يخي كتاب المدهش لابن الجوزي 46 ّل لي أن الحيطان تبكي معنا، إن النسيم قد رقّ لحزننا.
ما أحسن هؤلاء التوّاب، ما أذل وقوفهم على الباب فاعتبروا " يا أُولي الأَلْبابِ ".
وجوههم أضوأ من البدر، جباههم أنور من الشمس، نوحهم أفضل من التسبيح، سكوتهم أبلغ من فصيح، لو علمت الأرض قدر خوفهم تزلزلت، لو سمعت الجبال ضجيجهم تقلقلت.
لابن المعتز: كلما رأيت تقلقلهم، تقلقل قلبي، وإلاّ لمحت اصفرارهم تبلبل لبي، وإذا شاهدت دموعهم زاد كربي، وإذا سمعت حنينهم تبدد ماء عيني.
الفصل الثامن والخمسون
ما زالت المنون ترمي عن أقواس حتى طاحت الجسوم والأنفس، وتبدلت النعم بكثرة الأبؤس، واستوى في القبور الأذناب والأرؤس، وصار الرئيس كأنه قط لم يرؤس.
لقد وعظت الدنيا فأبلغت وقالت، ولقد أخبرت برحيلها قبل أن يقال زالت، وما سقطت جدرانها حتى أنذرت ومالت، قرب الاغتراب في التراب، ودنا سل السيف من القراب، كم غنت رباب برباب، ثم نادت على الباب بتباب يا من زمانه الذي يمضي عليه: عليه، يا طويل الأمل وهو يرى الموتى بعينيه، يا من ذنبه أوجب أن لا يلتفت إليه، قد مزجت لك كأس كربة ولا بد والله من تلك الشربة، يا منقولاً بعد الأنس إلى دار غربة، يا طين تربة، وهو يطلب في الدنيا رتبة، هذا مجلس ابن زيد فأين عتبة?، أتلهو برند الصبا وبأنه? ويروقك برق الهوى بلمعانه، وتغتر بعيش في عنفوانه، فتمد يد الغفلة إلى جني أغصانه، وتنسى أنك في حريم خطره وامتحانه، أما لقمة أبيك أخرجته من مكانه? أما نودي عليه بالفطر في رمضانه? أما شأنه شانه لولا وكف شانه? أما يستدل على نار العقاب بدخانه? نزل آدم عن مقام المراقبة درجة فنزل فكان يبكي بقية عمره ديار الوفا، برد النفس بالهوى لحظة أثمر حرارة القلق ألف سنة، فاعتبروا، سالت من عينيه عيون، استحالت من الدماء دموع شغلته عن لذات الدنيا هموم.
للمهيار: كان آدم كلما عاين الملائكة تنزل تذكر المرتبع في الربع فتأخذ العين أعلى في إعانة الحزين.
ما أمر البعد بعد القرب، ما أشد الهجر بعد الوصل، يا مطروداً بعد التقريب أبلغ الشافعين لك البكاء.
للمتنبئ: كان لقوم جارية، فأخرجوها إلى النخاس فأقامت أياماً تبكي، ثم بعثت إلى ساداتها تقول: بحرمة الصحبة ردّوني فقد ألفتكم. يا هذا قف في الدياجي وامدد يد الذلّ، وقل قد كانت لي خدمة، فعرض تفريط أوجب البعد، فبحرمة قديم الوصل ردوني فقد ألفتكم. يا هذا لا تبرح من الباب ولو طردت، ولا تزل عن الجناب ولو أبعدت، وقل بلسان التملق إلى من اذهب?
كان الحسن شديد الحزن، طويل البكاء سئل عن حاله، فقال: أخاف أن يطرحني في النار ، ولا يبالي.
يا من كان له قلب فمات، يا من كان له وقت ففات، استغث في بوادي القلق ردّوا عليَّ لياليَّ التي سلفتن أحضر في السحر فإنه وقت الإذن العام، واستصحب رفيق البكاء فإنه مساعد صبور، وابعث سائل الصعداء فقد أقيم لها من يتناول. للمصنف:
الفصل التاسع والخمسون
يا من سيب قلبه في مراعي الهوى، وألقى حبله على الغارب، سلم من يطول نشدانه للضلال?.
للمهيار: أكثر فساد القلب من تخليط العين، مادام باب العين موثقاً بالغض فالقلب سليم من آفة، فإذا فتح الباب طار طائر وربما لم يعد، يا متصرفين في إطلاق الأبصار جاء توقيع العزل " قُلْ للمؤمنينَ يَغُضُّوا من أبصارِهِم " إطلاق البصر ينقش في القلب صورة المنظور والقلب كعبة "ويسعني " وما يرضي المعبود بمزاحمة الأصنام.
يا مطلقاً طرفه لقد عقلك، يا مرسلاً سبع فمه لقد أكلك، يا مشغولاً بالهوى مهلاً قتلك، بادر رمقك فقد رمقك، بالرحمة من عذلك. للمهيار: إذا لاحت للتائب نظرة لا تحل، فامتدت عين الهوى، فزلزلت أرض التقى ونهض معمار الإيمان " وأَلْقَى في الأرضِ رواسيَ أنْ تميدَ بكُمْ " لاحت نظرة لبعض التائبين، فصاح:
إذا خيم سلطان المعرفة بقاع القلب، بث جنده في بقاع البدن، فصارت السباخ رياضاً لرياضة ساكن في القلب يعمره إذا نزل الحبيب ديار القلب لم يبق فيه نزالة.
أول منازل القوم، عزفت نفسي عن الدنيا، وأوسطها لو كشف الغطاء، ونهايتها ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه. أرواح المحبين خرجت بالرياضة من أبدانها العادات، وهي في حواصل طير الشوق ترفرف على أطلال الوجد، وتسرح في رياض الأنس عند المحبين شغل عن الجنة فكيف يلتفتون إلى الدنيا?، ما ترى عين المحبين إلا المحبوب، فبي يسمع وبي يبصر.
باتت قلوبهم يقلقها الوجد، فأصبحت دموعهم يسترها الجفن، فإذا سمعوا ناطقاً يهتف بذكر الحبيب، أخذ جزر الدمع في المد، من أقلقه الخوف، كيف يسكن? من أنطقه الحب، كيف يسكت?، من آلمه البعد، كيف يصبر? سل عنهم الليل فعنده الخبر، أتدري كيف مر عليهم? أبلغك ما جرى لهم? أيعلم سال كيف بات المتيم?، افترشوا بساط قيس، وباتوا بليل النابغة، إن ناحوا فأشجى من متيم، وإن ندبوا فأفصح من خنساء، اجتمعت أحزاب الأحزان، على قلب