عيد العرش المجيد بالمغرب يشكل عيد العرش حدثا وطنيا غزير الدلالات في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، فقد كان هذا العيد مناسبة لتجديد العهد بين العرش والشعب على الاستمرار في بناء المغرب وعزته وسؤدده. ويعتبر يوم 30 يوليوز من كل سنة، تاريخ اعتلاء أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، يوما مشهودا في تاريخ المغرب المعاصر. فهذه المناسبة فضلا عن كونها ترسيخ لمفهوم الملك المؤسس على عقد البيعة الشرعية في بعده الديني، والتشبث بالعرش العلوي الذي خاض مراحل نضالية وملاحم جهادية رائعة لتحرير المغرب، وتقوية نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والدينية، وترسيخ نظامه الديمقراطي، شكلت نقطة انطلاق لعهد جديد، وانبعاث جديد للأمة، ومفهوم جديد للتعاطي مع القضايا الوطنية، والتخطيط لمستقبل البلاد برؤية ثاقبة لإعطاء روح جديدة للدولة المغربية الحديثة. ويؤكد المغاربة باحتفالهم سنويا بعيد العرش، ومنذ أول احتفال به سنة1934، التحامهم المكين بالعرش العلوي الذي يتجلى مداه في الشدائد والمسرات، وهو الالتحام الذي يشكل نعمة من نعم الله الكبرى على هذا البلد الأمين الذي ينعم بالاستمرارية والاستقرار والأمن، كما أنه وكما قال جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطاب العرش لسنة2003 ذلك الالتحام الذي "جعل أسرتنا الملكية تعيش في قلب الشعب المغربي، مثلما يعيش الشعب المغربي في قلب هذه الأسرة" التي يشهد التاريخ على تعلق أهل المغرب بها وإخلاصهم لها لأنها شكلت بالنسبة لهم رمز الاستقرار والوحدة. وتعكس هذه المناسبة الوطنية المجيدة، مدى الأواصر المتينة الجامعة بين جلالة الملك محمد السادس وشعبه الوفي التي لا ينفد رصيدها، ولا ينضب معينها، بل تزداد إذكاء واتقادا لمواجهة كافة التحديات المفروضة على البلاد من أجل استكمال المسيرة التي تخوضها بقيادة جلالته لترسيخ البناء الجماعي لمغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم والحرص على صيانة الوحدة الترابية وحريات أبنائه وأمنهم وكرامتهم. وإذا كان من عبرة تستخلص من هذه الذكرى الوطنية وغيرها من الذكريات المجيدات كلما حان وقتها، فهو أن الالتحام بين العرش والشعب دائما يحقق المعجزات، ويفشل كل المخططات التي تستهدف المس بالوطن والمواطنين، وقد كان ذلك أيام الجهاد الوطني من أجل الحرية والاستقلال بقيادة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وعاشه المغاربة بالأمس مع المغفور له جلالة الحسن الثاني قدس الله روحه أيام المسيرة الخضراء التي خرج المغرب منها ظافرا منتصرا، ويعيشونه اليوم مع جلالة الملك محمد السادس الذي تبشر منجزاته العظيمة وعلى جميع المستويات بمستقبل واعد بمزيد من التقدم والازدهار والنماء. ولا غرابة في أن يلتف الشعب المغربي حول العرش العلوي للدفاع عن الكرامة الوطنية وصيانة وحدة التراب المغربي، فقد ارتبط تاريخ العرش العلوي بملاحم الجهاد ومواقف الشجاعة والشرف والكرامة، وبفضل هذا الرباط القوي ظل العرش العلوي رمز الوحدة للبلاد وحصنا منيعا من حصون الحرية والحفاظ على المقدسات والتغلب على جميع المؤامرات. لذلك فإن هذه الذكرى التي تعتبر رمزا يحمل أكثر من معنى ويوحي بأكثر من مغزى، هي جديرة بالتأمل والاعتبار لما تحمله من أبعاد تاريخية لتلك العلاقات القائمة بين العرش والشعب، في رباط مكين من الثقة المتبادلة القائمة على المحبة والتعلق في سبيل عزة الوطن وسيادته ووحدته، وذلك بإيجاز القول ما أشار إليه المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة الذكرى ال19 لثورة الملك والشعب عام1963 من أنها الرابطة التي "نسج التاريخ خيوطها بعواطف المحبة المشتركة، والأهداف الموحدة التي قامت دائما على تقوى من الله ورضوانه". ولقد انصب حرص سليل هذه الأسرة الشريفة جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، على إعطاء روح جديدة لهذه العلاقة الأبدية بين العرش والشعب. وانطلاقا من هذه الروح، عمل جلالة الملك محمد السادس خلال الإثنا عشر سنة من تربعه على عرش المملكة، على بلورة سياسة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تغيير وجه المغرب باعتباره بلدا صاعدا تواجهه تحديات موضوعية تمليها ظرفية دولية متقلبة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وكذا من منطلق أن أي مشروع مجتمعي يقوم حصرا على التحديث السياسي المؤسساتي والتشريعي يظل قاصرا عن استيفاء مفهومه الحقيقي ووظيفته التغييرية الشاملة بدون أن يستند إلى مضمون اجتماعي اقتصادي. ويستفاد ذلك من قول جلالة الملك في خطاب العرش ليوم30 يوليوز والذي اكتسى أهمية خاصة بالنظر إلى كونه حمل تأكيدا على المضي في نهج الحداثة ، حيث قال جلالته "وفي هذا الصدد، أولينا البعد الاجتماعي والاقتصادي مكانة الصدارة في السياسات العمومية بتركيز الجهود على المشاريع الأساسية، للقضاء على أحياء الصفيح بتوفير السن اللائق، وتحقيق التنمية البشرية بالتعليم النافع وإيجاد التشغيل المنتج بتحفيز الاستثمار وتحرير المبادرات الخلاقة للثروة وتقوية التماسك الاجتماعي بتفعيل التضامن".وقد نجح المغرب بفضل القرارات الجريئة والإجراءات المحفزة والمبادرات الشجاعة والخلاقة لجلالة الملك محمد السادس التي تعكس الرغبة في التغيير التي أرادها جلالته في الانتقال إلى القرن ال21 دون صعوبات، ويتحتم عليه الآن رفع التحديات التي تواجهها كافة الدول السائرة في طريق النمو. ويواصل جلالة الملك محمد السادس منذ أن قيضه الله ليتسلم أمانة ورسالة والده المنعم جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليه، في ثقة واطمئنان واقتدار وثبات، مسيرة ترسيخ مسار البناء الجماعي لمغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم، مغرب يسير بخطى متأنية نحو غد مشرق ومستقبل زاهر وتقدم وازدهار ونهضة ونماء، مغرب يتطلع إلى مستقبل واعد، وفي التحام عز نظيره وقل مثيله بين العرش الشعب في كفاحهما المتواصل ونضالهما المستمر من أجل سيادة الأمة وكرامتها وصيانة وحدتها الترابية من طنجة إلى الكويرة. إن شعبا كالشعب المغربي يؤمن بأن مجد ملكه من مجد شعبه، جدير بتاريخه في الماضي وخليق بتاريخه في المستقبل المشرق الوضاء، ليرى في عيد العرش مناسبة وطنية عظيمة تهتز فيها المشاعر، لأن هذا العيد يجسد وحدة الأمة المغربية ويستحضر أمجادها السعيدة وتقاليدها المجيدة الزاهرة وأصالتها الرائدة، ومحطة يحرص فيها المغاربة وعلى رأسهم جلالة الملك محمد السادس على التأكيد على قدسية الوحدة الترابية للمملكة وعدم استعداد المغاربة الاستغناء عن ذرة من تراب هذا البلد العريق.