لعل هذا العنوان سيكون مشهيا لسكان مدينة طاطا. تلك المدينة القابعة في الجنوب. بيد أني سوف أخيب أملهم لأن عنوان هذا المقال لا يمث إلى تلك المدينة بصلة. لأنه يتناول ظاهرة معروفة لدى بعض المغاربة وقد تحولت بفعل "التعرية" اللغوية إلى "تاضا" عند إخواننا الأمازيغ خاصة في الأطلس المتوسط.
"طاطا" هو حلف مقدس يكون بين قبيلتين يتعاهدان فيها على الدفاع عن بعضهم في حالة تعرض إحداهما إلى هجوم ما. يجب وضع الظاهرة في إطارها التاريخي. فهي كانت مزدهرة خلال فترة "السيبة" التي عرفت بالنعرات بينن القبائل. وحيث كان القوي يأكل الضعيف وبالتالي فقد كان واجبا على هذه القبائل أن تتكتل فما بينها. بيد أن "طاطا" لا تقتصر على الدفاع بل تتعداه إلى كل نواحي الحياة. إنها علاقة تقوم على احترام، بل تقديس الحليف. وعلى سبيل المثال، إذا دخل فرد أو أفراد تراب القبيلة الحليفة فإن عليهم خلع نعالهم والمشي خفاة حتى يغادروا تراب تلك القبيلة. وإن مكثوا فيها ظلوا حفاة حتى يرحلوا. بل إن الحليف إذا دخل قبيل حليف فلا يجادله ولا يعارضه مخافة الوقوع في الخلاف. كما يمتنعون عن التصاهر فيما بينهم تجنبا للمشاكل التي تنجم عاداة عن الزواج ويستثنى من هذه الأحلاف قبائل الشرفاء التي كانت تحظى بالتوقير بين القبائل، فلا يتعدى عليها.
وتختزن الذاكرة الشعبية العدد من القصص عن من خالف تلك القوانين والأعراف المتعادل بها، وما حل به من مصائب تصل إلى حد الخوارق. ولعل المجال غير كاف في هذا الحيز لسرد عديد القصص التي رواها من عايشوها. وعلى سبيل المثال فحسب، نورد قصة واحدة وهي لأحد "الطلبة" حامل لكتاب الله عندما دعي إلى "زردة" في مكان يفصله عن محل سكناه منطقة موحلة بسبب الأمطار. فما كان على "الفقيه" إلا أن يستلف حداء شتويا "بوط" لكي بل إلى هناك. وبعد نهاية "الزردة" قام الفقيه ليلبس حدائه الشتوي فكلما عمد إلى إدخال رجل تعذر عليه إدخال الثانية. فيعاود الكرة ولكنه هذه المرة يبدئ بالرجل المغايرة فيستحيل عليه إدخال الأخرى. فبينما هو كذلك صرح لأهل البيت أنه قد استلفه من "فلان". فأصيب أهل البيت بالذهول وأخبروه أن صاحب "البوط هو من طاطتهم. فما كان على الزوجة إلا أن تنزع خمارها من على رأسها وأن تقسم عليه بــ "العار" ألا يلبس ذلك الحذاء وأن يعود حافي القدمين إلى بيته وأنها تضمن عدم الإيذاء، بإذن الله. وكذل فعل الفقيه. ويذكر الفقيه أن المنطقة التي قطعها كانت مليئة بالأشواك وقنينات الخمور المكسرة، ومع هذا فلم يصب بأذى. وعندما وصل إلى بيته غسل رجليه وأعاد التجربة، وهناك كانت المفاجئة. فقد ولجت كلتا رجليه الحداء، ولكن هذه المرة بدون أدنى صعوبة.
قد يخيل لقائ أن هذه رواية من روايات "ألف ليلة وليلة" ولكنه واقع معيش لازال يتحكم في حياة الناس وتصرفاتهم حتى كتابة هذه السطور. فالأحلاف لا يتجاورون فيما بينهم. ولنا في منطقة سيدي سليمان أمثلة لازالت قائمة بين قبائل ازهانة وامزورة وقبائل أولاد احميد وزمور وقبائل أولاد يسف وكروان وجدير بالذكر أن القبائل الأربعة الأخير تكون الأولى عربية والثانية أمازيغية.
طاطا "أصل الأسطورة"
يحكى أن يزوغ ظاهرة طاطا جاءت كنتيجة لحرب ضروس قامت بين قبائل زمور تابعة إداريا لإقليم الخميسات وقبائل بني احسن تابعة لسيدي سليمان، إقليم القنيطرة.
ولقد كان ضحايا هذه الحرب كثر. ولقد وقعت في منطقة الجويمع وهي منطقة حدودية بين القبائل الأمازيغية والقبائل العربية. وكانت ساحة المعركة قد امتلأت بالجثث. وكان من بين الضحايا جريح من قبائل زمور تظاهر بالموت حتى يفلت بجلده. وظل على تلك الحالة حتى أرخى الليل سدوله. وبعد أن عسعس الليل جاء اثنان يحملان في أيديهما سياطا، ويأمرون الموتى بالعواء كالكلاب والذئاب قائلين "عوكوا أكلاب جهنم" فيصيح كل الأموات ففي ساحة المعركة. ويروي صاحبنا أنه أخذ يقلدهم حتى لا يفتضح أمرهم. وفي الصباح وعند قدوم رعاة الأبقار والأغنام طلب منهم أن يحضروا أفراد قبيلتهم. وعندما جاؤوه طلب منهم دعوة عشرة عن كلل قبيلة من قبائل بني احسنن وأن تحضر كل قبيلة عشرة من رؤوس الأبقار. وكذلك فعلوا. فنحروا الأبقار وهيؤوا الكسكس، وحلبوا النساء. ففرقوا ذلك القدر المحلوب من النساء على كل أواني الكسكس وقالوا، "ها قد أصبحنا إخوانا من الرضاعة". وعندما هموا بالمغادرة طلبوا من كل فرد أن يلبس أحد خفيه والحف الثاني يكون لشخص آخر. وهكذا أصبحت كل قبيلة صاحب الخف الثاني "طاطا" لمن يلبس. وكذلك تعاهدوا على البقاء.
والظاهرة لا تقتصر على عامة الشعب بل تتعداه إلى علية القوم. بلل إن منهم من يحتل مكانة مهمة في الدولة ومع ذلك فهو لا يتوانى في نزع نعيله عند دخوله تراب قبيلة "طاطته".
عبد السلام البتاوي