ملك الفقراء، ملك الشباب، الملك النشيط، الملك الكتوم، الملك الإنسان، ملك العهد الجديد...كلها صفات أطلقت على محمد السادس عقب توليه الحكم بعد وفاة والده الذي حكم المغرب بقبضة من حديد.
محمد السادس فاجأ المنظرين والباحثين بأن قلب توقعاتهم بشأن ضعف خبرته في الحكم، وإدارة الأمور السياسية، حيث لم يكن والده الحسن الثاني يشركه في هذا الأمر وكان يقرب إليه أشخاصا آخرين من قبيل إدريس البصري خادمه المطيع.
فاجأ محمد السادس هؤلاء وبدأ يتبين مع مرور الوقت أن الملك الشاب ورغم اتصافه بالخجل والتواضع فالأمر لا يسلم من غضبات يطيح فيها حتى أقرب المقربين منه، و لا من ملاحظات تخرجه عن صمته.
عندما صعد محمد السادس إلى الحكم، بشر بأن المغرب دخل عهدا جديدا وأن إلى جانب صفته كملك وكأمير للمؤمنين فهو حامي الحريات.
حماية الحريات هذه تمثلت في جو من التعبير الحر الذي لم يعهده المغرب من قبل، والذي لم يكن يجرؤ على الحديث عن وزير فما بالك بالملك والعائلة الملكية. فتنافست الصحف المستقلة في الكشف عن خبايا العهد القديم والحديث عن المعتقلات السرية، وإجراء مقابلات مع معتقلين سياسيين من بينهم من شارك في الإطاحة بالحسن الثاني فكان أن بقي عشرين سنة في معتقل وصف بالجهنمي مثل معتقل تزمامارت.
ولم تكن الصحف وحدها من نقل هذه الأحداث التي كانت حبيسة الكتمان في الماضي، بل حتى السينما المغربية أنتجت أفلاما تتحدث عن هذه الحقبة وعن السنوات التي توصف بسنوات الجمر أو سنوات الرصاص، وخرجت إلى الساحة الثقافية المغربية كتب لمعتقلين سياسيين يتحدثون عن أشكال التعذيب التي تلقوها في معتقلات البصري وإخوانه.
ولم تكن فقط أشكال التعذيب والاعتقال ما امتلأت به الجرائد في بداية حكم الملك الشاب، بل حتى صوره الخاصة وهو يمارس هواياته خاصة المفضلة منها مثل ركوب البحر، أو صوره مع عائلته، بدأت غزو ساحة البيع بعد أن كانت الصور الرسمية للملك الراحل ما يمكن تداولها.
أشياء تبدو حاليا بسيطة لكنها في بدايتها كانت ثورة بيضاء في عالم المغاربة الذي كانت تفصل بينه وبين حاكمهم أسوار القصور العالية. ليأتي زواج الملك العلني ثورة أخرى تمرد بها على عالم البروتوكولات والتقاليد التي حرمت المغاربة من رؤية زوجات ملوكهم، لكن الملك محمد السادس أبى إلا أن يقوم بخطوة أحدثت جدالا وقتها وباتت الآن ف يحكم العادة، ولم يكتف فق بالإعلان عن زواجه واتباعه تقاليد زواج أي شاب مغربي من الإعلان عن الخطبة وبعدها عقد القران، بل نقل مراسيم وطقوس عرسه مباشرة على القنوات التلفزية، مظهرا كل عائلته الملكية تتحلق حوله وحول زوجته ابنة الشعب كما يطلق عليها والتي لم يخترها من بين الأميرات بل اختارها من بين أفراد شعبه ليلق عليها لقب أميرة وتتربع ملكة على قلبه.
حتى الحياة العائلية للملك اختار أن تكون على غير الحياة التي عاشها، فهو يقيم مع زوجته وابنه ولي العهد وابنته الأميرة، في إقامة ملكية بحي يضم أفراد عائلته الملكية مفضلا الإبقاء على جو العائلة وعدم التحصن بأسوار القصور كما جرت العادة.
وخارج الإطار الشخصي والعائلي للملك محمد السادس، بقي طابع التمرد الصمت لصيقا بسياساته، حيث لم يكن يتورع عن قيادة سيارته بمفرده والتجول في شوارع المدن المغربية بعيدا عن أنظار حراسه، وأصبح نموذجا لاحترام إشارة المرور التي كان يتم تجاوزها من قبل والده وحتى المسؤولين في العهد القديم، بل اختار أيضا مواصلة ممارسة هواياته في شواطئ المدن الساحلية غير بعيد عن أنظار الشعب.
محمد السادس وفي ظل تسع سنوات من الحكم، قام بإنجازات حسبت له من أبرزها أنه وبعيد توليه الحكم دعا الرموز السياسية الني تم نفيها قصرا أو اختارت المنفى إلى العودة إلى المغرب ومن بينهم اليهودي ابراهام السرفاتي الذي نادى بالجمهورية المغربية وباستقلال الصحراء، والفقيه البصري الذي اتهم بمحاولة قتل الملك الراحل وحكم عليه غيابيا بالإعدام، وأبناء المهدي بنبركة أستاذ الحسن الثاني والاشتراكي الذي نادى بالإطاحة بالحكم الملكي، وأبناء أفقير المتهم بقتل بنبركة وبالإشراف على محاولتين انقلابيتين ضد الحسن الثاني.
إضافة إلى العائدين تم رفع الإقامة الجبرية عن زعيم جماعة العدل والإحسان المناهضة للنظام الملكي والمنادية بقيام الخلافة الإسلامية.
وقد توج الملك محمد السادس هذه السياسة بعزل خادم والده إدريس البصري عن منصبه الذي بقي فيه 25 سنة وتتم محاكمة ذيول البصري من أصهاره وأتباعه.
إضافة إلى هذا قام محمد السادس بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة وفتح ملف حقوق الإنسان وإقفال المعتقلات السرية وتعويض الضحايا.
-فتح أوراش كبرى همت الطرق السيارة والموانئ والمطارات وعددا من مشاريع البنى التحتية.
- الإشراف الشخصي على هذه الأوراش، وقيامه بزيارة ميدانية لمناطق لم يصل إليها ملوك سبقوه ولا المسئولون.
-إقرار قانون جديد سمي بمدونة الأسرة أصبحت بموجبه المرأة المغربية قائمة على شؤون الأسرة مثلها مثل الرجل بعد أن كانت في نظام الأحوال الشخصية توصف بالتابع له.
-منح المرأة المغربية حق تجنيس أبنائها من زواج مختلط.
-الالتزام بتوقيت الانتخابات التشريعية وتراع مستوى التزوير فيها وتحقيق انتخابات تشريعية وصفت من قبل المراقبين الدوليين النزيهة رغم ضعف الإقبال على الانتخابات الأخيرة.
- إطلاق مبادرة التنمية البشرية واستمرار إعطاء الأولوية للمسألة الاجتماعية التي يتابعها الملك بنفسه.
-إقرار مشروع للحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء.
-وضع تقرير الخمسينية الذي قدم تقييما شبه موضوعي عن أحوال المملكة خلال نصف قرن الماضي.
-استمرار سياسة الانفتاح السياسي والإعلامي واشتغال الملك مع وزيرين حزبيين هما عبد الرحمان اليوسفي وعباس الفاسي الذي عين وزيرا أولا لأن حزبه حصل على أكبر المقاعد البرلمانية في انتخابات 2007 التشريعية.
إنجازات هامة قام بها محمد السادس توضح سياسة الحكم التي اختارها لكنها لاتزال تصدم بعدة عوائق من أبرزها، الفقر، والأمية، وضعف نظام التعليم، ومحاكمات كثيرة للصحفيين، واستمرار التعذيب في مراكز الشرطة، والاهتمام بالساحة الداخلية عوض الخارجية مما سبب تراجع الحضور السياسي للمغرب على المستوى الدولي
منقول