عدد الرسائل : 190 العمر : 44 Localisation : السعوديه . : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 5873 خاصية الشكر : 0 تاريخ التسجيل : 14/04/2010
موضوع: مشاعر في أحضان المطر الخميس 30 ديسمبر 2010, 19:45
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد
فما كنت لأكتب عن المطر وأنا لم أر مشهده ولم أتذوّق لحظته من زمن ، غير أنه هتف اليوم بالأرض معانقاً بعد طول غياب فتجردت لحظتها من ثيابي وخرجت إليه فرحاً معانقاً له قبل عناق الأرض تتبعاً لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فقد كان يفعل ذلك ويقول " إنه حديث عهد بربه " فطول الغياب أجبرني على عناق الضيف ، وخرجت وأنا أتلذذ معنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم " إنه حديث عهد بربه " وامتدت بي الأشواق وأنا على دكة بابي أتأمل الأرض وهي تبتسم لقدوم حبيبها بعد طول غياب ، ومضيت أمشي على الأرض ، وأخذت أبعثر ترابها فإذا به ممتلئ من مشاعر الأفراح يكاد يبعث الأشواق حديثاً وهو لا يتكلم ! وأدركت تلك اللحظة أنني أنا والمطر مثل الأرض في الفرح لا فرق ، وقد هزني الشوق لدرجة البكاء للنعمة وهزتني في المقابل ذكرياتي بالأمس وهي تتجدد اليوم في رحلة صغار قريتي وأنا أراهم يتسابقون في شوارع تلك القرية ، ويهتفون بالأشواق ، ويأخذون من تراب الأرض ويضعون على أجسادهم لهفة للثرى ، وتعبيراً عن أشواق المطر ، ورحلة حب يبعثها الحديث في قلوب الصغار ..
وكيف لا أجد هذه المشاعر وربنا تعالى وهو الذي خلق المطر هو الذي سماه رحمة وأودع فيه الحياة للأرض في قوله تعالى " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " .
إن الله تعالى أنزل علينا اليوم المطر بعد تلك المسافة الكبيرة في قلوبنا من القنوط ليبعث في نفوسنا الأمل بعد اليأس ، والفرح بعد الألم ، والفرج بعد الشدة ، تراه هنا يؤكّد على ذلك بقوله " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " فكم بين القنوط والرحمة من مسافة يقاربها المطر هذه اللحظات ، ويلاحم بين شتاتها ، ويجمع بين فرقتها واقعاً في الأرض والقلب في آن واحد ؟! أما إن المطر اليوم يبعث ّرسالة مشاعرية لكل مصاب يذكره فيها : أن القنوط لا أرض له ، واليأس لا نسب معه ، وسيظل الأمل أقرب للإنسان من كل شيء .
ما أجمل المطر في عين إنسان ! وما أروعه في قلب مخلوق ، وإذا كان المطر يصنع هذا المعنى العظيم للحياة ، فما بالك بالوحي والإيمان في قلب إنسان؟ تركت المطر يغيث الأرض ، وعدت أتأمل في حياتي وأزن أفراح المطر في مشاعري بأفراح الإيمان في قلبي ، عدت أتأمل أفراح المطر في المشاعر وكيف صنعت هذا الأمل بعد طول زمن من القنوط ؟ وذكرني المطر وهو يهتف بالأرض ويعيد حياتها هتاف الإيمان بقلبي ، وذهب بي التأمل فإذا أنا بقول الله تعالى كأنما يهتف بي لأول وهلة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ .
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " وقلت في نفسي : إذا كانت أفراح الإنسان في دنياه بالمطر وهو يراه منصباً على الأرض الموات ، ففرح العاقل بالوحي في قلبه بعد طول غياب أروع وأمتن وأفضل من كل ما رآه ! وتمنيت أن يدرك كل إنسان حقيقة الإيمان والاستقامة إذا استوثقت من قلبه ، وترعرعت في فكره ومشاعره .. وتساءلت لحظة انسكاب المطر على الأرض وفرح الأرض باستقبال فقيدها ماذا يصنع الإيمان في قلوب أصحابه حين يجدونه بعد طول فرقة ؟! وأدركت حينها الحلاوة التي يتحدث عنها روسلنا صلى الله عليه وسلم " ثلاثة من كن فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان "
أما إني هنا قلب ومشاعر فحسب وليس لي جسد هذه اللحظة ، يكفيني هذه المشاعر المتدفقة ، والقلب الراتع في أفراحه ، والأرض المغتبطة بالمطر ، وسأظل ملتذاً هذه اللحظة بما صنع المطر ، وأرجو أن أكون لحظة ملتذاً بما يصنع الإيمان .
أعجبك الموضوع...لا تقل شكرا...ولكن قل ...اللهم أغفر له و أرحمه وتجاوز عن سيئاته وأجعله من المحسنين