الجزء الثالث المجاهد الأكبر
-----------
قاطع الشعب المغربي كل ما يوحي بالغبطة ومظاهر الفرح كالحفلات الخاصة وقد ساد الاستياء كافة الفئات الاجتماعية احتجاجا على مؤامرة 20 غشت 1953. لقد شهدت ارض الوطن خلال الأشهر الأخيرة أياما رهيبة وأهوالا عاصفة سالت فيها دماء الأبرياء وامتلأت المعتقلات والسجون بالمواطنين وعاث الضالون المضلون في الأرض فسادا وقد برهنت أيها الشعب الوفي خلال هذه الفترة العصيبة التي يجتازها وطننا العزيز على إخلاصك وثباتك وثقتك بشخصنا وتمسكك بحقك المقدس في الحرية والسيادة والاستقلال
أيها الشعب الوفي إننا نهيب بك أن تواصل الكفاح وتضاعف الجهود وتتمسك بحبل الله المتين في سبيل تحقيق ما تصبوا إليه من عزة وكرامة وحرية فان ذلك وحده يخفف عنا آلام البعد عن الوطن ووحشة الغربة في هذه الجزيرة المنعزلة التي تحول بيننا وبين مشاركتك شرف الجهاد في سبيل تحرير البلاد ." بيان الملك الشرعي للشعب ورد في مقال لعبد الكريم كريم تحت عنوان – البطل الأسير – الندوة الدولية حول محمد الخامس نونبر 1987.
وفي أحداث ثورة الملك والشعب, نبعت حركة الفداء في صفوف الحركة الوطنية, واتخذت أسلوبا جديدا لبث الرعب في صفوف المستعمرين وقد تزعمتها جماعة من الشباب المغربي الذي كان على درجة من الوعي السياسي الوطني ولم تكن هذه الحركة مجرد رد فعل عفوي بل كانت منذ انطلاقها منظمة تنظيما محكما في شكل خلايا سرية منبثة في مجموع التراب الوطني . وقد يتم الإجهاز في الغسق أو في أزقة المدينة المتعرجة وهناك يقترب الفاعل من ضحيته راكبا دراجة ثم يطلق الرصاص من مدى قريب ولو فرض أن وصلت قوات البوليس إلى مكان الحادث خلال دقائق معدودة فان المهاجم يكون قد اختفى دون أن يشاهده احد وكان هذا شيئا متفقا عليه لأنه في هذه اللحظة تفتح له أبواب بيوت الوطنيين ويظل هناك في مأمن إلى أن يزول الخطر .وقد تمكنت حركة الفداء من إسقاط مات من المتآمرين العملاء . تضررت المصالح الفرنسية من نشاط هذه الحركة .إلا أن تمسك الإدارة الفرنسية بسياستها الاستعمارية بالمغرب واستفحال ممارستها القمعية والإرهابية ضد الوطنيين دفع ببعض الفدائيين اللجوء إلى المنطقة الخليفية حيث أسسوا جيش التحرير وهو عبارة عن جيش نظامي مسلح اتخذ المناطق النائية معقلا له حيث بدا يشن هجماته ضد القوات الفرنسية . وأمام تصعيد المقاومة وحركة الفداء .وانتشار أعمال العنف والتدمير وتأثير النداءات الذي كان يبعث بها محمد الخامس من منفاه إلى قادة الحكومة الفرنسية. اضطرت فرنسا إلى إرسال لجنة برلمانية لتقصي واقع الأوضاع الداخلية بالمغرب في 13 فبراير سنة 1954 .كما أبدت استعدادها للتفاوض مع الوطنيين الذين أصروا على عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه وإلغاء كل المراسيم التي صدرت في عهد بن عرفة كشرط أساسي لأي تفاوض أو اتفاق حول مستقبل المغرب.
بوصفي الملك الشرعي للمغرب فإنني وأنا في المنفى المفروض علي أتمزق أسفا لتأكدي أن شعبي يتألم ويعاني فأعمال العنف تزداد فظاعة يوما بعد يوم والسجون صارت مملوءة ودم المغاربة والفرنسيين يسفك ولذلك فاني على استعداد لان افعل بالاتفاق مع حكومة بلدكم كل ما في استطاعتي لكي يستعيد المغرب الهدوء والسلام إذا كنت واثقا أن بلدي سيستطيع في النهاية أن يكون سيد مصيره " من خطاب بعث به محمد الخامس للمقيم العام لاكوس في 16 أكتوبر من نفس السنة .كتاب التحدي لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني" .
وأمام التلاحم بين الملك والشعب وتصعيد النضال ضد المستعمر اضطرت فرنسا إلى التخلي عن استعمال القوة والعنف وترجيح أسلوب الحوار والتفاوض
* بعض أساليب نضال الشعب المغربي ضد المستعمر
- مظاهرات صاخبة وإضراب عام في جميع أنحاء المغرب
- الشعب المغربي يزداد إصرارا على النضال
- الشعب المغربي أمضى عيد الأضحى في حداد وإضراب
- سلطات الاستعمار تعتقل خمسة الف مغربي
- المغرب يقابل ذكرى إقصاء سلطانه الشرعي بعاصفة من المظاهرات فقرات من استنطاق قاضي المحكمة العسكرية للشهيد احمد الراشدي في محاكمة الجماعة الفدائية .
القاضي : أي حقيقة تعني...
الراشدي : النضال الذي يخوضه المغرب ضد أعدائه .
القاضي : لكن لا أمل لكم في بلوغ هدفكم بواسطة الاغتيالات.
الراشدي : سنصل إلى بعض ما ننشده في النهاية
القاضي : عملكم رجوع الى الوراء.إنكم تعودون إلى العصور الوسطى
الراشدي : الذين يعيشون في العصور الوسطى هم الإقطاعيون مثل الكلاوي.
القاضي : لن تبلغوا شيئا بواسطة عمليات العنف .
الراشدي : العنف يناسب الحالة الراهنة...إن ما ارتكبته من قتل له هدف سياسي حيت نفي سلطاننا. لقد قتلت المقدم ليكون عبرة لباقي الخونة والمستعمرين.وهذه ليست إلا بداية.وستعقبها اغتيالات أخرى .
القاضي : ما هو الاستعمار
الراشدي : المستعمرون هم الذين يريدون ان يجعلوا من المغاربة عبيدا.انني غير نادم على ما فعلت وفخور بالموت دفاعا عن قضية بلادي قتلت خائنا وسيحكم علي هؤلاء الذين يدعون إلى الحرية والديمقراطية.
القاضي : سيتم الحكم عليك لأنك إرهابي."يتوجه القاضي بالخطاب للراشدي"
الراشدي : إنني الجأ إلى الإرهاب مثلما كنتم تلجئون إليه ضد النازيين.
حكمت المحكمة العسكرية الفرنسية بالإعدام على صالح الراشدي. وحين مثل أمام الجنود الفرنسيين الذين كلفوا بإعدامه وأرادوا أن يعصبوا عينيه. رفض قائلا : " اتركوني أشاهد سماء بلادي لآخر مرة " لا اله إلا الله محمد رسول الله
لقد تأكدت ثورة الملك والشعب للسلطات الاستعمارية إصرار المغاربة وعزمهم على التضحية في سبيل الحرية والكرامة مما جعلها تلجا الى فتح مفاوضات مع الملك محمد الخامس أفضت إلى الاعتراف باستقلال المغرب.كان لمواصلة النضال الوطني وتصعيد المقاومة المسلحة ضد الاستعمار وخاصة خلال الأحداث الدموية الرهيبة التي شهدتها المدن المغربية بمناسبة الذكرى الثانية لعشرين غشت – اثر قوي على معنويات الإدارة الفرنسية .كما أن ترديد أصداء أعمال المقاومة عبر وسائل الإعلام العربية والإسلامية ومواصلة النداءات من أعلى منابر المؤتمرات الدولية والعربية الداعية إلى إيجاد تسوية مستعجلة للأ زمة المغربية أحرج فرنسا وجعلها تبدي استعدادها للقيام بمساع سياسية قصد حل الأزمة وتهدئة الوضع المتفجر في البلاد.ومن جهة ثانية فان تعلق الشعب المغربي بمحمد الخامس ورفضه لابن عرفة جعل فرنسا تدرك أن استقلال المغرب لن يتم إلا بتسوية مشكل العرش. إلا أنها كانت ترى أيضا أن مثل هذه المبادرة يقتضي مزيدا من التحريات لما ستواجهه من معارضة من طرف جل المعمرين وممن كان يشد أزرهم من العملاء والمتآمرين.
ولهذا نظمت فرنسا لقاء" بايكس ليبان" وهي مدينة صغيرة تقع جنوب شرق فرنسا ما بين 22 و27 غشت 1955تحت إشراف لجنة وزارية مصغرة قصد الاستماع لآراء المغاربة على اختلاف انتماءاتهم حول قضية العرش ومستقبل المغرب وقد اتخذ اللقاء شكل سلسلة من المحادثات دافع خلالها الوطنيون بحرارة على عودة محمد بن يوسف ووضع ترتيبات تمهيدية للاعتراف باستقلال المغرب وبناء على تقرير اللجنة الوزارية وضعت الحكومة الفرنسية برنامجا ينص على تنحية ابن عرفة وإقامة مجلس العرش مع استشارة محمد الخامس في ذلك وتنفيذا لهذا البرنامج أوفدت فرنسا إلى انتسيرابي بمدغشقر لجنة لاستشارة الملك محمد الخامس في شان السياسة التي تعتزم نهجها بالمغرب وقد وافق السلطان على المشروع الفرنسي لكنه أكد على ضرورة احترام حقوقه الكاملة طبقا للشرعية ووفق رغبة الشعب.وبناءا على ذلك صدرت الحكومة الفرنسية أمرها للمقيم العام بالمغرب قصد تشكيل مجلس العرش يكلف بتأسيس حكومة مغربية تشرف على المفاوضات مع فرنسا وفي هذا الظرف الحاسم غير بعض العملاء مواقفهم تجاه محمد الخامس كما أعلن محمد بن عرفة تنازله عن العرش مما افقد التواجد الفرنسي أهم ركائزه بالمغرب وأفسح المجال لعودة محمد الخامس.
----------------- يتبع الجزء الرابع المجاهد الأكبر