يشرح عبد العزيز خربوش، الكاتب العام للرابطة الوطنية لأسرة المساجد في المغرب، الأسباب التي قادت إلى تمرد الأئمة والخطباء بالقول إن «لموس وصل لعظم». وبعد أن فند ما وصفه «مغالطات» وزارة الأوقاف بخصوص توفيقها للأئمة دعا إلى وجوب الاهتمام بحراس الأمن الروحي الذين لا يقل دورهم عن مهام حراس حدود المملكة حتى لا يبقى القيم الديني رهينة الصراعات الحزبية أو المزاجية لبعض مناديب الوزارة
* هل ضاقت عليكم رحاب المسجد لتشكلوا رابطة للأئمة والوعاظ؟
** لجأنا لهذا الأسلوب في التنظيم لأننا جزء من المجتمع، والدستور وكل القوانين يكفل لنا هذا الشكل التنظيمي في إطار ظهير تأسيس الجمعيات. وينتظم في الرابطة أئمة من وجدة وطنجة والعيون وغيرها من الحواضر والبوادي المغربية. وهناك مكتب للرابطة يمثل جميع المناطق على الصعيد الوطني. والرابطة كيان تنظيمي يجتمع فيها الأئمة ويناقشون أوضاعهم الاجتماعية، وهي حلقة وصل بينهم وبين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وباقي الجهات الأخرى.. لكن للأسف مازلنا لم نتوصل بوصل إيداع الرابطة، والملف القضائي لدى المحكمة الإدارية بأكادير وكذا مراكش. وقد راسلنا عددا من الجهات الوزارية، من بينها السيد الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالمجتمع المدني، بخصوص هذا الحيف الإداري، ولكننا لم نتوصل منه بأي رد أو توضيح، وهو ما نعتبره ضربا للحريات العامة وللحق في تأسيس الجمعيات، ما دمنا لم نمس بأي شكل من الأشكال بالدين الإسلامي أو الوحدة الترابية أو بالنظام الملكي، بل نحن نعتبر أننا نواب لأمير المؤمنين، أضف إلى ذلك أننا نتعرض لمضايقات أثناء عقد اجتماعاتنا أو عند خوض أي شكل من الأشكال الاحتجاجية للتحسيس بأوضاعنا الاحتماعية، آخرها ما وقع في العطاوية، حيث تم تفريقنا بالقوة.. بل حتى عندما نريد الاحتفال بأهل القرءان الكريم، يتم التضييق على أنشطتنا، وكأننا جماعة إرهابية تشتغل في السر وتهدد النظام العام. وهنا لابد من التأكيد بأنه لا تربطنا بأي جهة حزبية أو تيار ديني أية علاقة، بل نحن كيان مستقل للعلماء، ولن نقبل بأي جهة أن تستغلنا..
* ألا تجدون أنفسكم في الرابطة المحمدية للعلماء؟
** من المعلوم أن رابطة العلماء تم تجميدها ووضعها في إطار معين، وأصبحت تتحدث وتعقد اجتماعاتها في إطار بعيد عن هموم ومشاكل العلماء الحقيقية، وهي: الأوضاع الاجتماعية، كيفية تدبير المعيش اليومي، وضمان المستقبل لأهل القرءان الكريم وذويهم. ومن آخر الدراسات الميدانية بخصوص تأثير المؤسسات الدينية الرسمية في التأثير، وخصوصا على الشباب، هو ضعيف إن لم نقل غائب. أضف إلى ذلك ضعف الثقة في هذه المؤسسات الرسمية، ومن بينها المجالس العلمية.. كما أن القانون المنظم لرابطة العلماء لا يتحدث عن أوضاع القيمين الدينيين، ولا سياسة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولا عن السياسات الدينية في البلاد..
* لماذا لا تنخرطون في رابطة علماء المغرب وكذا المجالس العلمية، وتقومون بالتغيير المنشود لأوضاعكم الاجتماعية من داخل هذه الآليات** بغض النظر عن كيفية التعيين في هذه الرابطة أو المجالس العلمية، فإنه لم تتح لنا الفرصة للتعبير عن مواقفنا من الداخل. ونربأ بأنفسنا الحديث عن أوضاعنا الاجتماعية من أعلى المنابر، رغم أن «الموس وصل لْعظم». ولهذا ارتأينا، بعد نقاش عميق، أن نؤسس هذه الرابطة من أجل النضال المدني للتعبير عن مواقفنا من السياسة الدينية والدفاع عن أوضاعنا الاجتماعية، وكذا التصدي لسياسات العزل والتوقيف التي تحاربنا بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية..
* لكن تبرير الوزارة هو أن بعض الأئمة وخطباء المساجد الموقوفين يخالفون المذهب المالكي، ويستغلون منابر الجمعة والوعظ في أمور لا علاقة لها بمهمتهم الدينية؟
** هذه كلها تدخل في باب المغالطات التي يراد منها عزل العلماء عن محيطهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهي من قبيل الفزاعات التخويفية. وهنا لابد من التأكيد أن انتشار الوعي داخل أوساط القيمين الدينيين بحقوقهم وواجباتهم، وصدعهم في قول الحق، هو الذي أرغم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على أن تكون قرارات التأديب -بغض النظر عن أحقيتها أو كيديتها- تصبح مكتوبة، في الوقت الذي كانت فيه الوزارة توقف الأئمة عن طريق القياد والشيوخ بكيفية شفوية وتسلطية. ومع ذلك نحن نناضل من أجل حماية حقوق الأئمة كيفما كانت طرق التبليغ شفوية أو كتابية، لأنه لا يعقل أن يتم تبرير التوقيف أو العزل بمخالفة ما جاء في دليل الإمام والخطيب والواعظ الذي أقرته الوزارة دون تشاور مع المعنيين. فهل نحن قاصرون عن المشاركة في وضع هذا الدليل؟ عندما يتم الإعداد لأي مشروع تنظيمي لفئة من المجتمع يتم فتح حوار مع المعنيين به، من الرياضيين إلى السياسيين إلى الأطباء إلى المهندسين.. فكيف يتم إقصاؤنا بشكل تعسفي من المشاركة في إعداد هذا الدليل بما يحفظ كرامتنا وحريتنا في التعبير؟ بل ونعتبر أن بعض ما جاء في دليل الوزارة هي مواد مجحفة تضرب حق الإمام في المواطنة كغيره من المواطنين، ألسنا مواطنين في بلد إمارة المؤمنين؟ هل هكذا يتم التعامل مع نواب أمير المؤمنين؟ هل هذا جزاء من يقوم بمهام لا تقل عن حماية الحدود الترابية، من خلال حماية الأمن الروحي للمواطنين من أية أفكار دخيلة عليهم؟ فبأي حق يتم التعامل معنا بشكل تعسفي وظالم؟
* لكن ألا تجد أن بعض قرارات الوزارة في توقيف بعض الأئمة والوعاظ تكون أحيانا في محلها، بالنظر للخرجات غير المحسوبة لهم؟
** بكل صراحة نحن لسنا ضد أي قرار للوزارة في حق من ثبت عليه بالدليل والبرهان المادي أنه خالف الضوابط الإسلامية، أما أن يتم القرار بناء على وشاية كاذبة أو كيدية، أو لحسابات خاصة، فهذا ما لا يمكن قبوله.. ثم لابد أن يتم تقديم القرار في ظل كل الضمانات القانونية، فعزل الإمام أو الخطيب لا يقل عن الاعتقال التعسفي للمواطنين، ونحن نتبع نضال المنظمات الحقوقية من أجل إدخال بنود ومواد تكفل حماية المواطنين من أي شكل من أشكال المساس بحرياتهم. وهنا نتساءل: هل تلجأ الوزارة للمساطر القانونية التي تتحدث عنها، بل اتخاذ أي قرار، من قبيل الإنذار أو التوبيخ أو الاستفسار، أو أن يمثل الإمام المعني بالأمر أمام لجنة إدارية للدفاع عن نفسه، بعد ذلك يصدر القرار..؟ والذي لا يمكن استيعابه هو كيف يتم تأديبنا من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وما يربطنا بها هو ذلك الأجر الهزيل الذي لا يتعدى الحد الأدنى للأجر «السميك»؟ بل ولا تعترف بنا الوزارة ضمن الوظيفة العمومية وتوابعها؟ من هنا نطالب أن تكون قرارات العزل أو التوقيف قضائية، لأنه لا يعقل أن يتم إخبار بعض الأئمة بقرارات الوزارة وهم يهمون بالصعود لمنابر الجمعة، مما يحدث فتنة في المسجد بحضور إمامين، المعزول والمعين. وهناك حالات كثيرة أصبحت فيها بيوت الله منقسمة بين معارضي ومؤيدي قرارات الوزارة، وغالبا ما تكون هذه القرارات مبنية على تسلط بعض مناديب الوزارة وتعاملهم الاستكباري مع أهل القرءان الكريم..
* ما هي تجليات هذه العلاقة المتوترة؟
** بعض المناديب لا يمتلكون حكمة إدارية في التعامل مع الأئمة، ويمارسون شططا في استعمال سلطاتهم، وخصوصا في المناطق البعيدة عن المركز.. وجل قراراتهم تكون مزاجية، ولا يكنون الاحترام الواجب للعلماء. من هنا نطالب بسن قانون تنظيمي للقيمين الدينيين، لوضع حد لهذه الفوضى والتسيب، حتى يعرف كل قيم ديني ما له وما عليه. فإذا كانت المؤسسة التشريعية وجمعيات المجتمع المدني انتفضت لسن قانون الخادمات في البيوت، وحمايتهن من كل أساليب التعامل الدنيء معهم، ألا يستحق نواب أمير المؤمنين قانونا خاصا بهم؟ ويوضح الجهة المسؤولة عنهم؟
* طبعا الجهة المسؤولة عنهم هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟
** هل هناك فئة اجتماعية تابعة لقطاع وزاري معين دون أن يتم الاعتراف بها أو دمجها في الوظيفة العمومية؟ إن القيمين الدينيين منقسمون في التبعية للعديد من الجهات، من بينها الوزارة الوصية، وكذا تأثير بعض ممثلي السلطات العمومية، من بعض العمال والقياد والشيوخ، وكذا من بعض البرلمانيين ورؤساء الجماعات، وبعض الأغنياء ذوي المصالح، وكذا من بعض الحزبيين والمرشحين لتمثيل المواطنين، وكذا بعض الأشخاص الذين يرون في قراءة القرءان بشكل جماعي بدعة.. فالمطلوب هو أن يشتغل الإمام ويؤدي وظيفته في حماية البعد الروحي للمواطنين بكل تجرد ومسؤولية.. لأن أي مساس بنواب أمير المؤمنين هو مساس بإمارة المؤمنين، وذلك لوضع حد لكل من سولت له نفسه التلاعب بأوضاعنا الاجتماعية..
* إلى أي حد تؤدي مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، بما تحمله من اسم، مهتمها تجاه القيمين الدينيين؟
** كما أن لكل قطاع مؤسسة للأعمال الاجتماعية، فكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. ونحن نطالب بتوسيع
تتمة حوار خربوش
في تولي الشأن الديني في مسجد ما، أن يقتسم «ذيك البركة ديال مؤسسة محمد السادس مع الناس ديال الجماعة»، واحتسابها ضمن «الشرط»، وإلا فإن أرض الله واسعة. ومع ذلك، فإن المدخول المالي للإمام تبقى نسبته الكبرى من المحسنين، وهو ما يجعل الإمام في وضعية حرجة، خصوصا إذا كان لهذا المحسن خلفية حزبية. وهذا ما يحز في النفس، إذ يتحول فيها الإمام لليد السفلى وهو تابع لوزارة تقدم نفسها على أنها من أغنى الوزارات. فإذا كان الأئمة في تركيا يتقاضون أجورا تضمن كرامتهم واستقلاليتهم بناء على أنهم في عاصمة الخلافة العثمانية، فالأولى أن يتم الاعتناء بنا ونحن نواب أقدم مؤسسة وأعرقها ألا وهي مؤسسة إمارة المؤمنين. فهل يسر أمير المؤمنين أن يتقاضى نائبه 1100 درهم، في مجتمع استهلاكي له متطلبات كبيرة.. ثم إنه لا يعقل أن يتم الحديث عن الجمع بين الوظائف، والحال أن بعض الأشخاص يتقاضون أجورا من خطابة الجمعة والوعظ والتأطير وعضويتهم في المجالس العلمية وكذا تدريسهم في الكليات، في الوقت الذي «يعرق وينشف الإمام الراتب» الذي نجده أحيانا مؤذنا وإماما وخطيبا وحارسا للمسجد ومنظفا له، بأجر يستحي المرء من ذكره في ظل تطور العصر وغلاء الأسعار. ونعتبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تعاملها مع القيمين الدينيين، كمثل تلك المرأة التي أمسكت هرة، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. فلو تركونا ماديا مع «الجْماعة» «الشَّرط»، لكنا حينها نسير وفق سقف مالي معين.. صلاحيتها لحماية القيمين الدينيين. فبالله عليك، هل بـ 500 درهم سيقوم نائب أمير المؤمنين، بأداء شعيرة عيد الأضحى؟ بل إن هذه المساعدة الهزيلة خلقت لبعض القيمين الدينيين مشاكل مع «الجْماعة» التي كانت تتكفل بتوفير الأضحية للإمام، عن طريق «الشَّرط». إذ لما علموا بأن هناك مؤسسة تساعد القيمين الدينيين، رفعوا أيديهم عن كفالة الإمام، وأصبح مفروضا على الإمام مد يده لاستكمال ثمن الأضحية. بل إن في بعض المناطق، أصبح لزاما على الإمامالراغب
منقول