بعد مفاوضات دامت قرابة ثلاثة أشهر، تم أمس الخميس بالرباط تنصيب الحكومة الجديدة التي عرفت انضمام وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار، خلفا لوزراء حزب الاستقلال الذين كانوا قد أعلنوا استقالتهم.
ومع الإعلان عن النسخة الثانية من الحكومة، التي أكملت ثلث ولايتها تكون مرحلة جديدة قد دخلتها التجربة الحكومية، عنوانها الأبرز إعطاء دينامية ونفس جديدين للبرنامج الحكومي.
وعلى غرار النسخة الأولى، فإن النسخة الثانية من هذه الحكومة أمامها تحديات عديدة، وإن بقيت هي نفسها، فإنها أصبحت محاطة بوضع إقليمي متفجر وبأزمة عالمية حادة وبارتفاع سقف المطالب الاجتماعية، مما يفرض عليها أداء مهامها على الوجه الأمثل عبر تنزيل مقتضيات الدستور الجديد والعمل على مواكبة المستجدات، التي جاء بها، وبالتالي ممارسة صلاحياتها الدستورية على الوجه المطلوب لترجمة الانتظارات الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والشغل والعدالة الاجتماعية والقضاء.
وباستحضار الإكراهات التي واجهت التجربة الحكومية السابقة ووقع الخلافات التي حصلت في صفوف الأغلبية، فإن أهم تحد ستواجهه هذه الحكومة يرتبط بالجانب السياسي، حيث يرى الأستاذ والمحلل السياسي ميلود بلقاضي، أن الجهاز التنفيذي مطالب بضمان الانسجام سواء داخل مكوناته أو على مستوى أغلبيته البرلمانية، وبالاهتمام بالشأن السياسي العام عوض تدبير أزماته الداخلية، فضلا عن أنه مدعو إلى إعطاء الدليل على أنه جاء لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة وترسيخ قيم الحكامة والشفافية.
وفضلا عن التحديات ذات الطابع السياسي، فإن رهان تفعيل دستور 2011 خصوصا إخراج مشاريع القوانين التنظيمية يبقى قائما وملحا في ظل قلة مشاريع القوانين التنظيمية، التي تمت المصادقة عليها لحد الآن، وهو ما يستوجب على الجهاز التنفيذي، كما أكد على ذلك بلقاضي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، الرفع من وتيرة الأداء بإخراج المشاريع المهمة ومن بينها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهوية الموسعة، الذي سيساهم في ترسيخ سياسة القرب وقيم اللاتمركز واللاتركيز وإفراز نخب جهوية ومحلية وتحميل المسؤولية للمجالس الجهوية لتحقيق التنمية الجهوية للمغرب كخيار استراتيجي للدولة المغربية.
وإلى جانب الورش المتعلق بالجهوية يبقى إخراج القوانين المتعلقة بالانتخابات الجماعية والجماعات الترابية من أهم الأوراش كذلك بالنظر إلى الحاجة حسب بلقاضي - الى ضرورة توحيد القوانين المنظمة للانتخابات على كل المجالات، فضلا عن أهمية تفعيل الفصل 82 المتعلق بفصل السلط وفي مقدمتها السلطة القضائية وإخراج القوانين المتعلقة بالخصوص بالمجلس الأعلى للحسابات وبالجماعات المحلية وبالمناصفة.
وإذا كانت هذه الترسانة من القوانين تتطلب حكومة قوية تمارس مسؤولياتها الدستورية بمقاربة تشاركية وتضامنية منفتحة على الجميع، فإن هناك رهانا آخر ذا طابع حزبي ونقابي، حيث ستجد الحكومة نفسها في مواجهة المعارضة.
ومن بين أبرز الإكراهات التي ستواجهها الحكومة ما يهم الشأن الاقتصادي خاصة في سياق تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي هذا السياق أكد الخبير الاقتصادي وأستاذ المالية العامة والضرائب بجامعة محمد الخامس بالرباط، محسن العرافي، أن "الحكومة ستواجه إكراهات اقتصادية عديدة، خصوصا أن ولادتها تزامنت مع إعداد مشروع قانون المالية للسنة المقبلة".
وأضاف في تصريح للوكالة أن تحديات الحكومة تتمثل، أيضا، في تفاقم العجز الذي تعرفه التوازنات المالية والاقتصادية "، خصوصا أنه ليس في الأفق القريب ما يؤشر على تجاوز هذه الوضعية، رغم المجهودات التي تبذلها الحكومة"، مذكرا بمبدأ المقايسة في تحديد أسعار المواد البترولية و"الذي يعد خطوة في مسار إصلاح صندوق المقاصة".
وارتباطا بنظام المقايسة، أكد الأستاذ العرافي، أن الحكومة ستكون مطوقة أيضا برهان تجاوز ثقل نفقات المقاصة "التي فاقت لأول مرة الموارد المالية المخصصة لميزانية المخصصة للاستثمار، وهو ما يجعلها في موقف صعب خاصة إذا ما تمت إضافة المشاكل المرتبطة بالجوانب الهيكلية في الاقتصاد الوطني رغم كون هذه الجوانب غير مرتبطة بالحكومة الحالية بل تراكمات تعود لسنوات"، مشيرا إلى أن الحكومة ستكون مجبرة على القيام بمجهودات استثمارية جبارة، مذكرا بالتداعيات والانعكاسات التي يمكن أن تنتج عن قرار خصم 15 مليار درهم من النفقات المخصصة للاستثمار، الذي كانت قد اتخذته الحكومة خلال هذه السنة.
وبعد أن استحضر بعض المؤشرات التي ساقتها التقارير الصادرة عن بنك المغرب أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي وكذا المندوبية السامية للتخطيط والتي تحتاج إلى تحسين، أكد أن تطوير هذه المؤشرات يتطلب المراهنة على الاستثمار العمومي والرفع من الاستثمارات الخاصة، وذلك عبر جلب الاستثمارات الخارجية.
وسيكون على الحكومة الجديدة الأخذ بعين الاعتبار الأوراش الإصلاحية الكبرى التي كانت قد وعدت بها سابقتها، وفي مقدمتها إصلاح صندوق المقاصة الذي يمثل عبئا على نفقات الدولة، وكذا إصلاح أنظمة التقاعد، خصوصا بعد تأكيد المجلس الأعلى للحسابات على ضرورة التعجيل بالقيام بمسلسل من الإصلاحات العميقة لنظام التقاعد.
وإلى جانب هذه الرهانات، فإن الرفع من قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص الصدمات الخارجية والتأقلم مع تغيرات المحيط الدولي والاستفادة من الفرص التي توفرها تلك التغيرات يبقى - كما أكد على ذلك التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2012 - رهانا أساسيا يتطلب ضرورة إعطاء دينامية جديدة للنمو من خلال دعم حكامة الاستراتيجيات القطاعية والتموقع الدولي عبر العمل على الاستفادة، إلى أقصى حد، من المؤهلات المتمثلة في الموقع الاستراتيجي للمغرب وعلاقاته المتميزة مع مختلف شركائه الاقتصاديين، وتشجيع الاستثمارات الخارجية المباشرة، عبر تتبع استراتيجيات المقاولات الدولية وضمان موقع المغرب على صعيد القيم العالمية. الرباط (و م ع)
منقول