الإستخفاف بالذنب
عن أمير المؤمنين عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه قال
"أشدّ الذنوب (عند الله) ذنب استهان به راكبه وقال عليه السلام: أشدّ الذنوب ما استخفّ به صاحبه" لقد شدّد الله في القرآن الكريم على مسألة الطاعة والمعصية، فأولاهما اهتماماً كبيراً في العديد من الآيات القرآنية، تارة من جهة الترغيب بفعل الطاعات واكتساب الحسنات، وأخرى من جهة الترهيب والتحذير عن فعل المعاصي والموبقات واكتساب السيّئات. هذا وقد حدّد القرآن أيضاً نوعيّة العلاقة مع الله الخالق الموجد لهذا الإنسان. كيف ينظر الإنسان إلى هذه العلاقة؟ هل هي علاقة العبد مع سيّده وخالقه؟ أم أنّها علاقة العبد الآبق مع مولاه؟ وهل هي علاقة العبوديّة لله أم العبوديّة للهوى والشهوات والشيطان؟ وهل هي علاقة المعترف بحقّ سيّده ووجوب شكر نِعمه، أم المستخفّ به وبالنعم التي أنعمها الله عليه؟ فالله عزَّ وجلَّ الذي هو أرحم الراحمين هو أيضاً شديد العقاب. قد حذّر من قهّاريّته وسطوته وغضبه، والجرأة على معاصيه والاستخفاف بحقّه، وارتكاب نواهيه مهما كبرت ومهما صغرت، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى مَن اجترأتم"ولذا ينبغي على العبد المؤمن التقي المعترف بحق العبوديّة والطاعة، أن لا يستخفّ بأي ذنبٍ مهما صغر في عينه، لأنّ ذلك سيكون مدعاة أيضاً للمداومة عليه، وارتكاب ما هو أكبر منه. ولقد شدّدت الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم السلام على خطورة هذا المرض، وحذّرت منه وذكرت آثاره الخطيرة، التي تزيد الإنسان غرقاً في أوحال الغفلة وسكرة الابتعاد عن الله. روي عن أبي أسامة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام "اتقوا المحقّرات من الذنوب فإنّها لا تغفر. قلت: ما المحقّرات؟ قال: الرجل يذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك الكافي،_ وقد يصاب الإنسان بمرض الاستخفاف ويعتاد على ذلك إمّا غفلة وجهلاً، وإمّا عناداً وتعنّتاً، وهذا ما يؤدّي إلى الهلاك والخسران في الدنيا والآخرة. وبناءً على الروايات الشريفة، فإنّ مفهوم الاستخفاف مفهوم عامّ له العديد من المصاديق سواء من حيث حال المستخف، أم من حيث مراتب الاستخفاف. وسوف نشير بنحو إجمالي لا على سبيل الحصر إلى بعض هذه المراتب: فالمستخفّ تارة يكون مستخفاً بنفسه ظالماً لها لا يؤدّي حقّها، وتارة أخرى يستخفّ بعمله أو بنوع الذنب الذي يرتكبه سواء من حيث ترك بعض الطاعات، أم فعل بعض المعاصي. والأعظم من كلّ ذلك هو استخفاف الإنسان بربّه وخالقه، فيتخذ آيات الله وما أنذر به هزواً. وقد أشار القرآن إلى هذه الطائفة في قوله تعالى: ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون _سورة_الروم،_الآية:_10. . وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إيّاكم والتهاون بأمر الله عزَّ وجلَّ، فإنّه من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة _