يستعد الناقد والباحث الجمالي، عبد الله الشيخ، لتوقيع أول إصدار له في التشكيل، ويتعلق الأمر بمؤلف يحمل عنوان" كنزة المكداسني.. عين القلب"، غدا السبت ابتداء من الساعة الخامسة عصرا برواق عين القلب بسيدي رحال.
ما يميز الإصدار الجديد الذي يضم أزيد من 150 صفحة، أن نقادا جماليين من المغرب والخارج، كتبوا مقدماته الست، ويتعلق الأمر بالكاتب محمد أديب السلاوي، والناقد الجمالي إبراهيم الحيسن، والدكتور الحبيب ناصري، والدكتور نورالدين الدنياجي، إلى جانب الناقد الفرنسي دانييل كوتيريي، والناقد الهولندي فيليب مارك سيلبير نبيخ.
وبخصوص إصداره الأول، قال عبد الله الشيخ إن "العمل مساهمة جمالية لتدارك النقص الحاصل في الكتابات المونوغرافية التي ترصد تجربة فنية واحدة وتسلط الضوء على مسارها". وأضاف في حديث إلى "المغربية" أن عين القلب تفعيل لمقاربة نقدية قائمة على مواكبة ومصاحبة الفنانة نزهة المكداسني ومعايشة تجربتها عن كثب.
جماليا، قال الكاتب محمد أديب السلاوي في تقديمه لـ" عين القلب" "استخدم الناقد الدكتور عبد الله الشيخ، في منهجه النقدي لهذا الكتاب، كل ما يضئ تجربة الفنانة كنزة الإبداعية، وكل ما يساعد على تفسير شفرة عملها الفني ولغتها الباطنية التي عبرت وتعبر من خلالها عن الكائن والممكن في ذاكرتها الإنسانية. وهو ما يرفع هذا العمل إلى مستوى "الأطروحة"، التي تفتح الباب على مصراعيه أمام قراءة منهجية معمقة لمسار فنانة فطرية وعصامية مبدعة، قراءة تقوم على دعائم علمية تمتد من علم النفس، إلى علم الجمال، ومن العلوم الإنسانية إلى الفنون الإبداعية البصرية". وأضاف أن هذا الكتاب جاء بلا شك في وقته، ليس فقط بالنسبة للفنانة كنزة التي تشكل ظاهرة تشكيلية جديدة، لكن أيضا بالنسبة للحركة التشكيلية المغربية ولحركة النقد التشكيلي المغربي، الذي يرى العديد من المراقبين اختفاءه وتراجعه أمام حالة الفوضى والتسيب التي بدأ يعرفها هذا المجال الإبداعي في وضعنا الثقافي المترهل.
وخلص إلى أن المنجز الجمالي يطرح رؤية نقدية جديدة في معالجاتها، يعيد الاعتبار للنقد التشكيلي في مغرب الألفية الثالثة الذي يشهد انهيارات ثقافية مشينة ومخيفة، كما يعيد الاعتبار لمدرسة تشكيلية فطرية مغربية، اعتقد العديد من النقاد ومن المراقبين أنها غابت عن الوجود بغياب رائدتها الراحلة الشعيبية طلال، ملهمة المكداسني.
في سياق آخر، يرى الناقد والباحث الفني إبراهيم الحيسن أن أعمال المكداسني تتأرجح بين الواقعية الفطرية والتعبيرية اللونية، وهي طافحة بالكثير من المعاني والدلالات الأيقونية المستعارة من الخبرة الذاتية ومن التجربة الفردية في الحياة. مواضيعها عديدة ومتنوعة كحياتها تغترفها من قاع المجتمع، وتعكس في عموميتها التمسك بالمنابع والتربة والوفاء لذكريات الصبا والطفولة.
وأشار في تقديمه للكتاب إلى أن أعمالها التصويرية مفعمة بتيمات بسيطة ومبسطة تمتحها من الطبيعة والأرض ومعالم البيئة الحيّة: الحدائق، المزهريات، وجوه آدمية تتسلى داخل بساتين ملونة بملامح وسحنات شبه تجريدية متحولة ومؤسسة على إيقاع الألوان الشفيفة والكثيفة المؤسّرة بخطوط إحاطة، مبرزا أن الفنانة كنزة تستعمل اللون كقيمة حسية للتواصل والتخاطب والحوار، وكثيرا ما تتملكها الألوان على غرار ما استنتجه بول كلي P. Klee. المادة اللونية، إذن، هي لعبتها وأفقها الجمالي الذي يمنحها الإمكانيات الكاملة لشغل المساحات والكتل بسحنات تعبيرية عالية وتحويلها إلى رؤية ذاتية عابقة بالمشاعر والأحاسيس.
في حين كتب الدكتور نورالدين الدنياجي أن هذا المؤلف الصباغي يمكن اعتباره "فتحا في مجال الدراسات النقدية التشكيلية، وهو حلقة فريدة ستضيف - لا شك - الجديد في هذا المجال ليس فقط بتناوله لتجربة هذه الفنانة، ولكن بمنهجه في التحليل والدراسة والتركيب، وأيضا بهذا الفيض من المصطلحات النقدية المهمة، وبذلك الأسلوب الجمالي الشيق الذي أعتبره لوحة فنية جمالية تضيف هالة روحية استطيقية على الأعمال قيد الدراسة، ويجعلك تحلق في الفضاءات الروحية، والتأملات الصوفية، والأبعاد الوجدانية الذوقية، ويمدك بآليات جديدة في تأمل ودراسة وتذوق الفن التشكيلي".
وعلى مستوى آخر، عتبر الدكتور الحبيب ناصري في تقديمه للمؤلف أننا أمام رؤية معرفية، هادمة للحدود الفاصلة بين الخطابات الإبداعية. كتابة على هامش كتابة، رؤية جمالية على هامش رؤية جمالية أخرى. شطحات صوفية مولودة من رحم أعمال كنزة، شطحات صوفية معرفية مولودة من ذاكرة هذا الباحث/الناقد/الإعلامي، الذي يلامس خبايا الأشياء ببصمته الفنية والجمالية.
وأضاف، أن تكتب عما كتبه الدكتور عبد الله الشيخ، وعن المبدعة كنزة، معناه أنك أمام لوحة مولودة من رحم لوحة أخرى. القاسم المشترك بين العملين، متعة التلقي، ومتعة البحث عن كتابة ثالثة على هامش الكتابتين الأوليين...أي كتابة كنزة بجمالية ألوانها وبعدها الفطري العميق، الممسك بسر من أسرار فهم خوالج النفس... وكتابة الأكاديمي الدكتور عبد الله الشيخ. هنا يصبح مقدم الكتاب في حالة "تلبس" فني، أي أنه مطالب هو الآخر بأن يركب سفينة هذه الرؤية الإبداعية".
من جهته، أبرز الناقد الهولندي، فيليب مارك سيلبير نبيخ، في تقديمه لمؤلف "عين القلب" أنه لاحظ تطورا مدهشا في أعمال الفنانة كنزة المكداسني من التشخيص إلى التجريد. فألوانها فاتنة، ودقيقة، ولطيفة، وعجائبية. وهي ألوان جعلت منها فنانة ملونة بارعة . لوحاتها الناعمة ذات انسجام بالغ ، وتبرز أشكالا طبيعية كالزهور، والحيوانات، والنباتات، وأحيانا وجوها نسائية داخل اللوحة أو فراشات. لقد أصبح عمل كنزة أكثر نضجا وانسجاما. فمنذ عام 2010، قامت بعدة خطوات متقدمة، حيث خلقت جوا فردوسيا طافحا بالحب. إن لهذه الفنانة العصامية أسلوبا شخصيا وأصيلا، حيث أصبحت شخصية منفردة ذات أسلوب مختلف عن الفنانين الآخرين. فأنا دائما في حالة فضول لتتبع تطور عملها الفني في المستقبل.
منقول