منتديات المغرب الملكي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المغرب الملكي

موقع و منتديات كل الملكيين و الملكيات بالمغرب الملكي
 
دخولالبوابةأحدث الصورالتسجيلالرئيسية

 

 إنها حلاوة الإيمان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
دموع الفراق
عضو فريق العمل
عضو فريق العمل
دموع الفراق


عدد الرسائل : 190
العمر : 44
Localisation : السعوديه
. : إنها حلاوة الإيمان  3dflag16
النقاط المكتسبة من طرف العضو : 5879
خاصية الشكر : 0
تاريخ التسجيل : 14/04/2010

إنها حلاوة الإيمان  Empty
مُساهمةموضوع: إنها حلاوة الإيمان    إنها حلاوة الإيمان  I_icon_minitimeالإثنين 11 أكتوبر 2010, 22:23

إنها حلاوة الإيمان  345357167

[SIZE="5"]

نعمة حلاوة الإيمان ولذة الطاعة والإحسان , نعمة لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من ذاقها وأحس بها وعاش معها , ولذة لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها وأنس بوجودها .



وحلاوة الإيمان تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق , فيأنس بها القلب وتطمئن بها النفس , فلا يحس معها المرء بأرق ولا قلق ولا ضيق, قال تعالى : " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) سورة الأنعام .



لذا حينما جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو ظلم قريش للمستضعفين من المسلمين , قال له في إيمان الواثق بربه الذي ذاق حلاوة الإيمان به والثقة بما عنده من عزة ونصر : " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه "أحمد" 5/109(21371) و"البُخَارِي" 4/244(3612) .


لذا فقد وجدنا بلال بن رباح رضي الله عنه يطبق حلاوة الإيمان تطبيقاً عملياً حينما كان يعذ ب من قبل قريش بعد إعلان كلمة التوحيد وكان يعذ ب في رمضاء مكة حيث إنه سئل كيف صبرت يا بلال؟ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب فصبرت .
قال الشاعر :

ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي * * * بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً * * * أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ * * * ربّي .. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي * * * وأموت مبتسماً ليحيا ديني




يقول ابن تيمية رحمه الله : " فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً " . ابن تيمية : العبودية 6.


ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , عنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. أخرجه أحمد 1/208(1778) و"مسلم" 1/46(60).


وأن هذه الحلاوة لا بد لها من أصول وشروط , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/174(12814) و"مسلم" 76.



قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى. أخرجه أبو داود (4700).



ومن المشاهد التي رأها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مشهد مشاطة ابنة فرعون , تلك المرأة المؤمنة التي ذاقت حلاوة الإيمان فهانت في عينيها الدنيا بما فيها وبمن فيها , وتحملت التعذيب والقتل بنفس راضية مؤمنة , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ.



فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى وَعِظَامَ وَلَدِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه أحمد 1/309(2822) .


وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد , كما أنها لا تباع ولا تستجدى , يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره .الوابل الصيب (70).


وكان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.


وقال أيضاً : ليس للقلوب سرور ولا لذَّة تامة إلا في محبة الله والتقرُّب إليه بما يحبه، ولا يمكن محبَّة إلا بالإعراض عن كلِّ محبوبٍ سواه . مجموع الفتاوى (28/32).



قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله .وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته.فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى، أحبه إلي. ثم قال: أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟!( إحياء علوم الدين 4/349).



وهذا خالد بن الوليد فارس الإسلام وليث المَشَاهد -رضي الله عنه- يقول -حين ذاق طعم الإيمان وخالط بشاشة قلبه-: والله ما ليلة تهدى إليَّ فيها عروس، أنا لها محب، أبشَّر فيها بغلام، بأحب من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد، في سرية في المهاجرين أنتظر فيها الصبح لأغير على أعداء الله .


كأنما الموت في أفواههم عسل *** من ريق نحل الشفا حدث ولا حرجًا

حتى إذا ما حلَّت به السكرات، قال: لقد طلبت القتل مظانه، فلم يقدر لي أن أموت إلا على فراشي، ولا والله -الذي لا إله إلا هو- ما عملوا شيئًا أرجى عندي بعد التوحيد في ليلة بتُّها وأنا متترس، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على أعداء الله . لقد شهدت كذا وكذا مشهدًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير، لا نامت أعين الجبناء، عدتي وعتادي في سبيل الله، ثم لقي الله رضي الله عنه وأرضاه .



الدم الذاكي جرى في عرقهم *** فاض مسكًا وتندى عنبرًا
فاسألوا عن كل نصرٍ خالدًا *** واسألوا عن كل عدلٍ عمرَ




وابن تيميه - رحمه الله- يدخل سجن القلعة ويغلق عليه الباب، فيبرز بلسم الحياة في تلك اللحظة -أعني الإيمان- فيقول: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رُحت فهي معي لا تفارقني، حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة الإيمان.


المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه، والله لو بذلت ملء القلعة ذهبًا ما عدل ذلك عندي شكر نعمة الحبس، وما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، حاله:



أنا لست إلا مؤمنًا *** بالله في سري وجهري
أنا نبضة في صدر هذا *** الكون فهل يضيق صدري



يقول تلميذه [ابن القيم] -رحمه الله-: وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والتنعم، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ومع ذلك فهو من أطيب الناس عيشًا وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرُّهم نفسًا، تلوح نظرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه؛ فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها. راجع : بلسم الحياة : علي عبد الخالق القرني 5 وما بعدها .


يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني.


فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي .


فحلاوة الإيمان تمنحك القوة والعزة وتيسر عليك كل يسير وتهون عليك كل صعب , وتجمل حياتك بالرضا الكامل عن الله , كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "ما أصبت بمصيبة إلا كان لله علي فيها أربع نعم: أنها لم تكن في ديني، وأنها لم تكن أكبر منها، وأنني لم أحرم الرضا عند نزولها، وأنني أرجو ثواب الله عليها".


قال أحدهم :



رضيت بما قسمَ الله لي * * * وفوّضتُ أمري إلى خالقي
كما أحسن الله فيما مضى * * * كذلك يُحسن فيما بَقِي




قال حاتم بن الأصم بنيت توكلي على أربعة أمور: علمت أن الله ناظر إلي فأنا أراقبه . وعلمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فأنا مطمئن به.وعلمت أن عملي لن يعمله أحد غيري فأنا مشغول به.وعلمت أن الموت يطلبني فأنا مستعد له. أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/73)، والبيهقي في الشعب (2/98).


قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : لَيْسَ غِنًى أَغْنَى مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ فَقْرٌ أَفْقَرَ مِنَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الزُّهْدِ ، وَلَيْسَ ذُلٌّ أَذَلَّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالطَّمَعِ ، وَلَيْسَ شَرَفٌ أَشْرَفَ مِنَ الْيَقِينِ ، وَلَيْسَ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ ، وَلَيْسَ حَلاوَةٌ أَحْلَى مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَيْسَ مَرَارَةٌ أَمَرَّ مِنْ سَخْطِهِ ، وَلَيْسَ زَيْنٌ أَزْيَنَ مِنَ التَّوَاضُعِ ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَجْهَلَ مِنَ الْكِبْرِ ، وَلَيْسَ قُوَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْجُوعِ ، وَلَيْسَ دَاءٌ أَدْوَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِسَخْطِ اللهِ ، وَلَيْسَ كَلامٌ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللهُ .
ابن عبد البر المجالسة وجواهر العلم 4/515.



وهذه اللذة وتلك الحلاوة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه، وتحصل هذه اللذة بحصول أسبابها، وتزول بزوال أسبابها، ويجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا إلى تحصيلها لينعم بالحياة السعيدة , ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان ولذة العبادة والطاعة والإحسان :



1- مجاهدة النفس:

وذلك بتعويدها ومجاهدتها على الطاعة والعبادة , قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمعَ الْمُحسِنِينَ". العنكبوت:96.


فالنفس نزاعة إلى الشهوات , تميل إلى الملذات , فيا سعده من جاهدها وزكاها , قال تعالى :"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) سورة الشمس.


عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ , عن النبي , صلى الله عليه وسلم , قال: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ , وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعُ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى الله.أخرجه أحمد 4/124(17253) و"ابن ماجة" 4260 والتِّرْمِذِيّ" 2459


عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ؛ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ الرَّازِيُّ : إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَجِدَ حَلاوَةَ الْعِبَادَةِ وَتَبْلُغَ ذُرْوَةَ سَنَامِهَا ؛ فَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبْيَنَ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا حَائِطًا مِنْ حَدِيدٍ .ابن عبد البر المجالسة وجواهر العلم 3/533.
يقول الشاعر:



ففي قمع أهواء النفوس اعتزازها * * * وفي نيلها ما تشتهي ذلُّ سرمدِ
فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا * * * ولا ترضَ للنفس النفيسة بالرَّدِي



وقال آخر:


والنفس كالطفل إن تهمله شب على * * * حب الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ
فجاهد النفس والشيطان واعصهما * * * وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ



قال أبو بكر الصديق في وصيته لعمر رضي الله عنهما حين استخلفه : إنَّ أوَّل ما أحذِّرُكَ نفسك التي بين جنبيك .جامع العلوم والحكم 2/23.


وقال سالم الخواص : أوحى الله إلى داود : لا تقرب الشهوات ، فإني خلقتها لضعفاء خلقي ، فإن أنت قربتها ، أهون ما أصنع بك أسلبك حلاوة مناجاتي ، يا داود ، قل لبنى إسرائيل ، لا تقربوا الشهوات ، فالقلب المحجوب بالشهوات حجبت صوته عنى .شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/210.


قال ابن القيم: "السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت قرة عين له وقوة ولذة".


فكم من شهوة ساعة أورثت ذلا طويلا، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، قيل لبعض السلف: ( أيجد لذة الطاعة من عصى؟ ) قال: ( ولا مَنْ هَمَّ ).


فأعظم عقوبات المعاصي حرمان لذة الطاعات وإن غفل عنها المرء لقلة بصيرته وضعف إيمانه أو لفساد قلبه , قال ابن الجوزي : "قال بعض أحبار بني إسرائيل : يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له : كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟.



قال الشاعر :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه * * * هذا محال في القياس بديـع
لو كان حبك صادقا لأطعتـه * * * إن المحب لمن يحب مطيـع
في كل يوم يبتديك بنعمــة * * * منه وأنت لشكر ذلك مضيع



قال "ابن الجوزي" ـ رحمه الله ـ : ( من تأمل ذل إخوة يوسف عليه السلام يوم قالوا : {تصدق علينا} .. عرف شؤم الزلل ، وذلك رغم توبتهم ، لأنه ليس من رقع وخاط كمن ثوبه صحيح . فرب عظم هيَّنٍ لم ينجبر ، فإن جبر فعلى وَهَنٍ ) راجع : صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 124 .


قال أبو سليمان الدارني يقول ليس العجب ممن لم يجد لذة الطاعة إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها كيف صبر عنها . حلية الأولياء 9/262.
قال الشاعر :

رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب * * * وقد يُورِثُ الذُلُّ إدمانُها
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب * * * وخيرٌ لنفسكَ عِصيانُها



قال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف . قال سفيان الثوري رحمه الله : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنب أذنبته .
وقال رجل للحسن البصري رحمه الله : يا أبا سعيد : إني أبيت معافى وأحب قيام الليل ، وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟!! فقال الحسن : ذنوبك قيدتك !!.


وقال رجل للحسن البصري : أعياني قيام الليل ؟!! فقال : قيدتك خطاياك .


وقال أبو الدرداء : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.


وقد لخص الإمام "ابن القيم" في كتاب الفوائد آثار المعاصي تلخيصاً جميلاً ، حيث قال ـ معدداً آثار المعاصي : ( قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونَفْرة الخَلق ، والوحشة بين العبد وربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ، ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار .وأضداد هذه تتولد عن الطاعة )([ كتاب الفوائد لابن القيم : ص 43]) .


يقول محمود الوراق:

هاكّ الدَّليل لمن أراد * * * غنىً يدوم بغير مال
وأراد عزَّاً لم توطِّـ* * * ـده العشائر بالقتال
ومهابةً من غير سلـ * * * ـانٍ وجاهاً في الرِّجال
فليعتصم بدخوله في * * * عزِّ طاعة ذي الجلال
وخروجه من ذلة الـ * * * ـعاصي له في كلِّ حال



إن لذة الطاعة لا تعادلها لذة وحلاوة الإيمان لا تعادلها حلاوة وعز الطاعة لا يعادله عز . كما أن مرارة المعصية لا تعادلها مرارة وشؤم الذنب لا يعادله شؤم. وذل المعصية لا يعادله ذل.
وقال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة.



وقال بعضهم: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك.
جاء في الإسرائيليات : أنّ رجلاً تزوّج امرأة من بلدة ، وكان بينهما مسيرة شهر ، فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوماً ، فلما جنّه الليل أتاه الشيطان فقال له : إنّ بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليالي هذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها ، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده ، فقام الغلام يصلي فقال : يا رب ، إنّ عدوك هذا جاءني فسوّل لي معصيتك ، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يا رب فأعذني عليه ، واكفني مؤونته ، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهدها حتى أسحر فشّد على دابة المرأة وحملها وسار بها ، قال : فرحمه اللّه تعالى ، فطوى له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه ، قال : وشكر اللّه تعالى له هربه إليه من معصيته فنبأه ، فكان نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل . قوت القلوب 2/335.


فإذا أردت تحصيل حلاوة الإيمان فعليك بمجاهدة نفسك ضد وساوسها ووساوس الشيطان .



2- الصلاة والإكثار من النوافل :


قال تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) سورة هود .


فالصلاة مصدر للسعادة والسكينة ومعاينة حلاوة الإيمان ولذة الطاعة ,فإن فيها صلة وقربا من الله تعالى وفيها من الفوائد الدنيوية والأخروية ما لا يعد ولا يحصى , فالصلاة باب لتيسير الامور وتفريج الكروب ودفع البلاء , وفيها تكفير الخطايا والذنوب، قال تعالى: وَأَقِمِ الصلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ ذالِكَ ذِكْرَى لِلذكِرِينَ [هود: 114]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: أرأيتُم لو أنّ نهرًا بباب أحدِكم يغتسِل منه كلَّ يومٍ خمسَ مرّات، هل يبقى من درنِه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنِه شيء، قال: فذلك مثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنّ الخطايا.


والصلاةُ بابٌ للرزق، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].


والصلاةَ أوّل شروط النصرِ والتمكين، قال تعالى: " الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ في الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ" [الحج:41].


وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتطهِّر القلوبَ من درن الذنوب والمعاصي، " إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ " [العنكبوت:45].


والصلاة هي المفزَع عند الجزَع، وإليها الهرَب عند الهلَع واللجوء عند الخوف قال تعالى" ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة:153]؛ لذا كانت قرَّة عين النبيِّ ، فإذا حَزَبه أمرٌ أو نزل به كرب فزع إلى الصّلاة.


والصلاة راحة النفس وطمأنينة القلب ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة". البخاري رقم 1969 و1970، ومسلم برقم 1156.


وكان يقول : "يا بلال أرحنا بالصلاة" . الترمذي برقم 745، والنسائي 4/202 وغيرهما.


وعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ:قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ ، قَالُوا : قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. أخرجه "أحمد" 4/251(18384) و"البُخَارِي" 2/63(1130) و"مسلم"8/141(7226).


وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا ، حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ . قُلْنَا : وَمَاهَمَمْتَ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم.أخرجه أحمد 1/385(3646) و"البُخَارِي" 2/64(1135) و"مسلم" 2/186(1765).



وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ ، فَمَضَى. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً ، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً ، قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ، فَكانَ سُجُودُه قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. أخرجه أحمد 5/382(23629) و"الدارِمِي" 1306 و"مسلم" 2/186(1764).


قال ابن رواحة :


وفينـا رسول الله يتـلو كتابه * * * إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا * * * به موقنـات أن ما قـال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه * * * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع



ولقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من صلاة النافلة تقربا لله رب العالمين ومحبة له وطلباً لمرضاته , وحتى ينال الولاية والهداية , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.أخرجه البخاري 8/131(6502).


لذا نجده صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة , وربما صلاها عشر ركعات. راجع : البخاري برقم 1147، 1172ومسلم برقم 729 , 737 .


وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله . مسلم برقم 719.


وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى ما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة. مسلم برقم 772.


فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة. كتاب الصلاة لابن القيم ص 140.


كما كان صلى الله عليه وسلم يكثر من النوافل الأخرى كالصوم والصدقة , فكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر. مسلم برقم 1160.


ويتحرَّى صيام الاثنين والخميس ، وكان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله ، ورغَّب في صيام ست من شوال، وكان صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم . البخاري برقم 1971، ومسلم 1156.


وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه مسلم برقم 1160.


وكان يكثر الصدقة، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة حينما يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام . مسلم برقم 1164.


فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلاً غنماً بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة .البخاري برقم 1971، ومسلم 1156.


وعلى هذا سار السلف الصالح رضوان الله عليهم فضربوا أروع الأمثلة في تحقيق حلاوة الإيمان سلوكاً ومعايشة وتطبيقا , ولعلنا سمعنا قصة عروة بن الزبير رضي الله عنه الذي أصيب ساقه بالسرطان، فقال الأطباء له: لا علاج لها إلا قطعُها، فماذا يفعل؟ إنه أمام القضاء والقضاء، قضاء الله، ولا حيلة إلا الصبر، وأراد الأطباء أن يعطوه شيئاً يخدرونه حتى لا يشعر بألم القطع، فقال عروة: والله لا أتعاطى شيئاً يغيب عقلي عن ذكر الله تبارك وتعالى. ثم قال لهم: إذا دخلت في الصلاة وجلست لقراءة التشهد فاقطعوا ساقي فإني عندما أكون بين يدي الله، لا يكون في قلبي إلا الله تبارك وتعالى. ودخل عروة الصلاة، وكانت صلاته من نماذج فريدة.راجع القصة بتمامها في : ( مختصر تاريخ دمشق 5/275).


وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي.


وهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط.


وعن جعفر بن زيد رحمه الله قال : خرجنا غزاة إلى [ كأبول ] وفي الجيش [ صلة بن أيشم العدوي ] رحمه ، قال : فترك الناس بعد العتمة ( أي بعد العشاء ) ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس ، حتى إذا نام الجيش كله وثب صلة فدخل غيضة وهي الشجر الكثيف الملتف على بعضه ، فدخلت في أثره ، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة ، وبينما هو يصلي إذا جاء أسد عظيم فدنا منه وهو يصلي !! ففزعت من زئير الأسد فصعدت إلى شجرة قريبة ، أما صلة فوالله ما التفت إلى الأسد !! ولا خاف من زئيره ولا بالى به !! ثم سجد صلة فاقترب الأسد منه فقلت : الآن يفترسه !! فأخذ الأسد يدور حوله ولم يصبه بأي سوء ، ثم لما فرغ صلة من صلاته وسلم ، التفت إلى الأسد وقال : أيها السبع اطلب رزقك في مكان آخر !! فولى الأسد وله زئير تتصدع منه الجبال !! فما زال صلة يصلي حتى إذا قرب الفجر !! جلس فحمد محامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ، ثم قال : الله إني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة !!! ثم رجع رحمه الله إلى فراشه ( أي ليوهم الجيش أنه ظل طوال الليل نائماً ) فأصبح وكأنه بات على الحشايا ( وهي الفرش الوثيرة الناعمة والمراد هنا أنه كان في غاية النشاط والحيوية ) ورجعت إلى فراشي فأصبحت وبي من الكسل والخمول شيء الله به عليم .



وكان العبد الصالح عمرو بن عتبة بن فرقد رحمه الله يخرج للغزو في سبيل الله ، فإذا جاء الليل صف قدميه يناجي ربه ويبكي بين يديه ، كان أهل الجيش الذين خرج معهم عمرو لا يكلفون أحداً من الجيش بالحراسة ؛ لأن عمرو قد كفاهم ذلك بصلاته طوال الليل ، وذات ليلة وبينما عمرو بن عتبة رحمه الله يصلي من الليل والجيش نائم ، إذ سمعوا زئير أسد مفزع ،فهربوا وبقي عمرو في مكانه يصلي وما قطع صلاته !! ولا التفت فيها !! فلما انصرف الأسد ذاهبا عنهم رجعوا لعمرو فقالوا له : أما خفت الأسد وأنت تصلي ؟!! فقال : إن لأستحي من الله أن أخاف شيئاً سواه !!.


وزار يوما محمد بن جحادة فأتاه في المسجد فوجده يصلي فقام قيس في الجانب الآخر يصلي دون أن يشعر به ابن جحادة .. فما زالا يصليان حتى طلع الفجر.


ودخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجة الأوزاعي : ثكلتك أمك !! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ ( أي مكان صلاته بالليل ) فقالت لها زوجة الأوزاعي : ويحك هذا يُصبح كل ليلة !! من أثر دموع الشيخ في سجوده .


وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر .


وكان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته .


وقال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل لما يلتذ به عيشي، وتقر به عيني من مناجاة من أحب، وخلوتي بخدمته، والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع لما اشتغل به.



وكان ثابت البناني يقول: " اللهم إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري".
وقال سفيان الثوري: إني لأفرح بالليل إذا جاء، وإذا جاء النهار حزنت. راجع : علي نايف الشحود : موسوعة الخطب والدروس 24/243.


قال الشاعر :

غَلَبَ الشوقُ رَهْبَتي ، وصِرَاعٌ * * * في فُؤادِي يَغيبُ ثُمَّ يَعُودُ
كُلَّما لَجَّ في فُؤادِيَ شَوْقٌ * * * دَفَعَ الشَّوْقُ رَهْبَتي فَتَزيدُ
وإذا بالخُشُوعِ يَرْفَعُ أَشْوَا * * * قي فَتَصْفُو وتَرْتَقي فَتَجُودُ



روي عن السري بن مغلس السقطي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليك السلام، قال: ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة - قال: نعم، قال: توضأ من هذا المركن وصل ركعتين، ففعل ثم قال: يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال: فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه: من هذا معك - قال: جاء يسرقنا فسرقناه. تاريخ الإسلام للذهبي 2/144.



3- تلاوة القرآن وتدبره :

قال تعالى : " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) سورة الإسراء .


في تلاوة القرآن الكريم وفي تدبره سعادة لا تعدلها سعادة وأنساً لا يحس به إلا من ذاقه , والمؤمن لو صح إيمانه وصلح قلبه ما شبع من كلام ربه سبحانه , قال بعضهم لعثمان بن عفان رضي الله عنه : نقرأ القران ولا نجد له طعما. قال: والله لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم .


قال الله عز وجل: " إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) سورة فاطر.



فالقرآن الكريم لمن يحسن التعامل معه يجد فيه حلاوة الإيمان , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ ، رِيحُهَا طَيِّبٌ ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَلاَ رِيحَ لَهَا ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ ، رِيحُهَا طَيِّبٌ ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ ، طَعْمُهَا مُرٌّ ، وَلاَ رِيحَ لَهَا ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ ، أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ ، أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ.أخرجه أبو داود (4829) و"النَّسائي" في "الكبرى" 6700.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة! وغشيتهم الرحمة! وحفتهم الملائكة! وذكرهم الله فيمن عنده!!» رواه مسلم.


قال الشاعر :



قـرآننا مشـعل يهـدي إلى سبل * * * مـن حاد عن نهجها لا شكّ خسران
قـد ارتـضيـناه حكمـاً لا نبـدّله* * * مـا دام ينـبض فينـا منه شـريانُ




فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها، وجلاءً لها من صدئها، وترقيقا لما أصابها من قسوة، وتذكيرًا لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقيهم أهل الجنة وأهل السعير، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عظمة الموقف، ثم يورثه أنس قلبه بمناجاة ربه، ولوجد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان.



عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ وَهِيَ تَقْرَأُ : {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} قَالَ : فَوَقَفَتْ عَلَيْهَا ، فَجَعَلَتْ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو . قَالَ عَبَّادُ : فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ ، فَقَضَيْتُ حَاجَتِي ، ثُمَّ رَجَعْتُ ، وَهِيَ فِيهَا بَعْدُ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو. مصنف ابن أبي شيبة 2/221.




وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، مِنْ نَخْلٍ ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَافِلاً ، أَتَى زَوْجُهَا ، وَكَانَ غَائِبًا ، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ ، حَلَفَ لاَ يَنْتَهِي حَتَّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ دَمًا ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً ، فَقَالَ : مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ ؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالاَ : نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ الْوَادِي ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ ، قَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ : أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَكْفِيَكَهُ ، أَوَّلَهُ ، أَوْ آخِرَهُ ؟ قَالَ : بَلِ اكْفِنِي أَوَّلَهُ ، قَالَ : فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ فَنَامَ ، وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي ، قَالَ : وَأَتَى زَوْجُ الْمَرْأَةِ ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ ، قَالَ : فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، قَالَ : فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبُتَ قَائِمًا يُصَلِّي ، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، قَالَ : فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبُتَ قَائِمًا يُصَلِّي ، ثُمَّ عَادَ لَهُ الثَّالِثَةَ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، ثُمَّ أَهَبَّ صَاحِبَهُ، فَقَالَ : اجْلِسْ فَقَدْ أُثْبِتُّ ، فَوَثَبَ ، فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ نُذِرَ بِهِ ، فَهَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأْنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ، أَفَلاَ أَهْبَبْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا ، فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ ، وَايْمُ اللهِ ، لَوْلاَ أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِهِ ، لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا ، أَوْ أُنْفِذَهَا. أخرجه أحمد 3/343(14760) و"أبو داود" 198 و"ابن خزيمة" 36 .



وكما أن المؤمن يحس بحلاوة التلاوة فإنه يجب عليه أن يستشعر حلاوة التطبيق فالأمر ليس بالكم إنما يكون بالكيف , عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيِّ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ , يُقَالُ لَهُ : سُلَيْمٌ ؛ ( أَتَى رَسُولَ الله , صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله , إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَ مَا نَنَامُ , وَنَكُونُ في أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ , فَيُنَادِي بِالصَّلاَةِ , فَنَخْرُجُ إِلَيْهِ , فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ , لاَ تَكُنْ فَتَّانًا , إِمَّا أَنْ تُصَلِّىَ مَعِي , وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ. ثُمَّ قَالَ : يَا سُلَيْمُ , مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ : إِنِّى أَسْأَلُ الله الْجَنَّةَ , وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ , وَالله مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ , وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: وَهَلْ تَصِيرُ دَنْدَنَتِى وَدَنْدَنَةُ مُعَاذٍ إِلاَّ أَنْ نَسْأَلَ الله الْجَنَّةَ , وَنَعُوذَ بِهِ مِنَ النَّارِ؟!.ثُمَّ قَالَ سُلَيْمٌ : سَتَرَوْنَ غَدًا إِذَا الْتَقَى الْقَوْمُ إِنْ شَاءَ الله. قَالَ : وَالنَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إِلَى أُحُدٍ , فَخَرَجَ وَكَانَ في الشُّهَدَاءِ , رَحْمَةُ الله وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ. أخرجه أحمد 5/74(20975).



4- الذكر والدعاء:


في الذكر والدعاء سعادة وهناء ’ وفي تركهما بؤس وشقاء , قال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) سورة طه .



وقال : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
والمؤمن يعرف أن من خير الأعمال عند الله وأزكاها وأعلاها ذكر الله تعالى , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللهِ.وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ ذِكْرِ اللهِ . أخرجه أحمد 5/195(22045) و"ابن ماجة" 3790 و"التِّرمِذي"3377 .



وعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى فَإِنِّى سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَوْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَلَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً وَلَو عَمِلْتَ مِنَ الْخَطَايَا حَتَّى تَبْلُغَ عَنَانَ السَّمَاءِ مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى لَغَفَرْتُ لَكَ ثُمَّ لاَ أُبَالِى » صحيح مسلم(6737 ) مطولا.



قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة: ألا تستوحش؟ قال: وهل يستوحش مع الله أحد؟!!.
وقال آخر: كيف أستوحش وهو يقول: وأنا معه إذا ذكرني؟!.
فالذي يذكر ربه صاحب قلب حي يحس طعم الإيمان وحلاوته , عَنْ أَبِي مُوسَى ، قال : قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ ، وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.
رواية مسلم : مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فيه ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. أخرجه البخاري 8/107 ومسلم 2/188 .



أروي َنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْحَسَنِ: " يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسَاوَةَ قَلْبِي قَالَ: أَدِّبْهُ مِنَ الذِّكْرِ " وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَقَالَ: أَدِّبْهُ بِالذِّكْرِ . شعب الإيمان 2/180.



قال ابن القيم رحمه الله :" إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فأفرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة، قال بعض الزهاد ما علمت أحداً سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان فقال له رجل إني أكثر البكاء فقال إنك وإن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك وأن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه فقال أوصني فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن أطعمت أطعمت طيبا وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه ". الفوائد 125.


قال الشاعر:



إليك وإلا لآ تشد الركائب * * * ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالكلام مضيع * * * وعنك وإلا فا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إنها حلاوة الإيمان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل ذقت طعم الإيمان؟
» نعمة الإيمان
» أركان الإيمان:
» حلاوة الإيقاع في هذه النغمة الغارقة في حلم الموسيقى الحقيقي
» حلاوة الإيقاع في هذه النغمة الغارقة في الحلم الفن الحقيقي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المغرب الملكي :: المنتديات العامة :: المنتدى الاسلامي-
انتقل الى: