بشهادة الجميع، تمكن الملك محمد السادس في وقت وجيز جد أن يتأقلم مع الحركية السائدة بالمغرب. و لم يكن ليتأتى له ذلك دون الفهم الدقيق و الوافي لمنطق اشتغال الأحزاب السياسية المغربية و لعمق طبيعة الركح السياسي المغربي. و بذلك اتجه نحو استقطاب نخبة جديدة من الأطر و المثقفين و التقنوقراطيين و الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين و ثلة من المستشارين أغلبهم من جيله و من ابناء العصر. و هؤلاء مجتمعين شكلوا الآلية الصلبة التي أبانت بامتياز عن تأثيرها الملحوظ في مختلف المجالات و الميادين و الاختصاصات. و اضطلعت بأدوار فعالة عبر لجان و مؤسسات و صناديق خارج إطار الحكومة و التي بدا أداؤها ضعيفا أمام ما حققته تلك الآلية في أكثر من مجال من مجالات الحياة بالبلاد.
و قد تبين أن أسلوب التدبير في هذا الصدد اعتمد العقلانية و قواعد التسيير الميداني و التدبير السياسي. و قد عمق هذا المسار الضعف البيّن الذي أضحى باديا على دور الأحزاب السياسية و قدرتها على بلورة رؤية شاملة واضحة المقاصد و محددة الأهداف و المرامي. و قد زاد الطين بلة بعد اتضاح أن أقصى أفق أغلب الأحزاب السياسية المغربية ينحصر في اللهث وراء المواقع السياسية و الاجتماعية عوض الاهتمام بالأساس بالمساهمة الفعلية في ابتكار المقترحات العملية الممكنة التحقيق و التي من شأنها تفعيل آليات التنمية و التصدي إلى المعوقات التي تقف في وجهها. هذا إلى حد أضحى الكثير من المغاربة يرون أن المغرب لا حاجة له الآن لأحزاب سياسية إن هي ظلت على الحالة التي هي عليها الآن و التي وصفها أحد المحللين بالتقاعد السياسي قبل الأوان و نعثها آخر بالمغادرة الطوعية بفعل الأمر الواقع.
و خلاصة القول أن أمل التغيير و تحسين الأوضاع في نظر أغلب المغاربة أضحى حاليا معلقا قسرا على المبادرات الملكية مادام السياسيون اختاروا التقاعد و لم يعوا بعد أنه لا يمكنهم أن يكونوا فاعلين فعليين في صيرورة التغيير و مساره دون الشروع أولا بتغيير أنفسهم و تغيير أحزابهم تغييرا على مستوى الفكر و التفكير و التخطيط و المشاركة و الممارسة و نهج التأثير في الركح السياسي و الارتباط بالجماهير.
نظرة المواطن البسيط لشخص الملك بالأمس القريب
إلى حدود انقلابي 1971 و 1972 كان المواطن العادي يرى الملك كشخصية تفوق البشر، مختلفة كل الاختلاف عن الانسان العادي الفاني. فالملك بالمغرب...محمد الخامس ثم الحسن الثاني ...ظل مؤسسة وثيقة الارتباط بالتاريخ و بالدين و بالتقليد الموروثة منذ قرون خلت.
و الملكية في نظر المواطن البسيط كانت تبدو في عيونه معجزة و سامية و رفيعة، تعيش في البذخ و الرغد المفرط. لكن مع حدوث انقلاب 10 يوليوز 1971 تأثرت هذه الرؤية و نالها نوع من الرجة.
و تقول رواية في هذا الصدد أن بعض الحاضرين بقصر الصخيرات عاينوا الملك و هو رافع يداه تحت تهديد فواهة رشاش في يد جندي بسيط قبل التعرف عليه و تمكينه من ارفلات من الذين كانوا يبحثون عنه للقيام بما جاؤوا للقيام به.
آنذاك فهم المواطن البسيط ما كان ليخطر على باله من قبل، أي يمكن اقتحام القصر و تهديد الملك، و هو ليس معصوم من الأخطار التي قد تهدد أي إنسان.
و بعد الانقلاب ، بدأ الحديث عن أمور لم يكن من الممكن الحديث عنها من قبل...الفضائح...الرشوة..
التبدير...مكر السياسة و سياسة المكر... و راج الحديث كذلك عن الحياة الخاصة للملك و مقابلة تلك الصورة مع واقع الحرمان و الخصاص و الحاجة الذي تحياه أوسع فئات الشعب المغربي.
و في هذا الصدد يقول أحد المحللين أن أحداث يوم واحد أدت إلى إعادة النظر في جملة من القضايا كانت قائمة كحقائق تكاد أن تكون أبدية سرمدية صلبة بمكان لا يأتيها الباطل لا من امامها و لا من خلفها و لا من يمينها و لا من شمالها. و بذلك اهتزت الصورة اهتزازا، خصوصا و آنذاك كل السلط كانت متمركزة بيد الملك الذي يقرر في كل شيء، و كان البرلمان القائم يُنظر له كمجرد ديكور للواجهة، إذ لم يكن يمثل أي قوة سياسية فعلية. و كان الملك هو الذي يختار الوزراء و مختلف الموظفين السامين و أصحاب مراكز القرار و يقيلهم في أي لحظة، و هذا في ظل غياب الفصل بين السلط. هذا ما ساعد كذلك على اهتزاز الصورة و تسهيل حدوثه.
و بخصوص مؤسسة الجيش آنذاك، كانت الخيوط بيد الجنرال المدبوح رغم وجود مختلف الهياكل المتعارف عليها من قيادة عامة و توابعها.
كل هذه الأسباب مجتمعة و متفاعلة فيما بينها ساهمت بشكل أو بآخر في اهتزاز الصورة التي كانت لدى المواطن البسيط عن الملك و الماكية. و آنذاك بدأت فكرة ضرورة تغيير الحال تنتشر في المجتمع رغم أن الخوف من كل ما كان ينعث بالسياسة ظل قائما بل ازداد و أضحى قائما فوق الرقاب كسيف ديموقريطس مستعد للإجهاز في أي وقت و حين لمجرد شك ليس إلاهكذا كانت النظرة بالأمس القريببقام ادريس ولد القابة مدير جريدة المشعل عن موقع المغرب الملكي
http://www.royalmaroc.eur.st/