تأملات تربوية في قصة ذي القرنين* - السؤال أسلوب تربوي فصلت فيه الحديث في تأملاتي ذات الرقم ثلاثة ( 3 ) في سورة طه . وأضيف هنا ما يناسب الموقف ، فأقول :
قد يكون السؤال للتحدي .. " ويسألونك عن ذي القرنين " و التحدي نفسه أيضاً أسلوب تربوي يدل على صدق الدعوة والداعي ، فاليهود طلبوا من المشركين في مكة قبل الهجرة أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور ثلاثة ... عن أهل الكهف ، وعن الروح .. وعن ذي القرنين .. ولا يعرف جواب هذه الأسئلة سوى الأنبياء . وقد قبل القرآن التحدي فأنزل الله تعالى فيه خبر ذي القرنين فقال مخاطباً النبي الكريم : " قل : سأتلو عليكم منه ذكراً ... " . وقد يكون السؤال لمجرد المعرفة فعلى الداعية قبل دخول غمار الدعوة أن يلم قدر المستطاع بدعوته والأساليب المقنعة التي تجتذب المدعوين .
2- التعظيم أسلوب يضفي هالة على الرموز الرائعة التي لها دور متميز في الدعوة إلى الله ، ويشجع المدعوين أن يتأسَّوْا بهم ويسيروا على هداهم . ولا ننسَ أنه ينبغي أن يكونوا أهلاً لهذا التشريف ، فلن ينال أحد في الإسلام إلا ما يستحق .... وقد تنبه الرسول الكريم إلى هذا الأسلوب فأسبغ على الصحابي الجليل عبد الله بن أبي قحافة رضي الله عنه لقب الصديق فعرف به ، وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقب الفاروق ، وعرف علي بفتى الإسلام وعثمان بذي النورين وخالد بسيف الله المسلول ، وهكذا ... والقرآن الكريم لم يعرفنا اسم ذي القرنين إنما اكتفى بلقب ذي القرنين كما أننا لا نعرف عن أحد الأنبياء الكرام سوى أنه ذو الكفل . ووصف النبي الكريم " يونس بن متّى " بذي النون لأن الحوت ابتلعه ، فأراه الله تعالى عجائب قدرته في البحر – أحد مخلوقاته – وأعاده إلى قومه يدعوهم إلى الله سبحانه . أما لماذا لقّب ذا القرنين فقد تضاربت الأقوال فيه ، فمن قائل : إنه حكم الأرض غرباً وشرقاً ، ومن قائل : إنه حكم مئتي سنة أو عاش قرنين من الزمان ، ومن قائل : إن ملكه كان قوياً يرمز إليه قرنا الثور . ولن نهتم بمعنى الاسم قدر اهتمامنا بصاحبه . فالجوهرَ نريد لا العرضَ .
3- قوله تعالى " قل : سأتلو عليكم منه ذكراً ، إنا مكنا له في الأرض ، وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً " فيه فوائد تربوية عديدة ، منها :
أ- قبول التحدي : فمن كان على حق ، وكان على ثغرة يدعو إلى الإسلام وينافح عنه لا يسعه غير ذلك .
ب- العلم بالشيء قبل الدعوة إليه : وكلمة " سأتلو.. " دليل على المعرفة بالأمر والعلم به . والتلاوة أثبت في الإجابة من غيرها ، فهي القراءة.. ، والقراءة من شيء من ذاكرتك تحفظه عن ظهر غيب ، أو تقرؤه في كتاب أقوى حجة وأسطع دليلاً . كما كلمة " ذكراً " تعني القرآن لقوله تعالى " وإنه لذكر لك ولقومك " .
ت- وقوله تعالى " سأتلو عليكم " بدل لكم دليل التمكن والاستعلاء . والمؤمن هكذا دائماً .
ث- وقوله تعالى " سأتلو عليكم منه ذكراً " هذه البعضية التي دلت عليها منه توضح أن على الإنسان أن يقتصر في حديثه على ما يفي بالغرض . وهذا ما نجده في قوله تعالى " إنا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً ، فأتبع سبباً " .
4- الإيجاز والإطناب : وهذه البلاغة بعينها . فقد جاء الإيجاز في مكانه ، والإطناب في مكانه . فلا داعي لذكر التفاصيل في التمكين لأنه يكون في كثرة العدد والعُدّة ، والمال