التقيتها بـ"الطرامواي" حيث تبادلنا النظرات، اقتربت منها قليلا.. "أكلمها أم لا؟ لا، بل سأفعل ولن أتراجع. هيا تشجع! لكن كيف وماذا سأقول لها؟ هل أتركها تذهب؟ لا طبعا.." كانت هذه المحادثة تدور بيني وبين نفسي قبل أن أتشجع وأقول لها مرحبا.
انجذابي لها
كانت تبدو على الشكل الذي أحب، شابة مغربية في مقتبل عمرها لا تزيغ بعينيها الجميلتين هنا وهناك.. هادئة تنتظر وصول الطرام إلى المحطة القريبة من مكان توجهها. رأيت فيها صورة الفتاة الجدية المحترمة، التي تصلح للإرتبط بها.. إذ قررت لتوي أن أمتلكها لتكون لي. أجابت مرحبا، ففاتحتها في الموضوع بدعوى أنها أعجبتني وأنني جدي في ما أقول. فترددت بعض الشيء لتنتهي بإعطائي رقم الهاتف.
بعد أيام قليلة فقط من لقائي بها رأيتها مع شخص آخر في وضعية حميمية يتبادلان القبل. مع العلم أنها لم تحب لقائي في الشارع للتعرف عليها بدعوى أن ذلك حرام وغير جائز، وأنه من يريدها فعلا عليه مفاتحة أبيها في الموضوع! فتعجبت لأمرها وتناقض كلامها مع أفعالها.
أفكار مغربية افتراضية
علق الصديق المغربي الأصل الذي يحمل على موقع تويتر اسم "لو سبيسياليست" في دردشة حول هذا الموضوع: "أنا أعرف كثيرا ما يدور هنا بهولندا، لأنني ولدت وترعرعت بها. لدي تجارب كثيرة مع الفتيات "آ البراضا" (يعني بها أخي)، فهناك من تضع الحجاب تلبية لرغبة أبيها وهناك من تضعه للتجمل به، وهناك من تضعه للخروج به من البيت فقط، لكن حينما تبتعد عن البيت بضع أمتار فقط فهي تخلعه لتصير جميلة "زعما" أو مندمجة مع المجتمع." وقال إنه يفضل أن يرتبط بشابة لا ترتدي الحجاب وهي "كوركت" -معقولة- في تصرفاتها على أن يرتبط بتلك التي هي محجبة من الفوق لكنها "سيكسي" من الأسفل أكثر من المتبرجة على حد تعبيره.
المجتمع الهولندي
المجتمع الهولندي هو مجتمع متعدد الثقافات. متسامح ومتحرر إلى أقصى الحدود، حيث يمكنك أن تمارس حريتك بالشكل الذي يبدو لك مناسبا في هذه البلاد. ويعد تبادل القبل بين العشيقين الهولندي والهولندية في الأمكنة العامة مثل الشارع أو المقهى أو في وسيلة من وسائل النقل أمرا عاديا للغاية، الشيء الذي يعتبر موجودا أيضا في حياة المهاجرين لكن بشكل خفي وسري خوفا من أن يلمحهم أحد من العائلة أو الأقارب أو بعض معارفهم.
نسرين: الذكور ليسوا ملائكة
تقول نسرين شابة مغربية مقيمة في هولندا في الأربعة والعشرين من عمرها: "ليس كل البنات يتشابهن، وليس الحجاب معيارا للقياس خصوصا هنا في هولندا. فالمسألة مسألة قناعات ومبادئ ولا علاقة لها بلباس الفتاة." لكن نسرين ترى أن الازدواجية لا تقتصر على الفتيات: "أما عن "لو سبيساليست"، فهو يتحدث فقط عن البنات وكأن الذكور ملائكة! أنا أيضا أعرف الكثير من الشباب الذين يقومون بأعمال مشابهة أو أكثر خطورة مما تفعله البنات.. كتدخين المخدرات والذهاب إلى الحانات ليلا.. دون علم آبائهم. لكنهم في البيت أو بجانب عائلاتهم تراهم غير ذلك تماما".
تقول نسرين إن صديقتها أيضا لديها قصة من هذا النوع حيث كانت مرتبطة بشاب تحبه لدرجة الجنون، لكن هذا الأخير لم يكن يقدر شعورها وكان يقيم عشرات العلاقات الأخرى دون علمها، ولكنه دائما كان يكذب ويمنيها بأمنيات زائفة لتكتشف أنها كانت غبية أو ضحية في هذه العلاقة. وفي مقابل القصص التي يتناقلها الأولاد عن بنات محجبات لا يمنعهن الحجاب من ممارسة حريتهن في الخفاء تسرد نسرين أمثلة عن شباب مغاربة يسدلون اللحية ويترددون على المسجد ولكنهم يفعلون ما يشاؤون بعيداً عن رقابة الأهل.
مشكلة تربوية
يقول رئيس مرصد التواصل والهجرة السيد جمال ريان، أن المشكل بالدرجة الأولى هو مشكل تربوي أسروي في علاقة الآباء مع الأبناء، حيث يمكن أن تكون مسألة تضارب الشخصية عند الأبناء المغاربة هنا بهولندا وراثية أو مرضية أو يمكن أن تكون ثورة وتمرد على عادات وتقاليد لا يريد هذا الطفل أن ينهجها، لأنها تفرض عليهم أموراً تختلف عما يتلقونه في البيت أو الشارع أو في محيط الأصدقاء.. لأنهم يعيشون في بيئة تختلف كل الإختلاف عن وطن أجدادهم وآبائهم. ولكن حينما نتحدث عن الجيل الثالث فهذا يعني أننا نتحدث عن أبوين ازدادا هنا.
ويرى السيد ريان أن مسألة ازدواج الشخصية هي مسألة تربوية كما قلت حيث أن علاقة الأبوين مع أبنائهم يمكن أن تلعب دورا كبيرا في جعلهم لا يفقدون شخصيتهم أو في جعلهم يبحثون عن هويتهم. لأنه لما يتمرد عن الهوية الأصلية وبحثه عن هوية أخرى بديلة معناه أنه يبحث عن هوية لم يجدها لا في بيته ولا في مدرسته فإنه آنذاك يبقى بين بحرين، بحر تتلاطم أمواجه نحو الأصلي ونحو ما هو مسموح وما هو محرم. وبين بحر آخر لا يعرف أية قيود في مجال الحرية.
النموذج التركي
وفقاً لراي السيد جمال ريان فأن الحل لتقليص هذه الظاهرة هو وجوب إعادة النظر في العلاقة ما بين الأبناء والآباء وأنها يجب أن تكون مبنية على الصراحة، وأعطى مثالا بتجربة الجالية التركية التي وصفها بالناجحة، حيث قال بأن نسبة هذه المشاكل هي منخفضة جدا لدى الأتراك مقارنة مع المغاربة. فالمسجد التركي هو عبارة عن مركز اجتماعي ثقافي تواصلي مع كل الأجيال، والشباب التركي يجد متنفسا ليتنفس فيه كما أنه يبقى محافظا على تقاليده وعاداته. بينما نجد العكس لدى المغاربة. حيث نجد المسجد عبارة عن مسجد قروي، للصلاة وجمع الشرط، لا مسجدا متفتحا على هذه الأجيال، وحتى إذا ما أرادوا ذلك كأن يمارس الشباب فيه الأنشطة فإنه يتم طردهم. ولو أننا استفدنا من التجربة التركية لكنا خطونا خطوات من أجل علاج هذه الظاهرة أو لساهمنا على الأقل في التقليل من هذه الإزدواجية الموجودة في شخصية أبنائنا المغاربة ذكورا وإناثا.
* إذاعة هُـولندَا العالميّة.
منقول