جزء 6 المجاهد الأكبر
تمكن جلا لة الملك محمد الخامس بفضل وطنيته الصادقة وكفاحه المتواصل من تحقيق نتائج مهمة في مجال استكمال وحدة المغرب الترابية تاركا لخلفه جلالة الحسن الثاني مهمة استرجاع ما تبقى من الأراضي المغتصبة .
نلاحظ أن بعض القادة الفرنسيين بدؤوا يسلكون في المدة الأخيرة سياسة تبعد كثيرا عن الود والمجاملة ومن مظاهرها تعاون القوات الفرنسية الاسبانية في العمليات التي يقومون بها ضد رعايانا وفي مناطق تابعة لمملكتنا بشواهد التاريخ ورغبات السكان.ونحن نعلم ان أهل تلك الجهات يطلبون تحريرهم من السيطرة الاستعمارية وقد حجت إلينا وفودهم ..وعلى أي حال فان كل تسوية ديمقراطية لمشكل ة الصحراء ينبغي ان تكون موافقة لرغبات السكان ...لقد قلنا عدة مرات أن وجود الجيوش الأجنبية في بلادنا يتنافى مع استقلالنا ونحن لا نتصور أن تكون بلاد مستقلة وهي محتلة من طرف قوات أجنبية انه كلما أسرع بحل مشكلة هذه الجيوش ومشكلة الحدود عاد ذلك بالخير على الجميع ." تصريح جلالة الملك محمد الخامس لممثلي الصحف الإقليمية بفرنسا –انبعاث امة-"
تأسيس القوات المسلحة الملكية وفي إطار بناء الدولة المغربية بادر جلالة الملك محمد الخامس فور حصول المغرب على استقلاله إلى إنشاء جيش مغربي حتى يضمن للوطن دوام استقراره وكرامته ويصون مقدساته ويصل الحاضر المشرق بالماضي .كانت أولى أولويات عهد الاستقلال التعجيل بإنشاء جيش مغربي ولذلك اصدر جلالته في يوم 25 يونيو من سنة 1956ظهيرا شريفا ينيط بجلالته مهمة تأسيس الجيش ويجعل منه رئيس أركانه العامة و لم تمض إلا أشهر معدودة حتى اكتمل إعداد النواة الأولى للجيش الذي تشكل من الجنود المغاربة الذين كانوا منخرطين في الجيش الفرنسي والاسباني وقد بلغ عددهم آنذاك 25 ألف رجل بالإضافة إلى مجاهدي جيش التحرير الذين كانوا يشكلون ( 5000)خمسة ألف رجل.
إن إنشاء هذه النواة من الجيش تقيم لك الدليل أيها الشعب المغربي ولغيرك البرهان على أن التاريخ لا يخون أولئك الذين ظلوا أوفياء لمثلهم الوطنية السامية ووجوده أيضا يعينك على المحافظة على أمنك وامن عائلتك ورفاهية أحفادك وان التأثر الذي يخالج نفوسنا حينما تمر أمام أعيننا الراية المغربية وجنود الوحدات العسكرية ليبرهنان لنا جميعا على أن المغرب لم يفقد قط خلال تاريخه المجيد شيمته كأمة عظيمة .
حرس جلالته منذ اليوم الأول لتأسيس الجيش أن يكون مغربيا في جنده وأطره وإدارته وان يكون مسايرا للعصر بتنظيمه وتجهيزاته الحربية ولذلك أوفد جلالته بعثات من الجنود الطلاب إلى عدد من المعاهد الأجنبية الفرنسية والاسبانية ذات التخصصات المختلفة العالية في الهندسة الحربية والمدفعية وغيرها كمدرسة" سان سير" العسكرية بفرنسا التي التحق بها الفوج الأول من الطلاب الجنود .ومن جهة ثانية أسس جلالته عددا من المدارس والمعاهد العسكرية المتنوعة الاختصاصات من اجل العناية بالشؤون الحربية والاجتماعية للجنود المغاربة ومن ابرز هذه المدارس .المدرسة العسكرية بمكناس التي تم تحويلها فيما بعد إلى أكاديمية عسكرية ومدرسة القنيطرة ويفرن ومدرسة لتكوين ممرضات الصحة العسكرية بالرباط وتم إنشاء مركز للتدريب على إصلاح الأجهزة والعتاد الحربي كما فتح المركز العسكري الرياضي بعاصمة البلاد من اجل تدريب الجنود على أنواع مختلفة من الرياضات.
بعد سنوات مرت على تأسيس الجيش المغربي تحت قيادة مغربية صرفة صار الجيش على أهبة للعمل من جبال الريف إلى رمال طرفاية بعد التحسينات التي أدخلت على نظامه الداخلي فتم إنشاء سرية لمدافع الهون الثقيلة كما انشات كتيبة المدفعية الخفيفة من عيار 75 ملم ...وتم أيضا إنشاء كتيبة للمدفعية المضادة للجو وأعيد تنظيم تشكيلة الخيالة على أسس وحدات اخف وأكثر مرونة وانشات وحدة متنقلة تتوفر على قوة نارية هائلة وقادرة على مواجهة مختلف المهام وتسمى هذه الوحدة بالفرقة الخفيفة للأمن.كما أنشأت كتائب صحراوية تدافع عن الحدود وأصبح الجيش متوفرا على كتائب عديدة من العربات المصفحة الثقيلة ومن مجموعات متعددة مضادة للطائرات ومزودة بوسائل الحراسة بواسطة الرادار ...وتزود السرب الجوي برف من طائرات الإسناد ...مجهزة بمجموعة من الأسلحة المتناسقة الحديثة.
ساهم الجيش الملكي المغربي بأطره وجنوده والياته في إقامة عدة تجهيزات اقتصادية ومن بينها بناء طريق الوحدة بشمال المملكة حيث شارك في انجازها برجاله وأطبائه كما قام الجيش المغربي بدور فعال في تشييد القرى وغرس الأشجار وبناء السدود بعدد من جهات المملكة . وقام الجيش بمشروع اقتصادي هام في أنحاء تافيلالت حيث شيد المد اشر وتدارك ما كان متداعيا للسقوط...وحفر ألمطافي لادخار سيول الأمطار لسقي النخيل الذي كان على وشك البوار من جراء قلة المياه كما أسرع بإصلاح ما كان موجودا من وسائل الري وإنشاء ترع أخرى جديدة فأعاد الجيش الحياة والرفاهية والاستقرار إلى أماكن كانت قاحلة واستطاع أن يقضي على جانب محسوس من البطالة في هذه الناحية وشارك الجيش الملكي بتوجيه من جلالة الملك محمد الخامس في بناء المدارس بالحواضر والبوادي ونظم حملات لمحاربة الأمية وقد قام أيضا بجولات في البوادي لعرض أفلام التوعية والإرشاد كما تنازل عن عدد من ثكناته لتصبح مأوى لطلبة العلم كما حدث في فاس ومراكش .وكان الجيش الملكي خير سند للشعب في تجاوز ماسي الكوارث الطبيعية. فقد تدخل مرارا في سهل الغرب لانقاد السكان من أهوال الفيضان وتقديم الإسعاف والغذاء والخيام .وبذلك أعطى الجيش أروع الأمثلة في التضحية ونكران الذات عندما تحمل عمليات الاتقاد بمدينة اكادير بعد تعرضها للزلزال سنة 1961 .فرفع الأنقاض عن الأحياء ووفر العلاج للجرحى كما سهر على استتباب الأمن و حماية أملاك ضحايا الزلزال..
إن صبر الجندي المغربي وامتثاله للأوامر يعتبر من الصفات المثالية التي يحق للشعب المغربي أن يفتخر بها فقد شاهدت هؤلاء الرجال يعملون في أسوء الظروف تحت أشعة الشمس المحرقة والرياح تهب فتملا الجو الغبار وتخنق أنفاسهم وروائح التعفن تتصاعد من الجثث ولكن جنود القوات المسلحة الملكية وضباطهم لم يكونوا ليتخلوا عن واجبهم الوطني في انقاد الأرواح ورفع الأنقاض ومكافحة الأوبئة." كانت هذه شهادة لقائد المدرعة البريطانية في خليج اكادير- الجيش المغربي عبر التاريخ."
يتبع جزء 7 المجاهد الأكبر بقلم محارب قديم أحمد بوتزاط
-------------