النوراني والظلماني ويوم الحق
إن يوم الواقعة والزلزلة والقارعة والساعة والقيامة ويوم البعث والحشر والتلاقي والنشور والحساب والميزان والتغابن... ويوم الحق . دخول بسلام إلى الجنان أو سحب وجر إلى النيران , (خالدين) كل وقضائه وقدره , والأمر يومئذ لله الواحد الأحد من قبل ومن بعد , فيهم يفرأ كل مشيئة وأمر حكيم .
* رجل نوراني من أهل الجنة , يشع نوره بين يديه ومن حواليه تخشع منه الأبصار , وقف في طريق يوم الحق وهو من الفائزين , وأوقف رجلا ظلمانيا , يسوده ظلام وحلكة وسواد قاتم , وهو من الخاسرين , والظلماني يسوقه ملكان عظيمان مكلفان به عن يمينه ويساره , يأخذان بزمامه و ناصيته (سائق وشهيد) في سير طويل المدى يقدر بالآلاف السنين . وبنور الرجل النوراني المتسع أركانه الوهاج ضوئه ورائحته الطيبة الفياحة العطرة الزكية العبقة الأخاذة , حال بينهم جميعا وبين طريقهم والسير بالظلماني إلى جهنم , تظهر و ترى من بعيد والرؤيا يومه حديد الأبصار , تكاد تميز من الغضب والحنق والغيظ , وتكلم الظلماني مستعطفا وبه ذلة ومسكنة قائلا للنوراني وهو يعرفه في الدنيا الماضية الفانية : تنح يا ( فلان ... بأفضل إسم وأحسنه له في الدنيا ) عن طريقي . وأجابه النوراني: أريد حقي آخذه منك اليوم ... ورد الرجل الظلماني : أنت ستدخل الجنة , وما تفعل بحق تطلبه وأنت في غنى عنه ولست بحاجة إليه , بشرى لك اليوم فزت بخلود النعيم , وإنه لنعم الجزاء موفقا , هيا سارع اذهب وادخل جنتك , وتنعم بما صبرت في الأيام الخالية وتنح عن طريقي , أنا ظلماني وخسرت خسرانا مبينا , ومصيري تعس ونكد وإرهاق , أنت تعرفه وتراه , أنا مفلس , وذاهب إلى الحطمة المقر عذاب اللظى , إنها طريقي , إنك تسمعها تشهق وتزفر وتراها تغيظ في غيظ دائم مستمر, وانشغلت لعبا ولهوا بالملذات عن الذكرى والنذر , ورد عليه النوراني : لن أتنح وأبرح مكاني ههنا وأظل أسد عليك الطريق وأمسي إلى أن آخذ حقي منك . وتعطيني إياه يزيدني نورا أكثر اتساعا وأقوى إشعاعا وسرعة . وأجابه الرجل الظماني : يا رجل يا أهل الجنة يا طيب , بالله عليك الحق , إنه لم يبق لي من الأجر والثواب والخير والصالح شيىء في عاتقي . ولو حسنة واحدة أو شبهها أقايضك بها وأسدد لك بها دينك علي الذي نسيته , وإني أرى أنوارك تخطف الأبصار وتملأ المكان كله وتعج به وأريج عطرك يفوح من الجنان بآلاف الأميال , ولا أرى ولو شبه سيئة أو مثلها عندك ولو ذرة منها تمدني إياها كبديل لدينك لأثقل بها نفسي الأمارة بالسوء وكاهلي المثخن بالعطيات وما بقي لي شيء أمده عطية و فدية وجزاء, وما اقترفته من آثام في حقك , ودينك يزيدني عذابا ضعـفين فوق عذابي وشدتي , ووعد الله حق . وتراني ذاهب إلى الهاوية , فارفق بي وتنح عن طريقي يا رجل ولا تزيدني ما أنا فيه هولا وعذابا . فرد عليه النوراني : هذا يوم الحق وما وعدنا به ربنا حق , وأريد حقي منك أن تمدني به . وإني لجد متأسف لما أنت فيه وعليه من عسر ومشقة وهوان , وإنه لبئس القرار والمصير ولا أرجو لك ذلك شفقة وعطفا . و ليس لي بد أو إذن ولا بيدي شفاعة أعثق بها رقبتك من الرعب والفزع , بل الأمر يومئذ لله الحق . والحق لا بد أن يعود لصاحبه . فاعطني حاجتي . أخذتها مني كرها في دار البلاء , فاعطنيها طوعا هنا في دار البقاء , وما كنت أنت تظن أنه سيكون بننا موعد لقاء , واليوم يوم حق , إما سعادة وإما شقاء "الله سبحانه وتعالى سمع حوارهما "وقال رب العزة الحق ’ للنوراني وإنه أعلم بذات الصدور ’ لم تقف له في الطريق وتمنعه من المسير و المصير , سجد الجميع , الرجل النوراني والظلماني والملائكة خشية ورهبة من رب العباد الحق . وأجا ب النوراني بخشوع وصواب : يا رب هذا يوم الحق وأنت الحق وأريد حقي من هذا الرجل . والظلماني ساجد بين يدي الله متضرع لا يتكلم , يذرف سيولا عرما ومطرا : يا رحمن يا رحيم يا أرحم الراحمين العفو العفو ... ياغافرالذنب ياقابل الثوب...يامغيث الملهوفين يا منجي المكروبين يا أمل ورجاء الطامعين ... وملائكته سجود قانتين طائعين لله رب العالمين . وقال الله سبحانه وتعالى , وعزتي وجلالي أنا الحق وهذا يوم الحق ولأعطين لكل ذي حق حقه , وقال الله سبحانه للرجل النوراني ’ انظر هناك , فالتفت النوراني يمنة ورأى ما رأى , قصرا عظيما مشيدا لا مثيل له أبدا . وقال الله سبحانه للنوراني ’أتشتري مني هذا القصر’ أجاب النوراني : وكيف أشتريه منك يا ربي وهذا القصر لا يستطيع ولا يقدر أحد في الدنيا أن يمتلكه أو يشتريه ولا نضيرله أبدا , ولا يوجد عندي ثمنه , وكيف لي أن أشتريه ولا أملك مالا, وقال له الله سبحانه ’ إن ثمنه عندك . (والظلماني ساجد بين يدي الله يمطر عبرات ويسمع لبكائه الرخم ودعائه الحزين وآهاته وحسراته وتضرعاته لرب العباد كل من هم منشغـلون في أمـر يغـنيهم يوم الحق , نسوا أنفسهم وسالت دموعهم صيبا عطفا ورأفة وحنوا ورفقا ) وأجاب النوراني أنا ؟ أنا ؟عندي ثمن هذا القصر العظيم الفخم ؟ أنا أملك ثمنه ؟ أين هوثمنه ؟ أنا فقير وإنه ليس عندي مال , وكيف لي أن أشتري منك يا رب العالمين هذا القصر وأنت الغني المغني الرزاق الباسط الخير كله الودود , وأنا... أنا العبد الضعيف الفقير العوز المسكين الدليل وليس معي شيء , ورد عليه الله سبحانه ’ أعف عن صاحبك هذا ولك القصر كله , آنذاك رد النوراني فرحا مسرورا مغتبطا ومبتهجا بانشراح : إني عفوت عنه إني عفوت عنه , وانطلق في اتجاه القصر العظيم الشآن الذي يبعد بالآلاف السنين الضوئية كالبرق الخاطف وأنواره تسطع وتضيئ وهو يردد في الآفاق البعيد : إني عفوت عنه , إني عفوت عنه , عفوك ياكريم عفوك ياكريم , وكل من في يوم الحق سمع نداه , خروا سجدا بكيا , وقال له الله سبحانه ’ عد يا رجل . وارتجف النوراني خيفة وارتعش والتفت وكر راجعا , والظلماني ساجد خاشع متضرع ودموعه بللت بساط يوم الحق كما بلل الوابل أرضا في الحياة السالفة , ولو كان تضرعه وخشيته لربه الحق الجليل مثله في الدنيا قبل الرحيل , لبكت معه السموات السبع واستغفرت والأرضين والملائكة أجمعين وصم الصخر والشجر والحجر , وفي ومضة بصر وطرفة عين عاد النوراني بعد أن قطع الآلاف من الأميال الضوئية , وإذا به يرى الظلماني وقد حفه الله برعايته وشمله برضاه وعنايته وعفوه , نورا يشع بالأضواء والروائح الطيبة الزكية وبين يدي الله سبحانه ساجد يستغيث – وقال الله سبحانه وتعالى للنوراني ’ خذ معك صاحبك . تصافح النورانيان بحرارة شديدة شدة فرحتهما إنه الحق الحقيق , وانطلقا كالسهم بسرعة لا تقدر بمعيار , يدا في يد , كثلة ضوئية نورانية واحدة بوهيج أخاذ مندمج مع بعضه البعض , لا تفرق بينهما , نور ساطع في الأجواء يسري ويجري في اتجاه القصر القريب البهيج , تزفهما ملائكة الرحمن إلى رياض الجنان , وتحفهما من كل جانب ومكان . وابتسم لهما الله الحق . وهو الغني الحميد . الفعال لما يريد
صلوا على سيدنا محمد المختار الشفيع العدنان , صلوا عليه وأكثروا وعلى آله في كل زمان وآن وأوان تنالوا محبة الله ورسوله وجبريل والرضوان وسبحان الله الرحمن المنان الحنان الديان , والله أرحم من الأم لأطفالها الصبيان .
* كتبه بصيغته : أحمد بوتزاط عضو فريق عمل بمنتديات المغرب الملكي . والعلم عند ربي في كتاب , وهو الموفق للصواب. والحمد لله رب العالمين . آمين آمين آمين
www.karimroyal.jeun.fr