كتاب المدهش لابن الجوزي 38 بعين الفكر إلى مطلع الهدى لاح له الهلال، كم أداوي بصر بصيرتك وما يتجلى، ما أظن الضعف إلا في الوضع، ضعف عين الخفاش في أصل الفطرة ليس برمد، وحدة ناظر الهدهد خلقة، مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة، قبل الشرايع "يكاد زيتها يضيء" وحدّ قس وما رأى الرسول، وكفر ابن أبي وقد صلى معه، مع الضب ري يكفيه، ولا ماء، وكم من عطشان في الموجة، إذا سبق الأنعام في القدم فذلك غنى الأبد، لما تقدم اختيار الطين المنهبط صعد على النار المرتفعة، وكانت الغلبة لآدم في حرب إبليس، فاكتفت نار جهنم بما جرى فسلمت يوم "جزيا مؤمن" سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسبق تابوته إلى بيتها، فجاء طفل منفرد عن أم، إلى امرأة خالية عن ولد، قرينان مرتعنا واحد.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت يهودي يعوده فقال له أسلم، فنظر المريض إلى أبيه فقال له: أجب أبا القاسم، فأسلم، فكان ذلك قريباً من نسب "سلمان منا" فصاحت ألسنة المخالفين: ما لمحمد ولنا? والقدر يقول: مريضنا عندكم "كيف انصرافي ولي في داركم شغل".
لما عم نور النبوة آفاق الهدى رآه سلمان دون العم، قويت ظلمات الشرك بمكة فتخبطت قريش في الضلال، فلاح مصباح الفلاح من سجف دار الخيزران، فإذا عمر على الباب ولقد أنارت لإبليس شمس البيان يوم "أنبِئهم بأسمائهم" غير أن النهار ليل عند الأعشى، رجع الخفاش إلى عشه، فقال: أوقدوا المصباح فقد جن الليل، فقالوا: الآن طلعت الشمس، فقال: ارحموا من طلوع الشمس عنده ليل، فسبحان من أعطى ومنع ولا يقال لم صنع? سلم التوفيق قريب المراقي، وبئر الخذلان بلا قعر، ربما أدرك الوقفة أهل مصر وفاتت أهل نخلة، لا بد والله من نفوذ القضاء فاجنح للسلم.
كيف تتقي نبال القدر والقلب بين إصبعين.
كان إبليس كالبلدة العامرة فوقعت فيها صاعقة الطرد فهلك أهلها " فتلكَ بيوتُهُمْ خاوِيَةٌ "
أخذ كساء ترهبه فجعل جلاً لكلب أصحاب الكهف، فأخذ المسكين في عداوة آدم فكم بالغ واجتهد? وأبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر، ويحك ما ذنب آدم? أنت الجاني على نفسك، ولكنه غيظ الأسير على القد. لقي إبليس عمر بن الخطاب فصارعه فصرعه عمر، فقال بلسان الحال: أنا مقتولٌ بلسان الخذلان قبل لقائك فإياك عني لا يكن بك ما بيا، يا عمر أنت الذي كنت في زمان الخطاب لا تعرف الباب وأنا الذي كنت في سدة السيادة وأتباعي الملائكة موصل منشور " لا يسئل " فعزلني وولاك فكن على حذر من تحول الحال. لا تمكنت معرفة عمر بتقليب القلوب لعب القلق بقلبه، خوفاً من قلبه، فبادر بطريق باب البريد بالعزل والولاية، يا حذيفة المحبة العظمى، ارتباط أمرك بمن لا يبالي بهلاكك، فكم قد أهلك قبلك مثلك، كم مشارف بسفينة عمله? على شاطئ النجاة، ضربها خرق الخذلان فغرقت وما بقي للسلامة إلا باع أو ذراع، أي تصرف بقي لك في قلبك? وهو بين إصبعين.
الفصل الثاني والأربعون
يا من قد أسره الهوى فما يستطيع فكاكاً، أفق قبل الومى، وها هو قد أدركك إدراكاً قبل أن لا ينفع البكاء الباكي ولا التباكي من تباكى.
لأبي العتاهية: كم سكن قلبك في هذه الدار، فحام الموت حوم حماهم ودار، ثم ناهضهم سريعاً وثار، كأنه ولي يطلب الثأر، وقد خوفك بأخذ الصديق وسلب الجار، ومن أنذر قبل هجومه فما جار. يا هذا، العمر عمر قليل وقد مضى أكثره بالتعليل، وأنت تعرض البقية للتأويل، وقد آن أوان الآن أن يرحل التنزيل، ما أرخص ما يباع عمرك وما أغفلك عن الشرا، والله ما بيع أخوة يوسف يوسف بثمن بخس، يا عجب من بيعك نفسك بمعصية ساعة، متى ينتهي الفساد? متى يرعوي الفؤاد?.
يا مسافراً بلا زاد، لا راحلة ولا جواد، يا زارعاً قد آن الحصاد، يا طائراً بالموت يصاد، يا بهرج البضاعة أين الجياد? يا مصاب الذنوب أين الحداد? لو عرفت المصاب فرشت الرماد، لو رأيت سواد السر لبست السواد، جسمك في واد وأنت في واد، نثر الدر لديك وما تنتقي، وقربت المراقي إليك وما ترتقي، لقد ضيعت ما مضى وشرعت في ما بقي، يا واقفاً في الماء الغمر وما ينقى.
واعجباً لنفاسة نفس رفعت بسجود الملك لها، كيف نزلت بالخساسة حتى زاحمت كلاب الشره، على مزابل الذل، هيهات لن تفلح الأسد إذا أنفقت عليها الميتات الفسد.
يا هذا، جسدك كالناقة يحمل راكب القلب، فلا تجعل القلب مستخدماً في علف الراحلة، تالله إن جوهر معناك يتظلم من سوء فعلك، لأنك قد ألقيته في مزابل الذل، ماء حياتك في ساقية عمرك قد اغدودق، فهو يسيل ضايعاً إلى مهاوي الهوى، وينسرب في أسراب البطالة، فقد امتلأت به خربات الجهل ومزابل التفريط، وشربته أدغال الغفلات، ويحك، أردده إلى مزارع التقوى لعله يحدق نور حديقة، إلى متى يمتد ليل الغفلة? متى تأتي تباشير الصباح? ما سبق الاختيار لأقوام في القدم، جذبوا بعد الزلق في هوة الهوى إلى نجاة النجاة، يا عمر، كيف كانت حالك? قال: كنت مشغولاً بهبل فسمعت هتاف "ففِرُّوا إلى الله" فعرجت على المنادي، فإذا أنا في دار الخيزران يا فضيل، من أنت? قال: أخذت من قطع الطريق، فأخذت في قطع الطريق، يا عتبة الغلام، من أنت? قال: كنت عبد الهوى فحضرت مجلس عبد الواحد، فصرت عبداً للواحد يا سبتي من أنت? قال كنت ابن الرشيد فعرض لي رأي رشيد فإذا عزمي قد أخذ المر ومر، يا ابن أدهم، من أنت? قال أخذني حبه من منظرتي فصيرني ناطور البساتين. يا رابعة، من أنت? قالت: كنت أضرب بالعود فما سمع غيري.
يا طفلاً في حجر العادة محصوراً بقماط الهوى، مالك ومزاحمة الرجال? تمسكت بالدنيا تمسك المرضع بالظئر، والقوم ما أعاروها الطرف، ما لك والمحبة وأنت أسير حبة? كم بينك وبينهم? وهل تدري أين هم?. سار القوم ورجعت، ووصلوا وانقطعت، وذهبوا وبقيت، فإن لم تلحقهم شقيت.
يا من كلما استقام عثر، يا من كلما تقرب أبعد، استسلم مع الحرية واستروح إلى دوام البكاء وصح بصوت القلق على باب دار الأسف.
الفصل الثالث والأربعون
يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.
للمهيار: لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن، وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور الزمن، يا مغروراً بخضراء الدمن، يا جامعاً مانعاً قل لي لمن? كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.
يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة، من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز، لله در أقوام تأملوا الوجوب ففهموا المقصود، فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم، والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم. قال الإمام أحمد لقد رأيت أقواماً صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.
وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي.