إن ما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من هوان وتكالب الأمم عليها ليس لسبب ضعف شعوبها وقلة ثرواتها ،بل نتيجة بعدها عن شرع الله،وحكمها بغير ما أنزل الله ،واستقواء حكامها بالغرب عوض الشعوب.
الدول العربية توجد في مناطق إستراتيجية في العالم ولديها من الثروات والموارد البشرية ما يغنيها عن مسح أحدية الآخرين،لكن دكتاتورية بعض أنظمتها وظلمها لشعوبها، حال دون تبوىء الأمة مكانتها بين الأمم الأخرى،مما جعلها محط أطماع الغرب ،لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد إيجاد موطئ قدم لها في هده الدول ،من أجل تأمين مصادر الطاقة والحفاظ على مصالحها ومصالح إسرائيل ،فخدع العرب والمسلمين بشعار الديمقراطية والحرية الذي رفعته أمريكا، الشيء الذي أمكنها من دخول عدد من الدول ،لكن مع وجود عدة معيقات ومعارضين للسياسة الأمريكية داخل هذه البلدان، دفع بهذه الأخيرة الى تغيير خططها والدخول بمصطلح محاربة الإرهاب الذي يهدد الكيان الأمريكي وحلفاءه في المنطقة خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر المفبركة ،هده الأحداث قلبت كل موازين القوة في العالم ،فسهلت غزو أفغانستان والعراق،والضغط على الدول المارقة أمريكيا للرضوخ لمطالب القوى الإمبريالية المتسلطة.
فتقسيم السودان إذا ليس إلا مخطط صغير من المشروع الصهيوأمريكي، أو ما سمي بمخطط الشرق الأوسط الكبير،الذي لن يقف عند تقسيم السودان فحسب ،بل سيمتد هذا الإخطبوط الصهيوني إلى كل الدول ألإسلامية عبر دعم الأقليات العرقية في هذه الدول انطلاقا من مركزه الجديد بجنوب السودان ،ومنه إلى باقي دول شمال إفريقيا نظرا للموقع الإستراتيجي لهذه الدول، الذي يحظى باهتمام كبير من طرف القوى الاستعمارية الجديدة،ودالك لوجوده على الطريق بين أوروبا وإفريقيا.
لكن ما وقع في تونس بعثر أوراق هذا الكيان،وفرض عليه ترتيب أوراقه من جديد ،لأنه فهم أن أنظمة الاستبداد باتت تشكل خطرا على تواجده بالمنطقة بعد غليان شعوبها، وبالتالي لا يمكن استمرارها،فلابد من النهوض بالأوضاع الاجتماعية والقيام بإصلاحات جذرية في مجال الحريات وحقوق الإنسان لضمان مصالحه ،وهدا ما يظهر جليا في موقف أمريكا حيال الأوضاع الغير مستقرة داخل تونس ومصر والجزائر،فلابد لهده الدول التعجيل بهذه الإصلاحات الأمريكية ، وإلا فإن حال بنعلي والسودان ليس عنهم ببعيد ،فيمكن أن نسمع عما قريب بدولة أمازغية في الجزائر،وتغيير لنظام مبارك في مصر، أو قلب لنظام مجنون ليبيا.
فهذه المعادلة الجديدة التي ينهجها الكيان الصهيوأمريكي المتمثلة في تخويف الأنظمة بالشعوب، يمكن أن تنجح في بعض الدول في شمال إفريقيا كالجزائر وليبيا ومصر، لأن أنظمتها ليس لها أي مشروع حضاري ولا اقتصادي ولا تنموي ،فهاجسها هو الأمن فقط ،أمن نظامها طبعا لا أمن شعوبها، وتريد القضاء على شعوبها من أجل البقاء في الحكم وتوريته، ولو تحت سيادة الغرب، أما بالنسبة للمغرب الذي يتمتع بنوع من الاستقرار،وملكية دستورية قوية،من الصعب أن تنتقل إليه هذه العدوى ،ودالك لانخراط المملكة في مجال التنمية البشرية عبر برامج ناجحة ،وتبني المغرب لمشروع حداتي تقدمي تحت قيادة عاهل البلاد حفظه الله،رغم بعض المعيقات، كالفساد الإداري، والرشوة المتفشية في جل القطاعات الحيوية،والاستعمال المفرط للسلطة من بعض الدوائر،وكذا استغلال بعض المتمسكين بزمام الأمور في دواليب السلطة لهدا الإجماع الوطني، من أجل توجيه الدولة إلى علمانية طاغية.عبر التضييق على الأحزاب الإسلامية ومعاداة التعدد السياسي ، وابتلاع الحزب الجديد لعدد من الأحزاب الصغيرة ، من أجل تكريس هيمنة الحزب الواحد الذي يروم إلى السيطرة على جميع مراكز القرار في البلاد ،مما يعمق الهوة بين الأحزاب، وهذا ما لا يندر بخير، لأن هذه المقاربة التي ينهجها هؤلاء المغيرين لمعاطفهم لن تزيد الطين إلا بلة ،وما وقع في مدينة العيون مؤخرا خير دليل على دالك.
ولأجل نجاة هؤلاء الحكام يجب أن يغيروا ما بأنفسهم، وذالك برد الاعتبار لشعوب لطالما عاشت القهر والديكتاتورية باعتماد إجراءات استباقية وتبني مقاربة جديدة في مجال التنمية البشرية والنهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية لشعوبها،من أجل بناء دولة المؤسسات ،دولة الحق والقانون،دولة كل المواطنين، لا دولة أجهزة أمنية وحزب واحد.
وفي الأخير نسأل الله تعالى أن يقر أعيننا بنصر أمتنا الإسلامية.ووحدتها وقوتها،وأن يبدل هواننا على الناس عزا ونصرا،إنه على كل شيء قدير.
الكاتب : مبارك السمان