ذكر عبد الرحيم اوطاس، نائب عمدة المدينة المكلف بالتعمير، لـ"المغربية"، أن الدارالبيضاء مازالت قابلة لأن تشيد فيها عدة منجزات حديثة وجديدة، إلى جانب إعادة هيكلة وتهيئة المناطق القديمة منها، موضحا أن الوعاء العقاري متوفر بشكل ملائم في المدينة كجهة، لكن هناك افتقارا لهذا المعطى في المدينة كجماعة، مضيفا أن حركية التعمير التي تشهدها المدينة تتأسس على ضوابط تراعي خصوصيات الأماكن القديمة، والأوساط المزمع تأهيلها بالمركبات والبنايات والمنشآت والمرافق والمساحات الخضراء.
هل الوعاء العقاري يسمح للدارالبيضاء بتزايد المشاريع السكنية والاقتصادية والإدارية وغيرها بداخلها؟
-إن الوعاء العقاري على شكل أراض فارغة من المباني، بمدينة الدارالبيضاء كجماعة، غير متاح، لكن الوعاء العقاري بالدارالبيضاء كجهة، مازال موجودا بشكل يسمح بإنشاء عدة مبان ومرافق ومنشآت، اعتبارا إلى أن جهة المدينة تمتد على مساحات شاسعة وشاغرة بالإمكان إنجاز عدة مشاريع تنموية فوقها، فعلى سبيل المثال، المساحات التي تمتد في اتجاه المحمدية والتي تمتد في اتجاه مديونة، والتي تمتد في اتجاه الجديدة، ما يعني أن الدارالبيضاء مازالت قابلة لأن تشيد فيها عدة منجزات حديثة، بصرف النظر عن النمو الديموغرافي الذي جعل الطلب على المرافق السكنية والإدارية وغيرها يرتفع بشكل كبير.
يبدو أن هناك إعادة هيكلة لبعض الأحياء القديمة بالدارالبيضاء، هل يأتي ذلك في إطار البحث عن حلول لتجاوز الخصاص الحاصل في الوعاء العقاري؟
إن إعادة هيكلة الأحياء القديمة تكون إيجابية حينما تعنى بأحياء دور الصفيح مثلا، ففي هذه الحالة من الملائم تغيير طبيعة الحياة العشوائية التي يعيشها السكان، لتمكينهم من ظروف عيش كريم بدءا من إنشاء مساكن ومرافق بمعايير سليمة ومريحة، لكن حينما يتعلق الأمر بإعادة هيكلة أحياء هي في الأصل لا تنقصها سوى بعض الإصلاحات والتعديلات، فإن الأمر لن يكون إيجابيا بالنسبة لسكانها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هيكلة بعض الأحياء القديمة قد تقود إلى استعاضة السكان عن مساكنهم المتسعة بمساكن ضيقة، وهو الحال الذي تعرفه عدة أحياء صفيحية التي يرفض سكانها الرحيل عنها بمبرر أن المساحات التي يقطنون بها أكبر من تلك الشقق البديلة، خاصة إن كان عدد أفراد الأسر لا يشجع على الاستقرار في شقق مساحتها محدودة الأمتار.
ويمكن القول إن إعادة هيكلة بعض الأحياء القديمة في ظل تسخير مساحاتها لبنايات ومرافق جديدة، ينبغي أن يراعي عدة جوانب تتعلق بالسكان، لضمان هيكلة مفيدة للمدينة وسكانها.
هل الزحف العمراني يؤثر على المساحات الخضراء، وكيف تعالجون ذلك؟
-إن مدينة الدارالبيضاء مقبلة على أن تكون مساحاتها الخضراء تقدر بحوالي ألف و600 هكتار، خاصة أن تصميم التهيئة الجديدة، يشترط فيه أن يكون للمساحات الخضراء نصيبها الوافي، وفقا للمعايير الدولية التي تقضي بأن لكل فرد في المدينة نسبته من المساحة الخضراء، ومن ثمة فالمنشآت والمركبات السكنية وغيرها مما ستعرفه الدارالبيضاء مستقبلا، ستنجز على أساس أن تكون الفضاءات الخضراء ضمن المخططات المبرمجة لها للرفع من المستوى الحضاري للمدينة.
كما يجب التأكيد أن عددا من الحدائق التي تتمتع بها الدارالبيضاء شهدت في الآونة الأخيرة، إعادة الإصلاح والتهيئة، بموازاة تلك الأحزمة الخضراء التي تحد جوانب المدينة وبعض أوساطها.
وحتى لا يفوتني التذكير، فإنه في السنوات الماضية، كان هناك إغفال نوعا ما لمكانة المساحات الخضراء، ما جعل المدينة تعرف نموا هائلا في البنايات دون إفساح المجال للفضاءات الخضراء، وهو ما يجري تداركه حاليا بوضع برامج خاصة بها ضمن المخططات التنموية التي ستتجسد على أرض الواقع في آجال قريبة.
ألا تجدون أن البناء الأفقي يساهم في تقليص الوعاء العقاري، ومن ثمة ألا ترون أن البناء العمودي سيكون حلا لذلك؟
-إن مسألة اختيار البناء الأفقي والعمودي، تتعلق بالثقافة السائدة، إذ العديد من السكان يرفضون الإقامة بطوابق مرتفعة تتعدى الطابق الثالث أو الرابع، هذا يفرض على المستثمر العقاري تشييد البنايات بطوابق لا تتجاوز هذا العلو، حتى يكون منتوجه قابلا للطلب، ولهذا فمعظم البنايات تمتد بشكل أفقي على سطح الأرض، بدل أن تمتد بشكل عمودي يتزايد معه عدد الطوابق.
فليس هناك موانع تقنية تحول دون إنشاء تلك البنايات الشاهقة، لكن الأمر متوقف على حجم الطلب لهذا النوع من المباني، ونجد أن المباني المرتفعة في الدارالبيضاء، أغلب الشقق فيها تكون مخصصة للشركات، حيث المكاتب الإدارية وغيرها، بينما هناك فئات قليلة تقبل بالسكن في الطوابق العالية وتكون في الأحياء الراقية حيث المصعد يسهل عملية صعودهم ونزولهم.
نرى أحيانا بعض السكان يحدثون بعض التغييرات في واجهة البنايات من نوافذ وشرفا، لكنها تعديلات تؤدي أحيانا إلى تشويه جمالية المبنى، بعد اعتماد طرق ربما تكون ترقيعية ، هل من مقترحات وحلول لتجاوز هذه المعضلة؟
-صحيح أن العديد من السكان يلجأون إلى تعديلات مختلفة على مستوى واجهة البنايات، والسبب هنا راجع إلى ضيق المساحة التي تتراوح ما بين 50 و 60 مترا، في إطار السكن الاجتماعي، ولهذا فأفراد الأسر غالبا ما يفضلون توسيع مجال شققهم قدر الإمكان إن كانت بعض الشرفات تحتل حيزا منها، فهم يتحايلون على ضيق المساحة بهذه التغييرات، ما يؤدي إلى جعل واجهة المبنى تشهد اختلافا من حيث الشكل، تبعا لاختيار كل أسرة لطريقتها في معالجة ضيق المكان، والسلطات المحلية تسهر على مراقبة هذا الأمر، والتنبيه إلى عدم الأحقية في ذلك، وقد تسن عقوبات زجرية لمنعها، غير أنه بعد أن تعم الظاهرة بشكل كبير، يصبح الواقع كأنه أمر عاد، وبالتالي فالحملات التحسيسية، هي الكفيلة بالتنبيه إلى أن جمالية البناء تدخل ضمن جمالية المدينة، وحري بالسكان الحفاظ على الشكل الموحد لكل النوافذ والشرفات، التي أنشئت وفق تصاميم ومعايير البناء السليم.
إدماج سياسة المدينة، في وزارة السكنى والتعمير، بماذا يفيد الدارالبيضاء، بصفتها مدينة عملاقة؟
-على غرار المدن الكبرى في العالم، التي تتعدى مليوني نسمة، فإن خاصيات الدارالبيضاء من حيث مساحاتها الشاسعة وموقعها الجغرافي وكذا مقوماتها العمرانية والاقتصادية والاجتماعية، تتطلب سياسة تعمير توحد بين جميع أسسها، لخلق مدينة متكاملة، بطابع متمدن وراق، يسهل الحياة فيها من كل الجوانب، خاصة أنها تحتضن عددا كبيرا من السكان مقارنة مع باقي المدن، إلى جانب أنها العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتتمركز فيها مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية وكذا الإدارية وغيرها.
وسياسة التعمير في الدارالبيضاء، يجب أن تتوحد فيها تدخلات جميع المعنيين مثل وزارة السكنى والتعمير ومجلس المدينة ومجلس الجهة، وكل المتدخلين حتى تكون حركية التعمير فيها تنبني على ضوابط تراعي الأماكن والأحياء القديمة منها الآهلة بالسكان، والأوساط المزمع تأهيلها بالمركبات والبنايات والمنشآت والمرافق والمساحات الخضراء.
كيف تتخيل شكل مدينة الدارالبيضاء وواقعها، في السنوات المقبلة؟
أتصور مدينة الدارالبيضاء على الأقل في حدود سنة 2030، أنها ستكون مدينة "فاضلة" بمفهوم المدينة المتحضرة والمنظمة، والجميلة من حيث منشآتها وشوارعها، كما أتخيلها المدينة النظيفة والمهيكلة في كل قطاعاتها الحيوية.
منقول