في تلميح ضمني إلى دعوات جهات حزبية وسياسية إلى المساواة في الإرث أو تحريم تعدد الزوجات، أكد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أن "من يريد أن يخدم بلاده لابد أن ينخرط في المنطق الإيجابي للمجتمع، ولا يصطدم مع مرجعيته المحافظة، لأن وقت أتاتورك وبورقيبة انتهى".
تصريحات بنكيران جاءت جوابا على سؤال بخصوص موقف حزب العدالة والتنمية من الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والتي أثارت جدلا واسعا في البلاد قبل سنوات خلت، وذلك في سياق لقاء بثته اليوم قناة فرانس24، ضمن برنامج "ضيف ومسيرة"، تطرق خلاله رئيس الحكومة إلى أبرز المحطات التي بصمت مسار حياته السياسية.
بنكيران أوضح أن "حزب العدالة والتنمية رفض حينها تلك الخطة، لكونه وجد أن بعض ما جاءت به يناقض هوية المجتمع المغربي المحافظ، ولكونها تصطدم بأحكام شرعية حسم فيها القرآن"، مشيرا إلى أن "الملك تدخل ليس لصالح طرف على حساب آخر، بل ليكون منصفا للجميع، حيث قال "أنا أمير المؤمنين، ولا يمكنني أن أحل حراما أو أحلل حراما".
والدي متدين ووالدتي حداثية
وانطلق برنامج قناة فرانس 24 بالحديث عن "نوسطالجيا" رئيس الحكومة لما كان طفلا، وكيف أثرت فيه التنشئة الأسرية الأولى في توجهاته السياسية فيما بعد، حيث كشف بنكيران أن والده كانت له خلفية رجل تاجر، ومتدين جدا بحكم انتمائه لطريقة صوفية معينة.
وأردف بنكيران أنه نشأ مع والده على محبة الله، والاهتمام بالدين، وكان يرافقه ويُجلسه إلى جانبه مع كبار السن، وكان يميزه في هذا الجانب عن باقي إخوته، الشيء الذي فسره المتحدث بأنه قد يكون وزراء أخذ جرعة إضافية من الجانب الديني والدعوي.
واسترسل بنكيران أن والدته، بخلاف والده، كانت "امرأة تبدو أكثر حداثية، حيث كانت السبب الرئيس في ولوجه المدارس العصرية، رغم أن أباه كان يتمنى أن يكمل حفظ القرآن"، مشيرا إلى أن هذه الرغبة لم تتحقق، لكنه قد ينجزها لو كان في عمره بقية" على حد تعبيره.
وتحدث بنكيران عن "موهبة" إقناع الآخرين خاصة لما كان ينشط في المجال الطلابي، ويتابع دراسته في المجال العلمي، موضحا أنه كان يخطب في الناس بصراحة ووضوح، فكان عموم الطلبة والتلاميذ يقتنعون، أما من يأتي بأفكار مسبقة فمن الصعب إقناعه" يقول بنكيران.
تلاطم الأمواج السياسية
وعرج الحوار مع رئيس الحكومة على محطات سياسية عاشها وحضر فيها بقوة، بدء من انضمامه في بداية الأمر إلى الوسط اليساري، وقال "انخرطت في التيار اليساري بصدق وجدية، غير أنه وقعت لي معه صدامات بحكم خلفيتي الدينية، مثل مشاهدتي لبعضهم يفطر رمضان، وغير ذلك من السلوكيات التي دفعتني للانسحاب".
والتحق بنكيران بالحركة الإسلامية سنة 1976، فوجد أنها تساير إلى حد كبير ثقافته الطبيعية التي نشأ عليها، فاستمر عهده بها إلى أن حدث انفصاله عن الشبيبة الإسلامية عام 1981، لتبدأ مرحلة التساؤل حول جدوى السرية باعتبار المتابعات الأمنية، وجدوى العمل في الإطار القانوني، إلى أن حدثت واقعة أمنية في مكناس سنة 1984 لتتأكد نجاعة العمل في العلن، قبل أن يتم تأسيس الجماعة الإسلامية عام 1986.
وتطرق ضيف البرنامج إلى مرحلتين من قيادته للجماعة الإسلامية، كانت الأولى بين 1986 إلى حدود 1990، والثانية بين 1990 و 1994، اتسمت باتصالاته وإخوانه بعدد من الجماعات التي كانت تنشط في الساحة، من بينها جماعة العدل والإحسان التي رفضت تلبية دعوة الانصهار في جماعة واحدة، وجماعات أخرى من قبيل جماعة الرابطة وجماعة التبيين، وجماعة الدعوة الإسلامية بفاس..
وتوقف بنكيران عند مرحلة انضمامه جماعته تحت لواء حزب الراحل عبد الكريم الخطيب، والذي فتح الباب أمام شباب الجماعة الإسلامية، يضيف المتحدث، فقاموا بإعادة هيكلة الحزب من سنة 1992 إلى حدود 1996 عندما تأس المؤتمر الوطني الأول للحزب.
شعرنا بالظلم والملك كان حكيما
وبعد أن تناول بنكيران رؤيته لمسار وتطورات حزب "المصباح" الذي انتسب إليه خلال الاستحقاقات الانتخابية المختلفة التي شارك فيها الحزب، وقف رئيس الحكومة عند حدث بارز كان له بالغ الأثر في تاريخ البلاد في السنوات الأخيرة، ويتعلق الأمر بالأحداث الإرهابية التي همت الدار البيضاء سنة 2013.
وقال بنكيران عن تلك المحطة إن "حزبه لم يكن له يد فيها لا من قريب ولا من بعيد"، بل "آلمتنا كما آلمت الآخرين وأكثر منهم"، قبل أن يشدد على أن الأكثر إيلاما كون "جهات معينة، لم يحددها بالاسم إذ اكتفى بالإشارة إلى زعماء سياسيين حملوا حزب العدالة والتنمية المسؤولية المعنوية لتلك الأحداث الدامية، وطالبوا بحله، وأكثر من ذلك أيضا".
وبعد أن سألته مقدمة البرنامج عن المقصود بتلك الجهات التي يقصدها، أوضح بنكيران أنه يقصد "زعماء سياسيين أدوا ثمن مواقفهم تلك، بأن صاروا مُتجاوزين، ومنسيين من الناحية السياسية، لكون المجتمع لا يغفر مثل تلك الأخطاء" على حد تعبير رئيس الحكومة.
ولم يفت بنكيران الثناء كعادته على الموقف الحكيم للملك محمد السادس، لكونه لم يخضع لفكرة حل حزب العدالة والتنمية، رغم أنه آخذ عليه بعض الأمور سواء في خطابه، أو في ثنايا اتصالات الحزب مع مقربين من الملك" يُسِر رئيس الحكومة للبرنامج التلفزي.
الاستثناء المغربي قديم
ولم يكن البرنامج لينتهي دون أن يتناول الحديث عن "الربيع العربي" الذي أكد بنكيران بخصوصه أن الملك محمد السادس أنقذ المغرب من خلال استجابته لكافة الإصلاحات التي طالبت بها الحركة الوطنية مجتمعة منذ استقلال البلاد، متمثلا في خطابه يوم 9 مارس، بنى عليه دستورا جديدا، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها حملت حزب العدالة والتنمية لترأس الحكومة.
وقال المتحدث إن "الاستثناء المغربي ليس وليد أحداث "الربيع العربي" بقدر ما هو امتداد لـ12 قرنا مضى"، مشيرا إلى أنه خلال التاريخ القريب للبلاد عرفت البلاد تيارات القومية العربية، واليسارية الراديكالية، والإسلامية المتشددة، لكن كلها تيارات تمت "مغربتها" وفق تعبير بنكيران.
وبخصوص موقف الحزب "الإسلامي" من حركة 20 فبراير، ورفضه الانخراط فيها، شدد بنكيران على أن "الملكية لا يمكن المغامرة بها حتى لو تعلق الأمر بمطالب إصلاحية"، مردفا أن "الشعب المغربي يعرف أنه مع الملكية يمكن حدوث أزمات وتجاوزها، لكن بدون الملكية لن يوجد المغرب الذي تعرفون اليوم" يقول رئيس الحكومة.
منقول