بالرغم من أن أجندة الملك محمد السادس مثقلة بالمهام والمواعيد، فإنه يستفيد من فترات عطلة واستجمام ويبرمج زيارات وسفيرات خاصة إلى الخارج قصد الراحة، وحده أو رفقة عائلته الصغيرة إلا أنه لازالت ظروف السفريات الخاصة للملك إلى الخارج والأماكن التي يزورها ويقيم بها هناك محجوبة عن وسائل الإعلام الوطنية
فكلما رأيت صورة رسمية للملك ألاحظ أنها تحيط بهالة من الوقار والفخامة، ومع ذلك ظلت تراودني جملة من التساؤلات من قبيل كيف يتصرف ويتحرك الملك في سفرياته الخاصة إلى الخارج؟ هل يتجول مثل كل الناس؟ ويأكل هناك مثلهم؟ وكيف يقضي جلالته يومه بالخارج؟ وهل يتغير مزاجه؟ وهل.. وهل .. أسئلة كثيرة قد ترد على ذهن أي مواطن عادي فيما يخص تصرفات الملك خلال سفرياته الخاصة إلى الخارج، لكنها قد لا ترد على بال مواطن من أوروبا أو أمريكا، لأن حياة الملوك والزعماء هناك لا يلفها الكتمان والغموض، فيعلم المواطن هناك كيف يعيش الحكام والملوك والأمراء، وماذا يأكلون ويشربون ويلبسون؟ وكيف يتصرفون في عطلهم؟وما هي وجهة سفرياتهم الخاصة وتحركاتهم غير الرسمية طوال السنة، وأحيانا كثيرة مسبقا قبل وقوعها
فالملك أو الرئيس في أوروبا أو أمريكا لا تحيط به الهالة الكبيرة مثل تلك التي تحيط بالزعيم العربي عموما.. فقد شاهدنا على شاشة التلفزيون الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون، وهو يعزف على آلة الساكسفون، والرئيس الروسي بوتين يرقص، والرئيس شافيز يلعب كرة القدم، والرئيس الصيني يشارك في مباراة كرة الطاولة مع إحدى الشابات.. فكم من مرة شاهد العرب زعماءهم في مثل هذه الأوضاع إن هاجس معرفة تفاصيل عن الحياة الخاصة لملك المغرب ظل حاضرا باستمرار، فهل يتصرف محمد السادس تصرفا عاديا مثل أي إنسان خلال سفرياته الخاصة بالخارج
لقد ظلت المعلومات المرتبطة بالزيارات الخاصة للملك في عهد الراحل الحسن الثاني حبيسة الكتمان، لكن بدأ الأمر يتغير شيئا ما في عهد ابنه الملك محمد السادس، حيث أضحت تتسرب مجموعة من المعطيات بهذا الخصوص، ورغم نشرها من طرف وسائل الإعلام الأجنبية أو الوطنية لم يعد يشعر البلاط بأي حرج خلافا لما كان سائدا قبل 1999
قد يبدو هذا التغيير بسيطا للغاية، لكنه بمثابة "ثورة بيضاء" في عالم المغاربة الذين كانت تفصل بينهم وبين الملك، القيم على أمورهم، أسوار القصور العالية في عهد الراحل الحسن الثاني وعهد والده الراحل محمد الخامس، إنها "ثورة بيضاء" ضد مجموعة من قواعد البروتوكول والتقاليد والأعراف التي حرصت على حرمان المغاربة من تتبع الحياة الخاصة لملكهم وللأسرة الملكية وكانت انطلاقة هذه "الثورة البيضاء" بإعلان محمد السادس عن زواجه مظهرا كل عائلته الملكية، مفضلا الإبقاء على جو العائلة وعدم التحصن بأسوار البلاط كما كان يفعل والده الراحل فمن المعروف أن الزيارات والسفريات الخاصة للملك لا يصدر بخصوصها أي بلاغ رسمي من وزارة القصور والأوسمة، إذ ناذرا جدا ما يتم إخبار المغاربة بمثل هذه الأحداث وبوجهة الملك الخاصة خلال عطله ومدتها، وقد سبق لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة أن صرح أن الملك من حقه الاستفادة من إجازته وأنه ليس من واجب الحكومة الإعلام عن هذه العطلة من خلال بيان رسمي
لكن ما لا يستسيغه العديد من المغاربة هو أن يعلموا بزيارات وسفريات الملك الخاصة إلى الخارج بفصل الصحافة الأجنبية ووسائل إعلامها المرئية، علما أن الأمر ظل على هذا المنوال على امتداد عقود، إذ جرت العادة أن كل ما يهم المغرب والمغاربة من أمور ساخنة وهامة يتم الكشف عنه أولا خارج المغرب ومن طرف جهات غير مغربية، وقد حان الوقت لتغيير هذا الوضع ما دام الجميع بالمغرب أضحى ينادي بإلحاح بضرورة اعتماد الشفافية
يقول الباحث محمد الناجي، صاحب كتاب "الرعية والملوك" :" إن الملك محمد السادس أضحى أقل تكتما على حياته.. علما أن الحجاب عنصر أساسي في النظام الملكين ويعتبر من ميكانيزمات هيمنة المؤسسة الملكية. فالملك، وفقد التصور المعتاد، أقرب إلى الله منه إلى الإنسان، والحجاب يهدف إلى ترسيخ هذا التصور في العقلية الجماعية ولعل هذا المنحى ساهم في التسامح
منقول