في إطار برنامج الدورات التكوينية، التي تنظمها مؤسسة سوس للمدارس العتيقة، بتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، أعطت المؤسسة، وكذا خلايا المرأة وقضايا الأسرة التابعة للمجالس العلمية المحلية بالمملكة، في موضوع "إصلاح ذات البين"، بالمدرسة العلمية العتيقة رسموكة، بإقليم تزنيت.
تهدف الدورة التكوينية لمؤسسة سوس للمدارس العتيقة، التي تنظم بتعاون مع الجمعية المغربية للمرأة القاضية انطلاقة سلسلة من الدورات التكوينية لفائدة فقهاء وطلبة المدارس العتيقة، إلى مساعدة المستفيدين على الإلمام بفقه الواقع واستيعاب إشكالاته، فضلا عن توسيع المعارف القانونية، من خلال التزويد بجملة من المعطيات الميدانية والوسائل الممكنة التي تعين المستفيدين على إحداث تواصل إيجابي وفعال مع جميع الشرائح المجتمعية.
إلى تنمية المهارات التواصلية والتفاعلية لديهم وتأهيلهم لكيفية التعامل مع الخلافات الأسرية، التي تنجم بين الزوجين، أو بين طرفين، وحسن إدارتها بشكل يساهم في التخفيف من العبء الملقى على أقسام قضاء الأسرة، من خلال تحويل سلوكات النزاع إلى إدراكات واعية، والعمل على بلورة منهجيات تسمح بالتوسط، وتساعد على إيجاد تركيبات جديدة، انطلاقا من جرد العناصر القائمة والتعرف عليها بشكل يؤهلها لإنتاج علاقات جديدة.
والتي حضر أشغالها عدد من فقهاء المدارس العتيقة وطلبتها وأعضاء خلايا المرأة وقضايا الأسرة التابعة للمجالس العلمية المحلية ورؤساء المحاكم وقضاة الأسرة ورؤساء المجالس العلمية المحلية وأعضائها، وأعضاء بعض الجمعيات المحلية.
وفي هذا الإطار قدمت الأستاذة عائشة الناصري، رئيسة الجمعية المغربية للمرأة القاضية، حسب بلاغ المؤسسة المذكورة، توصلت "المغربية" بنسخة منه، عرضا حول "آليات الوساطة وإصلاح ذات البين"، ركز بالأساس على استعراض آليات الوساطة، من خلال تقنيات محددة وعملية، ذكر منها تقنيات الاستماع، التي لابد للمتقدم للوساطة التحلي بها، مثل الصبر والحياد ومحاولة فهم طرفي النزاع وكتمان السر والتركيز على نقط الائتلاف وليس الخلاف.
كما تحدثت الأستاذة عائشة الناصري، من خلال عرضها، عن معيقات الاستماع، مثل إكثار الوسيط من الكلام وطرح الفرضيات وتصنيف المتنازعين والانشغال عنهم، كما تحدثت الأستاذة عن دور الوسيط وما ينبغي أن يتحلى به مثل المرونة في تنسيق الحوار والتركيز على الإيجابيات وتوجيه الطرفين نحو المصالحة واقتراح الحلول وتقريب وجهات النظر.
من جانب آخر، أبرزت المتحدثة أهمية التوصل إلى نتيجة مرضية للطرفين والعمل على توثيق الصلح إن تحقق، مشيرة إلى أهمية القيمة القانونية لتلك الوثيقة طبقا للفصلين 327-69 من المسطرة المدنية، خاصة إن ذيلت بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختصة محليا.
وأنهت الأستاذة عرضها بالإشارة إلى أهمية الوساطة في حالة استحالة العلاقة الزوجية، لتدبير الطلاق والحيلولة دون انتهاء العلاقة بالتمزق والحقد والكراهية، وما له من أثر وخيم على الأطفال الذين ينشأون في جو متوتر بنفسية مهزوزة غير سوية، إضافة إلى أهمية الوساطة في تدبير نتائج الطلاق من حضانة ونفقة وزيارة للمحضون.
باقي المداخلات ركزت على آليات الإصلاح وضرورة تقنينها، خاصة إحالة الملفات على القائمين بالوساطة قبل تسجيل الدعاوى، لأن ذلك من أهم عوائق الإصلاح بين المتنافرين، إذ يعتبر أغلبهم أن تقييد الطرف الآخر الدعوى بالمحكمة يمثل تصرفا سلبيا تجاهه يلحق به جسيم الضرر ويجعله يؤمن باستحالة استمرار رابطة الزوجية.
كما تناول النقاش أهمية المعرفة القانونية بمسألة الوساطة وكونها مساعدة في النجاح الموكولة للوسطاء، وأكدت السيدات القاضيات استعدادهن لتنظيم دورات أخرى في هذا المجال قصد تمكين الفقهاء والنساء العالمات من اكتساب المعارف اللازمة، كما اقترح في هذا المجال إصدار دليل عملي تطبيقي في مجال الوساطة والإصلاح يتضمن كل ما يساعد العاملين في المجال من آيات قرآنية وتفسيرها وأحاديث نبوية وشروحها ونصوص فقهية وتقنيات تطبيقية ونصوص قانونية.
كما اتفق على ضرورة التنسيق بين العاملين في المجال واستعداد السيدات القاضيات للإسهام بخبرتهن ومعرفتهن لإنجاح هذا المسعى عبر تبادل الخبرات والأفكار وتنسيق الجهود، وعهد إلى الكتابة العامة لمؤسسة سوس للمدارس العتيقة في شخص الأستاذ العربي أقصبي لمتابعة هذا التنسيق.
إشراك المجالس العلمية في الوساطة
من جانب آخر، نوهت المداخلات بعملية إشراك المجالس العلمية في عملية الوساطة وإصلاح ذات البين، بمبادرة من وزير العدل السابق الراحل الأستاذ النقيب محمد الطيب الناصري، وألحت على ضرورة متابعة هذا المسعى وتقويته وربط الصلات بين المحاكم وقضاء الأسرة من جهة والمجالس العلمية المحلية من جهة أخرى في هذا المجال.
كما تناولت المناقشة أهمية المبادرة إلى تطوير آليات الوساطة لتصبح قانونية وفاعلة لمعالجة القضايا العالقة، خاصة مع ثقل العبء على المحاكم التي تضطر إلى معالجة مئات الملفات في الخلافات الزوجية وحدها يوميا دون أن تستطيع استيفاءها كلها، وضرورة توسيع مجال قضاء الأسرة ليشمل الوساطة، باعتبارها آلية إصلاحية إلى جانب الآليات القانونية الزجرية، التي يلجأ إليها إذا لم تسعف وسائل الإصلاح.
وفي ختام هذا الحفل، تم التوقيع على اتفاقية شراكة في ما بين مؤسسة سوس للمدارس العتيقة والجمعية المغربية للمرأة لقاضية، التي تهدف إلى تحقيق جملة فوائد وأهداف لفقهاء المدارس العتيقة وطلبتها، ولأعضاء خلايا المرأة وقضايا الأسرة بالمجالس العلمية المحلية، نذكر منها توسيع معارفهم وتزويدهم بجملة من المعطيات الميدانية والآليات، التي تعينهم على إحداث تواصل إيجابي وفعال مع جميع شرائح المجتمع، ومساعدتهم على الإلمام بفقه الواقع واستيعاب إشكالاته، والسعي لحلها بما يتوافق ومبادئ الدين وثوابت الأمة ومصلحة الوطن.
كما تهدف الاتفاقية إلى تنمية مهاراتهم التواصلية، وتأهيلهم للتعامل مع التحديات الجديدة، وتبادل الخبرات والمعطيات والمعلومات المرتبطة بتطوير أداء فقهاء وطلبة المدارس العتيقة وخلايا المرأة وقضايا الأسرة التابعة للمجالس العلمية المحلية، ومساعدة الأطر القضائية وأعضاء جمعية المرأة القاضية على التواصل مع فقهاء وطلبة المدارس العتيقة؛ لتحقيق الأهداف المرجوة.
وسيتركز التعاون، أيضا، بين الطرفين، على تنظيم سلسلة دورات تكوينية وتعميمها على كافة مناطق الوطن، استحضارا من الطرفين للدور المحوري للتكوين ومنه التكوين المستمر في تأهيل فقهاء المدارس العتيقة وخلايا المرأة وقضايا الأسرة التابعة للمجالس العلمية المحلية واستكمال خبراتهم، قصد تأهيلهم وتطوير كفاءاتهم المهنية للنهوض بالمهام الموكولة إليهم على أحسن وجه.
منقول