الهداية - نقض نظريةالتطور 36 حتى إن الكتاب احتوى على باب باسم ''مصاعب النظرية '' تناول بصورة مطولة اعترافات داروين نفسه بوجود العديد من الأسئلة التي لم تستطع النظرية أن تجد لها الردود المناسبة، لتشكل بذلك ثغرات فكرية في بنيان النظرية·وكان يتمنى أن يجد العلم بتطوره الردود المناسبة لهذه الأسئلة ليصبح التطور العلمي مفتاح قوة للنظرية بمرور الزمن· وهذا التمني طالما ذكره في كتابه، ولكن العلم الحديث خيب أمل داروين وفنَّد مزاعمه واحداً بعد الآخر ·ويمكن ذكر ثلاثة عوامل رئيسة أدت إلى انتهاء الداروينية كنظرية علمية وهي:(1 إنّ النظرية تفشل تماماً في إيجاد تفسير علمي عن كيفية ظهور الحياة لأول مرة·(2 عدم وجود أي دليل علمي يدعم فكرة وجود ''آليات خاصة للتطور '' كوسيلة للتكيف بين الأحياء·(3 إنّ السّجلات لحفريات المتحجرات تبين لنا وجود مختلف الأحياء دفعة واحدة عكس ما تدعيه نظرية التطور ·وسنشرح بالتفصيل هذه العوامل الثلاثة:أصل الحياة : الخطوة غير المسبوقة أبداًتدّعي نظرية التّطور أنّ الحياة والكائنات الحية بأكملها نشأت من خلية وحيدة قبل 3,8مليار سنة· ولكن كيف يمكن لخلية حية واحدة أن تتحول إلى الملايين من أنواع الكائنات الحية المختلفة من حيث الشكل والتركيب، و إذا كان هذا التحول قد حدث فعلاً، فلماذا لم توجد أية متحجرات تثبت ذلك؟ إنّ هذا التساؤل لم تستطع النظرية الإجابة عنه، وقبل الخوض في هذه التفاصيل يجب التوقف عند الادعاء الأول والمتمثل في تلك ''الخلية الأم''· ترى كيف ظهرت إلى الوجود؟ تدعي النظرية أن هذه الخلية ظهرت إلى الوجود نتيجة المصادفة وحدها وتحت ظل ظروف الطبيعة دون أن يكون هنالك أي تأثير خارجي أو غير طبيعي؛ أي إنها ترفض فكرة الخلق رفضاً قاطعاً، بمعنى آخر: تدعي النظرية أنّ مواداً غير حية حدثت لها بعض المصادفات أدت بالنتيجة إلى ظهور خلية حية، وهذا الادعاء يتنافى تماماً مع كافة القواعد العلمية المعروفة ·''الحياة تنشأ من الحياة''لم يتحدث تشارلز داروين أبداً عن أصل الحياة في كتابه المذكور، والسبب يتمثّل في طبيعة المفاهيم العلمية التي كانت سائدة في عصره، والتي لم تتجاوز فرضية تكون الأحياء من مواد بسيطة جداً· وكان العلم آنذاك ما يزال تحت تأثير نظرية ''التولد التلقائي'' التي كانت تفرض سيطرتها منذ القرون الوسطى، ومفادها أنّ موادَّ غير حية قد تجمعت بالمصادفة و أنتجت مواد حية· وهناك بعض الحالات اليومية كانت تسوق بعض الناس إلى تبني هذا الاعتقاد مثل تكاثر الحشرات في فضلات الطّعام وتكاثر الفئران في صوامع الحبوب· ولإثبات هذه الادّعاءات الغريبة كانت تجري بعض التجارب مثل وضع حفنة من الحبوب على قطعة قماش بالٍ ، وعند الانتظار قليلاً تبدأ الفئران بالظهور حسب اعتقاد الناس في تلك الفترة ·وكانت هناك ظاهرة أخرى وهي تكاثر الدود في اللحم، فقد ساقت النّاس إلى هذا الاعتقاد الغريب واتخذت دليلاً له، ولكن تم إثبات شيء آخر فيما بعد؛ وهو أن الدود يتم جلبه بواسطة الذباب الحامل ليرقاته والذي يحط على اللحم· وفي الفترة التي ألف خلالها داروين كتابه ''أصل الأنواع'' كانت الفكرة السائدة عن البكتيريا أنها تنشأ من مواد غير حية، ولكن أثبتت التطورات العلمية بعد خمس سنوات فقط من تأليف الكتاب عدم صحة ما جاء فيه، وذلك عن طريق الأبحاث التي أجراها عالم الأحياء الفرنسي لويس باستور، ويلحض باستور نتائج أبحاثه كما يلي: ''لقد أصبح الادعاء القائل بأن المواد غير الحية تستطيع أن تنشئ الحياة في مهب الريـح''· (90(وظل المدافعون عن نظرية التطور يكافحون لمدة طويلة ضد الأدلة العلمية التي توصل إليها باستور، ولكن العلم بتطوره عبر الزمن أثبت التعقيد الذي يتصف به تركيب الخلية، وبالتالي استحالة ظهور مثل هذا التركيب المعقد من تلقاء نفسه ·المحاولات العقيمة في القرن العشرينلقد كان الاختصاصي الروسي في علم الأحياء ألكسندر أوبارين أول من تناول موضوع أصل الحياة في القرن العشرين، وأجرى أبحاثاً عديدة في ثلاثينيّات القرن العشرين لإثبات أن المواد غير الحية تستطيع إيجاد مواد حية عن طريق المصادفة، ولكن أبحاثه باءت بالفشل الذريع واضطر الى أن يعترف بمرارة قائلاً : ''إنّ أصل الخلية يُعَدُّ نقطة سوداء تبتلع نظرية التطور برمتها ''· (91(ولم ييأس باقي العلماء من دعاة التطور، واستمروا في الطريق نفسه الذي سلكه أوبارين وأجروا أبحاثهم للتوصل إلى أصل الحياة· وأشهر بحث أجري من قبل الكيميائي الأمريكي ستانلي ميللر سنة 1953 حيث افترض وجود مواد ذات غازات معينة في الغلاف الجوي في الماضي البعيد، ووضع هذه الغازات مجتمعة في مكان واحد وجهزها بالطاقة، واستطاع أن يحصل على بعض الاحماض الأمينية التي تدخل في تركيب البروتينات ·وعُدَّت هذه التجربة في تلك السّنوات خطوة مهمة إلى الأمام، ولكن سرعان ما ثبت فشلها؛ لأن المواد المستخدمة في التجربة لم تكن تمثل حقيقة المواد التي كانت موجودة في الماضي السحيق، وهذا الفشل ثبت بالتأكيد في السنوات اللاحقة·(92(وبعد فترة صمت طويلة اضطر ميللر نفسه أن يعترف بأن المواد التي استخدمها في إجراء التجربة لم تكن تمثل حقيقة المواد التي كانت توجد في الغلاف الجوي في سالف الزمان· (93(وباءت بالفشل كل التجارب التي أجراها الداروينيون طوال القرن العشرين، وهذه الحقيقة تناولها جيفري بادا الاختصاصي في الكيمياء الجيولوجية في المعهد العالي في سان ديغو سيكربس ضمن مقال نشره سنة 1998 على صفحات مجلة ''الأرض'' ذات التوجه الدارويني ، وجاء في المقال ما يلي :'' نحن نودع القرن العشرين و مازلنا كما كنا في بدايته نواجه معضلة لم نجد لها إجابة؛ وهي: كيف بدأت الحياة ؟ (94) الطبيعة المعقدة للحياةالسبب الرئيسي الذى جعل نظرية التطور تتورط في هذه المتاهات أن هذا الموضوع العميق لأصل الحياة معقد للغاية، حتى للكائنات الحية البسيطة بشكل لا يصدقه عقل·إن خلية الكائن الحي أعقد بكثير من جميع منتجات التكنولوجيا التي صنعها الإنسان في وقتنا الحاضر ولا يمكن إنتاج خلية واحدة بتجميع مواد غير حية في أكبر المعامل المتطورة في العالم·إن الشروط اللازمة لتكوين خلية حية كثيرة جداً، لدرجة أنه لا يمكن شرحها بالاستناد على المصادفات إطلاقاً، غير أن احتمال تكوين تصادفِي للبروتينيات التي هي حجر الأساس للخلية (على سبيل المثال: احتمالية تكوين بروتين متوسط له خمس