كتاب المدهش لابن الجوزي63
واحسرة من مضوا وخلفوه، لقد استبدل بالعسل الخل فوه، آه على عيش ولّى ولا عودة، وعلى حادٍ سرى ولا وقفة، تالله لو ضارت العين عيناً ما وفت.
للمهيار: تالله ما تعشق الأماكن لذاتها، بل لسابق لذاتها، لك يا منازل في القلوب منازل، للمعاهد عهد عند المعاهدة كلما تذكره الصبّ صبّ الدموع.
للمتنبي: أعرف الناس بالطريق من قد سلك، إذا ذكرت منازل مكة حن الحاج.
للمهيار:
الفصل السادس والتسعون
يا من قد ملكته نفسه وغلبه حسه وقد دنا حبسه وستكف خمسه ولقد أنذره جنسه، عاتب نفسك لعلها ترعوي وسلمها إلى رائض العلم عساها تستوي، أحضر دستور المحاسبة وحاسبها واندبها إلى الخير فإن أبت فاندبها. للمصنف: يا عجباً لك تتسمى باسم تاجر، وتخاصم على الدرهم وتشاجر، وتصابر لربح القيراط الهواجر، وتغضب لأجل الجبة وتهاجر، وترضى بأفعالك باسم فاجر، أما لك من عقلك ناه ولا زاجر? يا من نومه كثير وانتباهه نادر، إن دعيتَ إلى التوبة سوَّفتَها، وإن قمتَ إلى الصلاة سففتها، وإن لاح وجهُ الدنيا ترشفتها، أما هي دار بلغة لضيفها، تضيفتها أو ليس قد شبت وما عرفتها، كم بادية في أرباح غير بادية تعسفتها? لقد استشعرت محبتها أي والله والتحفتها، تالله لو علمت جناياتها لعفتها، أنسيت تلك الذنوب التي أسلفتها? آه، لبضائع عمر بذرت فيها وأتلفتها، كم تعد بالإنابة? وكل الوعود أخلفتها، فما تلين قناتك لغامز، ولا ترى ما تشتهي فتجاوز، ويحك، بين يديك أهوال وهزاهز، كم تقوم ولا تستوي? من يغير الغرائز? إبك لما بك، واندب في شيبك على شبابك، وتأهب لسيف المنون فقد علق الشبابك.
عجباً للطرف كيف اغتمض? ولمكلف ما أدى المفترض، يا من كلما بنى على أن يلوذ بنا نقض، يا من إذا أدى حقاً، فعلى مضض، يا من إذا لاح له صيد الفاني جد وركض، يا من إذا قدر على جيفة الهوى جثم وربض، يا مشغولاً عن الجوهر بفاني العرض إيثار ما يفنى على ما يبقى أشد المرض:
هذا حادي الممات قد أسرع، هذه سيوف الملمات تلمع، هذه قصور الأقران بلقع، إن وصلت الدنيا فعلى نية أن تقطع، وإن بذلت فعلى عزم أن تمنع، أفيها حيلة أم في وصلها مطمع? يا معرقاً في البلى قل لي لمن تجمع? إذا خلوت وتخليت فكيف تصنع? أترى أنت عندنا? أو ما تسمع? يا محبوساً في سجن هواه متى تتخلص? لو عرفتنا ألفتنا لنا أحباب لهم ألباب هم اللباب شغلهم على الدوام المحراب حاضرون معكم بالأبدان وبالقلوب غياب: ما نال الصالحون ما نالوا إلا بترك ما نطلبه وما نالوا، كانت هممهم في طلب الفضائل تغلي في القلوب غليان ما في القدور، تخايل القوم لذة الثواب فسهلت عليهم مرارات الصبر وتصوروا خلود الأبدان فهان عليهم بذل النفوس، جدوا في الجد فما سكنوا حتى سكنوا الجنة، وراحة المؤمن في الدنيا صفر من راحة، فلو رأيتهم في الجنان يسرحون منطلقين في أغراضهم يمرحون لا يدرون بأي مطلوب يفرحون، أبالنجاة من النيران? أم بالخلود في الجنان? أم بالخيرات الحسان? أم برضى المليك الديان? لقد نالوا بالمراد، ما لم يكن في الحسبان، من تلمح جولان مضمر الصبر في لذيذ العافية، وفرحة المفطر بعد إنصاب الصوم وتناول العذب بعد عذاب الظما، وسلامة الغريق بعد الإغراق في أذى الأذى، وخلاص التجر من مصر ماصر المكس وتلاقي الأحباب على باب الطول بعد طول الفراق رأى من قوة قرة العين ما لا يدخل تحت قياس بعد أن حدق ياس، وقد وصفنا ما حصل للقوم وجملة المبذول من الثمن "بما صَبَرْتُمْ". الفصل السابع والتسعون
من ركب الهوى هوى به والنفس إذا استعملت التقوى تقوى به،
يا من يخطي على نفسه ويقترف متى تندم وتعترف? يا من بحب العاجل قد كلف، ستعلم غداً جفن من يكف، يا محبوساً في سجن الهوى لو ارعوى أنف، يا متردداً في التوبة سارع ولا تقف إلى متى أعمالك كلها قباح? إلى كم فساد? متى يكون الصلاح? ستفارق هذه الأجساد الأرواح، إما في غدو وإما في رواح ، سيفنى هذا المساء والصباح، وسيخلو البلى بالوجوه الصباح، أفي هذا شك? والأمر صراح، أين شارب الراح? راح إلى قبر تسفي عليه الرياح، خلى للبلى والدود مباح، لهما اغتباق به ثم اصطباح، عليه نطاق من التراب ووشاح، عنوانه لا يزال مفهومه لا براح، مشغول عمن بكى عليه وناح، أما هذا لنا عن قليل? إنا لوقاح، كأنك بملك الموت قد صوت بالروح وراح، فتأهب للنقلة على غفلة:
هذا حادي الرحيل قد استعجلكم فالبدار البدار خلوا كسلكم ودعوا التواني فالتواني قد قتلكم، وا أسفي قد سبق الصالحون فماذا شغلكم "فستذكرونَ ما أَقولُ لكُمْ":