أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)ا سورة ق وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( قوم تبع ) لقد كانت أرض اليمن ـ الواقعة في جنوب الجزيرة العربية ـ من الأراضي العامرة الغنية ، وكانت في الماضي مهد الحضارة والتمدن ، وكان يحكمها ملوك يسمّون) تبّعاً( ـ وجمعها تبابعة ـ لأنّ قومهم كانوا يتبعونهم ، أو لأنّ أحدهم كان يخلف الآخر ويتبعه في الحكم. ومهما يكن ، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعاً قوياً في عدته وعدده ، ولهم حكومتهم الواسعة المترامية الأطراف. ( تبعاً) كان لقباً عاماً لملوك اليمن ، ككسرى لسلاطين إيران ، وخاقان لملوك الترك ، وفرعون لملوك مصر ، وقيصر لسلاطين الروم. وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنّهم كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم ، أو لأنّ أحدهم كان يتبع الآخر في الحكم. لكن يبدو أنّ القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة ـ كما أنّ فرعون المعاصر لموسى عليه السلام ، والذي يتحدث عنه القرآن كان معيناً ومحدداً ـ وورد في بعض الرّوايات أنّ اسمه (أسعد أبا كرب الحميرى) كان أسعد أبو كرب الحميري من التبابعة ، آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة (وقيل ألف سنة) ، وقيل ذم الله قومه ولم يذمه ، وهو أول من كسا البيت ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان رجلاً مؤمنا ً، واعتبروا تعبير (قوم تبّع) الذي ورد في آيتين من القرآن دليلاً على ذلك ، حيث أنّه لم يُذَمّ في هاتين الآيتين ، بل ذُم قومه لأنه أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه فأهلكهم الله ... والله أعلم. والرّواية المروية عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم شاهدة على ذلك ، ففي هذه الرواية أنّه قال : لاتسبّوا تبّعاً فإنّه كان قد أسلم وجاء في حديث إن تبّعاً قال للأوس والخزرج : كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي ، أمّا لو أدركته لخدمته وخرجت معه. وورد في رواية أُخرى : كان ابنه راجع إلى اليمن فقتلوه في يثرب (المدينة المنورة) فغضب تبع غضبا شديدا وعزم على أن يفتك بها وبأهلها ويخرب بساتينها ونخيلها ، قتلوه فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها وقطع نخيلها. فبينما تبع على ذلك من قتالهم إذ جاءه حبران من أحبار اليهود المسلمين الذين كانوا على دين سيدنا موسى عليه السلام من بني حريظة عالمان راسخان جاؤوا ينصحوه حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها. فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن ناديت إلا ما تريد حيل بينك وبينها (يعني لن تقدر أن تنفذ ما تريد) ولم نأمن عليك من عاجل العقوبة قد تنزل بك عقوبة عاجلة . فقال تبع : ولم ذلك لم تخوفوني ماذا عنها ؟ قالا : هي (عن المدينة المنورة) مهاجر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش عن حرم مكة المكرمة في آخر الزمان تكون دارهم وقرارهم، قالوا له ماذا قرؤا في الكتب السابقة فتناهى عن ذلك، الله صرفه عن ذلك ورأى أن لهما علما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة واتبعهما على دينهما دين الإسلام على شريعة سيدنا موسى.
لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم
وبرواية ثانية قال: لا تسبوا أسعد الحميري فإنه أول من كسى الكعبة هو بالمدينة أسلم، ثم كمل طريقه على اليمن، أين يمر على الجنوب، على مكة، دخل مكة المكرمة فطاف في البيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل، وهو حاكم غني كبير رأى في المنام أن يكسو البيت فكان تبع فيما يروى أنه أول من كسى البيت وأوصى به ولاته يلزمهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقربوه دما ولا ميتة ولا مثلاة، وجعل لها بابا ومفتاحا. لما كان بالمدينة المنورة أهل المدينة حفظوا عنه ثلاثة أبيات من الشعر، وكان ممن حفظها عنهم خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري هو أول من نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، دفن في اسطنبول ذهب ليفتح اسطنبول ما فتحت على يديه فمات فدفن هناك هو كان ممن حفظ عن تبع أسعد الحميري الثلاثة أبيات قال: شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم وجاهدت بالسيف أعداءه وفرجت عن صدره كل غم. هذا قاله لما آمن بالنبي عندما الحبران علموه الإسلام وأسلم، حبا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ولو مد عمري إلى عمره الخ. بناته الإثنتين ماتوا مسلمين، وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب القبور أن قبرا حفر بصنعاء باليمن فمد فيه امرأتان معهما لوح من فضة مكتوب بالذهب، مكتوب فيه هذا قبر لميس وحبى واحدة اسمها لميس وواحدة اسمها حبى ، (وقيل حبى وتماضر – وقيل حبى ورضوى) ، بناته لأسعد الحميري ، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما ، هو كان مسلم وبناته الإثنتين كانتا مسلمتين. والله أعلى وأعلم... قوله تعالى : أهم خير أم قوم تبع هذا استفهام إنكار ، أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب ، إذ ليسوا خيراً من قوم تبع والأمم المهلكة ، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء وقيل : المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً أم قوم تبع ، وقيل : أهم أعز وأشد وأمنع أم قوم تبع ، وليس المراد بتبع رجلاً واحداً بل المراد به ملوك اليمن ، فكانوا يسمون ملوكهم التبايعة ، فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين وكسرى للفرس ، وقيصر للروم ، وقال أبو عبيد : سمي كل واحد منهم تبعاً لأنه يتبع صاحبه ، قال الجوهري : والتبابعة ملوك اليمن ، واحدهم تبع والتبع أيضاً الظل ، وقال : يرد المياه حضيرة ونفيضة ورد القطاة إذا اسمأل التبع
والتبع أيضاً ضرب من الطير. وقال السهيلي : تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت ، وإن ملك اليمن وحدها لم يقل له تبع ، قاله المسعودي ، فمن التبابعة : الحارث الرائش ، وهو ابن همال ذي سدد وأبرهة ذو المنار ، وعمرو ذو الأذعار ، وشمر بن مالك ، الذي تنسب إليه سمرقند ، وأفريقيس بن قيس ، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان ، وبه سميت إفريقية . والظاهر من الآيات : أن الله سبحانه إنما أراد واحداً من هؤلاء ، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره ، ولذلك قال عليه السلام : ولا أدري أتبع لعين أم لا ، ثم قد روي عنه أنه قال : لا تسبوا تبعاً فإنه كان مؤمناً ، فهذا يدلك على أنه كان واحداً بعينه ، وهو الله أعلم ، أبو كرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه ، وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها ، ثم انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد ، وقال شعراً أودعه عند أهلها ، فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه ويقال : كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد ، وفيه : شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيراً له وابن عم وذكر الزجاج و ابن أبي الدنيا و الزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء ويقال بناحية حمير في الإسلام ، فوجد فيه امرأتان صحيحتان ، وعند روؤسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب (هذا قبر حبي ولميس) ويروي أيضاً : (حبي وتماضر) ويروى أيضاً (هذا قبر رضوى وقبر حبي ابنتا تبع) ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئاً ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما . قلت : وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه (أما بعد ، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك ، وأنا على دينك وسنتك ، وآمنت بربك ورب كل شيء ، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام ، فإن أدركتك فبها ونعمت ، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة ، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك ، وأنا على ملتك وملة إبراهيم عليه السلام ، ثم ختم الكتاب ونقش عليه : لله الأمر من قبل ومن بعد) وكتب على عنوانه : ا(إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله ، خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تبع الأول) وقد ذكر بقية خبره وأوله في اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية لـ الفارابي رحمه الله ، وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص. واختلف هل كان نبياً أو ملكاً. فقال ابن عباس : كان تبع نبياً ، وقال كعب : كان تبع ملكاً من الملوك ، وكان قومه كهاناً وكان معهم قوم من أهل الكتاب ، فأمر الفريقين أن يقترب كل فريق مهم قرباناً ففعلوا ، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها ، لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً. وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حمير ، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها ، حكاه الماوردي ، وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري ، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة ، وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد.
وقال الكلبي : تبع هو أبو كرب أسعد بن ملك يكرب ، وإنما سمي تبعاً لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت الحبرات. وقال كعب : ذم الله قومه ولم يذمه ، وضرب بهم لقريش مثلاً لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم ، فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم لأنهم كانوا مجرمين ، كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك ، وافتخر أهل اليمن بهذه الآية ، إذ جعل الله قوم تبع خيراً من قريش ، وقيل : سمي أولهم تبعاً لأنه اتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر.[/b]