محمود الاردن عضو متميز
عدد الرسائل : 1572 النقاط المكتسبة من طرف العضو : 6521 خاصية الشكر : 18 تاريخ التسجيل : 07/02/2007
| موضوع: الحـوار : حُجّـة وأدبٌ وفنّ الثلاثاء 13 فبراير 2007, 07:45 | |
| عندما كان التعارفُ هدفاً من خلْق الناسِ شعوباً وقبائل كان ولا يزال الحوار هو
الشُّرْفة التي نطلُّ منها على الآخر بكل ما تحملُه كينونته من أفكارٍ وتطلعات وآمال
وآلام ليعرفـُنَا ونعرِفـُه ، وهو النَّافذة التي نتطَلَّع من خلالِها إلى مَبَاهج ِ الحقيقة ،
ونتمتَّع بثمرات المعرفة اليانعة النضرة .
يُعَرِّفـُه الأستاذ " ناصر بن سليمان العمر" بأنه :
(( القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسُّلوكي مع الناس ،
وبه يسهُل تبادل الخبرات والمفاهيم بين الأجيال )) .
وجودُ الحوار دليلٌ على وجودِ اختلاف ، والاختلاف يدلُّ على التنوُّع ،
والتنوُّع حاجة طبيعيَّة لاستمرار حياة الإنسان والتنوُّع يمثل ويفرز
حراكاً إنسانياً والحركة دائما هي عنوانُ الحياة وسبيل تطوّر
الإنسان ورقيّه .
ولا يخفى على أحدٍ منّا وفرة الأمثلة في القرآن الكريم عن الحوار
بمختلَفِ أشكالهِ .
الحوار مع الآخر المتفق والآخر المختلف والآخر المتردد فقد
حاورَ الله عز وجل الشيطان وحاور الملائكة وحاور الأنبياء
وحاور الإنسان بكل نزعاته ، و بالمقابل حاورَ الأنبياء النَّاس بكل أطيافهم .
والسِّيرةُ العَطِرَة تزْخرُ بأجملِ الصور والمشاهد عن الحوار المثالي للنبيِّ
عليه الصلاة والسلام مع أصحابهِ وأعدائه ، ومن ثمَّ الصحابة مع بعضِهم
ومع الأمم الأخرى ، يبرز فيه التحاور الراقي شكلاً ومضموناً .
والحوار ليسَ طبَق مكسَّرات أو سلَّة فواكِه يمارسُه من لديه شهوةُ الكلامِ وشراهةِ
الجدال بل هو أشبَهُ ما يكون بمِبْضَعِ جَّراح ويَدي بنـَّاء وقلَمِ مهندس ومسْطَرتِه إذ
ينبغي على من يَلِجُ ميدان الحوار أن تتوفـَّرَ لديه سعة ُ الفضاء المعرِفيّ ،
والجدّية ُ في طَلبِ العلمِ ، وتنوُّعُ الثقافات ، والاطِّلاع على ثقافات
وتجارب وفِكْر الشعوب قديمها وحديثها ، والتمكُّن من إثباتِ مصداقيةِ
ما يتبنّاه من فكرٍ وعمل ، والابتعاد عن التقليد الأعمى لمدارسَ أخرى .
وفي هذا المجال يحتاج الإنسان للاستعانة بأرباب الخبرة ومراكز مختصَّة
تهيئ المحاوِر وتمدُّه بحجَّة قادرة على التأثير في الطرَف المحاوَر ،
والحرص على الابتعاد عن الغرور بالنفس مع الخمول والكسَل الذهني ،
وذلك حتى تتوافر الكفاءة وجودة الحوار .
ومعروفٌ أنه مثلما للعلم درَجات فللجهل درَكَات أيضاً ..
فكثيرٌ ممّن يعتلون منابرَ الحوار ، يفقدون السيطرة على أنفسِهم ،
ويُركّزون على تسفيهِ الآخر وتهميشِ فكرِه ِ، فتضيعُ عليهم فرصة
بناء جسور للعبور إلى منطقة السماح الوجداني عند المُتلقي ،
والتفاعل معه عقلاً وروحاً .
يضيِّقون الخناق على الطَرف المعارِض وينهجون معه أسلوب
التعسُّف وهذا ما نهى عنه الله تعالى في قوله :
( ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ) الأعراف 85
بل الواجب التزام القول الليّن واللُّطْف في الكلمة :
( وجادلهم بالتي هي أحسن ) النحل 125
وقوله تبارك وتعالى لموسى وهارون عليهما السلام :
( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكر أو يخشى ) طه 42،43
ومعلومٌ أن كسب القلوبِ مقَدَّم على كسب المواقف ،
واستراتيجية التعارف أوْلى من كسب المواقف ..
والاختلاف حالة طبيعية وليس ظاهرة مرَضيَّة .
قال تعالى :
( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين
إلا من رحم ربك ولذلك خلقهَم ...) هود 118 ، 119
كما أنَّ الحوار الهادئ والخطاب الراقي ، يعَدُّ وسيلة تفسح السبل
للمتلقي لكي يُصْغي ويُحِبّ ما يسمع أو يقرأ ، ويصحح بيئة الإدراك .
لا ينبغي بأي حالٍ من الأحوال أن نعيشَ نفس حالة الخصم المتحفِّز
للهجوم في الحوار ،ولنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام خير أسوة .
فالمؤمن ليس بلعّان ولا فاحش ولا سبَّاب، وكان عليه الصلاة والسلام لا يقابلُ
أحَداً بما يكره ، جَزْلُ الخطاب رويُّ الحجّة ، ... إلى آخر ما يروى
عن صفاتهِ وشمائلهِ الطيِّبة .
ولطالما كان التشجيع على الخير استدراجاً واستجراراً لخير يتبعه .
ويجبُ هنا أن نتذكر أن من نحاورُه أو نتعامل معه ، ليس دوماً
على درجة عالية من القدرة على الصَّفح في حالِ إيذائهِ ،
فربّما نخسرُه إضافة للفشل في تفعيلِ الحوار وإيصال الفكرة .
| |
|
elmoufatich عضو فريق العمل
عدد الرسائل : 432 العمر : 38 Localisation : فاس . : النقاط المكتسبة من طرف العضو : 6516 خاصية الشكر : 0 تاريخ التسجيل : 27/01/2007
بطاقة الشخصية royal: 1
| موضوع: رد: الحـوار : حُجّـة وأدبٌ وفنّ الثلاثاء 13 فبراير 2007, 12:06 | |
| جزاك الله الف خير على الموضوع الرائع الى الامام دائما ، شكرا لك اخي | |
|
محمود الاردن عضو متميز
عدد الرسائل : 1572 النقاط المكتسبة من طرف العضو : 6521 خاصية الشكر : 18 تاريخ التسجيل : 07/02/2007
| موضوع: رد: الحـوار : حُجّـة وأدبٌ وفنّ الخميس 15 فبراير 2007, 07:34 | |
| | |
|