قصة قصيرة جرت أحداثها أمام عيني
سأحكي لكم قصة قصيرة جرت أحداثها أمام عيني .لا زالت عالقة بذهني منذ أن كنت صغيرا أناهز من العمر إحدى عشر سنة . كنت أقف بالقرب من الباب الصغيرلإدارة مدرستنا الإبتدائية التي كنت أدرس فيها . نادى علي السيد المدير كتلميذ أدرس في مدرسته التي يدير شؤونها بتفوق كبير . المدير اليوم ( رحمةالله عليه وعلى أساتذتنا الأكفاء أسكنهما الله فسيح جنانه) السيد المدير كان قصير القامة جدا وإن كنت لا تعرفه من بعيد تظنه تلميذا يرتدي بدلة أنيقة. في الوقت الذي نادى علي السيد المدير لأقضي له غرضا ما في قسم من الأقسام عند أحد المعلمين . في الوقت حينه الذي كان السيد المدير يكلمني وهو واقف جنب الباب الخارجي الضيق لإدارة المدرسة جائت على التو امرأة طويلة القامة غليظة الجسم وهي تصرخ وتولول . دخلت من الباب الضيق الخارجي الذي يقف فيه السيد المدير لم تكد تدخل منه بعد أن دفعت المدير بمنكبها العريض وزاحمته وهي تصرخ وتزبد , دخلت إلى البهو بصعوبة . آنذاك قال لها السيد المدير وكان صبوراعظيما جدا : مذا تريدين سيدتي ( بالعامية بالطبع) لم تعره المرأة الغليظة اهتماما , وزادت في صراخها عندما ولجت البهو الكبير الداخلي . والسيد المدير يقول لها مذا هناك سيدتي , أنا هو المدير , لم تسمع له ولا صدقت أنه مدير, امتقع وجه السيد المدير واحمرت وجنتاه وهو يردد أنا السيد المدير . سمعهما نائبه كان بذاخل الإدارة منشغلا في أمور خاصة بالإدارة خرج مسرعا , طويل القامة قوي الجسم لطيف الطبع . وهو يقول لها إنه المدير . والمرأة تقول للنائب سيدي المدير . كنت أقف بالقرب من هذا المشهد الغريب , وقلت للمرأة فضولا : إنه المدير آنذاك المرأة التفتت جهة المدير وأرادت أن تتكلم وتحك ما انتابها وجائت لأجله . قاطعها السيد المدير بكلام صارخ ومزاج قوي متعصب , ووجنتاه محمرتان قائلا : هل أنتم تريدون وترغبون شرطا أساسيا , أن يكون المدير طويل القامة غليظ الجسم ذو بطن كبيرة , وله شاربان طويلان ويضع على عينيه نظارتان. ( هذه أوصاف السيد النائب) طأطأ نائب المدير رأسه خجلا وحياءا احتراما وتقديرا للمدير المحترم , وكانا بالفعل نعم الرجلان . أنا هو السيد المدير مذا تريدين يا امرأة ؟ مذا هناك .
المرأة : إن المعلم ضرب ابني ضربا مبرحا . لم ينم البارحة , ولا هدأ روعه من بكاء.
المدير: لقد أحسن صنعا المعلم . ما اسم ابنك .
المرأة : فلان كذا . أخرج السيد المدير دفتر امتحاناته قائلا : انظري يا امرأة إلى نتائج ابنك هذا . إنه كسول . المرأة : لا أعرف القرائة.
والتفت إلى نائبه قائلا : نادي على التلميذ مصحوبا بمحفظته معه ومعلمه كذلك .
ساد الصمت والسكون . جاء المعلم والتلميذ رفقته وبيده محفظته . والنائب أيضا يدخلون جميعا الإدارة . والمرأة لا زالت واقفة , لا تدري ما يجري. الكل واقف أمام حضرة السيد المدير المحترم . قال المدير للمعلم : لمذا ضربت هذا التلميذ .
أجاب المعلم بحشرجة شديدة : إنه لا يحفظ دروسه ولا يقوم بواجباته وضربته لمصلحه .
قال المدير للمرأة أسمعت إذن مدرستنا اعتدت على ابنك , لذا خذي ابنك معك لكي لا يضربه المعلم مرة أخرى لأجل مصلحته ومستقبله . قلت لك خذي ابنك معك . اجهشت المرأة بالبكاء والدموع تنهمر من عينيها كالسيل العرم . قائلة إنه إبني الوحيد ويتيم توفي والده . لا معيل لنا ولا عائل وفقراء ليس عندنا شيئ..نعيش على صدقات المحسنين , وضع السيد المدير رأسه بين يديه ثم قال للمرأة كفي دموعك واجلسي . والتفت الى نائبه قائلا سجله ليأكل في مطعم المدرسة . وقال للمعلم لا تضربه مرة أخرى ساعده قدر جهدك . وقال للمرأة فيما يخص الكتب المدرسية والأدوات على حساب المدرسة ’ سجله السيد النائب ثم أخرج ورقة من فائة عشرة آلاف فرنك وناولها إياها , كانت تقدر آنذاك بثلث أجرة عامل شهريا تقريبا . قائلا لها أيام الأعياد زوري مكتبي هذا سندبر أمورك كلها . كانت دموع المرأة لا زالت تنهمر من عيناها كالسيل الجارف وهي تقبل كل الأيادي الموجودة بذاخل الإدارة والسيد المدير المحترم يقف ويمسح على رأس ابنها التلميذ قائلا أتعدني يا ابني بأن لا تلعب كثيرا . وتحفظ دروسك وتجتهد وتنجح في الدورة القادمة . أشار التلميذ برأسه نعم . وعلامات الحزن والأسى ظاهرة على وجه البريئ .
آنذاك بعد إذن السيد المدير خرج المعلم وتلميذه متوجهان إلى القسم والمعلم يضع يده على كتف التلميذ معانقا كأنه يواسيه . وودعت المرأة السيد المدير ومساعده وهي تعتذر كثيرا شاكرة الخير والجميل والمعروف والبسمة علت محياها . من ذلك اليوم بدأ التلميذ يحفظ دروسه ويجتهد . وإدارة المدرسة تقدم للأبناء اليتامى والمحتاجين لمساعدات الإنسانية .
هنا تكمن قوة السيد المدير وعظمته . الكل يهاب حنانه وتفاهمه وعطفه النبيل وحنكته الكبيرة في تسيير مدرسته وشؤونها الخاصة والعامة . كان رحمة الله عليه من أسرة ميسورة آنذاك في أواخر الستينات . والرحمة لمن علمني .
قصة قصيرة جرت أحداثها أمام عيني . كتابة ورواية أحمد بوتزاط المتوكي السباعي عضو فريق عمل بمنتديات المغرب الملكي الشريف . شريف أهله ومديريه ومسيريه وطاقمه وأعضائه وزواره . تحياتي الخالصة
............................................................................................................