عليها الفهم الصحيح للدين الشعور القوي الدائم بالمسؤولية ومحاسبة النفس عليها في كل وقت وحين وعند كل قول وعمل.
وأوضح الخطيب أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الدنيا وأوجده فيها بعد أن لم يكن شيئا مذكورا، لحكمة إلهية تتجلى في القيام بما عهد إليه به من أمانة دينية تعبدية وأناطه به من تكاليف شرعية وواجبات اجتماعية يتحقق بها استخلافه في الأرض لعمارتها، صلاحا وتقوى وعدلا ونماء وأمنا واطمئنانا، فكان الإنسان، بذلك، مسؤولا في هذه الحياة الدنيا عما يجب عليه، أولا نحو ربه من صحيح الاعتقاد والإيمان وخالص العبادة لله، ومسؤولا عما يجب عليه، ثانيا، نحو نفسه من رعاية وصون لها من كل مفسدة ومضرة، ثم مسؤولا عما يجب عليه، ثالثا، نحو أهله وأولاده من اهتمام وعناية وإرشاد لكل خير وصلاح والقيام بالحقوق والواجبات الدينية والاجتماعية.
وأضاف أن هذه المسؤوليات العديدة والمتنوعة تكون في مجموعها تلك المسؤولية والأمانة الكبرى التي عهد به الله إلى الإنسان، والتي إذا ما استشعرها المسلم وقام بها وفق شرع الله عاش في حياته ومع أهله مطمئن القلب والبال في الدنيا، ووقى نفسه وأهله شقاء الحياة الأخرى.
وقال إن المسلم، كما يهتم بأولاده ويعتني بهم الاعتناء اللازم ورعاية متطلباتهم المادية وحاجاتهم المتنوعة، يجب عليه كذلك أن يهتم بهم ويعتني أكثر بالجانب الروحي والفكري فيحرص على أن ينالوا، منذ صغرهم، حظهم من التعليم الديني والتوجيه الأخلاقي ويأخذوا نصيبهم من التكوين العلمي والتثقيفي والتأديب التربوي والاجتماعي، حتى ينشأوا عارفين بما يجب عليهم نحو ربهم من إيمان به وتوحيد وعبادة له، مدركين لما يجب عليهم نحو والديهم من بر وإحسان وطاعة وإكرام، ونحو معلميهم وأساتذتهم من ود وتقدير واحترام، وبما يجب عليهم نحو وطنهم ومجتمعهم الذي احتضنهم، من حب صادق وإخلاص عميق وتعلق مكين.
وأشار الخطيب إلى أن الاهتمام بالأولاد، تعليما وتفقيها وتوجيها تربويا وأخلاقيا وتكوينا علميا، هو أمانة دينية جليلة ومسؤولية شرعية واجتماعية كبيرة وعملية تربوية مهمة إنسانية وحضارية يجب أن يستشعرها كل مسلم ومسلمة تجاه أولاده وذريته وأن يعيها كل مؤمن تجاه بلده ومجتمعه فيعمل على القيام بها خير قيام.
وبما أن التربية، يقول الخطيب، في معانيها والتعليم بأرحب مجالاته هما الركيزة الأساسية لرقي الشعوب ونهضة الأمم، فقد جعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، التربية والتكوين أولوية وطنية، بعد قضية وحدتنا الترابية، إذ لم يفت جلالته، في خطابه بمناسبة الذكرى الستين لثورة الملك والشعب، أن يؤكد مرة أخرى على أن "الوضع الراهن في قطاع التربية والتكوين يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات لتقييم المنجزات وتحديد مكامن الضعف والاختلالات".
وأشار الخطيب، من جهة أخرى، إلى أن ربوع تافيلالت تفخر هذه الأيام وتحتفي بالزيارة الملكية الميمونة التي شرف بها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، هذا الإقليم، وهي زيارة لتفقد أحوال البلاد والعباد ولصلة الرحم وتجديد العهد والميثاق مع رعايا جلالته وأبناء شعبه بهذه التربة الطيبة الوفية عبر القرون، مهد الأشراف العلويين الذين قيضهم الله لهذه البلاد في مرحلة دقيقة من تاريخها، فأعادوا لها وحدتها وجمعوا شملها ووطدوا أمنها وأعلوا شأنها ومضوا بها على درب الخير والهناء، لا تنال من إرادتهم وعزيمتهم صروف الدهر ولا عاديات الزمن.
وابتهل الخطيب، في الختام، إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس في حله وترحاله ويبارك خطواته ومشاريعه، وبأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق شآبيب رحمته ورضوانه على الملكين المجاهدين جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.