تبرز زيارة العمل، التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى واشنطن، الإرادة القوية لجلالة الملك والرئيس الأمريكي باراك أوباما لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والاستثنائية القائمة بين البلدين، مدعمة بالرغبة المشتركة التي تستمد شرعيتها ودلالتها من معاهدة السلام والصداقة، التي تربط البلدين لأكثر من 225 عاما.
وكان بلاغ للمتحدث باسم القصر الملكي أكد أن هذه الزيارة، التي تأتي بدعوة من الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، تندرج "في إطار ترسيخ العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط البلدين الصديقين، منذ أزيد من قرنين من الزمن وتوطيد العلاقات الخاصة التي جمعت دائما البيت الأبيض بالقصر الملكي.
وأبرز صناع الرأي والمعلقون والمحللون بواشنطن أن الزيارة الملكية ستشكل مناسبة للتذكير بالتزام المملكة إلى جانب قوات التحالف خلال الحرب العالمية الثانية، واختيار المغرب لنظام سياسي يقوم على التعددية، في وقت تبنت فيه دول أخرى نظام الحزب الوحيد في ظل الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى الالتزام الثابت للرباط وواشنطن بمكافحة الإرهاب والتطرف الديني.
ويتقاسم الشعبان المغربي والأمريكي القيم والمبادئ نفسها من أجل السير قدما على طريق التطور والازدهار والكرامة الإنسانية وفقا للحقوق المتعارف عليها عالميا.
وكان للنجاح الذي حققته الشراكة المغربية الأمريكية آثار كبيرة امتدت إلى اليوم، خصوصا في الوقت الذي تبحث واشنطن عن تعزيز علاقاتها مع البلدان الإفريقية، سيما تلك الواقعة على طول الساحل الأطلسي للقارة السمراء.
ويفتح التوجه الدولي للاقتصاد المغربي، إضافة إلى موقع المملكة ك"مركز أطلسي متعدد الأبعاد"، وانخراطها في إفريقيا والمنطقة المتوسطية، آفاقا جديدة للتعاون بين المغرب والولايات المتحدة.
كما أن الأبعاد الجيو اقتصادية للشراكة القائمة بين الرباط وواشنطن تعززت ليس فقط من خلال المبادلات التجارية بين البلدين، بل أيضا بفضل قرب المغرب من المناطق التي تدخل في صلب المصالح الاقتصادية الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة، في إشارة إلى إفريقيا والمنطقتين المتوسطية والأطلسية.
وكان الرئيس باراك أوباما ذكر، في خطابه بالقاهرة، أن المغرب يعد أول أمة اعترفت بالجمهورية الأمريكية الفتية سنة 1777. كما أن الدولتين تربطهما معاهدة للسلام والصداقة تنظم العلاقات الدبلوماسية والولوج إلى أسواق البلدين.
وفي إطار هذا البعد التاريخي المتفرد، أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس أوباما، خلال اتصال هاتفي في ماي الماضي، على أهمية تكثيف المشاورات السياسية والتواصل الدائم من أجل تعزيز العلاقات الثنائية في جميع مجالات التعاون، سيما في إطار الحوار الاستراتيجي الذي أبرمه البلدان في شتنبر 2012.
وحسب بلاغ المتحدث باسم القصر الملكي، فإن هذه الزيارة "تهدف إلى إضفاء دينامية متجددة على الشراكة المتميزة التي تجمع البلدين في مختلف المجالات، ومواصلة تعزيز الحوار الاستراتيجي بينهما".
ومكن الدور الريادي المتبصر لجلالة الملك من جعل المغرب بلدا محترما وبصوت مسموع بين الأمم. ومن هذا المنطلق أعرب الرئيس الأمريكي، خلال هذا الاتصال الهاتفي المهم، عن الأمل في تعميق التشاور مع جلالة الملك في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، كالملفات السوري والمالي والفلسطيني.
كما يتم بذل الجهود على مستوى ضفتي الحوض الأطلسي من أجل تعزيز هذه الشراكة والرقي بها إلى مستويات أفضل بين أمتين تربطهما اتفاقية للتبادل الحر دخلت حيز التنفيذ سنة 2006، والتي تعد الوحيدة التي أبرمتها الولايات المتحدة على صعيد القارة الإفريقية، إضافة إلى تعيين المغرب كحليف أساسي للولايات المتحدة خارج حلف الشمال الأطلسي.
وعلى المستوى الشخصي، فإن هذا الاتصال يعبر عن الثقة والتقدير العالي الذي يطبع العلاقات بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس أوباما، والذي تجسد من خلال اتصال هاتفي مباشر، يعكس الفهم المتبادل للأولويات والمصالح الوطنية الحيوية لكلا البلدين.
وعلى مستوى ما يؤسس لمستقبل البلدين، في إشارة إلى القضية الوطنية، فإن هذا الاتصال يأتي ليؤكد أن منهجية تسوية النزاع التي اختارها المغرب لقيت دعما حاسما على أعلى مستوى في السلطة الأمريكية، والتي وصفت غير ما مرة المخطط المغربي للحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية بالمقترح "الجدي وذي المصداقية والواقعي".
تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف الأمريكي تبنته ثلاث إدارات أمريكية منذ إدارة كلينتون إلى أوباما مرورا بإدارة الرئيس جورج وولكر بوش. كما أن هذا المقترح حظي بدعم كامل من قبل منتخبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس الأمريكي بغرفتيه.
من جهة أخرى، اعتبر الملاحظون أن الزيارة الملكية تشكل مناسبة لإبراز فرادة النموذج الديمقراطي المغربي في محيطه الإقليمي، تحت القيادة المتبصرة والحكيمة لصاحب الجلالة، الذي أطلق إصلاحات متقدمة لم تنتظر "الربيع العربي" لتتبلور على أرض الواقع.
وكانت المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، أكدت أن الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة "يأتي ليدعم دينامية الإصلاحات التي انخرطت فيها المملكة"، تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأكدت الإدارة الأمريكية، في مرات عديدة، أن الإصلاحات، التي انخرط فيها المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة، تشكل "نموذجا بالنسبة للبلدان الأخرى بالمنطقة"، مشيرة إلى أنها "تحمل الكثير من الوعود بالنسبة للشعب المغربي" في محيط إقليمي تسوده الاضطرابات.
وأبرز المتحدث باسم القصر الملكي أن هذه الزيارة ستشكل "فرصة لقائدي البلدين للتباحث وتبادل الرأي بخصوص القضايا الجهوية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بهدف الرفع من مستوى التنسيق والتعاون بينهما واتخاذ مبادرات مشتركة لرفع التحديات التي تواجهها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والتصدي لمخاطر التطرف والإرهاب، ودعم الاستقرار والتنمية بإفريقيا جنوب الصحراء".
منقول