إن دستور المغرب في جميع طبعاته، كان ويزال يؤكد على إسلامية الدولة وعلى إمارة المؤمنين* فقد تم تأسيس، على مراحل عدة، مؤسسات دينية أحدثها المشرع وعهد إليها مهمة تسيير مرفق عمومي ذي طبيعة دينية لإشباع حاجات دينية إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب، كما أن إمارة المؤمنين تعرضت مؤخراً لعدة انتقادات فأين يكمن السبب في كل ذلك؟
تعتبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أهم المؤسسات الرسمية، كما أنها آلية من الآليات المؤسساتية التي راهنت عليها السلطات العمومية في المغرب لضبط الشأن الديني والإشراف عليه، فالمادة الأولى من الظهير الشريف رقم 193ـ 03ـ 1 الصادر في 9 شوال 1424، الموافق ل 4 دجنبر 2003م في شأن واختصاصات وتنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1) تنص على ما يلي:
1 - العمل على التعريف الصحيح بحقائق الدين الإسلامي الحنيف والسهر على نشر تعاليمه السمحة وقيمه الراسخة؛
2 - أداء رسالة الأوقاف والمحافظة على كيانها، والعمل على تنمية ممتلكاتها وتحسين مداخيلها للصرف منها على وجوه الخير والبر والإحسان طبقاً للمصلحة التي وقفت من أجلها وفي مقدمتها خدمة مصالح الدين وتحقيق المنفعة للمسلمين
3 - الحفاظ على القيم الإسلامية وسلامة العقيدة، والحفاظ على وحدة المذهب المالكي والعمل على ضمان إقامة الشعائر الدينية في جميع مساجد المملكة في ظروف من الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء
4 - إحياء التراث الإسلامي وبعث الثقافة الإسلامية، والعمل على نشرها على أوسع نطاق
5 - المساهمة في بناء المساجد وترميمها وتوسيعها وتجهيزها وتأطيرها، ودراسة طلبات الترخيص ببنائها
6 - إعداد سياسة الدولة في مجال التعليم العتيق والإشراف عليه وتنظيم شؤونه
7 - توثيق أواصر التعاون وإقامة علاقات التبادل والتنسيق مع القطاعات والهيئات الوطنية والدولية في إطار السعي لتحقيق أهداف الوزارة
8 - وضع سياسة للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة الأطر الدينية من أجل تحسين أدائهم والرفع من مستوى تكوينهم.
من خلال هذه المادة القانونية حدد المشرع جملة من الأهداف التي يتعين على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية السهر على تحقيقها، يمكن إجمالها حتى تبدو الصورة أكثر وضوحاً: التعريف الصحيح بحقائق الدين الإسلامي، السهر على نشر تعاليمه السمحة وقيمه الراسخة، الحفاظ على القيم الإسلامية وسلامة العقيدة، الحفاظ على وحدة المذهب المالكي، ضمان إقامة الشعائر الدينية في جميع مساجد المملكة في ظروف من الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء، إحياء التراث الثقافي، بعث الثقافة الإسلامية والعمل على نشرها على أوسع نطاق، توثيق أواصر التعاون وإقامة علاقات التبادل والتنسيق مع القطاعات والهيئات الوطينة والدولية. إذن الهدف من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هو استمرار الإرتباط القوي بمؤسسة إمارة المؤمنين، أما هدف هذه الوزارة فهو التعبير عن الرغبة الرسمية في إنتاج خطاب ديني موحد وبشروط تستجيب لأية لحظة تاريخية تعيشها المملكة.
إلى جانب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تساهم المجالس العلمية، منها المجلس العلمي الأعلى الذي أصبح مؤسسة دستورية وفقاً لدستور 2011، في تنشيط التأطير الديني للمواطنين المغاربة إلى جانب مؤسسات أخرى. تعتبر هذه المجالس إحدى الآليات الرئيسية في إدارة القوى وتنظيمها، أما المجلس العلمي الأعلى فهو الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى في موضوع القضايا التي تُحال عليه انطلاقاً من مبادئ وأحكام الدين الإسلامي ومقاصده.
أما الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وهذا هو الإسم الجديد الذي أُعطي من طرف جلالة الملك لـ «رابطة علماء المغرب» أثناء خطاب الدار البيضاء في 30 أبريل 2004، تقديراً منه للدور الفعال والإيجابي الذي كانت هذه الرابطة تقوم به، ومركزيتها في إنتاج وترويج خطاب الوسطية والإعتدال ووحدة المذهب واحترام المقدسات الدينية والوطنية، فإن أهدافهم حُددت في قانون الرابطة الأساسي منذ سنة 1964: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقيام بنشر الدعوة الإسلامية في الحواضر والبوادي، وتلقين الناس مبادئ دينهم على الوجه الصحيح من الكتاب والسنة سواء ما يهمهم في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم...في المساجد والأندية وفي الأسواق والطرق والسجون إن دعا داع إلى ذلك ـ تجديد القيم الإسلامية بإحياء السنة وإماتة البدعة ومحاربة اللادينية والإلحاد والزندقة...ونشر الدعوة الإسلامية في البلدان غير المسلمة (2).
كثيرة هي المؤسسات الدينية في بلادنا لا نستطيع بمكان تناولها جميعاً، كما لا يمكن الجزم بأنها فشلت. كل ما في الأمر أن هناك عدة سلبيات تؤخرها في التطور وتحقيق نتائج ملموسة :
l عدم إيجاد إلى يومنا هذا مشروع مندمج لإعادة إنتاج نخبة عالمة، أي تخريج علماء ذوي مكانة متميزة معرفياً.
l عدم تحسين وضعية القيمين الدينيين - التي أصبحت محط جدل - لأنها عملية تحتاج لمقاربة يتم فيها احترام وضعيتهم الخاصة والمتميزة في إطارها الشرعي والقانوني مع مراعاة الإمكانات المادية المحدودة في هذا المجال.
l عدم صياغة سياسة متكاملة لدعم وتقوية الإشعاع العلمي الديني المغربي في كافة الدول الإسلامية.
l عدم بذل جهد كبير لصالح ملايين المغاربة المقيمين في الخارج على الصعيد الديني والثقافي بالنظر إلى حاجياتهم المستجدة وإلى تضاؤل حجم التأثير في واقعهم.
بالرجوع إلى أهم مؤسسة دينية، والتي أصبحت مؤخراً محط انتقاد شديد على الرغم من تفكيك الفصل 19 من دستور 1996 إلى فصلين هما: 41 و42 في دستور 2011، نتحدث هنا عن المؤسسة الملكية (إمارة المؤمنين)، إذن نحن هنا أمام الجمع بين الإشتغال السياسي والإشتغال الديني اللذين تتميز بهما هذه المؤسسة. فالمؤسسة الملكية في شخص الملك بصفته أميراً للمؤمنين هي المؤسسة الوحيدة التي يحق لها الجمع بين السياسة والدين تجنباً لكثرة القراءات المفتوحة للدين باسم الممارسة السياسية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ضمان نسبة من المصداقية للعمل السياسي، أي إعطاء حظوظ متساوية لجميع المؤسسات السياسية الحزبية في التباري والتنافس لكسب ثقة المواطن بعيداً عن كل مزايدة محتملة قد تقع تحت غطاء الدين الإسلامي، لكن وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكم خلط المفاهيم وأربك التصورات، أولاً لأن كلٌ من المؤسسة الملكية وحزب العدالة والتنمية: يستندان على أساس ديني بمعنى أدق يستندان على صبغة الشرعية الدينية التي تعد من أهم مقومات السلطة السياسية في بلادنا وباقي البلاد العربية ،ثانياً لأن الشعب المغربي شعب عاطفي تحركه وتؤثر فيه المشاعر الدينية ولكونه أيضاً لا يتمتع بثقافة سياسية واسعة، كما أنه اعتاد أن يتحفظ على الأحزاب السياسية ذي مرجعيات وإديولوجيات ليبرالية أو يسارية أو غيرها...إنها المرة الأولى التي يشهد فيها وصول حزب ذي مرجعية إسلامية إلى رئاسة الحكومة فدخل في معمعة المقارنة التي لا يقدر عليها ولا تجوز في الأصل.
إن الحديث عن الدين في ارتباطه بالمؤسسات يضعنا أمام معادلة شديدة الحساسية من حيث نقط التقاطع والتكامل وترتيب المسؤليات على الأطراف المعنية مع بيان حدود الصلاحيات والسلط ، أما الحديث عن الدين في ارتباطه بالسياسة وممارسيها يضعنا أمام معادلة شديدة التعقيد خيوطها متشابكة يصعب إيجاد أول الخيط للوصول إلى آخره، إنه ضرب من الجنون ومن ضياع للوقت.
1 - الجريدة الرسمية عدد 5172، بتاريخ فاتح ذي القعدة 1424، موافق لـ 25 دجنبر 2003.
* (عند أول نسخة للدستور المغربي في ستينيات القرن الماضي، طالب بعض رجال الحركة الوطنية ومنهم الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب بضرورة التنصيص على إسلامية الدولة وعلى إمارة المؤمنين)
2 - الحاج أحمد بن شقرون: «مواقف وآراء رابطة علماء المغرب»، منشورات رابطة علماء المغرب، ص: 120
وئام غيدود الحوزي
باحثة في العلوم السياسية بكلية الحقوق طنجة
منقول