لفت العاهل المغربي الملك محمد السادس، إليه الانظار منذ الأيام الأولى التي اعقبت توليه حكم البلاد صيف 1999، خلفا لوالده الملك الراحل الحسن الثاني. فقد بدا واضحا لأي ملاحظ وحتى للناس العاديين أن ملك المغرب الجديد حريص على انتهاج اسلوب مغاير في تسيير دفة الحكم، وفي نمط حياته وتعامله مع الناس واحتكاكه بهم، والاقتراب من مشاكلهم.
وفتحت السنوات الاولى من عهد محمد السادس، آمالا عريضة امام المغاربة، فتعاطفوا وتجاوبوا مع ملكهم الشاب، واعجبوا بسجاياه وتخليه عما كانوا يعتبرونه بعض سلبيات حكم والده. وباستحضار ما كتب ونشر وقيل في وسائل الاعلام الاجنبية، يتضح ان الخارج كانت له نفس النظرة الايجابية الى عاهل المغرب، بل ان الاجراءات والتدابير الجريئة التي اقدم عليها بخصوص حقوق الانسان، ورفع السرية عن صفحات الماضي المعتم، اضافة الى تمكين الصحافة المغربية من حرية غير مسبوقة، كلها عوامل ساهمت في اضفاء تقييم جد ايجابي على مجمل السياسات التي باشرها الملك محمد السادس.
لم تكتب حتى الآن سيرة عاهل المغرب، او لنقل ان ما تناول شخصيته واعماله لا يرقى الى مستوى السيرة وفق الاصول المتعارف عليها، فقد جرت العادة بين المؤرخين ومؤلفي هذا الصنف من الكتب، انهم لا ينجزون ذلك الا بعد توفر عناصر وشروط التعرض لمرحلة تاريخية وللفاعلين الاساسيين فيها، ملوكا كانوا أو رؤساء منتخبين لفترة محددة او زعماء سياسيين وقادة اصلاح اثروا في مسار بلدانهم وتطورها. وفي مقدمة تلك الشروط المسافة الزمنية الكافية واللازمة، لان حصيلة الحكم لا تقدم إلا في خاتمته، كما قال الملك محمد السادس نفسه، جوابا عن سؤال بهذا المعنى. واجمالا، فإن جل ما كتب وقيل حتى الآن عن الملك محمد السادس، يمكن تصنيفه ضمن دائرة الاعجاب بالملك، وتثمين اوراش الاصلاح التحديثية الكبرى التي اطلقها في البلاد. ولا يخرج عن هذا التوصيف الكتاب الذي نشره اخيرا بالفرنسية الباحث، موسى حرمة الله، الذي اشتغل بالتدريس في الجامعة المغربية قبل ان ينتقل الى وظيفة اخرى بالادارة. والكتاب الصادر في يحمل عنوان «الملك: محمد السادس او أمل أمة» يقع في 510 صفحات، بما في ذلك الفهارس والملاحق، وألبوم الصور. حاول المؤلف الاحاطة التامة بالسياسات والاصلاحات التي اعلنها الملك محمد السادس تباعا على مدى السنوات الماضية، يعرف بها المؤلف ويضعها في سياقها العام والخاص، معتبرا اياها علامة على مغرب جديد آخر هو تتمة وتحيين للشعار المماثل الذي اطلقه الملك الراحل الحسن الثاني في منتصف السبعينيات، حينما قام بانعطافة سياسية كبرى قربته من احزاب المعارضة التي كانت تنشد اصلاحات دستورية استجاب لها الملك تدريجيا وجزئيا فيما بعد، فمهدت الطريق لانتقال الملك بكيفية سلسة وهادئة من السلف الى الخلف. وهذا المعطى يؤكد عليه خالد الناصري، الباحث الجامعي وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، الذي وضع مقدمة جيدة، متحررة من اسلوب المجاملات المعتادة. فالناصري يقول ان النظام الملكي في المغرب، رغم طابع الاستمرار، هو على العكس من ذلك تماما، فالملكية تغيرت كثيرا منذ نهاية عهد الحسن الثاني، وتتغير تماما في العهد الحالي، ولذلك فإن صاحب المقدمة يوجه نداء ملحا للديمقراطيين المغاربة لكي يساعدوا عاهلهم على انجاح التحول الحاصل، و«ليس اثارة ردود الافعال الرافضة، من خلال مضاعفة التحريضات الرخيصة»، في اشارة واضحة ومقصودة من الناصري، الى كتابات عشوائية، انطباعية وانفعالية ملأت الساحة، قاربت العهد الجديد في المغرب من زاوية نظر ضيقة، إن لم نقل مغرضة، يطلقها من يصفهم الناصري بمعارضي اللحظات الاخيرة، ظلوا متوارين عن الانظار في جحورهم خلال سنوات الاحتقان السياسي في البلاد. ومن هنا لا يعتبر الناصري الكتابة عن الملك بموضوعية، محاولة للاقتراب من الحكم، بقدر ما هي واجب يمليه الحرص على استقرار البلاد حتى تتوفر كل وأحسن الشروط لمسلسل الاصلاحات، التي يمكن انتقاد ايقاعها البطيء، ولكن لا يجوز البتة نكران وجودها الملموس، وبالتالي سيكون مصابا بالعمى الحاد من يتغاضى عن الاعتراف بأن الملكية تغيرت في المغرب قولا وفعلا.
منقول