أشرف عز العرب يكتب:
وزير التموين عشق الظهور الإعلامى .. فباع "التروماى" للدولة
على الرغم من أن التصريحات والوعود الوردية من سمة المسئولين والوزراء فى كل العصور وفى كل الأنظمة ، إلا أن الدكتور خالد حنفى وزير التموين فى حكومة المهندس ابراهيم محلب قد فاق كل الحدود وتحول الى ما يمكن ان نطلق عليه " وزير الشو الاعلامى " كما وصفه الإعلامى محمد فوده فى مقال له نشره مؤخرا حول التصريحات الكثيرة للدكتور خالد حنفى التى يتحدث فيها عن قرارات ومشروعات وهمية لم يتحقق الكثير منها ولم يشعر بها الناس رغم أنهم كانوا يعلقون عليها آمالاً كثيرة.
لقد توقفت طويلاً أمام ما جاء فى مقال الكاتب محمد فوده وشعرت أنه إن صحت تلك المسألة فإننا سنكون أمام مسألة فى غاية الخطورة حيث سيكون هذا الوزير وكأنه قد باع "التروماى " للدولة وللشعب ايضاً وهنا مكمن الخطر حيث أن تلك التصريحات وللاسف الشديد لم تتسبب فى كسر خاطر البسطاء فقط بل انها تسببت أيضا فى احراج الحكومة أيضاً باعتباره وزيرا فى الحكومة ومن المفترض ان تكون تصريحاته معبرة عن توجهات هذه الحكومة.
والحق يقال فإننى كنت من الكثيرين الذين يصدقون تلك التصريحات بان المواطن سيحصل على السلع التموينية بالكامل بدعم من الدولة وأن المواطن سيجد كل شئ متاح وبين يديه ولكن الإفراط الشديد فى التصريح بتلك القرارات التى لم يتحقق منها الكثير ضربت المنظومة التموينية بالكامل فى مقتل وجعلت الناس لا تصدق اى كلام تسمعه فى هذا الشأن حتى لو كانت تلك التصريحات حقيقية وصادقة.
وليت المسألة تتوقف عند حد التصريحات المتعلقة بالسلع التموينية بل ان الأمر تعدى تلك المرحلة بكثير فنجد الوزير يطالعنا صباح مساء بالحديث عن مشروعات عملاقة وكأن تلك المشروعات قد هبطت من السماء بين فى لحظة تجلى دون ان تكون هناك دراسات مستفيضة لها حتى تكون هناك ضمانات كافية لتظهر وتدخل حيز التنفيذ فماذا تم فى مشروع تحويل زيت الطعام المستعمل الذى فرحنا به وهللنا له حينما اعلن عنه الوزير .. إنه لا يزال مجرد فكره رائعة وحلم بعيد المنال على الرغم من أن الدكتور خالد حنفى لم يترك مناسبة إلا وصرح خلالها عن قرب تنفيذ هذا المشروع القومى الكبير .
وربما يكون مشروع تحويل زيت الطعام المستعمل مشروعات خياليا ولن يتحقق ففى هذه الحالة نكون قد فقدنا الثقة فى اى تصرح يصدر عن الوزير فى هذا الشأن .. وهنا تكمن الخطورة لان الوزير صرح مؤخراً عن اعتزام الدولة تنفيذ المشروع القومى لتحويل مصر إلى "محور لوجيستى عالمى" وإنشاء البورصات السلعية لتأمين الأمن الغذائى الاستراتيجى لمصر والتصدير للدول المحيطة .
وهنا أكرر ما ذكره الإعلامى محمد فوده فى هذا الشأن قائلاً اننى اخشى أن يكون الكلام الكثير عن مشروعات لم تتحق سبباً كافياً لأن يتشكك الناس فى مصداقية المشروع الجديد الذى شغل وسائل الإعلام على مدى الايام القليلة الماضية ، وكل ما اخشاه أيضاً ان يتحول مشروع "المحور الوجيستى" الى مجرد فكره عظيمة لكنها فى حقيقة الامر غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع ، فهل تمت دراسة المشروع جيداً وتم البحث عن أفضل الأساليب التى من شأنها تنفيذه على أكمل وجه حتى لا نفاجأ فيما بعد أنه غير قابل للتنفيذ .. وفى هذه الحالة فإننا نكون امام نموذج حى لما يمكن أن يتسبب فى ضرب ما يقوم به الرئيس السيسى من مشروعات كبرى فى مقتل ، بل ربما يسيئ الى منظومة التنمية الحقيقية التى تجرى على أرض مصر ، فالمشروع لم يعد مجرد مشروع يخص وزارة التموين وحسب بل هو ومن خلال تلك الحملة الإعلامية قد أصبح مشروعا قومياً تتحمل تبعاته الدولة بالكامل ممثلة فى الحكومة التى بنتمى اليها وزير التموين.
وإذا شئنا الدقة فى التعرف على ما يقوم به وزير التموين من قرارات ووعود لا يتحقق منها الكثير أعيد قراءة ما كتبه الإعلامى الكبير محمد فوده قائلاً : أنه بقراءة متأنيه فى ملف التموين فى مصر فإننا نضع أيدينا على عدة نقاط تمثل عناصر الضعف فى هذه المنظومة والتى اعتقد انها نتاج للإدارة غير السليمة لهذا القطاع الحيوى المهم ، فهناك بعض الدراسات تشير إلى أن التقديرات المبدئية المتعلقة بالدعم تؤكد أن 20 مليون مواطن لايستحقون الحصول على الدعم الذى تلتزم به الدولة تجاه الفئات محدودة الدخل ، وبالطبع فإنه من غير المنطقى أن تستمر الدولة، وهى تمر بصعوبات اقتصادية فى دعم الأغنياء وأصحاب العقارات والأطيان والسيارات الفارهة، وهم شريحة تقدر بالملايين ويحصلون على الدعم التموينى تماماً مثل الفئات التى من أجلها يقدم الدعم.. أين دور وزارة التموين فى تنقية هذه البطاقات وأين هى الرقابة على منظومة بطاقات التموين التى نسمع عنها كثيراً من وزير التموين والتى يخصص لها الوقت الاكبر من اهتماماته ويطالعنا باحاديثه المتكررة عنها بشكل شبه يومى عبر الصحف المجلات ووسائل الإعلام المختلفة.
من جهة اخرى فإن وزير التموين دائم الحديث عن إعلانه الحرب على مافيا التهريب التى كانت قد تفشت فى وزارة التموين وعلى الرغم من ذلك فإن "مافيا التهريب" ما تزال كما هى وماتزال مستمرة في قطاع تجارة المواد الغذائية وعلى وجه الخصوص فى تهريب دقيق القمح وهو أمر لا يحتاج الى تصريحات اعلامية بقدر حاجته الى إتخاذ خطوات جادة لوقف ظاهرة الفساد في تجارة القمح فى دولة تعد أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
هناك مسألة اخرى تتسم بالغموض وتنم عن نوعية من القرارات المتسرعة والتى تفتقد للحكمة ولا تتسق مع الواقع الذى نعيشه ، وهذه المسألة تتمثل فى أن مصر كانت قد حظرت تصدير الأرز منذ نوفمبر عام 2013 وذلك من أجل حماية السوق المحلية وفى نفس الوقت لضمان تحديد أسعار بيع فى متناول المستهلك البسيط ، ولكن فوجئنا منذ بضعة أيام بقرار يسمح بتصدير الأرز الى الخارج وهو ما يعد انتهاكاً لمبدأ "العدالة الاجتماعية" ففى هذه الحالة سيتم بكل تأكيد ارتفاع اسعار الأرز فى السوق المحلى مما قد يتسبب فى ازمة بالغة الصعوبة فى هذه السلعة الرئيسية بالنسبة للشعب المصرى.
ويبدو ان الدكتور خالد حنفى وزير التموين قد احترف التعامل مع وسائل الإعلام بمفردات وآليات متنوعة كفيلة بتحقيق "الشو الإعلامى" وذلك بتطرقه الى موضوعات بسيطة للغاية وتتعلق بأحلام البسطاء فى الحصول على اكبر قدر ممكن من رعاية الدولة لهم ، وهنا يحضرنى ما تناولته وسائل الإعلام عن لقاء الوزير مع ممثلين من أصحاب محلات وعربات بائعي الفول والطعمية والسندوتشات المنتشرة بالشوارع والميادين العامة والأسواق في القاهرة، بهدف بحث استخراج بطاقات صرف خبز مدعم مجمعة لهم، بالإضافة إلي صرف حصص يومية مدعمة من الفول والزيت والطحينة بهدف خفض أسعار الوجبات والسندوشات المباعة للمواطنين فى الشارع .. الموضوع فى منتهى الروعة من حيث الكلام النظرى ولكن من الصعب بمكان تحقيقه على أرض الواقع وتمضى الأيان ويبحث الوزير عن موضوع يعجب الناس ويجذب انتباههم ويبقى أصحاب عربات الفول والطعمية على نفس الحال انتظاراً لدعم الدولة المرتقب والذى وعدهم به معالى الوزير ، أليس هذا نموذجا حيا للاستخفاف بعقول الناس ، فما هذا الكلام سوى "شو اعلامى" ليردد الناس بأن وزير التموين يشعر بهم ويحرص على ان استقرار اسعار السندويتشات الاساسية التى يعتمدون عليها بشكل أساسى فى حياتهم اليومية .
الناس لم تعد تتحمل تقبل أية وعود فضفاضة ولم يكن مقبولاً أن يخرج وزير بكل هذا الكم الهائل من التصريحات من اجل ان يتواجد عبر وسائل الإعلام وللأسف الشديد لا يتحقق من هذه التصريحات إلا جزء قليل فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن بوابة نبض الوطن الالكترونية