متى بدأت فتنة الدجال؟ وهل هو السامريّ؟
فتنة الدهماء، ويمكن القول إنَّ هذه الفتنة هي من أعظم وآخر فتن الدجال قبل خروجه الصريح، ففتنته غير محصورة في هذا الخروج المحدود بل هي أوسع من ذلك بكثير، والأدلّة على ذلك عديدة، بل إنَّ الكاتب أثبت أنَّ الدجَّال هو السامري الذي فتن بني إسرائيل بعبادة العجل، وفتن الهندوس بعبادة البقر، وفتن النصارى بعقيدة التثليث...، وذلك موقع غني وإن كان ليس كلّ ما فيه صحيح ولكن كثير مما فيه صحيح وكثير منه أقرب إلى الصواب منه إلى الخطأ وأكثر ما فيه يصعب إثبات نفيه، وأذكر هنا الأدلّة على أنَّ فتنة الدجال بدأت منذ زمن بعيد وأنّنا نعيش فتنته الآن: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب}(صحيح مسلم) فما فائدة هذا الإنذار والتحذير إذا كانت فتنته محصورة في 40 يومًا تعدل عامًا وربع هي من آخر أمَّة محمّد صلى الله عليه وسلم؟!.2- أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من فتنته بعد التشهّد الأخير من الصلاة، فما فائدة السابقين من هذه الاستعاذة إذا كانت فتنته محصورة في تلك الأربعين يومًا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنَّه لن يخرج قبل ظهور المهدي، وأنَّ هذا لن يكون قبل مئات السنين من بعثته، وقد سبق ذكر الآثار الصحيحة التي تدلّ على أنَّه يعلم بكلّ فتنة هي كائنة إلى قيام الساعة. 3- قول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال}(صحيح مسلم) وفي رواية الحاكم وصحّحها: {ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر عند الله من الدجال} فلو كانت فتنته محصورة في تلك الأربعين يومًا فقط لَكانت فتنة الذي أدخل عقيدة التثليث على النصارى أشدّ ولكانت فتنة الماسونية والدهماء أشدّ إلاّ أن يكون هو رأسها كلها. 4- قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنَّما يخرج من غضبة يغضبها}(صحيح مسلم) فما فائدة غضبه هذا إذا كان لا يزال مقيّدًا في جزيرته؟ هل ستخشاه الجساسة فتطلق قيوده؟ ثم مماذا يغضب إذا لم يغضب من الانتصارات والفتوحات الإسلامية الواسعة والسريعة في القرن الأوّل؟ بل هو يغضب عندما يرى انهيار مخطَّطاته على يد المهدي وانتصاراته وهزيمة الروم في الملحمة الكبرى وهي آخر محاولاته (الخفيّة) للقضاء على المهدي ودولته، فيغضب لذلك فيخرج الخروج الصريح والسريع، يخرج من مملكته الخاصّة لا من جزيرته وسجنه. 5- حديث تميم الداري؛ فلو كانت فتنته محصورة في تلك الأربعين يومًا فما الحكمة من وجوده في تلك الجزيرة كلّ هذه القرون؟. حديث تميم الداريّ: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري : {أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرًا في البحر ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقالوا ويلك ما أنت فقالت أنا الجساسة قالوا وما الجساسة قالت أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق قال لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة قال فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قطّ خلقًا وأشدّه وثاقًا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا ويلك ما أنت قال قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم قالوا نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرًا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر فقلنا ويلك ما أنت فقالت أنا الجساسة قلنا وما الجساسة قالت اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعًا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال أخبروني عن نخل بيسان قلنا عن أي شأنها تستخبر قال أسألكم عن نخلها هل يثمر قلنا له نعم قال أما إنه يوشك أن لا تثمر قال أخبروني عن بحيرة الطبرية قلنا عن أي شأنها تستخبر قال هل فيها ماء قالوا هي كثيرة الماء قال أما إن ماءها يوشك أن يذهب قال أخبروني عن عين زغر قالوا عن أي شأنها تستخبر قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال أخبروني عن نبي الأمِّيين ما فعل قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب قال أقاتله العرب قلنا نعم قال كيف صنع بهم فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه قال لهم قد كان ذلك قلنا نعم قال أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإنّ على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة، يعني المدينة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس نعم فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق}(صحيح مسلم) وقول الدجال: أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج . . . لا ينافي ما قيل سابقًا، ولا ما سياتي، بل هو يعني الخروج الأخير والصريح، والله تعالى أعلم. إثبات كون الدجال هو السامري: أخبر الله تعالى موسى بما فعله قومه من بعده من عبادة العجل فرجع إلى قومه غضبان أسفًا } وألقى الألواح { } وفي نسختها هدًى ورحمةً للذين هم لربّهم يرهبون { ثم أخذ بلحية أخيه هارون النبيّ الكريم ورأسه يجرّه إليه! فأيّ غضب هذا الذي بلغ بموسى؟! ومع هذا الغضب الشديد ومع علمنا بشدّته وقوّته، فإنَّنا نتوقّع أن يدمّر أصل الفتنة والشرّ ويقضي عليه فورًا، ولكن موسى لم يفعل له شيئًا!! } قال فما خطبك يا سامري؟ قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضةً من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي، قال فاذهب فإنَّ لك في الحياة أن تقول لا مساس وإنَّ لك موعدًا لن تخلفه { وكأنّه قد جاءه الأمر من الله تعالى بتركه. وما سبق ليس استدلالاً جازمًا على كون السامري هو الدجال ولكن فيه إشارة قويّة جدًّا وليس هناك ما ينافيه على حدّ علمي. بل إنَّ الموعد في قوله } وإنّ لك موعدًا لن تخلفه { أرى أنّ المقصود به هو موعده مع عيسى صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى من القول بأنّ الموعد هو الموت الذي يصيب كلّ الناس أو يوم القيامة الذي يجمع كلّ الناس، بل هو موعد خاصّ به، وعبارة موسى هذه هي عبارة تحذير بأنّه لم يتركه عفوًا عنه وتجاوزًا عمَّا فعل، بل تركه لأنّ الله تعالى قد قدّر وقضى أن يقتله شخص آخر غير موسى في موعدٍ محدّد لن يخلفه. والسامري له قصة غريبة الأطوار في مولده ونشأته...وسنرويها في مناسبة قادمة بإذن الله