الرحالة ابن بطوطة
------------------
في مدينة فاس عام أربعة وخمسين وسبع مائة هجرية استقر شيخ في الخمسين من عمره عائدا من بلاد الشرق الأقصى واخذ يقص من أخبار هذه البلاد البعيدة ما اثر دهشة السامعين واستغرابهم .وكان سلطان فاس نفسه ممن أعجب بأحاديث ذلك الشيخ أمر احد كتابه أن يدون ما يملبه ذلك الرحالة العظيم من أخبار رحلته .
ولم يكن هذا الشيخ الذي عرف بابن بطوطة مجهولا إنما كان ينتمي إلى نسب شريف وعنصر كريم وقد تحلى بصفات رفعته إلى مراتب السمو والرفعة إذ ولد هذا الرحالة من أبوين كريمين في مدينة طنجة سنة ثلاث وسبع مائة هجرية ونشا في أسرته التي اشتهرت بدراسة العلوم الشرعية الإسلامية فتربى وترعرع في مهد ديني وسار على طريق أسرته حيث درس العلم الدينية واثقن فهمها كما تعلم الأدب وفنون الشعر وقد صقلته هذه التربية وجعلت منه رجلا تقيا ورعا محبا للعلماء طموحا إلى العلم محبا للا رتحال .
تفتحت مواهب محمد بن بطوطة حين كبر وأصبح شابا رشيدا في الثانية والعشرين من عمره إذ مالت نفسه إلى مغادرة بلاده والذهاب إلى بيت الله الحرام لأداء الفريضة ومشاهدة قبر الرسول الكريم .وجاء هذا العزم على الحج حدثا هاما في حياة محمد بن بطوطة دفعه إلى أن يبدأ حياة الارتحال والتجوال برحلات طويلة استغرقت من حياته ثمانية وعشرين عاما وشم لت بلاد الجزائر وتونس ومصر والشام والحجاز والقرم وروسيا وإيران والهند وجزر الهند الشرقية والصين وبعد عودته من آسيا زار الأندلس ثم السودان ووصف هذه الرحلات في كتاب سماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
وقد حوى كتابه هذا صورة عن الحالة الاجتماعية في بلاد العالم الإسلامي في عصره إذ خلت مشاهداته من التفصيل الجاف عن جغرافية البلاد التي زارها وجاءت صورة اجتماعية رائعة عن أحوال المسلمين ووصف الأشخاص الذين التقى بهم.
ومما يسر لابن بطوطة سبيل الارتحال والتنقل بين البلدان المختلفة إن طبيعة العالم الإسلامي على عهده كانت تتصف بالبساطة في العيش وشدة التقوى والصلاح وما يصاحبها من مظاهر تكفل للمسافر الطمأنينة والراحة فكان المسلمون في أنحاء الدولة الإسلامية يرحبون بإخوانهم الذاهبين إلى الحج ويعينون بالمال من يحتاج إليه ولذا كانت الطرق بين البلاد الإسلامية آهلة بالمسافرين إلى جانب قوافل التجار التي انتشرت بين هذه الأقطار.فسافر ابن بطوطة إلى حيث شاء مندمجا في ركب تجاري أو مع قافلة حجاج.
وكان ابن بطوطة يحمل بين جنبيه شخصية خفيفة الظل كريمة الطباع وكان متدينا غزير العلم فانفتحت له قلوب الناس وتمتع بثمار الإخوة الإسلامية التي سادت بلاد العالم الإسلامي حيث دلت روابط الدين واللغة والثقافة على أنها من أقوى العوامل القادرة على إبقاء التضامن بين البلاد الإسلامي
من مشاهير العالم الكاتب : احمد بوتزاط
----------------