لعل الكثير من المغاربة لا يعرفون اسم "نادية البرادلي" ولا يعيرون أهمية لقصتها التي تشبه إلى حد كبير أفلام "الأكشن" الأمريكية؛ وهي التي استَهوتها فلسطين حتى كادت أن تنال لقب "فدائية" إلى جانب الكثير من الفلسطينيات؛ لولا أن دارَت بها الدوائر وافتُضح أمرها قبل تنفيذ ما كانت تدبّر له.
نادية.. قصة حب وتضحية
هي مغربية الأصل والنشأة، فلسطينية الهوى، أدارَت ظهرها لكل مظاهر التَّرف والغنى لتختار أن تصبح "فدائية عربية تضع حياتها ثمناً للقضية الفلسطينية"..
تعود قصتها إلى الحادي عشر من أبريل عام 1971، حين خططت، برفقة شقيقتها غيثة البرادلي وثلاثة فرنسيين آخرين، للقيام بـ "عملية فدائية" سَعَوا من ورائها إلى تفجير تسعة فنادق دفعة واحدة وسط مدينة " تل أبيب "، لكن، وبمجرَّد وصولها مرفوقة بأختها إلى مطار "اللَّد"، الذي يبعد عن تل أبيب بعشرين كيلومترا، حتى اكتُشِف أمرهما وعُثِر بين أمتعتهما على مساحيق شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التدمير، لتُلقي أجهزة الأمن الإسرائيلية القبض عليهما، وتقضيا سنوات من عمرهما في السجون..
من البداية..
ولدت نادية البرادلي عام 1945 بالمغرب، وتابعت دراستها في الفلسفة والآداب بجامعة السوربون، واطَّلعت على القضية الفلسطينية وما تُمارسُه "إسرائيل" بحق أبناء الشعب الفلسطيني من ظلم واحتلال عن طريق بعض أصدقائها الفلسطينيين الناشطين، لتقتنع بعدها بضرورة نصرة الشعب الفلسطيني ودعم حقه في الحرية..هدف اختارت لتحقيقه اقتحام "إسرائيل" وتنفيذ "عملية فدائية" دعما للثورة الفلسطينية.
وفي الحادي عشر أبريل عام 1971 وصلت إلى مطار "اللد" الإسرائيلي بجواز سفر فرنسي مزور تحت اسم "هيلين ماترين" برفقة شقيقتها الصغرى، ليتم العثور بين أمتِعتهما على عتاد العمليّة الذي كان معدا بشكل محكم داخل تجاويف الأحذية ووسط مساحيق تجميل وملابس.
جحيم الاعتقال..
اعتُقلَت نادية برفقة شقيقتها، حيث تعرضت الأختان لصنوف مختلفة من التعذيب لبضعة شهور داخل غرف انفرادية معتمة، لتصدر بعدها إحدى المحاكم الإسرائيلية حكماً بسجنها لمدة اثنتي عشرة سنة، وسجن شقيقتها لمدة عشر سنوات، وتم الإفراج عنها بعد مرور ثلاث سنوات من الاعتقال جراء تدهور وضعها الصحي وإصابتها ببعض الأمراض.
نادية لبرادلي أُبعِدت عن السجن "الإسرائيلي" عبر طائرة توجَّهت بها إلى العاصمة الفرنسية باريس، في حين بقيت شقيقتها وراء القضبان، وبعدها توجهت إلى لبنان، وعملت مع الثورة الفلسطينية قبل أن تتزوج بأستاذ جامعي فلسطيني يُعتبر من نشطاء "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
تقول نادية في إحدى المقابلات معها "بعد إطلاق سراحي، توجهت إلى لبنان حيث وجود المقاومة الفلسطينية، ومكثْتُ هناك سبع سنوات، فقد خرجت من السجن وأنا أكثر إصرارا من ذي قبل على مواصلة النضال... لعل معايشتي اليومية للفلسطينيات في السجن كانت وراء هذا القرار، فقد عرفت منهن حقائق كثيرة أجهلها". وتُضيف: "عندما خرجْت من السِّجن كنت ممزقة للغاية، ولا أنسى أبدا وجوه وأصوات الفتيات وهن ينادين علي: ناديه تشجعي، كما أنني تركت أختي في السجن ولم تخرج منه إلا بعد ذلك بعامين، وقد عُدت إلى المغرب قبل غزو إسرائيل للبنان بشهر واحد"...
وداعا نادية..
بعد سنوات من عودتها للمغرب واستقرارها فيه، وعملها في الصحافة والإعلام، خطف الموت هذه المغربية الشجاعة التي امتلكت جرأة اقتحام "إسرائيل" في صيف عام 1995 ، متاثرة بالأمراض التي ورثتها عن السجون الإسرائيلية أثناء فترة اعتقالها ..يقول عنها عبد الناصر فراونة مدير دائرة الإحصاء بوزارة شؤون الأسرى والمحررين بفلسطين: " نادية فدائية من طراز خاص، تعكس حالة وحقيقة المرأة المغربية ومُشاركتها الفاعلة في النِّضال الوطني والقومي وفي الشأن السياسي والدبلوماسي، لتذكرنا بكوكبة من المغربيات اللواتي كان لهنَّ بصمات واضحة في كافة المجالات وعلى كافة الصعد أمثال فاطمة الفهرية التي تعتبر أول امرأة أسست جامعة في العالم بأسره اسمها جامعة القرويين، وبالرياضية نوال المتوكل التي فازت بالميدالية الذهبية في الألعاب الأولمبية بلوس أنجلوس سنة 1984، والفلكية المغربية مريم شديد التي وصلت إلى القطب الجنوبي المتجمد، والطيارة الشابة ثريا الشاوي والسيدة سعيدة عباد أول امرأة تقود القطار في العالم العربي".
منقول