موضوع: أمير المؤمنين يترأس الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الإثنين 17 سبتمبر 2007, 20:38
ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، يوم أمس الاثنين بالقصر الملكي بالرباط، الدرس الأول من سلسلة الدروس الدينية الحسنية الرمضانية. وألقى درس اليوم بين يدي أمير المؤمنين، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، وتناول فيه بالدرس والتحليل موضوع "قدر العمل في التدين"، انطلاقا من قوله تعالى "بسم الله الرحمان الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
وأوضح السيد التوفيق أن الهدف من "بيان قدر العمل" في هذا الدرس هو التأكيد على أولوية العمل وأسبقيته في التنمية وتقوية الاقتصاد وخلق الثروات، مذكرا قبل ذلك بصفحة مشرقة لأحد رجالات المغرب، هو أحمد الخزرجي المعروف بأبي العباس السبتي، الذي كان مذهبه، كما جاء على لسان أحد الأتقياء، يتمثل في أن "الوجود ينفعل بالجود" أي الكرم، والقصد أن الوجود ينفعل بطبيعة العمل الذي يأتيه الفرد وينعكس على الجماعة وهكذا دواليك.
وواصل السيد التوفيق، عبر ثلاثة محاور "قدر العمل في القرآن الكريم" و"قدر العمل في التعبد" و"توفير شروط هذا العمل"، إحاطته بالموضوع بالاستناد إلى المنهج الرباني الذي تنير جوامعه "سورة العصر" في شمولية نسقها وقوة تقريريتها وجوهريتها بما تقدمه من جواب على السؤال الفلسفي الكبير، شروط النجاح في الحياة وكذا شروط الفلاح في الدار الأخرى التي هي التتويج النهائي لعمل الإنسان في هذه الدار، مستحضرا، تلك الشروط التي تبسطها سورة العصر للعمل النافع للإنسان الذي به صلاحه وعمومية نفعه لمن حوله وكذا المثوبة المترتبة عن ذلك في الدارين.
وفي سياق ذلك أثار المحاضر الانتباه إلى أن حماية تدين الأفراد التي تنبع من تجنيبهم معوقات العبادة، التي ليست شيئا آخر غير الجهل والفقر والمرض، والتي هي بمعنى آخر حماية الملة والدين، هي الضامن الأساسي للاستقرار والتنمية والذي لن تزدهر بدونه عمارة الأرض، في ما يعتبر شرعا "أمورا مترابطة".
واعتبر في هذا السياق أن أساس الفتنة التي تعرض لها المسلمون وشبابهم عبر تاريخهم وجعل فئات عريضة منهم تنكمش عن المبادرة العملية، وتقتصر على التعبد في فرائض الأعمال الشخصية، قائم في مشكل مشروعية الحكم وإقرار العدل بين الناس.
وارتأى أن الحلول المقترحة بواسطة مؤسسات وأجهزة مختصة من شأنها أن تغير عددا من معطيات الفكر والممارسة في مجال الدين بشكل إيجابي، خلافا لكل الأفكار المتحفظة إزاء مكاسب الحداثة.
ومن هذا المنطلق اعتبر السيد التوفيق أن حالة المغرب توضح بامتياز هاته العلاقة الإيجابية بين مشروعية الحكم وإقرار العدل بين الناس من خلال مؤسسات وأجهزة مختصة، ملاحظا أنه في ما يتعلق بمشروعية السلطة في مستواها الأعلى، توجد مشروعية إمارة المؤمنين، وهي مشروعية خماسية، "تتركب من الشرعية الرمزية المتمثلة في النسب الشريف وعواطف المحبة المرتبطة به، والشرعية الدينية المتمثلة في البيعة، والشرعية التاريخية المتمثلة في الاستمرارية، والشرعية النضالية المتمثلة في المواقف الوطنية، والشرعية القيادية المتمثلة في التنمية الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وأوضح أن هذه المشروعية في المستوى الأعلى للدولة توازيها مشروعية سياسية من خلال المؤسسات المنتخبة على صعيد المجتمع، مشيرا إلى أن إرساء العدل على أساس هذه المشروعيات "يعيد للعمل البناء قدره".
وتابع أن في إرساء العدل على هذا النحو، تتأسس وضعية جديدة لها مقتضيات، أولها "عدم شرعية أي نوع من الأصولية باسم الدين"، معتبرا أن وجود أمر كهذا، من شأنه أن يشكل تصادما مع أحد ثوابت الهوية المغربية التي اتفقت عليها الأمة، أو هو بمعنى ما من المعاني "تعبير عن قلة استيعاب لمشروع إمارة المؤمنين في العدل وعمارة الأرض بالعمل النافع وصميمية هذا المشروع في حماية الدين".
وأضاف المحاضر أن ثاني هذه المقتضيات هي "وجوب قيام الجميع بالانخرط في عمل البناء وجوبا شرعيا، وعلى أنه أولوية التدين الصحيح"، مستحضرا دور مؤسسة العلماء في التعبئة لهذا الانخراط، وفي إدخال التغيير المطلوب على منهج تعليم الدين، لاسيما في مجال الوعظ والإرشاد.
وشدد على أن تعليم كل الفرائض يقترن بتعليم أبعادها الروحية ومقاصدها الشرعية في سياق متغيرات إيجابية للعصر الحديث، مشيرا إلى أن المنهج الرباني الذي يوجه ممارسة هذا الانخراط هو الوارد في الشطر الثاني من سورة العصر الداعي الى التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وذكر السيد التوفيق، في سياق ذلك، بأن حركات التطور التاريخي كان يحكمها منهجيا، إما منطق السلطة أي الاستبداد أو منطق الانقلاب أو منطق الصراع، في وقت لا يستند فيه منهج سورة العصر على أي من هذه التحكمات ،لإنه منهج رباني مبني على التواصي، الذي يمكن تصوره، حسب المحاضر، على أنه حوار بين الأفراد أو حوار منظم على شكل مؤسسات.
وأثار الانتباه بهذا الخصوص إلى أن التواصي في جميع الحالات يفترض الاستماع، ويقع على النقيض من كل أسلوب للعنف والتسلط، وهو ما يوافق، برأيه "النقد البناء والواقعية الإيجابية التي لا تترك نفس المؤمن فريسة لسوء الظن وإلى الوقوع في الاكتئاب أو التخبط بالاستعجال".
ولاحظ أن العمل الصالح المتعبد به، حسب قرائن الشرع، يمكن ترتيبه على درجات يقتضيها سلم من الأولويات، أولها "الدرجة العليا وفيها عمل القائمين على مصالح الأمة من حماية البلاد والعباد وإقرار العدل بين الناس"، وثانيها "عمل صلاح المجتمع أي رعاية الحاجيات الأساسية للناس وإشاعة فضائل الخير بينهم".
وأجمل ثالث هذه الأولويات في "عمل التعبد الفردي الذي يصلح به الفرد نفسه ويتهيأ به للإسهام في نفع غيره".
وأثار الانتباه إلى أن مشروع أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس ل"بسط العدل وإقرار الحقوق، يسد كل الذرائع أي كل نوافذ الفتنة"، مضيفا أن هذا المشروع يهييء أيضا "ظروف الإيمان الراسخ والعمل الصالح والتواصي العادل بما يعلي الحق ويبرز الحقائق مع التحلي بالصبر الذي هو الاستعداد الفكري والمعنوي الطويل النفس لبناء نظام ينفع الناس ويمكث في الأرض".
وخلص السيد التوفيق إلى القول إن هذا السلوك المركز على إعلاء قدر التعبد بالعمل النافع يمكن أن تتحقق به ثلاث تجاوزات ضرورية، أولها "تجاز تبذير الوقت في خلافية الدين"، ثانيها "تجاوز معوقات العمل الصالح من قبيل الإيديولوجيا أو نقيضتها الإيطوبيا"، مشيرا إلى أنه إذا كانت الأفكار توجه الناس فإن بالعمل يتم تغيير أحوالهم.
وأضاف أن ثالث هذه التجاوزات، تجاوز الفهوم السطحية لأولئك الذين لا يفهمون مقاصد الدين ولايراعون أولوياته.
وفي ختام هذا الدرس الديني، تقدم للسلام على أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس السادة، محمد عبد الحليم، مدير مركز الدراسات الاسلامية بجامعة لندن ببريطانيا، والأستاذ أحمدو المرابط الطلبة من موريتانيا وهو وزير سابق في الثقافة، وسفير سابق لبلاده في العراق والسعودية، والأستاذ محمد الطاهر بن عبد العزيز رزقي من تونس وهو أستاذ للتعليم العالي بجامعة الزيتونة، والأستاذ خليفة كونتا من الطائفة القادرية بالسنغال، والأستاذ إبراهيم محمود جوب، الأمين العام لرابطة علماء المغرب والسنغال، والاستاذ أحمد نعينع، مقرئ بجمهورية مصر العربية.
كما تقدم للسلام على أمير المؤمنين، السادة عبد الله بوصوف، منسق الهيئات الدينية للمغاربة بأوروبا، ونائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية (من الجالية المغربية المقيمة بفرنسا)، وصالح الشلاوي، مفتش التعليم الديني ببلجيكا (من الجالية المغربية المقيمة ببلجيكا) وعبد العزيز الخناتي، رئيس الاتحاد الاسلامي بإيطاليا (من الجالية المغربية المقيمة بأيطاليا) ومولاي الحسن العلوي الطالبي، وهو مرشد وطني بالسجون الفرنسية (تجمع مسلمي فرنسا)، وبوسيف خشاش، إمام ببرلين، إضافة إلى عدد من العلماء.
أمير المؤمنين يترأس الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية