المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ينظم حفلا تأبينيا للراحل إدريس بنزكري

نظم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، اليوم الجمعة بالرباط، حفلا تأبينيا للراحل إدريس بنزكري رئيس المجلس الذي وافته المنية الأحد الماضي
وقد جرى هذا اللقاء في جو مهيب اختلطت فيه أجواء الحزن والأسى على فقدان مناضل حقوقي من العيار الثقيل، مع مشاعر الاعتزاز والفخر بابن الوطن البار الذي ندر حياته للدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها، فكرا وثقافة وممارسة.

وقال السيد محمد معتصم عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومستشار جلالة الملك، الذي ترأس هذا الحفل، إنه في سياق التكريم الملكي للفقيد بنزكري، قرر جلالة الملك الاستجابة لرغبته في إحداث مؤسسة للبحث في مجال حقوق الإنسان، وتزويدها بالإمكانات اللازمة.

وأضاف السيد معتصم، أن جلالة الملك قرر أيضا، تخليدا لذكر الراحل، أن يطلق اسم إدريس بنزكري على القاعة التي تأوي خزانة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لتبقى رمزا حيا واعترافا ملكيا وشعبيا، ومن كل القوى الحية للأمة والمجلس بتضحياته، وحافزا للأجيال الصاعدة على المزيد من العطاء في سبيل ترسيخ قيم المواطنة الملتزمة، مضيفا أنه "سيتم تجهيز القاعة لتكون جديرة بهذا التشريف".

وذكر السيد معتصم بالتعليمات السامية التي أصدرها جلالة الملك للقطاعات الوزارية والهيآت والمؤسسات المعنية لاتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق التنمية المندمجة للجماعة القروية آيت واحي ودوار آيت حدو (نواحي تيفلت)، مسقط رأس الراحل، من خلال بناء مسجد ملائم ودار للشباب وإطلاق اسم الراحل على الثانوية الإعدادية التي ستفتح أبوابها قريبا بالمنطقة بالنسبة للجماعة القروية آيت واحي، وبناء مدرسة ابتدائية عصرية، وتشييد مستوصف، بدوار آيت حدو، وتعبيد الطرق والمسالك المؤدية إليه، وفك العزلة عنه وتعميم كهربته وتزويده بالماء الصالح للشرب.

وأضاف أن جلالة الملك قرر أن يشمل بموصول عنايته وعطفه عائلة الفقيد المكلومة، مؤكدا أن جلالة الملك أصدر تعلمياته السامية من أجل التعجيل ببرمجة وتنفيذ المشاريع المذكورة.

واعتبر السيد معتصم أن الفقيد كان "عصارة مجتمع سياسي ومدني، ومناضل وضحية ومسؤول، ورجل وطن من العيار الثقيل"، مؤكدا أن الفقيد ساهم في "مسار ديمقراطي طويل وشاق وبناء ومتواصل المكاسب، أطلقه جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، باني الدولة المغربية الحديثة، منذ بداية التسعينيات، بتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بمعية زعماء وطنيين أفذاذ، من أمثال المرحومين عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعته، والسادة عبد الرحمن اليوسفي وامحمد بوستة ومحمد بنسعيد آيت إيدر، أطال الله عمرهم، وهو ما أفضى للتناوب التوافقي وللممارسة الديمقراطية الاعتيادية التي رسخها جلالة الملك محمد السادس".

إنه مسار تاريخي، يضيف السيد معتصم، ننحني إجلالا لرواده، وفي طليعتهم الملك المغفور له الحسن الثاني وكل شرفاء الأمة وقواها الحية المعبأة بجانب الملك محمد السادس، ولم يتوقف بوفاة الملك الحسن الثاني ولن ينتهي برحيل إدريس بنزكري، فجلالة الملك محمد السادس على العهد سائر، ولدولة القانون مرسخ.

وفي كلمة باسم عائلة الفقيد، قالت السيدة فاطمة بنزكري، شقيقة المرحوم، إن "ادريس بنزكري ليس فقيد أسرته فحسب، ولكنه فقيد قرية وقبيلة ووطن"، معتبرة أن ما تلقته عائلة المرحوم من عزاء بالغ التأثير من صاحب الجلالة الملك محمد السادس والأسرة الملكية، خفف من هول المصاب.

وأوضحت أن تحمل المرحوم لمواقع المسؤولية لم ينل من خصال التواضع والزهد والإيثار والترفع والبساطة التي تحلى بها دائما، مضيفة أنه كان "أصيلا فخورا بجدوره وأصوله القبلية وانتمائه الوطني".

ومن جانبه، قال السيد محجوب الهيبة، الكاتب العام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إن المرحوم كرس وقته وجهده سواء في المجال الجمعوي أو في إطار رئاسة المجلس وهيأة الإنصاف والمصالحة، "للنهوض بحقوق الإنسان وكشف الحقيقة عن ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإنصاف الضحايا وتوفير ضمانات تعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وتوطيد المكتسبات في مجال الانتقال الديمقراطي".

وأكد أن الوفاء بالمبادئ التي نذر الفقيد حياته لها والحفاظ على ذكراه، "سيحفزنا ويحفز الأجيال القادمة على الاستمرار في العمل على النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها".

وفي كلمة لها بالمناسبة، قالت السيدة أمينة المريني، منسقة لجنة الإشراف على إعداد خطة العمل الوطنية للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، إن المرحوم حمل فكرة "الأرضية المواطنة"، وآمن برهاناتها المستقبلية وتابع المشروع باستمرار ودافع عن استقلالية اللجنة المشرفة على الأرضية.

وبعدما أكدت أن الراحل كان شديد الدفاع عن فكرة "النقاش المواطن" الذي يجمع كل المواطنين حول القضايا الحقوقية الوطنية، أوضحت السيدة المريني أنه كان وراء اقتراح إطلاق تسمية "الأرضية المواطنة" على المشروع انطلاقا من إيمانه ببعده الوطني المواطن.

ومن جهته، قال السيد محمد الصبار، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، الذي يعد المرحوم أحد مؤسسيه، إن الراحل طبع بحكنته وتبصره ونضاله مرحلة تاريخية في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، ودبر ملفا من أعقد الملفات التي طرحت على الحركة الحقوقية.

وأضاف أن الفقيد تمكن من الملاءمة بين المعايير الدولية في مجال العدالة الانتقالية والسياق الخاص للتجربة الوطنية، مؤكدا أن أقوى وفاء لروح الفقيد يكمن في الانخراط في تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة في جوانبها الدستورية والسياسية والتربوية والبيداغوجية.

كما ألقى السادة، أحمد شوقي بنيوب وإدريس اليزمي، عضوا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والحبيب كمال، عن المجتمع المدني، ومصطفى مفتاح أحد رفاق المرحوم، شهادات توقفت عند ما تمتع بها الراحل من خصال التواضع والوطنية والقدرة على الانصات وتقريب وجهات النظر والحرص الدائم على خدمة حقوق الإنسان في نكران ذات عز نظيره.

كما أكد المتدخلون ما تميز به الراحل من "نزعة إنسانية كونية"، وإيمانه "بإمكانية ازدهار الخصوصيات الوطنية في إطار الكونية".

واعتبروا أن الفقيد نجح في الإقناع بخوض غمار العدالة الانتقالية والنظر إلى الماضي بدون "مركب نقص"، وأنه كان بيداغوجيا في التعاطي مع مسلسل المصالحة، مذكرين بمساهمته في الدفع ببروز جيل من الحقوقيين انخرض في مسيرة المساهمة في دمقرطة المجتمع.

حضر هذا اللقاء على الخصوص، السادة شكيب بنموسى، وزير الداخلية، وفؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب في الداخلية، ومحمد بوزوبع وزير العدل، وعمر عزيمان سفير المغرب بمدريد، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وعدد من الفاعلين في مجال حقوق الإنسان ورفاق وأصدقاء الفقيد.