الأجناس هذا الشفنين لا يقرب غير زوجته أبداً، فإن ماتت لم يتزوج أبداً وكذلك الأنثى والدجاجة مع أي ديك كان. كلامي يدور حول ستور سمعك، وموانع الهوى تحجبه أن لا يصل فلو قد وصل إلى القلب أثّر، عضت رجلاً حية فلم يعلم أنها حية فلم يتغير، فلما أخبر أنها حية مات، لأنه حين أخبر انفتحت مسامه. فوصل السم إلى القلب. يا أطروش الهوى صاحب من يسمع، يا عمي البصيرة امش مع من يبصر، تشبه بالصالحين تعد في الجملة، هذا الطاووس يحب البساتين فهو يوافق الأشجار، إذا ألقت ورقها ألقى ريشه، فإذا اكتست اكتسى، لو سرت في حزب المتقين خطوات لعرفوا لك حق الصحبة، يا من كان لهم رفيقاً فأصبح لا يعرف لهم طريقاً، اطلب اليوم أخبارهم واتبع في السلوك آثارهم فإن وقعت ببعضهم حملك إلى أرضهم. للمصنف: يا من قد كثر تردده إلى المجلس ولم تزل قسوة قلبه لا تضجر، فللدوام أثر، جالس البكائين يتعد إليك حزنهم، فتأثير الصحبة لا يخفى، أما ترى دون البقل أخضر? يا من يشاهد ما يجري على الخائفين ولا ينزعج، أقل الأقسام أن يبكي رحمة لهم، إذا رأيت الثكلى تتقلقل فلا بد من رحمة الجنس.
للمهيار: كان العاصي قتيل عشق الدنيا، فكشف له بالمخوفات نقاب المحبوبة فسلا، ثم جليت عليه بالمشوقات محاسن الآخرة فمال الجيد إلى الجيد.
أتدرون ما أوجب اصفرار هذا التائب? ومن أي شراب سكر هذا الشارب? وأي كتاب أقدم هذا الغائب?
الفصل السادس عشر
يا من نسبه معرق في الموتى، وقد وعظوه وإن لم يسمع صوتاً، أدرك أمرك فما تأمن فوتاً.
لأبي نواس: يا راقداً وق أوذن بالرحيل، يا مشيد البنيان في مدارج السيول، بادر العمل قبل انقضاء العمر، لا تنس من يعد الأنفاس للقائك
يا عجباً، أما تعلم ما أمامك? فتهيأ للرحيل وأصلح خيامك، وتأهب للردى واقطع قطع المدى مدامك، واجتهد أن ينشر الإخلاص في المحل الأعلى أعلامك، وأحضر قلبك وسمعك وإن ملا من لامك، وإياك والفتور فإني أرى الدواء دوامك، اطلب ما شئت بالعزم وأنا زعيم لك بالظفر، من عزم على أمر هيأ آلاته، لما كان شغل الغراب الندب على الأحباب لبس السواد قبل النوح.
إذا وقعت عزيمة الإنابة في قلب من "سبقت لهم منا الحسنى" قلعت قواعد الهوى من مسناة الأمل، ركب ابن أدهم يوماً للصيد وقد نصب له فخ "يهديهم ربهم" حوله حب "يحبهم" فصيد قبل أن يصيد، سمع هاتفاً يقول ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فكانت تلك العظة شربة نقضت قولنج الهوى يا له من سهم ألقاه عن قربوسه وبوسه، كان راقد الفهم في ليل الغفلة، مشغولاً بأحلام المنى، فصيح به قم فقام، فقيل له سر فاستقام.
للشريف الرضي:
وعظه خطيب اليقظة فوصلت ملامته إلى سمع الأنفة، فنهضت حمية الرجولية، يا ابن أدهم مبارزة الصيد أول مراتب الشجاعة، أفترضى أن تستأسر لثعلب الهوى? يا ابن أدهم قتلك حب الدنيا فثر لأخذ الثأر، إن كانت لك عزيمة يا ابن أدهم فهذا الكميت وهذا الأدهم فصادف التحريض حريضاً فنهض.
للشريف الرضي:
هتف به متقاضي الشوق: يا ابن أدهم دخلت شهور الحج فما قعودك ببلخ? فرحل الراحلة وراح، لاحت له نار الهدى فصاح في جنود الهوى: "إنِّي آنست" فتجلى له أنيس "تجدني" فغاب عن وجوده، فلما أفاق من صعقة وجده وقد دك ظور نفسه، صاح لسان الإنابة "تُبتُ إليك".
فلما خرج عن ديار الغفلة، أومأت اليقظة إلى البطالة.
لابن المعتز: يا ابن أدهم لو عدت إلى قصرك فعبدت فيه، قال العزم كلا ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.
أمرضه التخم فاستلذ طعم الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة الصوف
لاح له جمال الآخرة فتثبتت في النظر عين اليقين، فتمكن الحب من حبة القلب فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر، طال عليه انتظار اللقا فصار ناطور البساتين، تقاضته المحبة باقي دينها فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الوصل فتأخر يا مفلس.
كان إبراهيم إسكندري الهمة فاحتقر قصير بلخ في جنب ما أمل، فانتخب سوابق العزم وسار في جند الجد حتى قطع ظلمات الطبع، وبلغ إلى مطلع شمس لا تغرب، شكا إليه صفاء القلب من يأجوج وساوس النفس، فاستغاث بحامي المسكن فقيل له: شد سد العزم، فاستظهر بعد الزبر بالقطر، ثم انفرد من جند جوارحه فوقع بعين الحياة في السر فعاش بالتوفيق أبد الدهر.
الفصل السابع عشر
الدنيا دار المحن ودائرة الفتن، ساكنها بلا وطن واللبيب قد فطن.
للمصنف: