يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته نساء ورجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، في أجواء مفعمة بقيم الوفاء والبرور، أيام 29 و30 و31 يناير الجاري، الذكرى السبعين للانتفاضة الشعبية التي اندلعت، في هذه الأيام من سنة 1944، تأييدا لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال، واستنكارا لحملات القمع والتنكيل والاعتقالات التي أقدمت عليها سلطات الإقامة العامة مستهدفة طلائع الحركة الوطنية وعموم أبناء الشعب المغربي إثر تقديم هذه الوثيقة التاريخية المجسدة لإرادة العرش والشعب ونضالهما البطولي في سبيل الحرية والاستقلال.
ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ بالمناسبة، بأنه في مثل هذه الأيام من سنة 1944، خرجت حشود من الجماهير الشعبية من قلب مدينة الرباط منددة بإقدام سلطات الحماية على اعتقال زعماء وقادة الحركة الوطنية، وبلغ صدى هذه المظاهرات ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، قدس الله روحه، وهو داخل المعهد المولوي، فتخطى سوره والتحق بصفوف المتظاهرين.
وقدم جلالته طيب الله ثراه ارتساماته عن ذلك اليوم بقوله "هناك تاريخ مضبوط ظل عالقا بذاكرتي هو 29 يناير 1944، في ذلك اليوم اكتسح جمهور من المتظاهرين شوارع الرباط مرددين شعارات المطالبة بالاستقلال وبلغني صدى هذه المظاهرات وأنا داخل المعهد المولوي فتخطيت سوره والتحقت بالمتظاهرين"، مبرزا، رضوان الله عليه، الأثر القوي لهذا الحدث التاريخي حيث قال "لقد ترك يوم 29 يناير بصماته بعمق في ذاكرتي، كان معي يومئذ ثلاثة من رفاقي في المعهد وكنا نصيح بصوت واحد: "سنحصل على الاستقلال".
وأمام حملة القمع الاستعمارية التي تلت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ألح بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، قدس الله روحه، على الإفراج عن المعتقلين جميعهم، لكن سلطات الحماية استغلت مقتل أحد الأوروبيين لتطوق المدينة وتقوم بإنزال قواتها وأطلقت النار على المتظاهرين الذين دافعوا عن أنفسهم بكل صمود واستماتة، مما خلف شهداء رووا بدمائهم الزكية شجرة الحرية ومعتقلين صدرت أقسى الأحكام القضائية في حقهم.
وكان لمدينة سلا دور بارز في هذه الانتفاضة العارمة التي اندلعت في مواجهة الغطرسة الاستعمارية، وتأييدا لمضمون وثيقة المطالبة بالاستقلال، ودفاعا عن مقدسات الوطن، حيث هب وطنيون أفذاذ من هذه المدينة في انتفاضة تاريخية مخترقين شوارعها متحدين قوات الاحتلال وهجومها الشرس الذي أدى إلى سقوط شهداء أبرار نذروا أرواحهم ومهجهم فداء للوطن تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته.
واتسعت دائرة هذه الانتفاضة الشعبية وامتدت المظاهرات لتشمل العديد من المدن المغربية كفاس التي شهدت سقوط عشرات الشهداء والجرحى برصاص قوات المستعمر ومكناس ومراكش وآزرو وغيرها من المدن المغربية.
وتسارعت الأحداث لتحتدم المواجهة بين الإقامة العامة والقصر الملكي إذ أقدمت سلطات الحماية في 20 غشت 1953 على نفي السلطان الشرعي وأسرته الشريفة في محاولة يائسة لإخماد جذوة الروح الوطنية مما أجج شعلة الكفاح الوطني لتنطلق المقاومة المسلحة والمظاهرات العارمة وعمليات جيش التحرير إلى أن تحققت إرادة العرش والشعب وعاد جلالة المغفور له محمد الخامس مظفرا منصورا من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955 رفقة شريكه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني والأسرة الملكية الشريفة حاملا بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
وحظيت هذه الملحمة البطولية والمحطة التاريخية الهامة في تاريخ الشعب المغربي بعناية موصولة واحتفاء دائم ومستمر ومن ذلك تنظيم مهرجان كبير بمناسبة الذكرى الخمسين لها تحت الرعاية الملكية السامية حيث تفضل جلالة المغفور له الحسن الثاني فأناب عنه سمو ولي العهد آنذاك جلالة الملك محمد السادس لإزاحة الستار يوم 29 يناير 1994 عن اللوحة التذكارية المقامة تخليدا لأحداث يوم 29 يناير 1944 بساحة مسجد السنة بالرباط، والبرور الموصول بشهداء وأبطال هذه الملحمة الخالدة وتكريم أرواحهم إكبارا لتضحياتهم الجسام وأعمالهم الجليلة دفاعا عن عزة الوطن وكرامته.
وأكدت المندوبية السامية أن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير إذ تخلد الذكرى 70 لهذه الانتفاضة الشعبية تتوخى إبراز دلالات هذا الحدث التاريخي الكبير، وتلقين دروسه وعبره للأجيال الجديدة والناشئة والشباب وتعريفهم بأمجاد تاريخ الكفاح الوطني الخالد.
منقول