طنجة: إدريس حيداس - يعطي المشروع الضخم "طنجة الكبرى"، المبادرة الملكية الجديدة الموجهة لهذه المدينة وجهتها، من خلال مكونه "طنجة العالمية والمضيافة"، دفعة قوية للجهود الرامية إلى تثمين التراث الثقافي الفريد للمدينة، لتصبح وجهة سياحية رئيسية في المملكة.
ويعتبر محور "طنجة العالمية والمضيافة'' عبر مكوناته التي تنكب على المظاهر الدينية والثقافية والتنشيط الحضري والرياضة والمعمار، دون شك، استهدافا ناجعا لقطاع واعد، يتمثل في القطاع السياحي.
وتزخر مدينة طنجة ونواحيها، بالتأكيد، بمؤهلات سياحية عديدة وقد جاء مشروع "طنجة الكبرى"، في الوقت المناسب لتثمين التراث الفريد للمدينة، التي تشكل متحفا لكبار الفنانين الذين خلدوا إشعاعها الكوسموبوليتي.
وتتموقع مدينة طنجة، التي تعد بوابة الضفة الجنوبية لحوض المتوسط وملتقى الحضارات بامتياز، والثقافات وتدبير التنوع، اليوم، كمجال ترابي يتمتع بقدرات يمكن أن تضمن، من خلال مثل هذه المشاريع، استدامة لكافة أبعاده.
ويعد أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي، المعروف بابن بطوطة (1304-1369) ، بدون منازع، الشخصية الأكثر شهرة في تاريخ هذه المدينة. وكان هذا الرحالة الشهير قد قطع أزيد من 120 ألف كيلومتر خلال 29 عاما من السفر قادته من تومبوكتو جنوبا إلى بلغار بروسيا شمالا وذلك قبل أن يجوب منطقة الشرق الأقصى.
وتميزت طنجة، المدينة الكوسموبوليتية والمتعددة الثقافات، بجذبها لكبار الفنانين والشخصيات المشهورة من عالم الثقافة على المستوى العالمي، على غرار بول بولز، وس. بوروغز وجاك كيرواك، وتينيسي وليامز، وبريون جيسين، ولوس رولينغ ستونز، الذين زاروا في مناسبات عديدة هذه المدينة وأقاموا بها. وكان وليام س. بوروغز ألف كتابا بعنوان "ناكيد لانتش" في طنجة خلال سنوات الخمسينات مستلهما الشخصية الفريدة لهذه المدينة خلال تلك الفترة. وبعد أن تحدث دولاكروا عن الضوء العجيب الذي يميز طنجة، تغيرت هذه المدينة شيئا فشيئا وأضحت محطة إجبارية للعديد من الفنانين الذين استهوتهم بسحرها الملهم والباعث على الإبداع.
كما أن الرسام الشهير ماتيس، قصد أيضا مدينة طنجة وخلد سحرها في لوحات فريدة. وكان يقيم بفندق فيلا دو فرانس، حيث اكتشف الضوء والمناظر كما وصفها دولاكروا، خاصة كما تبدو من خلال نوافذ الفندق. وكان ريتشارد ديكوبون (كاليفورنيا) من بين مشاهير الفنانين الذين استسلموا لسحر هذه المدينة.
وجعلت هذه الأسماء اللامعة في عالم الفن والثقافة من مدينة طنجة تراثا أدبيا عالميا. وفي واقع الأمر، فإن الحديث عن طنجة ومكانتها في الأدب أضحى اليوم أكثر من قاسم مشترك، فالكتاب الذين تحدثوا عن مدينة البوغاز يعدون بالمئات، وهو ما لم يتح للعديد من الأمكنة والمواقع الجغرافية.
وكانت مدينة طنجة خلال سنوات الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي منطقة دولية، وشكلت فردوسا بالنسبة لجميع الطبقات الاجتماعية ولفئات خاصة (فنانون وكتاب ومغامرون باحثون عن الثروة).
وبعد فترة غفت فيها المدينة، عادت طنجة لتبرز مجددا في واجهة المشهد مع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس للعرش. فبفضل المشاريع الكبرى المهيكلة مثل "طنجة المتوسط"، والمبادرات المتعددة لتأهيل وتثمين مجالها وتراثها ، تمكنت مدينة طنجة من أن تنبعث من جديد وتستعيد مجدها السابق وتصبح مرة أخرى محطة جذب بفضل مؤهلاتها وتفردها.
وتحولت المدينة إلى موقع ينبض بالحياة ، واعد اقتصاديا وباعث على دينامية شرعت اليوم في تغيير المنطقة برمتها. فطنجة أضحت تكتب يوميا مستقبلها المتعدد ومستقبل الجهة بكاملها. فإلى جانب طنجة الاقتصاد هناك جوانب أخرى من المدينة كلها جذابة وأصيلة : أسطورية وتاريخية وجغرافية ومعمارية وتشكيلية وموسيقية وأدبية.
وسيمكن مكون "طنجة العالمية والمضيافة " ضمن المشروع الضخم "طنجة الكبرى"، من استثمار هذا التراث الفريد للمدينة وجعلها قطبا سياحيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط بالنظر لموقعها الجغرافي المتميز، فهي همزة وصل بين قارتين ترمز للرغبة في التلاقي والتلاقح والتمازج بين الثقافات، وفضاء للتعايش العالمي. (و م ع)
منقول