السيد الطيب الفاسي الفهري وزير الشؤون الخارجية والتعاون إن ترسيخ مكتسبات القضية الوطنية يمثل أولى أولويات التحرك الدبلوماسي لهذه الوزارة .وأضاف السيد الفاسي الفهري في عرض قدمه مساء أمس الأربعاء أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية بمجلس النواب خلال مناقشتها لميزانية الوزارة أن قضية الصحراء شهدت خلال السنتين الأخيرتين "تطورات ايجابية تمثلت في تخلص المغرب من الضغط الذي كان يمارس عليه لقبول حلول ومقاربات مهددة لمصالحه العليا "، بالإضافة إلى أخذ المغرب لزمام المبادرة وتعاطيه بشكل أكثر حيوية وفعالية مع هذه القضية المصيرية.
وأوضح أن هذا التحول الايجابي أفرزته مبادرة الحكم الذاتي "التي تعد نتاجا لمسلسل مشاورات محلية ووطنية واستشارات على المستوى الاقليمي والدولي".
وفي هذا الاطار -يضيف السيد الفاسي الفهري- جاء القرار1754 في أبريل الماضي ليؤسس لمسلسل جديد قائم على التفاوض "أخذا بعين الاعتبار التطورات الاخيرة" المتمثلة في المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي رحب مجلس الامن "بالجهود الجدية وذات المصداقية " التي أدت الى إعدادها وتقديمها.
وذكر أنه في ظل هذه الدينامية انعقدت جولتان من المفاوضات في منهاست في يونيو وغشت الماضيين ، مبرزا ان الوفد المغربي أكد خلال هذه المفاوضات أنه في ضوء فشل المخططات السابقة والمقترحات المتجاوزة فإن المبادرة المغربية ، كمقترح شامل وغير قابل للتجزئة ، "تشكل الأرضية الرئيسية للمفاوضات والمخرج الذي لا محيد عنه لهذا المسلسل".
واشار السيد الفاسي الفهري إلى أن المغرب تمكن من تحقيق مكتسبات هامة وعديدة في هذه المفاوضات منها المشاركة النشطة والفعالة للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية والتي "زعزعت بشكل واضح أسطورة تمثيلية (البوليساريو) لما يسمى بالشعب الصحراوي".
وأضاف السيد الفاسي الفهري انه بفضل الموقف الحازم الذي تبناه الوفد المغربي لدى مناقشة الموضوع امام الاجتماع السنوي للجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة والموقف الحازم الذي تبناه المغرب في المفاوضات مع الجزائر حول مشروع القرار تمكنت المملكة من فرض قرار "يغير بشكل جذري مضمون ومرجعية ومقاربة اللجنة الرابعة في التعاطي مع هذه القضية منذ1965 " .
وأشار الى أن قرار مجلس الأمن1783 الصادر في أكتوبر الماضي كرس هذا التوجه "حيث لم يكتف فقط بالحفاظ على المكتسبات التي حققها المغرب بل دعمها وزكاها" ، مضيفا أن القرار عزز بشكل قوي وواضح وبإجماع أعضاء مجلس الامن، المبادرة المغربية.
وقال إن مجلس الامن طلب ايضا مواصلة المفاوضات مع "الاخذ بعين الاعتبار الجهود التي بذلت منذ2006 " ، في إشارة واضحة وصريحة لمسلسل إعداد المبادرة المغربية وإعلانها والتعريف بها وتقديمها رسميا للامم المتحدة.
من جهة أخرى تطرق السيد الفاسي الفهري للديبلوماسية المغربية ودورها الرائد في الدفاع عن القضايا الوطنية مبرزا في هذا السياق أن هذه الديبلوماسية تستند على محددات العمق التاريخي للدولة المغربية والموقع الجغرافي المتفرد للمملكة وعلى نقاوة وحدة مذهبها الديني وموروثها الحضاري والثقافي وتعددية قيمها المتلاحمة وخياراتها الوطنية التي تعد سياسة المغرب الخارجية امتدادا لها...
وأكد أن الديبلوماسية المغربية تستلهم في نشاطاتها قيما ثابتة لا تفرط فيها تتمثل في الدفاع عن الشرعية والقضايا العادلة واحترام سيادة الدول واستقلالها مضيفا انه علاوة على هذه المبادىء الراسخة تعتمد الديبلوماسية المغربية في اسلوبها على الاتزان والاعتدال والمرونة والحوار.
وخلص السيد الفاسي الفهري الى القول إنه منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش المملكة بلور جلالته رؤية دبلوماسية شاملة تكرس عراقة وثوابت ومكتسبات الدبلوماسية المغربية ومتطلبات التكيف بشكل فعال ومتجدد واحترافي مع محيط دولي معقد ومتغير يعيش على إيقاع أحداث ووقائع متسارعة ومتنوعة وغير متوقعة في غالب الأحيان.
وجدد السيد الفاسي الفهري ارتباط المغرب بشكل عضوي بفضائه المغاربي وتمسكه ببناء اتحاد مغاربي قوي ومتجانس كخيار استراتيجي يستجيب لأهداف معاهدة مراكش التاسيسية ومطلب للشعوب الخمس في المنطقة وشركائها الدوليين. كما جدد الالتزام المتضامن للمغرب مع القضايا العربية والاسلامية وحرصه حلى جعل إفريقيا نموذج للتعاون جنوب جنوب وتدعيم دور المملكة الرائد في الفضاء الاورو متوسطي وتطوير وتنويع الشراكات الاستراتيجية.
ومن جهة أخرى أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون أن الوزارة ستعمل في اتجاه تدعيم دور المغرب الرائد في الفضاء الاورومتوسطي الذي يقوم على تنويع علاقاته الثنائية مع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي وتوطيد العلاقات مع الاتحاد كمجموعة بعد دخول اتفاقية الشراكة حيز التنفيذ سنة2000 ،مبرزا أن كل هذه التطورات ،أعطت مضمونا ملموسا للتصور الاستراتيجي الطموح لجلالة الملك محمد السادس والمتعلق بتبوء المغرب ل"وضع متقدم" في علاقته بالاتحاد الاوربي .
كما أبرز أهمية دعم المسار الجهوي سواء في إطار مسلسل برشلونة الذي يعد العمود الفقري للشراكة الاورومتوسطية أو ضمن منتديات الحوار والتعاون مع بعض الدول كمجموعة5 زائد5 والمنتدى المتوسطي ، مذكرا في هذا السياق بان جلالة الملك محمد السادس سبق له أن عبر عن دعمه لمشروع الاتحاد المتوسطي كآلية خاصة تمكن الدول المطلة على المتوسط من تدبير جماعي وتشاركي لمواجهة انشغالاتها التنموية والمخاطر المحدقة بهذه المنطقة وتعبئة قدراتها ومؤهلاتها في مجالات التعاون ،وذلك في انسجام وتكامل وتناسق مع مسلسل برشلونة .
ومن ناحية أخرى أكد السيد الفاسي الفهري أن الوزارة ستعمل على بلورة المخطط الاصلاحي الذي تعتزم تطبيقه على المدى المتوسط من أجل تأهيل الاطر العاملة في الحقل الدبلوماسي والقنصلي وعصرنة نظم ومناهج العمل من أجل حضور دبلوماسي وطني فعال في المحافل والمنتديات والمؤسسات الدولية .
وأوضح أن الوزارة ستعمل على الخصوص على خلق الاكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية بالرباط كأداة لاستكمال التكوين العالي والتكوين المستمر للدبلوماسيين ،الى جانب إدخال تعديلات على النظام الاساسي لموظفي الوزارة من أجل ضبط مسار مهني للأطر الدبلوماسية يقوم على أساس الاستحقاق والوضوح في الترقيات والتعيينات.
وأضاف أن الوزارة ستعمل على تحديث وسائل العمل وفق منظور شمولي ومتناسق ومنسجم من خلال وضع نظام هيكلي جديد وتعزيز مردودية الجهاز الدبلوماسي وتحسين التفاعل بين الادارة المركزية والمصالح الدبلوماسية ووضع استراتيجية للدبلوماسية العامة لتعزيز الاشعاع الدولي للمغرب وتفسير أعمق لمواقفها والانفتاح على الفاعلين غير الحكوميين ولاسيما المؤسسات البرلمانية الاجنبية.