الطفل اليتيم عبد الجليل
الأيام الأخيرة لشهر رمضان المبارك أوشكت على الانتهاء .واقترب العيد السعيد عيد الفطر فرحة الأهل والأحباب ولقاء الأقارب والأصحاب والجيران يوم التصالح والتسامح وتبادل الهدايا والزيارات والتصدق على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات وتأدية الزكاة زكاة عيد الفطر والفرحة تغمر قلوب الجميع. ..يقف عبد الجليل خارج الدار متكئا على الحائط كعادته يرقب الأطفال الصغار بعينين بريئتين وقد جفت منهما الدموع ووجه نحيل وأفكار كثيرة تراوده حسرات وآهات يخرجها كل فينة وأخرىوهو ينظر إليهم وهم يلعبون ويركضون ويمرحون منعزلين عنه ومبتعدين كأن به أذى وعلة أو مرض مزمن معد .يخافون نشوزه.أو أنهم يجتقرونه لانطوائه على نفسه ولقدم أسماله ولباسه الرث ولهدوئه وصمته وسكينته وسكونه الدائم وانزوائه في مكانه لا يبرحه إلا عندما يدخل المنزل أو تنادي عليه أمه الوحيدة التي بقيت له في الحياة تخفف عته بعضا من الآلام والحسرات التي تعصر فؤاده الصغير وتخنق أنفاسه الضيقه كلما تذكر والده الراحل تضفي عليه حنان الأمومة وعطف الأبوة التي افتقدها وهو لا زال صغيرا وافتقد معها كل شيئ إلا أن أصبح شارد الفكر لا يجد أجوبة مقنعة لأسئلة كثيرة بريئة يطرحها على نفسه.
طرق سمع الطفل اليتيم عبد الجليل على مسمعه حوار الأطفال الصغار الذي دار بينهم .وكانوا يتبادلون الحديث ويتباهون بآبائهم والألبسة الفاخرة الباهضة الثمن التي اشتراها لهم اوليائهم ليوم العيد عيد الفطر السعيد والتفتوا كلهم جميعا اتجاه اليتيم وكان يبعد عنهم بقلبل وقد عزله القدر عنهم . وقال أحدهم سيرتدي لباس العيد الذي اشتراه له والده في السنة المنفرطة.واتبعها الجميع بضحكات عالية بريئة يصفح عنها الزمن لصغرهم وضعف عقولهم وقلة حيلتهم . تقبل الطفل الصغير عبد الجليل السخرية وكعادته واحمرت وجنتاه ببريق عينين البريئتين واستدار اتجاه منزله وأسرع في المشي وارتمى في حضن أمه واسند رأسه إليها وأجهش بالبكاء وانهمرت دموع غزيرة بللت صدرها الحنون وهو لا يكاد ينطق بكلمة واحدة وأنفاسه تختنق وتتقطع .مسحت الأم دموعه ومررت بيدها على رأسه.فهمت الام ما به وعرفت ما بداخله وازداد حزنها .وخانتها قطرات من الدموع انسكبت على خديها كانت تسترها على ابنها اليتيم .وقالت له بصوت فيه حشرجة وألم. - يا ابني ادع الله العزيز الجليل .إن الله لا ينسى عباده وانه أوصى باليتامى.فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث.سمع الطفل كلام أمه وهدأ روعه وسأل أمه- وهل يمكن لي ان ارجوه ويسمع لي ويرسل لي لباس العيد- نعم يا ابني العزيز إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .
كانت كلمات امه صدى بليغا في نفسه وقام من حضن أمه ووجهته إلى الله صادقة بريئة وبيدين صغيرتين يرفعهما الى السماء إلى خالق الأكوان الرحيم الرحمان العزيز الديان والذي ليس تحت رحمته مظلوم و لامهان العزيز المنان القوي البرهان صلوا على محمد من جائنا بحجة القران وعظيم البيان .
اخرج الطفل اليتيم ورقة من محفظته وأمه غافلة عنه وكتب بخطه الابتدائي – رسالة من اليتيم عبد الجليل إلى الله العزيز الجليل
– الأطفال يسخرون مني لأني يتيم الأب .والذي كان يشتري لي لباس العيد أخذته عندك
وأدخلته الجنة. وارزقنا يا خير الرازقين . وضع الطفل اليتيم رسالته داخل ظرف وبدون طابع بريد وكتب على ظهرها - الى الله العزيز الجليل
العنوان في الأرض وفي السماوات وفي قلوب المؤمنين
وكتب على الواجهة الأخرى من الظرف
- من الطفل اليتيم عبدالجليل .وعنوانه كاملا
كان عبد الجليل يسأل أمه دائما أسئلة غريبة عن هذا العالم ومحيطه وكانت تجيبه
قدر فكره وعقله الصغير.الى ان اكتملت اجوبة لاسئلة كان يترد
دائما لمعرفتها .ختم اليتيم رسالته وأسرع بوضعها في صندوق البريد الذي كان يقرب من منزله.وعاد الطفل ولم يظهر لامه أي شيئ لأنها كانت منشغلة في بعض أمور البيت.
وكالعادة دائما جاء ساعي البريد وأخذ كل الرسائل التي كانت في الصندوق إلى مركز البريد ليتم عزلها وفرزها وإرسالها إلى اتجاهاتها المعينة
إلى أن جاء دور رسالة عبد الجليل وتبين للمراقب إنها لا تحمل طابع بريد والعنوان المرسل اليه – إلى الله العزيز الجليل أخذها المفتش وأسرع بها الى مكتب المدير وطرق الباب وأذن له السيد المدير مدير مركز البريد بالدخول بعد أن قدم التحية
المدير ماذا هناك يا مفتش؟
المفتش رسالة غريبة سيدي المدير
تسلم السيد المديرالرسالة وأمعن فيها طويلا والتفت إلى المفتش قائلا شكرا جزيلا لأمانتكم وإخلاصكم وتفانبكم في عملكم - هذا يوم سعيد أشرقت فيه الأنوار وأحس بسعادة كبيرة جدا تغمرني
المفتش وهل بإمكاني إن تشرفتم سيدي المدير أن تطلعوني على محتوى الرسالة لأشاطركم فرحتكم وسروركم ؟
المدير أخاف أن تسبقني إلى الأجر والتواب
المفتش وهل بإمكاني أن اقتسم معكم سيدي المدير الفرحة والأجر والتواب.
المدير نعم نعم بكل فرح وسرور .وهو يسلم الرسالة الى المفتش ليعرف محتواها
المدير أفهمت معناها سيد المفتش
المفتش إنها رسالة من عند يتيم
المدير ولكنها رسالة من عند الله وتحمل على ظهرها اسم الله الأعظم ومن الواجب علينا الإسراع بالتنفيذ الآن واللحظة .
وفي صبيحة يوم ليلة العيد وقفت سيارة البريد أمام منزل اليتيم عبد الجليل وترجل منها شخصان يتلألأ النور من وجههما ويطهر على محياهما البشاشة والسروروطرق احدهما الباب وخرجت ام اليتيم وهي لاتعرف من الأمر شيئا وقال لها الشخص هنا يسكن عبد الجليل ردت عليه أم الطفل لا سيدي لا يسكن هنا احد اسمه عبد الجليل أنا امرأة أرملة وابني لا زال صغيرا واسمه عبد الجليل .وقال الشخص نادي على ابنك عبد الجليل من فظلك
وقالت الأم إن ابني طفل يتيم ومسالم .
واجابها وابتسامة عريضة علت وجهه هدئي من روعك نحن مرسولون وعلينا أن نقدم هدايا لابنك اليتيم اجتمع أطفال الحارة على سيارة البريد ليعرفوا الخبر ونادت الأم على ابنها عبد الجليل... عبد الجليل وخرج اليتيم مسرعا وكان متأكدا كل التأكد من رسالته وعلى يقين تام لبرائته وصدق سريرته أنها ستصل إلى الله العزيز الجليل
حيا الشخصان الطفل بحرارة وقالا له إن رسالتك وصلت
الطفل اليتيم الى الله
وقال الشخصان نعم من الله والى الله
واخرجا له من السيارة علبتان ضخمتان بداخلهما أليسة وهدايا وفي يده ظرف كبير محتواه أوراق مالية سلمها لامه لتعتمد عليها على مصاريف الحياة وابنها الصغيروله شان عظيم وقال الشخص سترتدي يا عبد الجليل أفخر الثياب وأحسنها ما في البلد في يوم العيد وسلم له العلبتان الضخمتان ومختوم عليها بكتابة عربية وبخط غليظ من الله العزيز الجليل إلى اليتيم عبد الجليل . مبروك يا عبد الجليل أو صيك بأمك يا عبد الجليل وأوصيك بالقرائة والعلم لتصبح رجلا قادرا تحن على اليتامى والمساكين كان عبد الجليل ينظر إلى هذا المشهد الغريب بعينين براقتين والفرحة الكبرى لا زالت بداخله لم تظهر لغرابة ما يراه والأطفال يتطاولون بأعناقهم ليحيوا عبد الجليل ويسلوا عليه
وتكلم أخيرا وقال أماه لقد كتبت رسالة إلى الله والحمد لله استجاب لي ونعم بالله وهو ربي وخالقي ورازقي .وقال له الشخصان قبل أن يودعانه نحن رهن إشارتك كلما تطلبنا للمساعدة وسنأتيك دائما وفي كل الأعياد وعليك يا عبد الجليل أن تشاطر أصدقائك وتندمج معهم .وعليكم انتم يا أبناء الحارة ان تحبوا عبد الجليل انه أخوكم وله شان عظيم.
ودع الرجلان عبد الجليل وأمه ودعوات صادقة تتبعهما وركبا السيارة وانطلقت مسرعة في عناية الرحمان تحرسهم وترعاهم وقد سجل أسمائهما وكل من ساهم في الخفاء لإعادة البسمة على محيا عبد الجليل وامه .سجلت حسنتهم وأجرهم عند الله في جنة الخلد ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء
إعداد وإخراج أحمد بوتزاط …..... ……….