ضباط جلالة الملك"، كتاب ألفه محجوب الطوبجي، كومندان متقاعد، تطرق فيه لمواقع كبار الضباط وصراعاتهم وتسابقهم على مراكمة الثروات. أهدى الطوبجي كتابه إلى كل من الضباط الذين تحملوا عناء المعاملات السيئة والأجور الهزيلة وظلوا يزاولون مهنتهم بكرامة وشرف.
قبل التحاقه بالجنرال أحمد الدليمي، درس محجوب الطوبجي بالأكاديمية العسكرية بمكناس، ومن تلاميذته عزيز بين بين وعبد العزيز الداودي وآخرين أقبروا بفضاء السجن الرهيب تازمامارت.
فهل نشر هذا الكتاب، في هذا الوقت بالذات، هو لحسم حسابات أم انه رغبة صادقة في كشف الواقع للحث على تغييره؟
سؤال سيظل عالقا إلى حين تمحيص مضمون الكتاب بعمق وتروي، وفي انتظار ذلك نقدم للقارئ جولة سريعة في الكتاب عبر الورقات التالية.الجنرال حسني بنسليمان
خصص محجوب الطوبجي حيزا مهما من كتابه "ضباط جلالة الملك" للجنرال حسني بنسليمان، لا يكاد يخلو أي فصل من هذا الكتاب من اسم هذا الجنرال الذي بدأ مشواره الوظيفي برئاسة وحدات التدخل السريع (السيمي)، ثم ترأس المندوبية السامية للشبيبة والرياضة، فوزارة البريد، فمدير الأمن الوطني عندما كان الجنرال محمد أوفقير وزيرا للداخلية. بعد هذا المسار عين عاملا على إقليم طنجة وبعدها القنيطرة في سنة 1972 (سنة إعداد انقلاب 16 غشت 1972 الهجوم على الطائرة الملكية)، ومنذ سنة 1974 إلى الآن، تربع على كرسي القيادة العامة للدرك الملكي.
يقول الطوبجي ... إذا كان الجنرال حسني بنسليمان لا يتوفر على كاريزمية محمد أفقير ولا على طموح أحمد الدليمي، فإنه تمكن من امتلاك سلطة قريبة من سلطتها، لكن في ظل ليصبح من أقوى رجال النظام منذ بداية الثمانينات.
ويضيف الطوبجي... كان حسني بنسليمان محظوظا منذ كان ضابطا شابا حينما انخرط في فريق الجيش الملكي كحارس مرمى بعد الاستقلال، آنذاك كان الملك الحسن الثاني (وليا للعهد)
قريبا جدا من الفريق العسكري، ومادام بنسليمان الضابط الوحيد بفريق الجيش الملكي الذي اجتاز تدريب بـ "سان سير" بفرنسا، فغالبا ما كان يتلقى دعوات لحضور حفلات خاصة ومراسيم يحضرها الملك ومحمد أفقير وكبار ضباط الجيش، وقد سمح له هذا الحضور بتجاوز الكثير من العقبات إلى أن وصل إلى موقع نعته الطوبجي بـ "خليفة المملكة السعيدة".
.. على امتداد أكثر من 20 سنة، ومنذ تصفية الجنرال أحمد الدليمي، احتل الجنرال حسني بنسليمان أحد دعائم العهد الحسني، وإذا كان الملك محمد السادس قد خلع إدريس البصري، فإنه ما زال لم يتخلص من هذا الجنرال. وشبه محجوب الطوبجي الثلاثي، بنسليمان والقادري وبناني، كأرجل طاولة ثقيلة من الصعب تحويلها من مكانها.
تساءل محجوب الطوبجي كيف لشخص مثل حسني بنسليمان، الذي نشأ وتطور في أحضان الأجهزة القمعية، وكان مديرا للأمن الوطني، والذي وضعه الجنرال محمد أفقير على رأس "حكومة القنيطرة" حسن نوى بالقيام بانقلابه الثاني، أن يظل في موقعه؟ ويضيف الطوبجي قائلا :... أكثر من شاهد رأى أن حسني بنسليمان رافق الجنرال محمد أوفقير للقاعدة الجوية الملكية بالقنيطرة على امتداد الأسبوع الذي سبق الهجوم على الطائرة الملكية، علما أن طائرات "ف.5" التي هجمت على البوينغ في أجواء تطوان أقلعت من هذه القاعدة، وفيها تم الإعداد للانقلاب.
[...] من يعرفون بنسليمان يجمعون على تشبيهه بسمكة "النون" التي لا يمكن مسكها ... [...] لم جميع المبادئ والقيم ووضعها في الدولاب ثم باع نفسه للشيطان حبا في السلطة والمال. وهذا ليس بالغريب لأنه من مدرسة أفقير والدليمي يقول الطوبجي.
[...] استفاد الجنرال حسني بنسليمان كثيرا من تجربة أفقير والدليمي، ويشبه الثاني بالشر المستطير وقلة الخبرة العسكرية، ظل دائما في الظل تاركا إدريس البصري في الواجهة... وكل المقربين من البلاط يعرفون أن الجنرال حسني بنسليمان يمتلكه خوف خالص كلما كان يستدعيه الملك الحسن الثاني.
ويضيف الطوبجي..: كان يخشى دائما أن يحاسبه الملك بخصوص علاقته بمخططات أفقير لسنتي 1971 و1972".
رائحة الحشيش
يشير محجوب الطوبجي في كتابه "ضباط صاحب الجلالة" لحادثة طريفة دارت أطوارها بالقصر الملكي بإيفران.
في سنة 1976، كان الملك الراحل الحسن الثاني في انتظار أحد القادة الأفارقة في قصره بمدينة إيفران، تأخر الضيف وخرج الملك للتمشي في الحديقة... وفجأة وصلت إلى أنفه رائحة الحشيش فقال بصوت عال "من سولت له نفسه تدخين الحشيش بداري؟" وخوفا من العقاب، نطق أحد الخدم فقال "إنه سعيد طباخكم يا مولاي" آنذاك كان مولاي حفيظ هو صاحب الفعلة حيث تنبه الملك للأمر وفهم المقصود فقال "ليذهب إلى لغابة ويدخن الحشيش".نفط تالسينت
القليلون من يعلمون أن أكذوبة نفط تالسينت ارتبطت بشكل أو بآخر باسم بنسليمان.
جاء في كتاب الطوبجي... دون سابق إنذار برزت شركة أمريكية مغربية تحمل اسم "لون ستار إينيرجي" ساهم فيها أبناء البورجوازية، ومن ضمنهم ابن الجنرال حسني بنسليمان. وبسرعة فائقة؛ وبدون دراسة، تم الإعلان عن وجود البترول بتالسينت.... بدأت الأشغال وجلبت اليد العاملة في كرواتيا...وبدأ الحديث عن المخزون... ما بين 10 و 12 مليار برميل، ما يكفي لاستهلاك 200 سنة... وبدأ المغاربة يحلمون. لكن الواقع كان غير ذلك، ولم يتم استخراج إلا كمية قليلة من النفط لم تكف حتى لتغطية المصاريف.
يقول الطوبجي... لقد تمت فبركة هذه المسرحية التي تطلبت ملايين الدولارات ذهبت سدى، لكن استفاد منها البعض... ولم تزعج هذه القضية بنسليمان. ويختم الطوبجي فقرته قائلا :... بعد انكشاف الأمر بدأ بعض الملاحظين يتحدثون عن رموز العهد القديم التي ا يمكن تنحيتها.الجنيرال المذبوح
جاء في كتاب محجوب الطوبجي أن الجنيرال المذبوح هو الذي حبب رياضة الغولف للملك الراحل الحسن الثاني بعد أن اكتشفها بالولايات المتحدة الأمريكية عندما كان يجتاز بها تدريبا عسكريا، وهو الذي أشرف على تشييد أول ملعب لممارسة هذه الرياضة بالمغرب، ملعب دار السلام بين سنتي 1966 و 1967، وكان الجنيرال المذبوح، مثل الصفريوي، لا يشارك الملك عندما كان وليا للعهد في خرجاته الليلية كما كان يفعل محمد أوفقير وشلته.
وقد استدعى المذبوح أستاذا انجليزيا لتقلين الملك الحسن الثاني قواعد لعبة الغولف وتقنياتها، وظل هذا الأستاذ بالمغرب لمدة تجاوزت 15 سنة.
رجال الدليمي
خصص محجوب الطوبجي الفصل السادس من كتابه لرجال الدليمي، وأكد أن هذا الأخير على غرار محمد أفقير، لعب دورا مركزيا في تاريخ المغرب، وكان الرجل القوي على امتداد السبعينيات.
ويقر الطوبجي أن تصفية الدليمي، لم تكن نتيجة لتخطيطه لمشروع انقلاب، لكن نتيجة لثقته المتزايدة في نفسه التي تجاوزت الحد. في نظر الطوبجي لم يكن الدليمي في حاجة لانقلاب للإمساك بزمام السلطة لأنه كان يمتلكها، والدليل على هذا، يكفي فهم العلاقة التي كانت تربطه بأهم الشخصيات الأمنية الثلاثة آنذاك : إدريس البصري ومحمد المديوري وحسني بنسليمان. إن الدليمي هو الذي صنع إدريس البصري، الذي هيأه ليحتل موقع وزير الداخلية بعد أن أقنع الملك الراحل الحسن الثاني بعدم تسليم زمام هذه الوزارة لأي عسكري لاحقا.
يقول الطوبجي إنه من الخطإ اعتقاد أن إدريس البصري أضحى أقوى رجل بالمملكة بعد وفاة أحمد الدليمي، باعتبار أن الرجل الأقوى الذي سيخلف الدليمي هو حسني بنسليمان، قائد الدرك الملك، وبذلك ظل إدريس البصري تحت جناح شخصية عسكرية ومع أنه لم تتحقق رغبة الدليمي في فك الارتباط بين وزارة الداخلية والجيش، فإدريس البصري ظل مجرد خادم أمين يجتهد لإرضاء أسياده. وكذلك الأمر بخصوص محمد المديوري، وهو أيضا من صنع الدليمي، وقبل التفكير في هذا الأخير فكر الدليمي في ترشيح بناني سمير لمنصب رئاسة الحرس الخاص للملك، ورغم أنه كان أهلا لذلك أبعده في نهاية المطاف، وفضل أن ينادي على أحد عناصر وحدة التدخل السريع (السمي) وظل الملك الراحل الحسن الثاني يجهل العلاقة الوطيدة بين الدليمي والمديوري.
بعد 10 سنوات بلغ المديوري أرقى درجة في السلم الإداري، وتمكن من جمع ثروة طائلة. وفي هذا الإطار ذكر الطوبجي أن المديوري أصبح وسيط الشركة الأمريكية "موطورولا" بالمغرب، حيث عوضه أحد أبنائه على رأس فرعها بالمغرب الآن.
ومن الرجال المقربين للدليمي الذين تحدث عنهم الطوبجي، الكولونيل محمد بوعطار غريم محمد المديوري الذي لم يظهر له أثر في علاقة بحادثة دارت أطوارها بالقصر الملكي. ويضيف الطوبجي قائلا :" في سنة 1999 اتصل ابن بوعطار مستفسرا عن ظروف اختفاء أبيه، فكان جوابه ... سر القضية بيد رئيس أبيك، الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي". ويسترسل الطوبجي :" [..] بعد شهور تم العثور على جثة ابن بوعطار، في عمارة بجانب سينما الملكي بالرباط"... هذا ما ورد في الفصل السابع من كتاب "ضباط جلالة الملك.
الدليمي والموساد
يقول الطوبجي في كتابه... سنة 1981 كلفني الدليمي بمرافقة جنرال كندي ومستشاره في جولة إلى الجنوب المغربي، لكن واقع الأمر أن هذا الجنرال من إسرائيل ومرافقه وكيل الموساد بالرباط. آنذاك كانت إسرائيل تزود المغرب بأسلحة خفيفة، في وقت لم يتمكن فيه المغرب من تسديد ديونه لفرنسا ووقفت تزويده بالذخيرة.
ويقول الطوبجي... أكد وكيل الموساد أن الشركة الإسرائيلية فرضت على عمالها العمل ليل نهار دون انقطاع لمحو الحروف العبرية من الذخائر المراد بعثها إلى المغرب. ويقرر الطوبجي أن زيارة الإسرائيليين لم تهم الصحراء أو العتاد، وإنما همت أمر خاصا بالدليمي...
هذا ما أسره وكيل الموساد للضوبجي.الجنرال الصفريوي
يقدم الطوبجي، في كتابه السالف الذكر الجنرال الصفريوي كرجل دائم الاهتمام بمن يرافقونه قبل اهتمامه بضيوفه...
كان يعتني بسائقيه وحراسه، ولم يكن يقدم لهم بقايا الأكل كما كان يفعل غيره من الضباط السامين... وظل على حاله بعد تعيينه عاملا على إقليم أكادير ثم وجدة والدار البيضاء... وكان يترك صدى طيبا في مختلف الأوساط التي عمل بها، إلى أن أنهى مشواره كسفير للمغرب بالديار الهولندية. كان صهر أحمد الدليمي، إذ تزوجا معا بأختين شقيقتين، إلا أنهما لم يكونا متناغمين، ولم تجمعهما إلا القرابة العائلية. ويضيف الطوبجي ... منذ الخمسينيات لم يكن الجنرال الصفريوي يستحسن ارتياد الملك الراحل الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) الملاهي الليلية، لاسيما مرقص "سفانكس" بمدينة المحمدية، كما كان يستاء كثيرا لكثرة سهراته بفيلا LA VILLA التي ارتبطت باسم الفرنسي بوشيسى المتورط في قضية اغتيال المهدي بنبركة.
...كان الملك الراحل الحسن الثاني على علم بعلاقات الجنرال الصفريوي بالجنرال محمد أفقير، وبعد انقلاب 16 غشت 1972 أبعد من المغرب، إذ كلفه بقيادة التجريدة المغربية التي توجهت إلى سوريا، وبعد رجوعه عينه سفيرا بهولندا.
ويقر الطوبجي في كتابه "ضباط جلالة الملك" أن الصفريوي وأحمد الدليمي كانا على علم بالإعداد لانقلاب 16 غشت 1972 (الهجوم على الطائرة الملكية)، لكن دون العلم بأن الطيار لكويرة هو الذي تكلف بقصف البوينغ الملكية. ولكي لا يفقد الملك ثقته فيه، لم يتردد أحمد الدليمي على تقديم صهره الصفريوي، للمحاكمة التي برأته وظل محافظا على منصب قيادة الحرس الملكي.شهداء الصحراء
خص محجوب الطوبجي فقرة للحديث بمرارة عن شهداء حرب الصحراء. ولم يخف تقززه على امتداد صفحتين بخصوص تعامل القادة العسكريين مع الموتى، مختزلا حكمه قائلا :"لا قيمة للإنسان في نظر أغلب قادتنا العسكريين". ويضيف " أتحدى أيا كان أن يدلني على مقبرة واحدة تحتضن جثمان شهداء حرب الصحراء... عندما لا نعتني بالأحياء فكيف لأمواتنا أن يحظوا بالاحترام... لقد نسي ضباطنا أن ثقافتنا مبينة على جملة من التقاليد... ويقول في معرض حديثه حول التعامل مع الموتى، إن الجنرال رضا والجنرال زهري، اللذين عملا ما يناهز 30 سنة، تحت إمرة البناني، احتفظا بسجلات الموتى وهما على علم بكل أسرار البناني."مقولة" لم ينساها
مقولة لم يستطع محجوب الطوبجي نسيانها، سمعها وهو ضابط شاب، لم يكن يتجاوز 35 سنة آنذاك، بثكنة عسكرية بالرباط، سمعها على لسان الملك الراحل الحسن الثاني، حين قال موجها خطابه لمآت كوادر وضباط الجيش. :"أعطيكم نصيحة، من الآن فصاعدا اهتموا بكسب المال وابتعدوا عن السياسة".
ويقول الطوبجي في كتابه... بعد هذا الخطاب ظهر نوع جديد من الضباط "ضباط، رجال أعمال" وانتهازيين كان أحمد الدليمي إحدى نماذجه البارزة. ومنذئذ أصبح الجيش فضاء يباع فيه ويشترى كل شيء، حتى الضمائر... إنه بداية عصر الضباط "المركانتليين". لكن مع بداية حرب الصحراء تلقى هؤلاء ضربة بفعل بزوغ "ضباط- رجال أعمال" جدد استغلوا قرب الجزر الخالدات من الصحراء وأسسوا شبكات للتهريب بدءا من أواسط السبعينيات.نهاية مختطفي المهدي بنبركة
كشف محجوب الطوبجي في كتابه عن مكان احتجاز الفرنسيين المتورطين في قضية اغتيال المهدي بنبركة.
يقول الطوبجي : تسلم الحرس الملكي سنة 1974 ضيعة لتربية الخيول بضواحي مدينة تطوان تفوق مساحتها 1000 هكتار، وبداخلها كانت توجد بناية محرم على الجنود الاقتراب منها، وكان عناصر من "لادجيد" هم المكلفون بحراستها ليل نهار. ويضيف الطوبجي، أنه علم بعد مدة، أن البناية كانت تحتوي على قبو تحت الأرض احتجز به "بوشيس ونايي ودوبان" الفرنسيين الثلاثة المتورطين في قضية اختطاف المهدي بنبركة، وذلك بأمر من الجنرال الدليميبقلم الكاتب و الصحفي ادريس ولد القابلة